السبت، 4 يونيو 2016

انطباعات نقدية / بقلم الاستاذ صالح هشام / المغرب / ذات الرداء الابيض / للقاصة مهدية اماني

انطباعات نقدية :بقلم صالح هشام / الغرب 
( ذات الرداء الأبيض ) للقاصة مهدية أماني
_________________
أتشرف بإنجاز هذه الانطباعات النقدية حول نص( ذات الرداء الابيض.) للأستاذة مهدية أماني، وأتمنى أن تكون هذه الدراسة أرضية لتبادل الرأي في كل ما يتعلق بالنص السردي ، خصوصا القصة القصيرة ، وذلك لتكون الفائدة أعم وأشمل ونطلب السماح من الأستاذة مهدية التي اقتحمنا نصها دون سابق انذار● ……………………………………………………,……..
■ العنوان □□وظفت الأستاذة مهدية ، اللون الأبيض في عنوانها لخلق نوع من التساؤل في ذهن القاريء ،من ستكون هذه المرأة ذات الرداء الأبيض ؟! فاللون الأبيض كما هو متعارف عليه في القاموس الإنساني رمز للطهر والصفاء الذي لم تدنسه يد بشرية ،هذا اللون له قدسيته الخاصة وله مدلوله في التفكير البشري بصفة عامة •عندما نذكر هذا اللون نذكره بتفضيله وقدسيته عن باقي الألوان الأخرى . فيتخيل القاريء أن صاحبة هذا اللون لن تكون إلا ملاكا ،مجسدا لرمز الطهر والصفاء ، لكن سرعان ما تكسر الأستاذة هذا المفهوم فتصبح ذات الرداء الأبيض اسما على غير مسماه الطبيعي ،وكما سيتضح ستكشف من خلال هذا العنوان على تناقضات صارخة وخطيرة تعيشها المجتمعات العربية بصفة عامة والتي لا يعتبر فيها الإنسان ذا أهمية تذكر ،هناك إحالة من الكاتبة على صاحبة الرداء الابيض ، فالعنوان ورد معرفة : إنها ذلك الملاك المفعم بالرحمة ،الذي نقدم له أرواحنا على راحاتنا ونأمنه عليها ترى هل كانت في النص كذلك ؟!؟!
■ [مستويات السرد ]نلاحظ في هذا النص مستويين مختلفين من السرد هذا بطبيعة الحال من وجهة نظري الخاصة :
◇ المستوى الأول □□سردت لنا الأستاذة مهدية الأحداث وهي كساردة على حياد تام ، إذ لم تتدخل في مجريات هذه الأحداث ،فقامت بنقلها كمصورة فتوغرافية من بداية المخاض إلى استكانة الجنين في بطن أمه ،دون تدخل منها أو إعطاء رأيها الخاص،في كل ما تعرضت له هذه المرأة التي كانت تعاني من ألم مخاض الوضع ،فغاب صوتها كساردة لتفسح المجال لباقي الأبطال سواء أكانوا ثانويين أو رئيسين ،وهم الصارخات والطبيب والممرضة ○
◇ المستوى الثاني □□ سرعان ما تدخلت الساردة كناقدة للواقع المزري الذي تعيشه المستشفيات بصفة عامة ، ولم تقتصر على نقل حالته كما هي أي واصفة ، وإنما منتقدة ، ومحللة ،لواقع السياسة المتبعة في المجال الفلاحي والتي تقتصر على الاهتمام بالأشياء الإستهلاكية (فلولا الإستعمار لما كانت هنا شجرة ….)إضافة إلى الإهمال التام (أجمات توحي بأنها …..)هذه المستوصفات التي لا يساوي فيها الكائن البشري شيئا فالقطط أصبحت تعيش على الميشمات التي ترمى أينما اتفق وكأنها ليست جزء من الكائن البشري ،والأدهى من ذلك هذه المزابل التي تتواجد في أماكن جد حساسة ،فهناك حائط المستشفى ومقر محافظ المدينة ،ربما في كثير من النصوص القصصية يغيب صوت السارد ويفسح المجال للأبطال ،ولكن في هذا النص يحتفظ السارد بحيز منه للإدلاء برأيه في أشياء تحز في نفسه •
■ مستويات اللغة □□□العجيب في طريقة السرد عند القاصة مهدية أماني كما يلاحظه قراء نصوصها أنها تتميز بتقنية خاصة في توظيف اللغة :فلغتها سهلة بسيطة ولكنها عصية عن المباشرة ومتمنعة عن الابتدال ،قد لا تخلو سطورها من دلالات بلاغية عميقة وصور شعرية وشاعرية أخاذة . ونحن نتفق جميعا (إن لم أخطيء)ان الفنون السردية مثلها مثل الشعر لا بد أن يكسر الكاتب مستوى الحقيقة ، فالنص الذي يقول كل ما تنطوي عليه سطوره للوهلة الأولى ودون أن يكلف القارئ مجهودا لاعتصار الذهن لا يمكن اعتباره من النصوص الإبداعية في شيء فبلاغة الغموض في الفن السردي ضرورية لأنها بشكل أو بآخر تساهم في التكثيف ،وتستفز ذاكرة القاريء .أقول إن النص يكون منفتحا على تعددالقراءات والتأويلات . لأن هذا هو الذي يضمن له الاستمرارية وبالتالي يميزه عن النصوص الأخرى ،الصحفية أو المقالات. النص الإبداعي يستفزك ويجلبك لقراءته كما يجلب الرحيق النحل أو مصدر الحلاوة الخلية بأكملها.أعود للغة الأستاذة مهدية .فنلاحظ التقنية التي تعتمدها في إسناد الكلمات بعضها لبعض ،(تكتم صرخة جسدها ،،،،،ظنتها ملاكا ،،،،،)وقس على ذلك بالنسبة للنص ككل ،هذه توابل النص وملحه ،وهذه الصور الجميلة هي التي تشد القاريء ،لمتابعة أحداث النص ،،وصراحة إن الكثير من الذي يكتبون القصة يصرفهم انشغالهم بالحدث عن الاهتمام باللغة فيعتقدون أن توصيل أحداث النص للقاريء هو كتابة القصة ، وإهمال اللغة إهمال لفنية الكتابة بصفة عامة ، فالحدث متوفر وموجود سواء كان واقعيا او مجانسا للواقع ،يقع الاختلاف في طريقة التعبير عنه ،فينقله الانسان العادي بطريقته وينقله الصحفي وينقله القاص ، فتختلف طرق النقل بالنسبة للمتلقي وأفتح القوس وأقول ، ان الاختلاف يكون في طريقة تشكيل اللغة ،والتي جميع وحداتها تكون عبارة عن فوضى لغوية ، يتحكم المتكلم في تشكيلها ، وهذا هو بيت القصيد في اختلاف الأساليب وفق اختلاف الخلفيات الثقافية..وربما تكون وجهة نظري هذه مجانبة للصواب ولكن إن لم نتفق على الكل فقد نتفق على البعض مما سبق .ولا أريد هنا أن أخوض في في نوعية الجمل التي توظفها الأستاذة من حيث الطول والقصر أو الأفعال والأزمنة ، ففي ذلك كلام كثير ، على أي ،فإني اعتقد أننا نتفق على جمالية اللغة وروعتها في نصوص الاستاذة مهدية
■ [ المقومات الفتية ] أغلب نصوص الأستاذة مهدية ،يشخصها أبطال من الواقع المغربي ،خصوصا البيئة التي صقلت عود الكاتبة ورضعت من معينها ،فالأحداث عندما تقرؤها للوهلة الأولى تعتقد أنك أمام نقل مباشر للواقع المغربي ولكن بفنية خاصة تجعلك الأستاذة أمام أحداث مجانسة للواقع وإنما هذه الشخصيات والأحداث: عصارة لمجموعة من التجارب والتصرفات الإنسانية التي اختمرت في ذاكرة القاصة لتتفتق منها شخوص ذات طابع خاص موسوم بإبداع القاصة ،فالمبدع أكثر وفاء وإخلاصا لأبطاله فهم أبناؤه ،لكنهم ولدوا من الذاكرة التي عرفت المخاض أيضا ،وعانت من القلق ،تبتديء القاصة مع قارئها منذ أول كلمة وتسايره وتأخذ بخناقه ولا تترك له المجال للحركة حتى تفاجئه بخاتمة صادمة . البطلة في هذا النص لم تشعر بالإطمئنان في المستشفى الذي من المفروض أنه وجد لهذه الغاية ،وإنما تشعر به بين جدران بيتها وبين أحضان زوجها ،وهذا له دلالاته الخاصة التي تستوجب أكثر من قراءة ،لأنها وإن لم تفصح الكاتبة عن واقعية هذه الأحداث ،فإنها واقعية لا محالة وفي مستشفى من مستشفياتنا ،أو في حي من أحيائنا ،أو مدينة من مدننا ،هذه إذن فنية الكاتبة في تعاملها مع فن السرد بصفة عامة ،وأطلب المعذرة من أصدقائي القراء والكتاب والنقاد على هذا الاسهاب والتطويل الذي ربما فرضته طبيعة الموضوع ،وتحية احترام وتقدير للكاتبةوللجميع / صالح هشام
___________________________________________________________
ذاتُ الرّداء الأبْيض / قصة قصيرة 
بقلم الاستاذة : مهدية اماني 
ألم المخاض يمزّق أحْشاءها،نادت الممرّضة مرات قبل أن تستجيب لتوسّلاتها..كان الفحص مؤلما جافـّا ، ضمّت رجليْها تكتم صرخة جسدها المُختَرق ، تلقّت صفْعة عصفت بها
-اِفردي نفْسَك يا…
شتيمة أشدّ وقعا من اللّطم ، أعادت الضّم ونزلت من على طاولة الوضع تسْحب معها ماء المشيمة وحمرة دماء ،نظرت إلى من ظنّتها ملاكا وقالت في حزم :
-إياك أن تلْمسيني ..
جرّت نفسها إلى المكان المخصّص لها بصعوبة ، أقفلت عليها بالمفتاح ، هذه الغرفة التي لاتغطي تعاضدية عملها الإداري البسيط غير مصاريف ثلاثة أيام مخاض وولادة واسترجاع أنفاس من النفاس إن مرت الأمور بشكل طبيعي ، لم تنفع التهديدات ولا النداءات على الطبيب في جعلها تتراجع عن تمتْرُسها، بقي الحشد في ذهول، كفّت الصّارخات عن الصراخ وتوقفت من يجُبن الرّواق جئية وذهابا لتسريع الانقباضات..ويبدو أن الصّفعة قد تردّدت في أحشائها ووصلت إلى جنينها فانكمش على نفسه ، تدثر بالمشيمة وفضل أن يبقى متقوقعا في دفء برزخ الرّحم في انتظار ولادة جديدة ، مدد يديه الصغيرتين وتعلق بقناتي “فالوب “واستكان وسكن كل شيء ، لم تعد تحس بأي ألم ، أعادت فوهة الرحم انغلاقها وتوقف السيلان ، استلقت أيضا في وضعية الجنين تجتر الإهانة المريرة ، أخذتها شبه غفوة ، تأتيها الأصوات مغربلة من وراء الباب ، خطوات تمتص وقعها الأحذية الطبية ، صرير مفاتيح تحاول أن تزحزح المفتاح من خرم الباب ، همهمات وضرب على أكف بأكف
وحوقلات..تقوم مترنحة، تتمشي في الحيز الضيق للغرفة ..المشي يمتص غضبها وتوترها ويريحها في انتظار ما سيسفر عليه الوضع.. تهب نسمة من النافذة المطلة على شيء يشبه حديقة مشفى ، أشجار تناطح السماء لو لم يغرسها المستعمر لما تواجدت هناك ، كأننا نحن الشعب الفلاحي بامتياز لا نعرف غِراس سوى ما يحصد ولا إخضار إلا ما يوضع في “براريد “الشاي وفي القدور..وأجمات توحي بأنها تتواجد بغابة فلا تشذيب ولا تنظيم ، تجوبها قطط في حجم صغار النمور ، اكتسبت مَلاءة أجسامها من التهام المشيمات وبقايا الطعام الملقاة بدون اكثرات في مزبلة تحاذي الحائط الفاصل بين المستشفى ومقر محافظ المدينة، المكتسح تقريبا لكل الحي الإداري القديم في هذه المدينة العريقة التي أضحت غريقة الأزبال واللامباة وتحجر العقليات ،تبتسم من سخرية القدر ، ذلك الحائط يفصل ما بين جنة غناء يصلها عبق زهورها وروائها المنعش ، و بين جحيمٍ دورات مياهِه أنظفُ من قلوب من يمتلكون حياة أو
موت من يلجُونه بين أيديهم ، تخطر بذهنها فكرة تخطي هذا المربع الخشبى والخروج من الباب الخلفي فلا يبدو أن عليه حراسة فهو يؤدي إلى المطبخ .. لن تجازف، هناك ترتيبات إدارية لا بد منها ،إخلاء مسؤولية من “لا مسؤولية لهم” فخروجها من المشفى يلزمها وحدها وإجراءات متابعة الممرضة،حقها ولن تتنازل عنه،تقطع أفكارها طرقات خفيفة على الباب وصوت زوجها الحنون ،تأخذ نفسا عميقا وتفتح ،الطبيب الغاضب والممرضة ذاتها ممتقعة مرتجفة يقفان وراءه مباشرة ، لم تنظر إليهما ،تقطع تساؤلاته بأصبع وضعته على شفتيه 
– أحمد …خذني إلى البيت واستدع الدادة حليمة . 
القاصة مهدية اماني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق