مازال الجلّاد يترقّب البائسين ..
سعد الساعدي
في قصته القصيرة " شطط " أشار الاديب المغربي محمد عابيدي الى حالة إنسانية غاية في الأهمية سلّطت الضوء باطلالة جديدة على ظلم الأنسان لأخيه الانسان ، ظلم المتسلّط المقتدر بلا أدنى رأفة أو حياء أو خجل على من لا يملك الا روحه التي بين جنبيه .
يقول الكاتب في بعض قصته :
" كان يقوده الجلاد ، مقيّد المعصمين إلى الخلف ، مقوّس الظهر ، بعضٌ إلى بعض ، الأسمال بنواجذه وكأنّه كلبٌ يحمل الى سيده الطّريدة .. وكان الجلاد مزهوّاً بإنجازه كالأبطال وهو يركلُ وينهرُ أمام
الملأ .."
هذه الصورة الظلامية نشاهدها يومياً حين يكون الضحية شخص بريء ، تثبت براءته بعد أن يتبّدل جلده الف مرة من الانسلاخ بفضل السوط والغرف المظلمة عديمة التهوية والتبريد وفضل حرارة الصيف التي تصل فوق معدلاتها غالباً لتقترب اكثر من نصف درجة الغليان ، هذا بالنسبة للاجساد المعذبة أمّا بالنسبة للعقول الأسيرة فالكلام يختلف .
في بلدي " العراق " تفنن الظالمون بالوانهم
القاتمة ، لم تستطع سايكولوجية الموطن البسبط ان تتحمل صراعات نفسية مثيرة للجدل ، فتارة يصل خوف الاب من طفله الصغير أن يشي به أمام الجلاد - مهما كان ثوب هذا الجلاد - وتارة يخشى من جدران غرفته لعلها تسمع كلامه ، وأخرى خشيته من نفسه حين تحدّثه أو تناغيه ، وأخيراً خشيته من عذاب النار إن لم يذهب وينتخب قائداً جديداً " ضرورة " أو رمزاً لصورة .
ترك الجلاد سوطه أمام الملأ بالعلن ، إرتدى ثوب العفة والطهارة وحمل راية الثورة ضد الطغاة ، امّا وراء الكواليس فلبس ثوب الرذيلة وربط إحدى عينيه بقناع قرصان محترف همّه الوحيد الأغتراف من صناديق غنائمه الماجنة بالمجّان ومن هناك ينطلق جلادون جدد بملابس " شيك " صناعةٌ إيطالية بدلاتهم ذات الفتحتين بلحية " سكسوكة " كلحيتي البيضاء التي أدمتها السنين وضياع شهور طويلة في زنزانات الجلادين الماضين حيث تميّز أحدهم هناك وهو يجلدنا بإحدى ادوات تسليته ( صوندة غليظة ) اي انبوب مطاطي فارغ سميك يصدر صوتاً كقذيفة مدفع حين الانطلاق ولعل ذلك الأمر كان مقصوداً حتى تنهار الضحية بفزع وارتجاف يحط من نفسيتها ، كنّا نسمي آلة العذاب تلك بـ " أبو الـ ٥٦ " وهي اشارة لأحد أنواع المدافع المستعملة أيام الحرب العراقية الايرانية ، أمّا الان فقد استبدلت التسمية والمعنى فكلمة الرقم (٥٦) اصبحت تعني الان :
المخادع الكذاب ، السارق والمحتال المرواغ وما إكثرهم اليوم في بلادي .
كلّهم جلادون باشكال منوعة ، واقسى أنواع الجلد حين يكون الانسان تحت قلق الخوف من اقترافه السيئات وهو لا يعلم ، فما عليه اذن الا الأستعداد للبكاء كي يطّهر نفسه من الذنوب ويخضع من جديد لسوط جديد ، ولسان حاله يقول :
ما دمتُ متعلقاً بأملٍ ؛ فلا يهمني إن وضعت جلدي تحت السوط وإن تمزق من اللّهب فلابد هناك من مكافأة !!
نسيت أن اكمل ما قاله اديبنا المغربي في قصته
(شطط) وهو يتحدث عن شخص عجوز كان يمسك ثياباً رثة أسماها " أسمال " دلالة على حقارتها ، تم القاء القبض عليه فرب بيوت من صفيح ، وبعد إهانته وضربه المبرح جاءت عجوز شمطاء - هكذا وصفت - وأقرّت بما يلي :
( انا تخلصتُ منها حتى لا تذكّرني بالمرحوم ، فليهنأ بها ، ولتطبق أنت عدالتك على الضيعات والأرصدة الفاحشة والفيلات .... طأطأ الجلاد رأسه مدحوراً ..فكَّ قيد البريء مفزوعأ ، ثم انساب كأفعى تقاذفتها حجارة الناقمين ) ..
سعد الساعدي
في قصته القصيرة " شطط " أشار الاديب المغربي محمد عابيدي الى حالة إنسانية غاية في الأهمية سلّطت الضوء باطلالة جديدة على ظلم الأنسان لأخيه الانسان ، ظلم المتسلّط المقتدر بلا أدنى رأفة أو حياء أو خجل على من لا يملك الا روحه التي بين جنبيه .
يقول الكاتب في بعض قصته :
" كان يقوده الجلاد ، مقيّد المعصمين إلى الخلف ، مقوّس الظهر ، بعضٌ إلى بعض ، الأسمال بنواجذه وكأنّه كلبٌ يحمل الى سيده الطّريدة .. وكان الجلاد مزهوّاً بإنجازه كالأبطال وهو يركلُ وينهرُ أمام
الملأ .."
هذه الصورة الظلامية نشاهدها يومياً حين يكون الضحية شخص بريء ، تثبت براءته بعد أن يتبّدل جلده الف مرة من الانسلاخ بفضل السوط والغرف المظلمة عديمة التهوية والتبريد وفضل حرارة الصيف التي تصل فوق معدلاتها غالباً لتقترب اكثر من نصف درجة الغليان ، هذا بالنسبة للاجساد المعذبة أمّا بالنسبة للعقول الأسيرة فالكلام يختلف .
في بلدي " العراق " تفنن الظالمون بالوانهم
القاتمة ، لم تستطع سايكولوجية الموطن البسبط ان تتحمل صراعات نفسية مثيرة للجدل ، فتارة يصل خوف الاب من طفله الصغير أن يشي به أمام الجلاد - مهما كان ثوب هذا الجلاد - وتارة يخشى من جدران غرفته لعلها تسمع كلامه ، وأخرى خشيته من نفسه حين تحدّثه أو تناغيه ، وأخيراً خشيته من عذاب النار إن لم يذهب وينتخب قائداً جديداً " ضرورة " أو رمزاً لصورة .
ترك الجلاد سوطه أمام الملأ بالعلن ، إرتدى ثوب العفة والطهارة وحمل راية الثورة ضد الطغاة ، امّا وراء الكواليس فلبس ثوب الرذيلة وربط إحدى عينيه بقناع قرصان محترف همّه الوحيد الأغتراف من صناديق غنائمه الماجنة بالمجّان ومن هناك ينطلق جلادون جدد بملابس " شيك " صناعةٌ إيطالية بدلاتهم ذات الفتحتين بلحية " سكسوكة " كلحيتي البيضاء التي أدمتها السنين وضياع شهور طويلة في زنزانات الجلادين الماضين حيث تميّز أحدهم هناك وهو يجلدنا بإحدى ادوات تسليته ( صوندة غليظة ) اي انبوب مطاطي فارغ سميك يصدر صوتاً كقذيفة مدفع حين الانطلاق ولعل ذلك الأمر كان مقصوداً حتى تنهار الضحية بفزع وارتجاف يحط من نفسيتها ، كنّا نسمي آلة العذاب تلك بـ " أبو الـ ٥٦ " وهي اشارة لأحد أنواع المدافع المستعملة أيام الحرب العراقية الايرانية ، أمّا الان فقد استبدلت التسمية والمعنى فكلمة الرقم (٥٦) اصبحت تعني الان :
المخادع الكذاب ، السارق والمحتال المرواغ وما إكثرهم اليوم في بلادي .
كلّهم جلادون باشكال منوعة ، واقسى أنواع الجلد حين يكون الانسان تحت قلق الخوف من اقترافه السيئات وهو لا يعلم ، فما عليه اذن الا الأستعداد للبكاء كي يطّهر نفسه من الذنوب ويخضع من جديد لسوط جديد ، ولسان حاله يقول :
ما دمتُ متعلقاً بأملٍ ؛ فلا يهمني إن وضعت جلدي تحت السوط وإن تمزق من اللّهب فلابد هناك من مكافأة !!
نسيت أن اكمل ما قاله اديبنا المغربي في قصته
(شطط) وهو يتحدث عن شخص عجوز كان يمسك ثياباً رثة أسماها " أسمال " دلالة على حقارتها ، تم القاء القبض عليه فرب بيوت من صفيح ، وبعد إهانته وضربه المبرح جاءت عجوز شمطاء - هكذا وصفت - وأقرّت بما يلي :
( انا تخلصتُ منها حتى لا تذكّرني بالمرحوم ، فليهنأ بها ، ولتطبق أنت عدالتك على الضيعات والأرصدة الفاحشة والفيلات .... طأطأ الجلاد رأسه مدحوراً ..فكَّ قيد البريء مفزوعأ ، ثم انساب كأفعى تقاذفتها حجارة الناقمين ) ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق