الاثنين، 24 يوليو 2017

ذات الشفتين البنفسجتين / بقلم الشاعرفؤاد حسن محمد // سوريا

ذات الشفتين البنفسجيتين
ما العاشق إلا متسول يهزأ بنفسه،أحاسيسه ليس أكثر من عاصفة في فنجان ،يجمع ما تناثر من سخافات ويحاول قدر استطاعته أن يوحد حلمه وذاته في حكاية ترسم الفاصلة بين ارتباكاته الأولى من كشف إحداثي المحرم ، وكل محرم عورة ،وتشظي شهوته التي تنتصب في حضرة غريزته التي تقمصت قلب عبد مخصي .
انه الحب ، أو الاشتهاء ،غير ممكن ان يشعر برعدة متضخمة في أوصاله دون أن يفلت منها، آخر مرة رآها كان في منتصف أذار ،وها هي ذي أربع سنوات تمر دون أن يلتقي بها ،سحقا للنساء اللعينات إنهن يرمين الرجل باللمزات والإشارات ثم يتخلفن عن الركب تاركين ضحاياهم تائهين مشردين في عطش رمال الصحراء ولهيبها.
كلما تذكرها طأطأ رأسه أكثر وهو يحس بأن رجولته تعفنت مثل خرقة متسخة في مرحاض نسائي ،في كل يوم يغرز عقله في حائط الذكريات فينجب تفاهات تجترح نخوته ،فيتملكه غضب يكاد يسقطه أرضاً ،دائما هو على حافة الزمان ،ينتظر أن يحدث معه شيء ما ،حدث خارق ، أن تخرج من خلايا دماغه التالفة وتتقمص حدودها أمامه ،وتستحيل هلامية الحلم امرأة بنفسجية الشفتين ،هي إسقاطات متعثرة لحشر الروح في جسد الميتة ،عساها تخلق من رماد التصاوير عذراء تهب له مهرها ، تترك كلمة أو صوتا أو لونا أو طَعما من فمها على شفاهه.
كلما قضم الماضي تناثر كغبار داكن يزكم الأنوف برائحته العفنة!! قد كانت امرأة ..وكان رجل نمتد بينهما خطوط داكنة تتداخل مابين العشق المخنث وانتهاك حرمة البوح بحبه لها ،لو حرك شفتيه وقال لها :
-أحبك
لم يكن يعلم كيف دخل حبها إلى قلبه ،لكن منذ أن رآها استحوذت على تفكيره وصارت تؤرقه في مضجعه ،لم يكن ردفيها الممتلئين أو صدرها الذي يهتز بزهو ،هما اللذان أغرياه ،بل كان يهز كيانه شيء أخر شفتاها البنفسجيتين ، ولا شيء غيرهما ،وحين نظر إليهما وهي تمر بجواره التقطت حواسه بمبالغة وإفراط المرأة التي ينتظرها طوال عمره ،خطواتها الرشيقة والغنوجة تبتعد عنه أكثر وأكثر ،كان الوقت المغرب ،وكان المكان مضاء بلوحة إعلانات كبيرة بنفسجية اللون ، انعكس على شفتيها فتمدد على ثغرها كقطرة عطر ،ولأنه رجل يحب الجمال أغمض عينيه ليمنع خروجه من دخيلته ،ثوان مرت ولم تكن في جواره ،وجد نفسه وحيدا ،خمن أنها سارت في هذا الاتجاه فتبعها إلى مدخل بيتها ،لم يكن أحدا بداخله سوى كلب رقد في منتصف المدخل ،حين رآها هز ذيله وحرك رأسه، قرفصت ومدت له يدها ومسحت بها رأسه وظهره ملاطفة ، فتشجع وانتصب على قدميه ، واضعا يديه على كلتا كتفيها ، وبدأ يداعبها بأنفه ولسانه ،وما إن تابعت سيرها حتى تبعها كظلها ،ثم عاد إلى مكانه ، عندها حاولت إغراءه بالاقتراب مني نبح بشدة كأنه كلب من الحوءب ، وحدث إن سقطت على الأرض أثناء عبوري من جانبه ،فشعرت أني اهوي في هذه الفجوة ،وحيدا ، أتقلب بشدة في فضاء الذعر ، وكل ما حولي كوابيس من هذا العالم الجديد ، تهور العاشق هو وحده يساعدني على تكرار التجربة .
هناك شيء ما رسخ في ذهني ، بعض الأفكار الغير واضحة لم أكن على ثقة كبيرة بها ،انه سيعضني وسأصاب بداء الكلب .
لا أدري لأي شيء وحق الشيطان لماذا افعل هذا ،غباء ،بودي أن امسكه بأذنيه ، والكمه بقبضتي على انفه ،وأسنانه وكل كيانه ،وارمي هذا المخلوق الكريه خارج السور،مستحيل أن اتركه يجعلني أضحوكة ، ما أسخف هذا ، ما أسخفه أن يهزم حبك كلب جعاري تافه ،وإذا لم افعل ذلك سأبقى أحمق طول عمري .
هذه الأفكار الغرائبية التي جعلني هذا الكلب أسافر إليها ،عن شكل الحياة ، وعن الأفاق الواسعة التي يمكن أن يذهب إليها الخيال في التضحية من اجل المرأة التي أحبها ، الحب . الخلود . الملحمة . البطولة .السماء . كل ما يمكن أن يحمل اتساعا إنسانيا ،أحاسيس قوية ترج عقلي ، بينما أنا راقد على الفراش .
-محلاك يا احمد الشيخ شريف وأنت مستلقي كالدودة الميتة.
كان طعم الصعود لذيذا جدا على تلك المنحدرات المتعرجة ، فلا حلول وسطية إما أن اصعد أو اهبط ،الطريق هو الكلب ، البداية هي الكلب ،وإذا لم أفهم ذلك فلن أصل إلى الهدف ،ولكن هل يوجد حقا هدفا بذهني ،أن ادخل معه في معركة معروف نهايتها محتومة النتيجة ،وإذا مت سأكون من الخالدين ،لكن لماذا أتذكر الكلب ولم أتذكرها، قد تكون اقوي ذكرياتي مع تلك المرأة هو هذا الكلب،لم أكن اعرف أن الحب بهذه الصعوبة ،وأنه سبب لخلق الأعداء .
بهذه الطريقة أواصل تهويماتي ،حتى انه لم يبقى لدي وقت للنوم ،فأنا إذا خطرت ببالي فكرة تبقى في عقلي هكذا مما يحول دون انقيادي للنوم ، ولهذا السبب استعنت بالمخيلة ،بعدما عجزت أن أطرد فكرة القضاء على الكلب.
لست ادري كيف يطاردني حب كبير كهذا بهيئة كلب ،وكأنهما مرتبطان بخيط سري غير مرئي ،الوهم والحقيقة ، المرأة هي الواقع الملموس بجميع مغرياته التي لا تقاوم ،ولأذوب وسط لذتها لابد من قتل الوهم .
أغمضت عيني :-إيه يا فقير أية لوثة أصابتك
. كان لهذه الحادثة اثر بالغ في نفسي ،وبدأت أدرك حقيقة نفسي أني ضعيف وجبان،وسيبقى السؤال : ماذا عساي أن افعل للخلاص من هذه المصيبة .
لقد كنت راغبا في كل مايساور الناس الأسوياء من رغائب طبيعية ،وبما إني بلا طموح لذا قررت أن اقتل هذا الكلب .ملأني التعب وكثيرا من اليأس .
قلت في نفسي : لن العب لعبة الحب مرة أخرى؟؟!!!
أعدو هنا وهناك ولا شئ إلا مجموعة من الكلمات ارتبطت بي أثناء تجربة مروري بهذا الحيوان ، الذي يحدث بداخلي فجوة السقوط بين الزمان والمكان.
فؤاد حسن محمد- جبلة - سوريا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق