(بائِسٌ يَندُبُ أُمَّه)
كانَ ذلِكَ في إبريل من عام 1980 وقد رُحتُ أضرِبُ في شوارِع الرَّمادي بالعراق في هزيعٍ متأخِّرٍ من الليل ، بعد أن ظللتُ أقرعُ بابَ الفندقِ الذي أودَعتُ فيه جواز السَّفَر محاولًا إيقاظَ راعِيه حتَّى استَحيَيتُ ، ووجدتُني لقًى على الطريق أمامَ جهامٍ يتَرَصَّدُالسائِحَ ويُمسِكُ بخناق النَّفس وسماءٍ تكادُ تُطبِقُ على الأرض ، لولا غمزات نجومها ، ولم يكُ بُدٌّ من التطوافِ حتّى يمتَعَ النَّهار ، في تَرَصُّد من سيَّارات الشُّرطة وتَجَهُّم المارَّة ، واسْتَشعَرتُ حينها مرارَة العجز ، وتلَبَّستُ حالَ البائِس اليتيم يضيعُ بعَوزِهِ في غمَّاء ذلك العالم الكبير والمُقَيَّد الراسِف يستشرِف الفكاكَ من القَيْد ، وبعدَ لأيٍ أطلَّ الصباحُ بوجهِه وفي جيبي قصيدَةً استعَنتُ بِدَندَنَةِ أبياتها على جهامَة الظُّلمَةِ ورتابَة السُّكون ، كانَ منها هذه النَّبضات :
نَجمَــــــةً يَـــا أُمُّ نَجمًــــا
قَــد رَمَـــقْـتُ الأنجُمَــــــا
غَاضَ مِنِّي البِشْرُ يَا أُمــ
ــمُ ولَـــم يَـجْفُ السَّـــــما
نامَ حَولي الكَـونُ يا أُمْـــ
ــمُ وَوَحْــــدي لَــــمْ أَنَـــمْ
أسْـأَلُ الظَّلْمَـاءَ عَنْ حِصْـ
ــني وأَسْتَجْـــدي العَــدَمْ
أَيْــــنَ يـــا أُمَّــــــاهُ وَجْـهٌ
مِنْــكِ يُــذري بـِالشَّـجَـنْ ؟
أَيْــنَ يَــــا أُمَّــــاهُ حضْنٌ
أتَّـقِي فِيــــهِ المِـــــحَـنْ ؟
مِنْ وَرَاءِ الدَّمْـعِ يا أُمْــ
ـــمَاهُ أسْتَجلِــي سَـنَــــاهْ
شَاكِــيًا مِنْ ظُلْـمَةِ الـدُّنْـ
ــيَــا وَمِنْ ظُلْـمِ الحَيَــــاهْ
كَيْــفَ صَاحَ البُؤْسُ فَظًّا
كُـــنْتُ لِلـبُــؤْسِ صَــدَى
لَــيْتَني كُــــنْتُ هَـــــبَاءً
لَــيْتَـني طَـوْعُ الــــرَّدَى
يُقْبِـــلُ العِيـــــدُ ونَوْحِـي
بَيْـــــنَ أَتْــرابِي وَحِيــدْ
لَهـوُهُــم لِـي مُـحْرِقٌ يَــا
أُمُّ والكَــــرْبُ شَــــدِيــدْ
كُلُّهُـــم قَـد زَفَّــــهُ لِلسَـــ
ــسَــــــــعْــــــدِ أُمٌّ وَأَبُ
وَاَنــا في العِيدِ يَـــا أُمْـــ
ـــمَــاهُ يُتْمِـــي مُـــذْنِـبُ
لَوعَتِي فِي القَلْبِ لا تَخــ
ـــبُـو وشَــــوْقِي دَائِـــــمُ
هَــــدَّ مِنِّي النَّأيُ نَعمَــا
ئِـي وَكَــــــرْبي قَائِــــمُ
آهِ يَـــا أُمَّــــاهُ يَـــا أُمْـــ
ـــمَـــاهُ يَـــــــا أُمَّــــاهُ آهْ
بَـاطِلٌ ذا العَـيْشُ جَهْـــمٌ
بَـاطِشٌ شَـــوكٌ جَنَـــــاهْ
أَشتَكِــي البَلـوَى وأبْكِــي
لَيْسَ مَنْ يَبْكِـــي مَعِـــي
تَضْحَكُ الدُّنيَـا وكَــــرْبي
عَــــاصِفٌ في أَضْلُـعِي
وَيَـرَاني النَّــاسُ لا يَكْــــ
ـــفِيهِـــــــمُ أنِّـــي فَقِيــــرْ
إِذْ بَلَــــوْا بَعْـــدَ اغْتِــناءٍ
فـــاقَةً كُـــــنْـتُ النَّذيــــرْ
كَــــمْ كَــــبِيرٍ مِنهُـمُ قَدْ
كــانَ بِالبَــطْشِ صَغيـرَا
يَجتَـــــوي نَفْـعِي وَيُلْــفِي
مَطْلَـــبي المَأوَى كَبيـــرا
وثَرِيٍّ غَــــلَّ عَنِّي الــ
ــمـالَ واسْتَحْلَــى دَمِــي
مُتْخَــمٍ دُوني وجُــوعِي
نَـــاخِــرٌ فِي أَعْـــظُمِـي
نَجْمَــةً يَــــا أُمُّ نَجْمًــــا
قَـــدْ رَمَــقْتُ الأَنْجُمَـــــا
غَاضَ مِنِّي البِِشْرُ يا أُمْـ
ــمُ ولَــــمْ يجْفُ السَّمَـــــا
فارِيَـــاتٌ هُـــنَّ يَــا أُمْــ
ـــمَــاهُ مَــــوْجَ الغَلَـــسِ
وَدُجَى الحَــــوْباءِ لا يُفْـ
ـــرَى بِضَـــوْءِ القَبَـــسِ
خَــاطِري يَـــا أُمُّ قَرحٌ
فِي حَشَى الصَّدْرِ خَطِير
أُبْصِرُ الكَــــوْ نَ فَيَــدجُو
في رُؤَى نَفسِي المُنيــرْ
أيْــــنَ أيَّــــامٌ تَقَـضَّــتْ
جَاهـلًا فيهَــا السُّمُـومْ ؟
غَابَ عَنْهَـا السُّهدُ وانْجَا
بَــــتْ شَقاوَاتُ الهُـمومْ
كُـنْتُ كَالعُصفُورِ أَلْهُــــو
مِــــنْ بسَــــــاطٍ لِـــفَنـَـنْ
غَافِلًا عَنْ نَكْـبَةِ الدُّ نْــ
ــيَـا وبَأسَـــــاءِ الزَّمَـــنْ
ارْجِـعِي يَــــا أُمُّ تَرْجِعْ
لِلدُّنـــــا رُوحُ الحُبُــورْ
طَيْفُــــكِ الخافِي رَجَائِي
فِيــــهِ بُرئِي لَــــو يَزُورْ
رَحْمَـةُ اللهِ لَــدَى ذا الــ
ــقَبْــرِ مِنْ بَيْـنِ القُبُــورْ
فِيـــــهِ مَنْجـاتي ورُكني
فِيـــهِ خَفْضِي والسُّـرورْ
لاعِجِي قَدْ هَاجَ يَا أُمْــ
ــمَاهُ والخَفْـــضُ رَقَــــدْ
مِنْ ضَبَابِ الدَّمْعِ أَرْنُو
غَيْــرَ غَافٍ مِنْ كَــــمَدْ
نَجمَـــةً يَـــــا أُمُّ نَجمًــا
قَـــدْ رَمَــقْتُ الأنْجُمَـــا
غَاضَ مِنِّي البِشْرُ يَا أُمـْ
ـــمُ ولَــمْ يَجفُ السَّـــما
(محمد رشاد محمو د)
كانَ ذلِكَ في إبريل من عام 1980 وقد رُحتُ أضرِبُ في شوارِع الرَّمادي بالعراق في هزيعٍ متأخِّرٍ من الليل ، بعد أن ظللتُ أقرعُ بابَ الفندقِ الذي أودَعتُ فيه جواز السَّفَر محاولًا إيقاظَ راعِيه حتَّى استَحيَيتُ ، ووجدتُني لقًى على الطريق أمامَ جهامٍ يتَرَصَّدُالسائِحَ ويُمسِكُ بخناق النَّفس وسماءٍ تكادُ تُطبِقُ على الأرض ، لولا غمزات نجومها ، ولم يكُ بُدٌّ من التطوافِ حتّى يمتَعَ النَّهار ، في تَرَصُّد من سيَّارات الشُّرطة وتَجَهُّم المارَّة ، واسْتَشعَرتُ حينها مرارَة العجز ، وتلَبَّستُ حالَ البائِس اليتيم يضيعُ بعَوزِهِ في غمَّاء ذلك العالم الكبير والمُقَيَّد الراسِف يستشرِف الفكاكَ من القَيْد ، وبعدَ لأيٍ أطلَّ الصباحُ بوجهِه وفي جيبي قصيدَةً استعَنتُ بِدَندَنَةِ أبياتها على جهامَة الظُّلمَةِ ورتابَة السُّكون ، كانَ منها هذه النَّبضات :
نَجمَــــــةً يَـــا أُمُّ نَجمًــــا
قَــد رَمَـــقْـتُ الأنجُمَــــــا
غَاضَ مِنِّي البِشْرُ يَا أُمــ
ــمُ ولَـــم يَـجْفُ السَّـــــما
نامَ حَولي الكَـونُ يا أُمْـــ
ــمُ وَوَحْــــدي لَــــمْ أَنَـــمْ
أسْـأَلُ الظَّلْمَـاءَ عَنْ حِصْـ
ــني وأَسْتَجْـــدي العَــدَمْ
أَيْــــنَ يـــا أُمَّــــــاهُ وَجْـهٌ
مِنْــكِ يُــذري بـِالشَّـجَـنْ ؟
أَيْــنَ يَــــا أُمَّــــاهُ حضْنٌ
أتَّـقِي فِيــــهِ المِـــــحَـنْ ؟
مِنْ وَرَاءِ الدَّمْـعِ يا أُمْــ
ـــمَاهُ أسْتَجلِــي سَـنَــــاهْ
شَاكِــيًا مِنْ ظُلْـمَةِ الـدُّنْـ
ــيَــا وَمِنْ ظُلْـمِ الحَيَــــاهْ
كَيْــفَ صَاحَ البُؤْسُ فَظًّا
كُـــنْتُ لِلـبُــؤْسِ صَــدَى
لَــيْتَني كُــــنْتُ هَـــــبَاءً
لَــيْتَـني طَـوْعُ الــــرَّدَى
يُقْبِـــلُ العِيـــــدُ ونَوْحِـي
بَيْـــــنَ أَتْــرابِي وَحِيــدْ
لَهـوُهُــم لِـي مُـحْرِقٌ يَــا
أُمُّ والكَــــرْبُ شَــــدِيــدْ
كُلُّهُـــم قَـد زَفَّــــهُ لِلسَـــ
ــسَــــــــعْــــــدِ أُمٌّ وَأَبُ
وَاَنــا في العِيدِ يَـــا أُمْـــ
ـــمَــاهُ يُتْمِـــي مُـــذْنِـبُ
لَوعَتِي فِي القَلْبِ لا تَخــ
ـــبُـو وشَــــوْقِي دَائِـــــمُ
هَــــدَّ مِنِّي النَّأيُ نَعمَــا
ئِـي وَكَــــــرْبي قَائِــــمُ
آهِ يَـــا أُمَّــــاهُ يَـــا أُمْـــ
ـــمَـــاهُ يَـــــــا أُمَّــــاهُ آهْ
بَـاطِلٌ ذا العَـيْشُ جَهْـــمٌ
بَـاطِشٌ شَـــوكٌ جَنَـــــاهْ
أَشتَكِــي البَلـوَى وأبْكِــي
لَيْسَ مَنْ يَبْكِـــي مَعِـــي
تَضْحَكُ الدُّنيَـا وكَــــرْبي
عَــــاصِفٌ في أَضْلُـعِي
وَيَـرَاني النَّــاسُ لا يَكْــــ
ـــفِيهِـــــــمُ أنِّـــي فَقِيــــرْ
إِذْ بَلَــــوْا بَعْـــدَ اغْتِــناءٍ
فـــاقَةً كُـــــنْـتُ النَّذيــــرْ
كَــــمْ كَــــبِيرٍ مِنهُـمُ قَدْ
كــانَ بِالبَــطْشِ صَغيـرَا
يَجتَـــــوي نَفْـعِي وَيُلْــفِي
مَطْلَـــبي المَأوَى كَبيـــرا
وثَرِيٍّ غَــــلَّ عَنِّي الــ
ــمـالَ واسْتَحْلَــى دَمِــي
مُتْخَــمٍ دُوني وجُــوعِي
نَـــاخِــرٌ فِي أَعْـــظُمِـي
نَجْمَــةً يَــــا أُمُّ نَجْمًــــا
قَـــدْ رَمَــقْتُ الأَنْجُمَـــــا
غَاضَ مِنِّي البِِشْرُ يا أُمْـ
ــمُ ولَــــمْ يجْفُ السَّمَـــــا
فارِيَـــاتٌ هُـــنَّ يَــا أُمْــ
ـــمَــاهُ مَــــوْجَ الغَلَـــسِ
وَدُجَى الحَــــوْباءِ لا يُفْـ
ـــرَى بِضَـــوْءِ القَبَـــسِ
خَــاطِري يَـــا أُمُّ قَرحٌ
فِي حَشَى الصَّدْرِ خَطِير
أُبْصِرُ الكَــــوْ نَ فَيَــدجُو
في رُؤَى نَفسِي المُنيــرْ
أيْــــنَ أيَّــــامٌ تَقَـضَّــتْ
جَاهـلًا فيهَــا السُّمُـومْ ؟
غَابَ عَنْهَـا السُّهدُ وانْجَا
بَــــتْ شَقاوَاتُ الهُـمومْ
كُـنْتُ كَالعُصفُورِ أَلْهُــــو
مِــــنْ بسَــــــاطٍ لِـــفَنـَـنْ
غَافِلًا عَنْ نَكْـبَةِ الدُّ نْــ
ــيَـا وبَأسَـــــاءِ الزَّمَـــنْ
ارْجِـعِي يَــــا أُمُّ تَرْجِعْ
لِلدُّنـــــا رُوحُ الحُبُــورْ
طَيْفُــــكِ الخافِي رَجَائِي
فِيــــهِ بُرئِي لَــــو يَزُورْ
رَحْمَـةُ اللهِ لَــدَى ذا الــ
ــقَبْــرِ مِنْ بَيْـنِ القُبُــورْ
فِيـــــهِ مَنْجـاتي ورُكني
فِيـــهِ خَفْضِي والسُّـرورْ
لاعِجِي قَدْ هَاجَ يَا أُمْــ
ــمَاهُ والخَفْـــضُ رَقَــــدْ
مِنْ ضَبَابِ الدَّمْعِ أَرْنُو
غَيْــرَ غَافٍ مِنْ كَــــمَدْ
نَجمَـــةً يَـــــا أُمُّ نَجمًــا
قَـــدْ رَمَــقْتُ الأنْجُمَـــا
غَاضَ مِنِّي البِشْرُ يَا أُمـْ
ـــمُ ولَــمْ يَجفُ السَّـــما
(محمد رشاد محمو د)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق