الخميس، 22 يونيو 2017

قراءة نقدية : للاستاذ صالح هشام / المغرب .. قصيدة مونولوج داخلي // للشاعر جاسم آل حمد الجياشي // العراق

جميل الشكر والثناء للاستاذ القاص والناقد صالح هشام من المغرب الشقيق وهذه القراءة العلمية الرائعة لنص ( مونولوج داخلي ) وتحياتي كبيرة لهذا الجهد وله شخصياً .
قراءة نقدية :صالح هشام /المغرب ٠
قصيدة [مونولوج داخلي ] للشاعر ٠
جاسم آل حمد الجياشي //العراق !
قد تنفصم عرى التواصل بين المتلقي الواقعي والشاعر الذي يطمح دوما الى إسماعه شيئا ما يغلي في نفسه ، والجهربحفيف صهاراته البركانية من ألم يدمي نفسه المتخمة بجراح واقع آسن ، يتعمد عدم السماع ،فتنزف هذه الصهارات من قلب شاعر أبى إلا أن يحمل هموم الآخرين ، و أن يحترق شمعة ليضيء عتمات نفوس ترفضه وتسميه كذابا بحرقة السؤال والبحث عن الجواب !
يبحث عن شريك يقاسمه الأمل وفي الألم و يشاركه في الحوار والتحاور ،هذا الشريك الذي لن يكون في أحسن الاحوال إلا افتراضيا من صنع ذاكرته يخرجه من عزلته ،هذا المتلقي والمحاور الافتراضي الذي لن يتهمه بالغواية والكذب ولا بالجنون ،فهو في أمس الحاجة إلى من يحاوره عندما تصم الآذان ، وتعمى الأبصار ،ولا تؤخذ هذه الصهارة التي تنز دما مأخذ تأمل و تحملها محمل جد ، في زمن تنقطع فيه أواصر التواصل مع عالم الواقع ، هذا العالم المسربل باللامباة وبالعبثية ، إذ يختل ميزان التكافؤ بين قلب محروق و النفوس العابثة اللامبالية ، انفصام عرى التواصل بين الذات والاخر ، فلا يكون هذا المحاور الافتراضي إلا صنيع عبقرية الشاعر ، ليبته شكواه ألما وأملا ، سعادة وتعاسة ، وكأنه يبحث من خلاله عن هذا الثقب / ثقب خلاص هذه الحمم البركانية التي تغلي في نفسه وتفور كسديم مصهور في فوهة بركان ، يتسارع لتفريغ تلك الشحنة من المشاعر المتناقضة التي تحمل في طياتها هم الذات و قلق وطن يتشظي بين أيدي جناة/زناة عابثين ، مزيج من المشاعر التي تبحث عن مخرج لتجتاح مدى القاريء ٠٠٠مدى واقع غافل أو متغافل ،مدى هذا الآخر الذي يعيث في كل مصادر الحياة فسادا ٠٠مدى الإبداع القلق ، هموم يحمل وزرها ويتحملها ، فكان من الضروري وجود هذا الطرف الثاني ولو كان افتراضيا ،أو وهما في لعبة بوح مهموم ، ولن يكون هذا الطرف إلا مشاركا في الفعل والانفعال وفي التأثر والتأثير ، جزء من نفسية مقهورة لشاعر مقهور! 
ضمير متكلم دال على الجماعة (نا ) وهذا يعني أن هناك مؤنس في وحشة الوحدة ، في ضياع نفس ضائعة في عالم ضائع ، ضمير متكلم يشي بأن الشاعر ليس وحده في حلكة المحنة النفسية ، فهذا امرؤ القيس في عز انفعاله العاطفي ووهج الذكرى وجذوة الوجد يقاسم هذا المرافق لواعج العشق الضائع في متاهات الذكرى وطيات زمن هارب، كان يوما ما وماعاد :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ٠
بسقط اللوى بين الدخول فحومل ! 
توظيف هذا ( الضمير /نا ) : 
في أولى مداعبات 
الشمس لخديَ /.. التقينا 
عدونا /.. فعدونا معا 
يشي برغبة الشاعر ، في خلق محاور -انعدم وجوده على أرض الواقع - للتخلص من نذوب وحشة وحدة قاتلة ،وهو خاصية من خصائص جماليات هذا المنولوج الشعري الرائع : محاورة موجود غير موجود إطلاقا ، لأن وجوده لا يتجاوز جدار قريحة الشاعر الشعرية وحدود نفسه الحائرة في عالم ضياع حائر ، عالم تساوت فيه ألوان قوس قزح ، و هذه الحيرة لم ترق حال شاعر باحث عن بصيص أمل في بحر من يأس ، يقول الجياشي : 
إِلامَ ياظلُ ؟
نبقَ مأخوذين برائحة
التفاح وصوت قطرات 
المطر ؟!
فيستنكر هذا العدو وراء سراب أمل أشبه بماء بين أصابع قبضة واهنة ضعيفة ، لا تقبض إلا على الفراغ ، فلا تقوى على استمرارية حال كهذا حال مأزوم ، مهموم ، فلا روائح تفاح فاحت ولا قطرات مطر أطربت المسامع ، حلم يتكسر ويتشظى على صخرة يأس قاتل وأمل ضبابي في غد مبهم مجهول ،أمل يومض ويخبو فلا يستقر على حال ،فهذه أصوات قطرات مطر مدرار تبشر بغد أفضل مشبع بالخصب والشبع حتى التخمة ، و هذه روائح تفاح تزهو و يزهو بها ذوق قتلته روائح الدم المنتشرة هنا وهناك وفي كل مكان ، فترتسم إشراقة جميلة رائعة في ذاكرة تكاد تخنق على محراب اليأس ، هذه صرخة قاتمة صادرة من نفس شاعرة مرهفة الإحساس ، ملت انتظار انبلاج فجر جديد ، هذا الفجر الذي طال انتظاره وقد يأتي أو لا يأتي : 
إلام ياظل ؟
نبق مأخوذين برائحة .
التفاح وصوت قطرات .
المطر ؟! 
( إلام ياظل ٠٠٠ إلى متى نبقى مأخوذين٠٠٠ ) مشدودين طوعا أو كرها إلى هذا الذي قد يأتي أو لا يأتي ٠٠٠ إلى متى نظل متمسكين بفراغ الفراغ، قابضين على حفنة ماء بين أصابع واهنة لا تقوى على فعل شيء ، جرعة أمل مفقود وألم تعمق الجراح في نفس مجروحة أصلا، مشاعر يقتسمها الشاعر مع هذا المحاور/ الظل ، الذي لا هو بمطية امريء القيس ، ولا هو بمحبوبة جميل بن معمر ، فالشاعر يقاسم هذه الشحنات العاطفية المتأججة ، رمزا اختاره وربما من طبقات رسوبية من التفكير الإنساني ، اختار الظل ، وهو الأقرب إليه من أي محاورآخر فهو الأقرب إليه في الحركات والسكنات ،إنه ظله والذي هو في حد ذاته يكاد يكون أحجية ، يولد ، يتحرك ، يصغر ، يكبر ، خصائصه تختلف عن خصائص أي محاور آخر ، فهو رمز للغموض وسر من أسرار الموت ، كما ذأبت على توظيفه الذاكرة الجمعية على مر العصور والأزمنة عندما كان الإنسان يحلم لأنه لم يكن يعلم ، و هذا توظيف ليس اعتباطيا ،بل توظيف للدلالة على أن الامر أكبر بكثير مما يمكن أن يتصوره عقل عاقل ، و ربما هو في نظر الشاعر الأقدر على استيعاب شطحات قلقه وهذيانه الذي يعتصر نفسه ، فما عاد يحتمل هذا السيل الجارف من الأمل الذي لن يتحقق في حلم باهت يسبح في أعماق بحر يأس جاف ، لكن هل فرج هذا المحاور/ الظل ، كربة الشاعر ، هذا الرديف للأخطار ، و أسرار متاهات سرية يقول :
أيهذا الظل ألا تشقى ؟
إني شقيت من الدخان
المتسربلً
في شوارع المدن الملقاة 
على قارعة الحزن 
عارية تبحث 
عمن خطف عذريتها 
عويل نخيلها يؤرق 
حلمي !
أنين الزهور النازفة نذورها
في طرقات
العدم !!
هل خفف هذا الظل من وطأة هذا القلق، الذي جعل الشاعر حبة درة على صفيح ساخن ؟ أم أن بوحه المهموم ستذروه الرياح في فراغ قاتل ويستمر الحال على الحال نفسه ؟هل قاسمه جذوة شقائه المشتعلة في نفسه ، ما أظن ذلك كان ! فالشاعر يشعر بأنه يعيش في دوامة شقائه وحده ، فلا هذا ولا ذاك كتم عويل النخيل الذي يقض مضجع حلمه ، ولا ضمد نزيف جرح الزهر المغتال ، المشنوق على أرصفة طرقات العدم ، فحتى هذا الظل ربما أبى أن يتحمل قسطا من معاناة الشاعر ، فنراه يستنكر عليه عدم شعوره بشقائه، فلا أحد خفف عليه شيئا من ذلك:
أيهذا الظل ألا تشقى ؟
إني شقيت من الدخان
المتسربل٠٠٠٠٠٠
ويستمر الشاعر في التعبير عن هكذا قلق ينساب نزيف جروح تأبى أن تندمل ، عبر هذه التساؤلات الاستنكارية التي يختل فيها التوازن بين الذات القلقة ، و الآخر، فهذا الظل ، لا يشقى ولا يصيبه ما يصيب الشاعر من ألم وشقاء، فكيف يحصل هذا التكافؤ بين المتحاورين ؟
وما الظل إلا هذا المجهول الذي يرمز إلى عالم عجيب غريب : عالم ظلام ، وأموات وأرواح تروح برواح الشمس ، شمس العدل ، شمس الحرية ، شمس لا تسطع في تلك الضمائر الميتة ، هذه الشمس التي راحت فأغرقت المدن في متاهات دخان امتص الحجر والشجر والبشر ، وقضى على كل مظاهر الجمال في الحياة من زهور ونخلات يانعات باسقات ، فما أنت يا ظل ؟ فمن أنت ياهذا الظل ؟ كيف لك أن تشاركني شقائي ،وما أنت إلا أرض غربة ، ظل أرض توجس منها القدماء وحيكت حولها الأساطير عبر مختلف العصور ، فها أنت تروح ، عندما تروح الشمس وتروح معك الأرواح ،فيحل ظل أكثر دماسة وظلام أكثر حلكة٠
يجد الشاعر نفسه في حالة نفسية أكثر غموضا ٠٠ في شطحة تجتمع فيها كل متناقضات النفس ، وتكبر فيه غيمة القلق ويكبر فيها ، فيتغلف هذا الواقع ، بيأس قاتل ، في كل إشراقة شمس يتجدد الأمل،و في كل قطرة مطر تسقي بهيمة وتروي زرعا ،فيضع يده في يد ظله فيعدوان وراء أحلام هلامية ، زجاجية ، قزحية الألوان ،لكنها أحلام مترهلة حبلى وما هي حبلى ، وما هي إلا عقم عقيم في عقم مستمر ، يقول الشاعر:
في أولى مداعبات 
الشمس لخديَ /.. التقينا 
عدونا /.. فعدونا معاَ
حتى ..
أنحنى الظَهرُ 
بفرط أعباءَ 
ما حملنا /.. من أحلامٍ ترهلتْ 
حتى بدت /.. حبلى 
وهي عقيم .!
ونجد الشاعريركز في هذه القصيدة الرائعة على هذا الحلم الباهت المشوب بشيء من مرارة واقع عفن ، متخن بالجراح ،واقع مدمر ، يدمر كل ما هو جميل ، إن هي إلا رقصة حلم على أشلاء هكذا واقع متسربل بالنجيع والدخان ، الذي استوطن الأرض والعرض، وغذا أغنية تتمنع عن الشذو يقول الشاعر:
رائحة /.. دم الأرض 
والخدرُ المستوطن
باشلاءها 
ووجه الله 
المنحور على أرصفتها !
وفي خضم هذا الصراع النفسي الداخلي ، يظل الشاعر حائرا في البحث عن كشف حقيقة يتساوى فيها القتل ومتعة قطف الزهرة ، معبرا عن هذا التيه والهذيان في هذه المعزوفة الشعرية الرائعة ، إذيخلص إلى أن لا وجود لخط الفصل بين القاتل والقاطف ،إذ كلاهما يتساويان في التدمير الممنهج للإنسان وأسباب الشعور بالجمال في هذا العالم الذي فقد لذة الشعور بالجمال ، فكلاهما سيان ، فما القاطف إلا قاتل أناني وما المقطوف إلا مقتول ، إنها عبثية عالم تمكن منه الحمق حد الجنون ، فلا قصة حب بدون طقوس رقصة حرب ، يقول الشاعر : 
وأمل الكشف عن 
خط الفصل 
بين/.. قاطف الزهر
وقاتل الانسان 
الأمر سيان هنا
فبعد كل قصة حبٍ
أرويها لكَ /.. ياظلُ
هناكَ /.. طقسٌ 
لرقصة حرب !
يقام في مدني 
أفأدعوك
هذا الصراع الداخلي الذي يستعر ويغلي في نفس الشاعر صراع بين الأمل والألم واليأس بين الظلام والنور بين الليل والنهار، صراع في أبهى تجليات جدلية المتناقضات ، في هذا المونولوج والمحاورة للظل ،الذي لا يعدو أن يكون إلا رمزا لكل مبهم غائم ، ويتضح ذلك جليا من خلال هذه الأمثلة التي تناولت بالقراءة من القصيدة الرائعة التي حملها الشاعر كل هموم الإنسان العربي المقهور في وطنه المقهور، في هذا العصر الذي ينوء بكل أنواع الهزائم الموشومة على جبين أمة فقدت البوصلة وضاعت في متاهات الانكسارات ، وإن كان الصواب أن تقرأ القصيدة كوحدة متكاملة لا مجزأة لكن التمثيل مسألة ضرورية وإن كانت الإحاطة بكل ما ورد فيها من معان ودلالات وايحالات ورموزمسألة فيها بعض الصعوبات ، لذلك ارتأيت أن أكتفي بما ذكر في هذه القراءة التي أرى شخصيا أنها تبقى قاصرة أمام هذا الزخم من الانفعالات والعواطف الجياشة للشاعر الجياشي !
مونولوج /.. داخلي 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ جاسم آل حمد الجياشي
في أولى مداعبات 
الشمس لخديَ /.. التقينا 
عدونا /.. فعدونا معاَ
حتى ..
أنحنى الظَهرُ 
بفرط أعباءَ 
ما حملنا /.. من أحلامٍ ترهلتْ 
حتى بدت /.. حبلى 
وهي عقيم .!
أيهذا الظل ألا تشقى ؟
إني شقيت من الدخان
المتسربلً
في شوارع المدن الملقاة 
على قارعة الحزن 
عارية تبحث 
عمن خطف عذريتها 
عويل نخيلها يؤرق 
حلمي !
أنين الزهور النازفة نذورها
في طرقات
العدم !!
أسمعهُ .. أسمعهُ 
أ
...س 
........م
..........ع 
...............هُ
باتَ أغنيةً 
تفوح من فم خيمتها
عذراً ياظلُ 
تفوح من فمِ /.. خيبتها 
الواثبة النهد !
رائحة /.. دم الأرض 
والخدرُ المستوطن
باشلاءها 
ووجه الله 
المنحور على أرصفتها !
إِلامَ ياظلُ ؟
نبقَ مأخوذين برائحة
التفاح وصوت قطرات 
المطر ؟!
وأمل الكشف عن 
خط الفصل 
بين/.. قاطف الزهر
وقاتل الانسان 
الأمر سيان هنا
فبعد كل قصة حبٍ
أرويها لكَ /.. ياظلُ
هناكَ /.. طقسٌ 
لرقصة حرب !
يقام في مدني 
أفأدعوكَ ؟ 
ياهذا على كأس 
يثملنا فلا نعلم 
بما يجري 
يندلق الخراب من فمه 
ووشاية ممشوقة
تفتنكَ !
فأني /.. فتنت 
كثيراً /.. وما زلتُ !
أفلا ترحل /.. عذراً 
ياظلُ /.. وهذا 
السهو أنا أرحل !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق