الاثنين، 26 يونيو 2017

زهرة عباد الشمس / قصة قصيرة : بقلم الاديب الاستاذ صالح هشام / المغرب

زهرة عباد الشمس// قصة قصيرة !
بقلم الأستاذ :صالح هشام / المغرب!
في خفر العروس : تلصق عينها بالأرض ،تقتفي شعاع الشمس الذهبي ،يتكسر على السفوح والروابي ، تتلاشى الخيوط وراء الشفق الأحمر البعيد ، تكتئب زهرة الزهرات ، تبتئس ، تشحب ،تنكمش حزينة ،و تتكوم على نفسها ، تنتظر قدوما جديدا بلا غيوم !
يحز في نفسك حالها والمآل ٠ تلفظ ذاكرتك حمم أسئلة تتطاير، تتحجر، حائرة على شفتيك ،تتشظى حكمة العصور التي تسري فيك : 
- ما سر هذه الزهرة العجيبة ، الغريبة ؟
تقتحم مغارة سحرية ساحرة ، تبحر في متاهات مكتبة الموتى ، تطلب معرفة سرها : تدوس الجماجم : جماجم، ضخمة ،مسطحة ،مفلطحة ، كبيرة لعاد وثمود والعماليق ٠٠ أخرى صغيرة كحبات الرمان لأبلد بلداء تاريخ البشرية ! جماجم لا تفيدك في شيء !
تتيه بين أكوامها متراصة كحبيبات العنب في عناقيدها، تبغي كشف سرها ومستورها ، تتيه في سراديب أرشيفات ذاكرة ماض قديم : 
- زهرة ، عشاقة ، تتمسك بسراب عشق مستحيل ،معشوقها وهم قاتل :
رقص على الضباب ، فراغ في فراغ :
"أبولو "إله الشمس بعربته يجرها جياده الأربعة يمخر مساحات سماء لامتناهية ،يسابق الفراغ ، يظهر ويختفي وتضيع أحلام "المسكينة" العاشقة ، في ربوع الأرض لا السماء : 
كل يوم يغيب "أبولو " في المغيب ٠٠
تذبل وتروح بصمت في نوبة نحيب ٠٠ 
كل يوم يخترق متاهات فراغ الفراغ ! 
بين أوراقها تخبو نار الصرع والصراع !
زهرة خجولة ، بائسة لم تيأس ، تقتفي أثر "أبولو " كل يوم من مشرق الشمس إلى مغربها طيلة الزمن ! 
زهرة رائعة ليس لها خلاص من الإخلاص !
عينها كبيرة سوداء ، ترى كل شيء ، وحدك تحس بها و تراها: تقتات من ضفائر الشمس الذهبية !
تتيه في مكتبة الموتى ، تمارس إحياء هذه الجماجم القديمة :علك تختلس منها سرا من أسرار زهرة الزهرات، زهرة عباد الشمس ، ملكة الألوان ، وظل الشمس الأبدي ،عبادتها أبد الدهر اتحاد وحلول صوفي!
زهرتك ماثلة أمامك ، يا فيلسوف الأسرار! تتعرف عليها عن كثب ، تتملى بسوالفها الصفراء الذهبية ،تغوص في بحر أسرارها ، أسرارها سر وحدك تعرفه فما تراه عينك ليس كما تحكيه لك متاهات الماضي،والكتب الصفراء الباهتة ! 
اترك جماجم الموتى ، تنعم بالسلم و السلام، واحترس فقد تكون ضحية تكمل المائة من ضحايا شظايا جمجمة الشنفرى الصعلوك ! 
آه ٠٠٠أنت بليد مخبول!
آه ٠٠٠أنت أبله مهبول !
أنت لا تحسن السؤال!
هؤلاء أموات ماض هارب ، لكنهم سيخبرونك عنها : 
- زهرة عباد الشمس : ناسك بدون محراب ولا صومعة !
عين" حورس " فقدها في إحدى معاركه مع "ست" هذه عين حورس ،فأين هي خصية" ست "هذا ؟ أخبرك هؤلاء بأنه هو أيضا فقد خصيتة؟
كانت معركة متكافئة :خصية بعين ! 
بوصلة معتوهة معطلة ،لا تغير مسار الشمس ، تمتص من ضو ئها الحياة وتتمسك بها تمسك طفل بحلمة أمه ، أينما تحل وترتحل ، وتميل حيث تميل!
وأنت مسلوب الإرادة ، تتملى بجمال زهرتك ، تتلمظ روائحها الزكية : 
- ز٠٠٠ز٠٠٠٠زز٠٠زز٠٠٠ززز٠٠٠ززز٠٠٠٠زززز ٠٠٠! 
كأزيز حوامة قديمة ، يخترق الأزيز تلافيف دماغك ، تمتصه طبلة أذنك المثقوبة ، يقترب منك ، يتضح شيئا فشيئا تتبينه يصبح واضحا مسموعا :
أزيز ذبابة كبيرة خضراء ، مستكرشة ، قادمة من بين سطور معلقة عنترة العبسي : قزحية العينين ، زجاجية الجناحين ،سوداء البطن كخافية غراب أسحم ، مركبة ترسو فوق أسود بؤبؤ عين "حورس" ، ذكية محنكة ، تعشق التأنق و التألق ، تحب الأمن والأمان ، تكره فساد أنظمة فاسدة تعيث في الأرض خرابا ! 
أسود العين جمال و فتنة ، وخمرها في سواد لونها فهو يمتص كل ألوان الطيف ، فهي الخضراء ذواقة ألوان ، عاشقة موضة ، زهرتها رموشها الصفراء ، تفاؤل وانشراح : 
في مساحة عين الزهرة السوداء ، تمارس الذبابة الخضراء طقوسها الخاصة ، تزيل ما علق بجناحيها والأرجل من روائح الأموات وحتى المزابل :
تمطط جناحيها تحت رجليها الخلفيتين ،تحك بذراعيها عينيها الكبيرتين البراقتين : هزجة ، فرحانة ، نشوى ، سكرانة وما هي بسكرانة ، و تتغنى بصولات وجولات الذباب و لسان حالها يقول : 
وخلا الذباب بها فليس ببارح /غردا كفعل الشارب المترنم !
هزجا يحك ذراعه بذراعه/قدح المكب على الزناد الأجذم !
وأنت ترقبها،تتسمر في مكانك كمومياء محنطة ،جسدك جمده الصقيع ، بها تلصق عينيك ، لا تريد أن تفسد عليها راحتها واستراحتها ، تتملى بطقوسها الغريبة ، و من داخلك يفترسك تطفلك وحب المعرفة !
فجأة من خلوته، من ديره ، يطل برأسه المثلثة المخيفة خارج مخبئه ، ناسك/ متعبد يدور دورة كاملة ، دورة عيون حرابي ، يستطلع الحال والأحوال براداره اللعين في محيط الزهرة ، ينفض عنه غبار النسك و التعبد ،يتحول مصاص دماء ، قطاع رؤوس ، يرمي لباس الورع والوقار، و يغير لون برنوسه الأخضر ، صدره يخفي نية مبيتة، يستعد للقتل والفتك وجز الرؤوس، وتقطيع الأوصال بمناشيره الخرافية المسننة المخيفة :
بحذر شديد يتلمس سويق زهرة عباد الشمس ، يحكم القبضة ، يصعد بتؤدة و بطء : وكله عزم على ارتكاب جرمه العظيم ، لن يكون الأول والأخير بعد قابيل ، يتحد بلون الساق الخضراء والرموش الصفراء ، تمويه شيطاني مكار ، يقترب شيئا فشيئا من الذبابة الخضراء، المسكينة منشغلة بمساحيقها وعقاقيرها ، تتبرج فرحة بنفسها ،كيف و هو الناسك المتعبد ؟ فهو يمقت المتبرجات والنوامص ، سلوك ينشر الفساد بين العباد في البلاد ٠
تحجب رؤية ما حولها بذراعيها ، ففرصته ذهبية ، يقترب منها ، يهوي عليها بمنشاره المسنن ، يدق عنقها ، يفصل رأسها عن جسدها : مقصلة النسك والناسك مباركة ،يتلمظ دمها، يرقص رقصة انتصاره على جثة ضحيته المتبرجة ، يرفع علامة النصر و يشرع في افتراسها !
غير بعيد من مسرح الجريمة ، يقبع جذع شجرة يابس يرقص رقصة المغلوب ، المرعوب ، على إيقاع ضربات منقار نقار الخشب ، يدمر خلاياه المدمرة ، يبتغي هندسة بناء بيته في أحشاء هذا الجذع البئيس ٠
بمنظاره الثاقب ، يرصد السرعوف ينتشي بلحم الفريسة ، ويتبول ويتغوط على بقايا جثتها المدمرة ، يوقف النقر مؤقتا ، يحوم حول زهرة عباد الشمس ، ينقض على الناسك / المتعبد ،يهوي عليه بضربة من منقاره الثقيل ، يرديه قتيلا ، ويبتلعه في جرعة ماء ، ينتقم للخضراء المتبرجة ، يتعجل العودة إلى نقر جذع الشجرة ٠
على ارتفاع شاهق يلمح الشاهين ، نقار الخشب في عزالجريمة ، كقذيفة طائشة مجنونة ،ينقض عليه ، يخرم جسده بمخالبه ، ويطير عاليا طالبا رؤوس الجبال !
ثمة حجرة طائشة شاردة من مقذاف مطاطي ،ترديه قتيلا ٠
نقار الخشب عالق بمخالب الشاهين ، والناسك لم يصل حوصلة النقار بعد ، الذبابة الخضراء متشظية بين فكي الناسك :
هذه زهرة عباد الشمس يا فيلسوف المعرفة ! لا هي عين حورس ، ولا هي عين القمر ولا هي عين رع ،ولا هي عاشقة- أبولو -إله الشمس ولا هي تجود بأجود زيوت الموائد !
زهرة عباد الشمس مسرح كوني متناقض :
قاتل و مقتول !
ظالم و مظلوم !
حاكم و محكوم !
جلاد و مجلود أبد الدهر !
مسرح مفارقات ،بين ما يراه الأحياء ، وما يحكيه السلف للخلف !
زهرة عباد الشمس سر مخفي ،،حكاية عجيبة ، غريبة ، لا تختزل في قنينة زيت طبخ في المطابخ ! 
بقلم الاستاذ:صالح هشام 
السبت ١٢ نونبر ٢٠١٦

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق