الثلاثاء، 19 سبتمبر 2017

مقدمة ديوان / السياب يموت غداً / للأديب عبد الجبار الفياض // العراق / بقلم الاستاذ محمد حسن / مصر

كلمة مؤسسة الكَرْمَة
لعل أفلاطون , لو تمهل قليلا , وعرَّج على السياب يموت غدا , ربما لم يكن ليطرد الشعراء من جمهوريته , وربما كان عرف أن الشعراء الفلاسة , هم تماما عكس ما أورده كرستيان دوميه فى كتابه ( جنوح الفلاسفة الشعرى ) حينما أوضح سبب عداء أفلاطون للشعراء , وطردهم من جمهوريته فقال :
" لأنهم ( أي الشعراء ) ينحرفون بالفكر عن درب الحقيقة ، من خلال إخضاعه لإغراء الصور المضللة , ووسم الشعر بالعاطفة ، وذهب إلى اعتبار الفلسفة تقوم على«حب الحكمة»، فجعل الشعر بذلك نقيضا للفلسفة وعدوها اللدود بعد أن شن حملة هوجاء على الشعر "
ثم يقول :
" وهذا يعتبر أول تناقض ينشأ بين الشعر والفلسفة "
" وبذلت محاولات كثيرة لإعادة العلاقة بين الفلسفة والشعر من جديد " ( 1 )
ولو عدنا مرة أخرى إلى جمهورية أفلاطون وبعض تعريفاته للشعر ومنها :
" الشعر هنا هو أداة لتخدير الناس وتشويش وعيهم "
ثم تعمقنا فى " السياب يموت غدا " للشاعر العراقى المبحر فى الفلسفة , عبد الجبار الفياض , لعرفنا أن عبد الجبار الفياض لا يخدِّر الناس , ولا يشوِّش وَعْيَهم , بل إن النص عند عبد الجبار الفياض , نص محرِّض , وكاشف , ومنبه , ربما يضع الحجر الكبير فى طريق المتلقى , حتى يتدرب المتلقى على رفع هذا الحجر من طريق نفسه ..... لينطلق .
بل يضع عبد الجبار الفياض , نفسه سجين أيدولوجية معينة , ربما كان سابقا معتنقها , رغم الاختناق الذى يشعر به , بل ويشعرنا نحن أيضاً , أننا نختنق معه يقول :
آلامُ بروموثيوس
أيوبِ النّبيّ
فارتر
مثلثٌ
صارَ معي مُربّعاً مُغلقَ الجّهات
حدَّ الاختناق
تابوتاً
أودعتْهُ أنا
وآخرَ القصائد . . .
لستُ محسنَ السعدون
همنغواي
رصاصتي
لم أزلْ أحشو بها ثُقباً في رئتي . . .
أيُّ هذا الألم الذى يجعل الشاعر الفيلسوف يحشو ثقب رئته بالرصاصة ؟
هذا لا شك هو نفسه الألم , الذى يحيل عبد الجبار الفياض , إلى مُتَنبِّيءٍ ومُتَنَبَّيءٍ له ,
. . . . .
أنبأني راءٍ
أنَّ إخوةً يأكلونَ على بساطي
ما حرّمهُ اسرائيلُ على نفسه . . .
يزورونَ بيتي
كُوّتي الصغيرة
ألبسوها مِعطفَ ماكبث
أفرغوا عُلبَ المكياجِ على عذراواتِ الطّين
ينبشون الذّكرياتِ بسكينٍ صدئِة !
نعم تصدق رؤية الرائى , وسيأتى من يتمرد على الواقع , ويتجاوز التابوهات , ليؤمن بما قال الشاعر , وبما تنبأ به لهم وله , ويستخدمون بساطه , ويأكون ما حرم إسرائيل على نفسه , بل وسيكون بيته وجهتم فى لحظة تتكشف فيها الحقيقة ... حتى لو اضطروا إلى أن يلبسوا كوَّته الصغيرة معطف ماكبث ( السطلة والخيانة ) أو ربما كان هو ذاته وليام شكسبيرالذى يستوحى فكره وأبطاله , من القصر الملكى , بعد أن يلبسها , ملابس أخرى , ويعطيها رموزا غيرية .. فى ثوب لا مباشر , كي يضمن لهاالعرض على مسرح الحياة . ويفرغ إخوته علب المكياج على عذراوت الطين .. وينبشون , حتى لو كانت أدَاتُهم سكينا صدئة .
وبعد فإن بدر شاكر السياب فى عقيدة عبد الجبار الفياض لم يمت فى الرابع والعشرين من شهر أكتوبر سنة أربع وستين وتسعمائة وألف .. بل إن السياب سيموت غدا , وربما كان هذا الغد ممتدا وموغلا فى التاريخ الإنساني القادم .
.......
يسعدنا نحن مؤسسة الكرمة للتنمية الثقافية والاجتماعية فى عام النقد الأدبى يوليو 2017 م ــ يونيو 2018 م . .. أن نقدم للقاريء العربى هذا الكتاب المهم بنصوصه النثرية الكاشفة للشاعر العراقى / عبد الجبار الفياض , محاطا بعِقد من الفل , نسجته الكاتبة والناقدة السورية / عبير خالد يحيا .. فى تطبيق دقيق للنظرية الذ رائعية , التى أصَّل لها عربيا الكاتب والناقد العراقى / رزاق عودة الغالبى , ونعد القارىء الكريم بالدهشة والتأمل مرات ومرات .
( 1 ) جنوح الفلاسفة الشعرى للمؤلف كريستيان دوميه .. ترمجة ريتا خاطر صادر عن المنظمة العربية للترجمة .. الطبعة الأولى .
محمود حسن
رئيس مجلس الأمناء
عضو اتحاد كتاب مصر
القاهرة 15 سبتمير 2017 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق