الخميس، 22 يونيو 2017

قراءة نقدية : بقلم الشمالي الشمالي / لقصة الوتد والبرنوس : للاستاذ صالح هشام // المغرب

قراءة نقدية : بقلم الأستاذة الشمالي الشمالي 
[الوتد والبرنوس ] بقلم الأستاذ صالح هشام 
المعالم كثيرة هنا قصة قصيرة متخمة بالتفاصيل الجميلة تشدالقاريء ليسمعها لآخرها سرد شعري يتغلغل بين المادة والمعنى يمزجهما بأسلوب ندي ببلاغة البيان بين الاستعارات والتشابيه والكناية فانتازيا رائعة !
هناك من قال بالعجائبية من الخيال مثل قصص ( ألف ليلة وليلة ) وهناك من قال بالعجائبي الواقعي مثل (إدمون بيكورد) أما ( تودوروف) فيقول بالعجائبي المطلق للأدب أي عام النظرة ، أما هذا النص فأخذ بطابع يماثل (إدجار ألان بو ) وقصص الرعب التي نال بها التميز .
هذا ماقيل عند أهل الأدب، أما عند أهل الحكمة وما أفقهه من تلك الديناميكيه التي يطلقون عليها (الغرائبية) فتطلق عندهم على ما يسمى التفريع البياني لا التفريع الأساسي، أي ما يعني أن هذه الصور ، هنا تمت دبلجتها كمثل الذي يضع مرآة للصورة ويعكس صورة الصورة فتتعدد الألوان والميل والإنعكاسات على نمط وضع المرآة عينها . 
لذا يسمونه بالتفريع البياني الذي نتج من الأساس لكنه ليس هو الأساس فتكون هنا المرآة سوداء، مايجعل الإنعكاسات مظلمة مرعبة طوال القصة لا ينبلج الصبح إلا بنهايتها !
العتبة : مويجات النهر / اسم : يعني هذا أنه ينقل هنا صورة والتقاطة من الذهن، أي مايثبت التفريع البياني .
الشكل العام للقصة أخذ نموذجا سينمائيا، ذلك لأنه تصويري مرئي إذ لو كانت العتبة بالفعل لقلت أنه مسرح ولكنها صورة ، أخذت بنائها بالحوارية الأحاجية والبريختية الغرائبية مايعني أنه مثل الفيلم الذي نشاهده بالتلفاز نقل مرئي .
الأفعال التي تحرك بها بالنص كانت أفعالا مضارعة الشيء الذي جعل الحركة سريعة مثل العنوان ، كانت الكلمة الأولى قصيرة تنم على السرعة والغضب تستطيع أن تشتم هذا الغضب بين الكلمات هنا ومن ذلك قوله مثلا : تتكسر ، تتشظى ، تتعلق ، يترك ، يضع الخ.... 
أتى بالحوارية على النحو الداخلي والخارجي، فنقل الأول وفق المونولوج والثاني مع أهل القرية !
الرؤية الفلسفية : أخذ هذا النص أبعادا ثلاثية إذ نقل الصورة بازدواجية و بصورة الماهية بالنسبة للوجود تارة من حيث هو ، وتارة من حيث مجتمعه أي مايطلقون عليه الانتربيولوجيا وهي وجود الإنسان ومفاهيمه الذاتية من حيث كونها الكاتب هنا من خلال المونولوج ، وأخرى أتى بالإنثربيولوجيا الإجتماعية وكان هذا من ناحية نقل الكاتب لصورة الأعرج مع أهل القرية ! لكن الصورة هنا كانت مظلمة تماما كما قدمها بالليل ، وتبدو المرآة بميل من عطل بالجهة اليسرى ما جعل الصورة التي تقدمت بالإنثربيولوجيا ماكرة : أي استخدم الأعرج المكر لينال مراده لكن الرائع في ذلك : انتقاءه للجهة اليسرى إذ تعرف أن الذي ينظر من الجهة اليسرى كاذب ، ودائما المنطقة اليسرى محل الخداع بلغة اليد أو القدم ، ليس المعنى الذي يكون سجية شمالي باستخدام اليسرى ، إنما الحركات المكتسبة الذي يترجمها الجهاز العصبي للإنسان عادة ماتكون كاذبة أو مخادعة و هذا كان حصيلة مفهومي للأعرج ، لعل الكاتب أراد به مغزى آخر على مايبدو ربما هي سمة لشكل القصور الذي يتعنت عليه التحصيل إذ هناك قوله تعالى : أن الأعرج لا حرج عليه، ولكنه هنا فسر أن يكون أعرج، إذ وضع هذه العاهة كعقاب لجريمة سرقة ورؤيتها العرفية أن الأعرج لايأخذ منه قول / الأمر الآخر إخبارهم للحقيقة ليلا، ماجعل لهم غمامة الوهم كمن ذاك الذي يظل الطريق في الظلام أي أن القوم استعجلوا الحكم بالاستخبار ليلا فذا يظلل القوم أي مثل عندنا بالشرع إن استهلوا فلا يأخذون ، برأي واحد إلا أن يحكم بالأغلبية فكانت طريقتهم للحكم والإستدلال خاطئة من الأساس وجعلهم هذا عرضة للوهم . 
الطابع الثالث : وهو خروجهم من المعقول إلى الموهوم أي 
مايجعل بالوهم ، تسقط العلل وتثبت دون أدلة بحجة أنها خرقت الطبيعة فلم يأخذوا بالأسباب في النهاية !
يشبه حالنا بالأمة هنا ، كان التشكيك لهم ومع الظلمة التي خدمت أهدافهم جعلت الحيلة سارية بأن يجوعوا وأنها قوة خارقة فوق معقولهم ولم يأخذوا بالأسباب .
الايقاع الموسيقي : 
النص بوليفوني أي تتعدد فيه الأصوات فهي كثيرة جدا ذلك لأنه أتى بالعنوان كلمة قصيرة وهذا يشير إلى أنه يرمز لعالم الدنيا عالم المادة : أي حس منبثق من النفس لذا ترى هنا الشك والحيرة والمكر والحيلة ، و كلها سجايا النفس ولأنه عالم الدنيا فهو له صفة التعدد والأجسام والمثال والكثرة والمراءاة الخ ... فهذا مايثير الضجة هنا بتلك الأصوات صوت (تقرمش الديدان وتكسر ونقطه فاصلة الهرولة) والمويجات كلها أصوات بين صاخبة وهادئة فهو بآلة دائرية من بدايته مويجات والبوابة ابتدأها بعد ال التعريف بالواو مايعني أنها برسم الدائرة مثل الميم والواو 
قوله هناك حبات حبة حبة بصوت نقطة فاصلة بصوت خشخشة فهي تلك التي نمسكها باليد (تخشخش) آلة يدوية قديمة بها حبات صغيرة من الخرز مثل التي نستعملها للصغار للعب تماما هذا ما أراه بالصوت والإيقاع .
الشكل الهندسي :
لازلت لا أراه بوضوح بسبب وجود الماء الصورة ندية فهي تجعل الصورة أمامي لينة متحركة أحتاج لوقت لأراها بوضوح !
أما وضع الكاميرا ( آلة التصوير ) برؤيتي أنها من الأعلى موجهة لأنه يرى الأسفل مباشرة قوله بالنهر والأعواد تتكسر الخ ..تلك رؤية الأرض ثم قال بأسراب الطيور أي لايمكن أن يضع الكاميرات باتجاهين متقابلين من له فن بالتصوير سيعرف هذا الأمر .إذ يكون منطلقا لكل زاوية معينة لكنه أعطى هنا الصورة كليه فهو يسلطها بالأعلى ليرى كل الواجهة أمامه !
أظن أن الشكل هنا دائري لكنه قسمه إلى قوسين أي فصل القوس العلوي من السفلي لذا جاء العنوان بازدواجية بفصلهما بالباء إن كانت دائرية فهي تناسب هذا النص لأن قوله بالوتد ابتدأ بالواو وهو بداية القوس بالصعود ثم أتى بالقوس الثاني البرنوس كلمة ممدودة بالواو أيضا أي امتداد للقوس الثاني للأسفل كذا تكافأ مع معاني النص من حيث كان الأعرج وأهل القرية ثم قوله بانعكاس القمر ثم تلك الحيرة التي كان بها القوم هي تشير سيكلوجيا إلى الدائرة أي دوامة الفكر الذي لايجد حلا لمشكلته وكذا الأعرج كان بداية في دوامة فكرية ، محتارا بأرضه لقوت عا ئلته فالشكل هنا دائري !
لا أعرف لما انتابني شعور أنه يقصد الدنيا والآخرة قوله بالعواقب وقوله بالبرنوس اي ما يخفي الراسي أي ملبوس التبست عليهم الدنيا هنا وكان صوت السين في الأخير صاخب مايشير إلى نهاية السلم الموسيقي وبالعنوان كذا الكلمة القصيرة الأولى الدنيا والبرنوس تنتهي بالسين لعله بين نهايتين وتقسيمه للدائرة بالقوسين واستحضاره الحوارين الداخلي والخارجي : أي ماخفي عنهم وما ظهرلهم والتقابلات كثيرة بين الرطب واليابس وبين الليل والصبح وبين الحقيقة والشك والوهم والظن والصدق والمكر كثيرة هي التقابلات لا أعرف لها البعد الثالث الذي رأيته وخلفته عندي هذه المعالم التي ذكرتها !
لقلمكم الفاخر كل التقدير وإكليل الرياحين شكرا لكم استمتعت بالقراءةهنا وأخذت بجعبتي الكثير مما أهتم به لغايتي دام تألقكم وبالتوفيق ! 
كل عام وأنتم بخير!
---------------------------------------------
الوتد والبرنوس:قصة قصيرة 
بقلم الاستاذ ٠٠٠صالح هشام !
مويجات النهرواهنة ، تتكسر ،عند مخرج الترعة ،تتشظى على كتل الوحل اليابسة ، يجرى الماء ثقيلا ، بطيئا ، مملا ، أشعة بنفسجية حارقة تمتص منه الرطوبة ٠٠ ،يصيب مصارينه اجتفاف مميت ، تتشقق شفاه تنبت في وجوه صفراء مجعدة ،تترهل البطون ، تشكو من الجوع، ترتخي حبال الصراصير الصوتية : تعزف عن العزف ،تقرمش الشمس الديدان والحشرات ، تهاجر أسراب الطيور نحو الشمال : 
جاف هذا العام ،يجلد جلودا قمحية باهتة ، يضمر الضرع ، يصفر الزرع ، تختنق حبيبات الحمص في أغشيتها ، جفاف مميت ، قاتل ،ما عرفوا مثله منذ سنين !
يمصمص الأعرج فاهه ،يمعن في المصمصة ،يتلمظ سقف حنكه يتذكر ،أنه نسي طقم أسنانه في الترعة قرب الناعورة ، يهرول بإيقاع موسيقي مرتب : 
نقطة٠٠ فاصلة٠٠نقطة٠٠ فاصلة ٠٠نقطة ٠٠فاصلة ! 
يمعن في الهرولة ، تتسارع خطواته : 
حبة فوق ٠٠حبة تحت ٠٠حبة فوق ٠٠ حبة تحت٠٠!
إيقاع يطربه ،ينتشي به ، فيبالغ في الهرولة !
ساقه اليمنى تتحمل كل ثقل جسده : تلوح عروقها نافرة منتفخة خضراء ، يشكو دوما من ألم داء الملوك ٠
ساقه اليسرى قصيرة ، لا تكاد تلامس رمال النهر: 
تبدو نحيلة مترهلة تحت الركبة ، لذلك يعرف بينهم :
بالأعرج /الأعسر !
يسند ظهره سار خشبي قديم : دعامة ناعورة مهجورة عند مصب النهر ، كانت توزع دلاء الماء دلوا دلوا بالعدل بين الحقول في زمن مضى ! 
يلصق رأسه بالسماء ، كالمصلوب ،تكاد رقبته تكسر، تطارد نظراته الزائغة سحبا مندوفة ،تعبر الفراغ دون أن تتوقف، تتلاشى تماما، وعيناه باهتان تدوران في محجريهما ،تغشاهما حمرة حنق ويأس : 
- يا ربي ! الوحل يكتم أنفاس نهرك ، أعشابك تيبس يوما بعد يوم ، الخف والظلف ينفق ، أسراب الغربان تنعق في أمعاء أولادي الخاوية ٠ كل شيء يشي بمحنة قادمة ! رحمتك يا رب ! اسق بهيمتك ، أرو أرضك العطشى ، فقد طفح الكيل!
فجأة توشوش له يرقة جشعة من يرقات تفكيره :
-يا أعرج ماء نهر ميت ، موحل ، لن يروي غيرعطش حقلك ،فالماء ماؤك وحدك ، خذه بمكرك ، بشطارتك ،لن تكون سارقا :هذه سرقة غائبة عن عقول هؤلاء الحمقى الصدئة !
لكن كيف ؟ أ أفقد ساقي اليمنى أيضا ؟فسرقة الماء من النهر ، كلفتني في مامضي بقرة حمراء كبيرة عقابا لي ،وبضع سنتيمات من ساقي اليسرى : هوى علي أحد مجانين هذه القرية الملعونة بساطوره فأفلت من الموت بأعجوبة ! و هذه المرة ستنكسر الجرة ، هؤلاء البلداء لن يكتفوا ببقرة حمراء ، فقد يحكمون برجمي حتى الموت ،فيضيع حقلي ويموت نسلي جوعا في مكان الشؤم هذا ٠٠ 
- اسق حقلك ليلا و نهارا ،امسح تلافيف مخك، من الصدأ و اخترع أي حيلة ، إنك صاحب حيل يا أعرج ! 
يترك ساري الناعورة ، يضع قدميه في الما ء ،تعلق بهما حبيبات زبد خجول ،تتشظى فقاعات قزحية ، تنفجر و تتلاشى ، وتجف !
يتف ، يتأفف ، ينفت غضبه على هذا النهر الذي أصابه العقم ، يرميه بالحجر، يسحق تحت قدميه بقايا أصداف قذفها موجه ذات خروج عن السرير ٠
يحشر قدميه في النعل ، يقفل عائدا و في نفسه ، و في نفسه ، ما تبقى من أنفاس النهر المتقطعة ٠ يجب أن يقهر الجوع ويطرده من بيته، ويعيد البسمة لأبنائه الجياع !
ثمة حشود من القرويين : يتحلقون حول نارباهتة يراودها النعاس من حين لآخر ، يوقظها أحدهم بعود يابس ٠ 
يسلم الأعرج ، يبوس ظاهر اليد والراحة بأدب مفتعل ، يقعى أمامهم كالكلب :
-خيرا يا جماعة الخير،ألا تشركوني همومكم ؟ ألست منكم ؟فقد يوجد في البر ما لا يوجد في البحر يا ناس ؟ 
- يا أعرج !يشغلنا توزيع ما تبقى من لعاب هذا النهرالميت ، فالحقول تكاد تختنق ،نريد تخفيف حر عطش الأرض التي تحترق ،نفد الماء و لم يعد يتجاوزمخرج الترعة ! 
-النهر ؟ حكايته حكاية ! أخافه حتى الموت ،وأحترمه ، منذ رأيت أمرا عجيبا٠٠ غريبا، سمعته فقط في خرافات الأجداد ،ما رأيته لن يتصوره عقل عاقل يا جماعة !
- يقترب منه أحدهم يكاد يلامس حبة أذنه : 
-لقد شوقتنا وأخفتنا يا أعرج !ماذا رأيت هناك بالله عليك ؟
يتف الأعرج ،يبصق هنا، هناك،تنفلت من متاهات خيشومه كلمات مبهمة تخرج مع زفيره : 
- هه ! آثار أظلاف كبيرة مرسومة على رمال هذا النهر ، لا هي للإبل ، ولاهي للمعاعز ولاهي للأبقار : إنها أشبه بأظلاف فيلة كبيرة ، أو آثار أسراب من النعام ، والله يعلم لمن تكون !
يقهقه آخر ساخرا ، يكاد يستلقي على قفاه : 
- يا بليد ، يا معتوه ! أي خبر سيأتيك به هذا الأعرج غير النكد والنحس ، ألم يقل أجدادنا :(لا يقرع ولا يعرج إلا البلاء السلط ) ! فهل رأيتم في أرضنا فيلة أو نعاما ؟
يتبادلون وشوشات الحيرة والاستغراب :
- هذه خرافات قديمة ،أكذوبة من أكاذيبك المعهودة يا أعرج !
-يا جماعة ،إذا لم تصدقوني ، فالترعة تأتيكم بالخبر اليقين !
مسح كبيرهم على شاربيه المعقوفتين وصاح فيهم : 
- من منكم يأتينا بخبرهذه الأظلاف الغريبة ؟ 
لكن كيف يتبث لنا وصوله الى الترعة في هذا الليل ؟
تنفرج شفتا الأعرج عن ابتسامة عريضة ماكرة :
- الأمر بسيط ، يدق وتدا هناك قرب الترعة ، فيكون حجته ، والصباح يفضح أسرارالليل، وتتأكدون من صدق نيتي وحسن طويتي ،فمن منكم يفعلها يا جماعة ؟
يقوم أحدهم معروف بمغامراته الليلية ، يلف جسده في برنوسه الأسود ، يقصد الترعة ،في يده اليمنى وتد وفي اليسرى مطرقة ، ويبتلعه الظلام تحت التصفيقات !
يتسلل بحذر شديد ، وخشخشة الأعشاب اليابسة تحت قدميه تشده شدا ، يراوده خوف ورعب ،قرب الترعة ، يدق الوتد ، تردد ضفاف النهر صدى طقطقة المطرقة ممزوجا بنقيق متعب ، ورفرفة أجنحة تائهة في متاهات العتمة ،ينفلت منه قلبه ،يتحول جهة اليمين ،تصبح دقاته واضحة مسموعة ، بين كتفيه دلدل منفوش الأشواك ، يتصبب منه العرق باردا ، يقاوم خوفه من وحشة المكان ، يتذكر الجماعة تنتظره ، يستمر في دق الوتد ، يتحسسه في الظلام ، يكاد يختفي في الأرض !
يحمدل و يهم بتقصي حقيقة الأظلاف الغريبة على ضوء القمر ، يشعر بشيء ما يشده من تلابيبه ، يحاول الإفلات : يصرخ ، يستغيث ، تضيع صرخاته بين سويقات السمار تحف امتداد النهر ،يمعن ذلك الشيء ، في شده بقوة، يتعثر ،يسقط، يتخلص من برنوسه ، ويفلت من مصيدته الملعونة ، يسابق الريح ، يعانق الفراغ الموحش : يعدو ،يعدو،يعدو، تتساوى أمام قدميه كل الأشياء : حجرها وشجرها ،يسمع لهاثه من بعيد !
- اتركوه يا قوم يلتقط أنفاسه ، ويحكي لنا ما شاهد قرب هذه الترعة !
يبتلع ريقه بصعوبة ،يلملم حروفه ، تتشظى على المسامع: 
-يا جماعة !صدق الأعرج هذه المرة ،شيء ما شدني إليه، قاومته بكل قوتي ، تمكن مني و سرق مني برنوسي الأسود ، وإذا لم تصدقوني فالترعة أمامكم ، لتقفوا على صدق الأعرج وصحة كلامي !
في حيرة يشوبها خوف شديد، يتبادلون النظرات يصيح
كبيرهم بصوت لا يخلو من ريبة وشك :
-ما رأيكم يا جماعة ؟ عندما يلامس ضوء الفجر المكان ، نقصده جميعا ، أما الآن فإلى بيوتكم ، فالمغامرة تحت جنح الليل غير محسوبة العواقب ! 
تنبسط أسارير الأعرج ، ويشجع هذا الرأي بحماس زائد :
- عين العقل يا جماعة ! ملوك العالم السفلي يلوذون بمعازلهم الخفية قبل بزوغ الطلائع الأولى للنور ، ولا داعي للتسرع !
تتوارى الجماعة خلف ستائر الليل ، تبتلع البيوت الطينية أنفارها ،يحملون في أذهانهم ألف صورة وسؤال لما سمعوا ! 
يعرج الأعرج على الترعة ، يتفحص المكان ، تحت ضوء القمر المنعكس على صفحة ماء النهر ، يغوص في نوبة ضحك أحمق ، هستيرية :
- يا للعجب ! يا له من جبان أرعن ،الوتد مدقوق في الطرف الأسفل من البرنوس ،لم يكن ذلك الشيء إلا هذا البرنوس الجميل ،الذي يليق فقط بي وبأمثالي !
يحرره من الوتد ، يفتح الترعة ، يوجه الماء إلى حقله ، ترتوي سنابله حتى التخمة ، يعيد إغلاقها من جديد !
قبيل انبلاج الفجر ، يقصد القريون الترعة ، يبحثون عن الوتد والبرنوس وآثار الأظلاف الغريبة :
-لا وتد ولا برنوس ،يا جماعة ، صدق الأعرج هذه المرة !
يتملكهم هاجس ملوك العالم السفلي ، يعدون أنفسهم بأن لا يقربوا النهر ليلا ، أن يحترموا اسرار سكانه!
تصفو الأجواء للأعرج ، يستحوذ على ماء النهر ،يروي حقله ليلا ،و نهارا !
تصفرسنابل حقول القرية وتذبل ٠٠ تخضرسنابل حقل الأعرج وتينع ، يتساءلون عن السبب ،تأكلهم الحيرة ، يتداولون في أمرهم :
- الأعرج تقي ٠٠ ورع ٠٠ رجل بركات٠٠ صاحب معجزات ! 
الثلاثاء ٢٤يناير٢٠١٧
صالح هشام / المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق