الجمعة، 3 يونيو 2016

للزمن بقية / / الاستاذ / بلعوام مصطفى / المغرب

للزمن بقية....
//
بلعوام مصطفى
---
يأتي الصوت متراقصا في حشرجته :
- آلو ! آلو!
- ........
يتريث بعمر ابتلاع الريق وينط من جديد كأنه استجمع طاقات العمر:
- آلو! ..أعرف أنك مازلت غاضبا لكنني الآن أستطيع أن أجيبك..والله تيقن أن..
نبرة صوت حادة تقاطعها:
- عفوا!
تجيبه منفرجة:
- والله! حدسي لم يهزأ مني...كان ملزما أن تكون أنت وراء السماعة، حدسي كما تعرف لا يسقط من تحت أبدا!
يفرك عينيه مشدوها، إنها هي هي .. وبعفوية مكتسبة يأتي رده معنفا:
-أتعرفين كم هي الساعة الآن سيدتي!
تشلح المنديل الصغير من على رأسها فيتماوج شعرها الأسود الطويل منسدلا على مدى قامَتَها الفارعة. الصور تتقاذفها بدون هوادة . وعلامات الاستفهام تعبث برأسها الذي كلما يلسعه وخز غامض تنتابه رجة فتتدحرج الصور على الشعر الطويل مستقرة على تلك التي طردت النوم من عينيها آنذاك :
" وطني عيناك
وعيناي وطن
ميت
في 
قلبي
أنت أول الجهر
وآخر النبض...
دعي نيازك العمر
تتوسد في غفوة
أو موتة صغيرة
شعرك الأسود الجميل.."
- الو! آلو ! أتسمعني ؟
يجيبها بنوع من الاستفزاز:
- نعم سيدتي!
ترتسم بسمة نزقة على شفتيها، معاتبة:
- منذ متى كنت تأبه بالوقت؟
ولكأن الرد كان على شفة اللسان :
- منذ أن أغتسلت أول مرة في بحر طنجة وأصبح جسمي يتفصد ملحه..أنا الآن ذاكرة ...
تقاطعه قبل أن يسرقه الكلام وتفقده مرة أخرى :
-غريب! أنا كذلك أغتسلت به .لكن ذاكرتي عكس ماتقول تزداد متانة مع مرور الوقت..أتذكر ساحة ماريشال؟ والوردة الحمراء؟ أتذكر المسرح
البلدي..
صوت خافت يوشوش في أذنيه "ياه! بحر طنجة تغير كثيرا " :
- لا ياسيدتي! ما أشبه اليوم بالبارحة!
- أرجوك لاتناديني بسيدتي.. أتريد معاقبتي؟
- وهل لمعاقب أن يعاقب من لا عقاب له!
- أنت بالفعل مازلت غاضبا مني!
- بتاتا سيدتي ! الغضب ضعف وذاكرتي تزداد قوة بالنسيان!
" تأتيه أطياف أصوات من بعيد: 
- قولي كلمة واحدة
أيتها اللازمة حدودها
مجرد أربعة حروف
واختلس النار
وكل الورود الحمراء
في ساحة ماريشال ".
- والآن سيدتي! عماذا تستطيعين إجابتي ؟
- تيقن أنني جادة..الآن أدرك أنني كنت أحيك. تستجمع أنفاسها ثم تضيف كأن الارض توقفت عن الدوران:
- إني.. أحبك!
- ياه ! بعد عشرين سنة كاملة!
يحط الزمن على جنبات العمر ويبحث بعينيه المشتعلتين عن ذاكرة النوم..ثم يخرج الصوت بطيئا في حشرجته:
تصبحين على خير
وعلى وطن
ميت
في
قلبي!
تعود إلى سريرها وترقب الليل يمضي ببطء قاتل لعينيها المتعبتين.. كم هو الزمن غريب..هذه المرة سأواجهه وليكن ما يكون..
في أول الصباح، تدق على بابه..
ينسحب بطيئا على رجل وامرأة، يتراشقان وجها لوجه تجاعيد عمر حاتل في تقاسيمهما ونظراتهما خجلى تتحايل على ضيم فارق دعابة العتاب منذ زمن بعيد. واقفا يظل كحنين على بعد انفجار وواقفة تظل كحمرة تستغفل خدي امرأة في لحظة حلم.. 
وبغثة يسقط الزمن من عينيهما فتندفع قائلة بجرأة تواري تنامي قلقها :
- هل تريدني أن أسقط، رجلاي يتضرعان ..
تسترد ابتسامته توا شرود ذهنه فيجيبها مرحبا : 
- تفضلي ! لكم أنا عديم الذوق..وأرجوك أن تقبلي معذرتي.. وقائل قائل أني كنت في انتظارك !
انسابت حروف الكلمة الأخيرة إلى أحشائها حادة الوتر...
وجها لوجه
وقلب يتدلى على دفتر
بدون هوامش
ولا حلم
يمتص لهيب جمر .
إنه كان في الانتظار..وكأن مكالمة الهاتف البارحة كانت مجرد صوتين لشبحين مرا بدون أن يتركا بصماتهما. لم تفهم ولم تكن لها أية قابلية لأن تفهم ما يقع لها. ليس مهما، قالت، المهم أنني هنا..هنا.. أمامه.. هو.. لم نخن الزمن أبدا ! جالت بعينيها المثقلتيتن بالرماد في أجواء الصالون . وما إن همت باسترجاع نفسَها حتى داهمتها صورة واحدة بعثرت توازنها.. صورة وحيدة متجعدة الملامح وكلمات شاحبة الحروف على هامشها الأيسر :" التي لن تنساك أبدا !" اغرورقت عيناها ودقات قلبها أصابتها حمّى دفينة.. إنها هي.. عينان بمتسع الحلم وشعر أسود طويل أرق من همسات الليل..
"يقول :
- أحبك..
ترفرف ضكحاتها.. ترمي شعرها الطويل على عينيه وهي تدور حول نفسها في رقصة عاشقة..
يحاصرها بسؤاله المشاكس :
- أحبك.. أحبك.. أصمتك قبول أو رفض ؟ معاندة أو تدلل ؟
تأخذ صورتها وتكتب عليها: " التي لن تنساك أبدا !". تمدها إليه.. يأخذها متبادلين ابتسامات حالمة ثم يذهبان.."
وتدهب الشاشة الجميلة التي رمتها ماوراء الصورة على إثر صوته المداعب :
- بالتأكيد ! القهوة مازالت تعشق شفتيك.. تفضلي! 
قفزت من مكانها وشفتاها مضطربتان تتحسسان رائحة دخان القهوة المتلاشي في صعوده..كل شيء يتبخر، حتى خيوط الكلام في رأسها تتلاشى بعمر الشهقة . وبعد أن استرجعت بالكاد بعضا منها ردت عليه برفق مشوب بنوع من الاستطلاع :
- شكرًا ! أنت لم تنس(توقفت) وأتمنى ألا تسبب لك زيارتي إحراجا او إزعاجًا ! خصوصا وأنها جاءت.. 
عن عمد توقفت كي تقرأ ما قد توشي به عيناه، بدون جدوى. قال وكأنه لم يكن :
- أعتذر مرة أخرى عن هذا الاستقبال ! لو تعرفي كم أنا حزين منذ البارحة. لم يرحم الأرق عيني..ما كنت متوقعا رحيله بهذا الشكل..
ترك زفراته على رسلها ثم قال بعد أن استرجع نفسَه :
- ما علينا.. هل أنت بخير ؟
تشققت عيناها بحيرة مبهمة وتسارعت أسئلة متضاربة في رأسها لا تجد لها حبلا تنتظم به. ولكأن الزمن سقط ردهة واحدة.. ولكأن الذاكرة لا زمن لها، تعيش على الآني الذي في كل مرة يخلق زمنه كأنه ذاكرة بلا ذاكرة..
أجابته باقتضاب : 
- الحمد لله.. 
ثم أردفت حتى لا يجد الصمت مكانا له وتحرقها حسرة أسئلتها أكثر فأكثر : 
- وأنت ؟
هز كتفيه بلا مبالاة وخيم وجوم ثقيل مع قطرة طائشة في حواشي عينيه... وواقفا غمغم كما عادته عندما يكون الدمع على مقربة إعصار .. فتح النافذة وسحب قفصا كان معلقا على يسار جدرانها الخارجي ثم حطه على الطاولة برفق مبالغ فيه قائلا وأساريره تنط منها ابتسامة خفيفة :
- هذه سيدتي أميرتي..أميرة ! نعم اسمها أميرة.
الأميرة جالسة في القفص، لا يبدو أنها مكثرة بشيء ولاشيء فيها يتحرك . وما إن يمد يده من بين القضبان حتى تنتابها رجفة خاطفة.. تطلق جناحين يحملهما الإرهاق بمشقة ، تنطلق كسهم ضد التيار، تجر الريح مرغمة فتصطدم من غير توقع بقضبان حديدية صلبة المحاذاة وتسقط كالربيع الذي يبحث عن فصله وثورة نسيت ورود الخيبة. تعاود السقطة مرات عديدة إلى أن تستسلم وتستقر في الركن الأيمن الأعلى من القفص... 
كان يراقبها
وكانت تراقب عناد صوتها الذي تنكر لها..
وكان في كل سقطة، يعيد قلبه إلى موضعه حتى لا يطير كل شيء..
يلتفت قائلا بتنهد :
- لقد رحل...رحل البارحة.. لم يشتك من أي شيء ... زقزق، لعب بجناحيه ، أخذ قسطا من قبلاته ثم تهامسنا صبحيتنا على خير. رحل الأمير ولم يودعنا..رحل وكأنه أراد أن يقينا وجع الفراق. لم أصدق بتاتا عيني عندما وجدته منطرحا.. الأمراء لا يموتون، وهو مات بغثة إلى درجة أنني شككت في الأميرة ..
سكت متطلعا إلى السقف وأخذ يلتقط أنفاسه الشجية واحدة تلو الأخرى وبعدها انبرى وراء نبرة حزينة كأنه يخاطب الأمير : 
- الخوف يعصر أمعائي..أنا خائف على الأميرة، خائف من أن لا تتحمل الوحدة و الفراق..
وبصوت شجي هو الآخر قاطعته :
- لو عوضتها بأمير آخر ( مبتسمة) لربما ينسيك خوفك و ينسيها حبها..
وكأن وخزات إبر تكالبت على جسده، قفز مذعورا مختنق الصوت :
- الأمراء لا يعوّضون سيدتي، وإن عوضوا فهذا يعني أنهم كانوا أشباه أمراء .. بالطبع أنت لا تعرفي الأمير ولا الأميرة .. كانا لا يفترقان أبدا، يأكلان معاً، يُغنيان معاً، يستريحان معاً، يمرضان معا..يفعلان كل شيء معاً ...كل شيء معا ياسيدتي ! لعلها طينة الحمام مغايرة لطينة البشر.
توقف كما لو أنه تذكر شيئا ما..رمى ببصره الى تلك الصورة المتجعدة فوجد لسانه ينطلق سريعا: 
- كانت عيناها وردة صغيرة تتفتح على وطن يضخ شرايينه بالرحيق الأحمر ، كل شيء كان يبدو في متناول القلب..نردد، نهتف، نصرخ. تكوي الشهادة الحمراء حارات الحلم، تركب حماقاتنا دروب العمر. نعدو ونعدو ثم نعدو..آه كم كان شعرها الأسود الطويل لا يفارقني. أتوسده كلما تسلل إلي تعب الثورة الجميل ودق الوعد المرتقب على أبواب الاحتجاجات والمظاهرات..
" رحل الوطن
اصفرت عيناه كورقة
في وضح الخريف
وبات الحلم
يشتكي رويدا رويدا 
من وجع الرصيف."
أحست أن حصارا ما أخذ يطوق أسئلتها المتداعية في رأسها وصوت الشك في داخلها يزداد حدة : " كان مشاكسا وذو مواربة قاتلة تفقد الشخص ثقته بنفسه..لكن..إلى متى سيظل يتجاهلني كأنه يعرفني ولا يعرفني.."
وبدون تفكير، وجدت نفسها محمولة على التعقيب في شكل تأنيب :
- أنا لم أكن أعرف أنك تحب الحمام...وبهذا الشكل!
تابع كلامه وهو يشير إلى الصورة :
- الفتاة هناك.. كانت ذات حلم أميرتي ومازالت تعاتبني إلى حد الآن. كنت أقول لعينيها كلاما كثيرا وأنسى . وعندما سافرت ولم تودعني صرت أتذكر كل شيء.
- بالفعل أتذكر..! ياه ! على هذا الزمن الذي يمر بسرعة. 
أردفت مع تنهيدة طويلة لتحسسه بشيء ما يعتمل في دواخلها وينتظر جواز البوح..
رد عليها بكل ثقة :
- الزمن لا يمر. فلا تاريخ له غير أعمارنا التي تمر. لولا أجسادنا التي تتآكل لانه محكوم عليها أن تتآكل لما كان للزمن وجود على الإطلاق ..
- والحمام ؟
خرج استفهامها وديعا كأنه يغازل ذكرى بعيدة قريبة ؛
- ماذا به الحمام سيدتي ؟
على التو جاء توسلها حانقا:
- أرجوك لا تعيد كلمة سيدتي هاته.. ما بقلبي يكفيني ويزيد.. أنت لم تكن هكذا أبدا!
نظر إليها مستغربا وقال :
- لقد أصبحت حساسة جدا وفوق اللازم !
حيرتها تتضاعف، شكوكها تتناسل... ماذا تعني أصبحت ، رددت في نفسها، هل يعني منذ بداية الحديث معه أم منذ قديم..
ثم وشوشت كأنها تخاطب نفسها :
- أنا أعرف أنك كنت تحب الحمام وتتغزل به في أشعارك وكنت ذات حب حمامتك (تريثت ) أما زلت تكتب الشعر ؟
لم يتمالك نفسه فخرجت الضحكة طازجة قائلا :
- الشعر! منذ زماني أنا والكلمات لم تعد تخشاني وتفتح لي قلبها اللهم في نوباتي الصباحية..ثم ما الفائدة ؟ كل شيء يكتوي يوما ما بجمرة الغروب.. أميري ، كلماتي ولربما أيضا أميرتي .. 
رأت جمرة تتقد في عينيه بعد أن غشاهما سواد طفيف وأضافت :
- آه ! لكم هو غروب الجمرات غلاب !
ثم :
- وأنت غلاب الشعر والكلمات..
كاد أن يرميها بنظرة شزراء لكنه اكتفى بتعليق ساخر :
- بل قولي لكم هي البلادة لا زمن ولا وطن لها سيدتي ! هي وحدها قاهرة الشعر والكلمات.. والحب والحلم إن أحببت ..
أحست بامتعاض جوابه وحاولت تغيير الحديث بنكهة دعابة :
- ياه ! أنت كما كنت....اللهم بعض الشعيرات البيضاء التائهة التي تأخذ منك ما تستطيع.. يبدو أن الزمن لم يترك نصيبه. 
- ربما ! لكن أشياء أخرى أخدت أيضا نصيبها وتركتني..
" قلبي ذاكرتي
وذاكرتي عراء
تموت وتحيا
من هذا الرماد
المتيقظ
في عزاء.."
على الأقل إنه واضح بدون لف ولا دوران وكلامه محفوف بشحن حزن قاسية. خمنت مع نفسها وكادت أن تسأله لو لم يباغتها بسؤاله :
- أتريدين فنجان قهوة آخر ؟
لم ترد عليه، بل ازدادت حيرة من أمره . كيف يمكن له أن يتحول بشكل مذهل من حالة انخطاف مأساوية إلى حالة شبه عادية.
- بكل سرور. أجابت 
ثم أضافت في مسحة شاعرية :
- أحيانا أتمنى أن يأخذني دخان القهوة إلى حيث يمضي وأنسى عناقيد الخيبة المتدلية من عيني .
ضحك وقال منتشيا :
- أرجوك خذيني معك.. أنا جاهز ليس عندي ما أحمله سوى جسدي المؤجج بالانتظار(ثم تذكر)
وأميرتي..
ولكأن مسحة حب خفيفة مرت عليهما تاركة وراءها ابتسامة عريضة مرتسمة على وجهيهما. فتابعت محذرة :
- لا تقلها مرة ثانية .. أنا أيضا جاهزة ... وعلى استعداد لكل الحماقات وأكثر..
نظر إلى الأميرة ، وجدها مازالت في ركنها كحجرة صماء. خالجه شعور غريب لم يتبين طبيعته فتنهد بحزن ثم قال:
- لم أكن أعرف أن حماقتك أحمق من حماقتي
ردت عليه وهي تنظر إلى وجهه لترى وقع كلماتها:
- ليس عندي حمام ولا فرخ يشدني إليه..
تبسم و زفر زفرة طويلة :
- آه ! لو تعرفين..
- بلى! أعرف كل شيء..
- ما ذَا تعرفين ؟
- أعرف أنك والحمام حديث ذو شجون..
استملح تعيبرها وحدق في شعرها الأسود الطويل مليا كأن صورا موسيقية تتراقص بين عينيه.
- جميل تعبيرك هذا..أنت تتذكرين إذا..كان رأسي عامرا بالحمام وكانت أميرتي ذات الشعر الأسود الطويل تعتني به أكثر من أي شيء آخر.. كنت أكسر جاذبية الأرض المعذبة وأحلق طليقا في سماء الحلم.. ولكنني لا أعرف متى وكيف بدأ الحمام يسقط ميتا واحدا تلو الآخر..
صمت وخطف الشرود بريق عينيه.
تابعت :
- أتذكر كيف كُنتُم تصرخون " تسقط الحمامات، تحيا العمامات!"
- وسقط كل شَيْء ( عقب) ولولا الأمير والأميرة لكنت الآن في المصحة..رأسي كان قد أصبح جافا وفارغا..ولهذا اشتريتهما حتى يعوضاه حمامه..سقط حمام الاشتراكية، وسقطت كذلك عمامة الدعاة.. ومع ذلك نحب تعذيب أنفسنا بجهلنا..أتدرين ما الفرق بين الحالم والانتهازي؟
اندهشت لسؤاله فأشارت بالنفي.
أجاب :
- الحالم يأخد نصيبه من الانتهازية بعد الحلم والانتهازي قبل الحلم لكنهما معا يتحابان بكل ديموقراطية علي آرائك البرلمان..يخلقان دائماً عدوا وهميا لتحقيق مآربها..
رأت أن مسحة الحزن بدأت تكبر على وجهه فقالت:
- أنت تبالغ..لم تتغير ؟ ترى الشر في كل شيء..
أجاب بحدة : 
- نحن لا نستطيع ان نعيش بدون فبركة عَدُو على مقاس جهلنا .. نحن نحس ونستشهد بكل شيء وأي شيء كي نبرهن على أننا على حق والحق حق وإن كنّا على غي.. فلا بد من عدو يلهمنا غينا في الحق ..بالرغم من أن عدونا الأول والأخير هو نحن مع أنفسنا الأمارة بالجهل لكي تحقق مبتغاها. وجهلنا خصيب وواعد.. 
لاحظت أن عيناه بدأتا تحمران وكأن جمرة تتقد حينا وتخبو حينا آخر فلاذت بالصمت حتى يهدأ توتره ..
في هذه الأثناء، تسمع دقات على الباب و ظهور شخصين تدل حركاتهما على معرفتهما بالبيت: امرأة صغيرة الحجم ورجل ذو كتفين عريضين يرتديان بدلة بيضاء.
تقترب المرأة منها وتهمس إليها :
- هل أنت بخير ..
مستغربة ترد :
- بالطبع.. هل من مشكل ما ؟
تجيبها:
- البارحة لم يكن في حالة طبيعة.. لقد أخبرنا بموت " أميره "( قالت ذلك وهي تتظر إلى القفص) وبتلقيه لمهاتفة تليفونية أرعبته.. وكنا خائفيبكاء خارجة ترتاد سلم رائحة القهوة من بين الصور التي تتكاثف في رأسها قبل أن بجن الحمام... حتى الهوامش أضحت مثقلة بالغروب..ن أن يعود إلى نوباته ويذهب برنامجنا العلاجي سدى.. إنه يعاني من ثقوب في الذاكرة..وذاكرته أصبحت كجمرة على احتضار..
تقترب منه.. تحدق فيه وفي الأميرة التي لم تعد تتحرك بتاتا.. ينظر إليها حائرا ويسأل المرأة القصيرة ذات اللباس الأبيض :
- ومن تكون إذن هذم المرأة ؟
- .............
وتجهش بال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق