الاثنين، 24 يوليو 2017

ق . ق . / رحلة : بقلم الاستاذ معروف بركات

قصّة قصيرة
"رحلة"
في رحلةٍ إلى فاسٍ، كانت الدُّنيا ربيعًا: الأشجارُ والأزُّهارُ في كلّ مكانٍ، وفي فندقٍ ذي نجومٍ خمسٍ، أيامٌ خمسةٌ لم تكنْ تكفي لاستكشافِ فاسٍ، مَدْهَشَةُ التَّاريخِ وعبقُ التَّاريخِ في فاسٍ العتيقةِ، ومولايَ إدريسُ ودولةُ الأدارسةِ، وجامعُ القرويينَ منارةُ العالمِ في زمانهِ.
في فاسٍ كانَ اسمُها "حنان" كانت أندلسيةً عتيقةً بارعةً وفارعةً وعاليةً، غمرتني العتيقةُ فاسٌ وحنان بكلّ حنانٍ وجمالٍ.
مشيتُ بالقطارِ إلى طنجةَ، ساعاتٌ وكانت طنجةَ، شاهدتُ الأميرَ عبد الكريمِ الخطّابي يقودُ جيشَ الرّيفِ، يهزمُ الفرنسيين والإسبانَ، وقلبي يخفقُ معَ صهيلِ الخيولِ، وجلجلةِ المدافعِ والبارودِ. 
كلّ الشّوارعِ الكبرى محمدٌ الخامسُ والحسنُ الثّاني، شارعٌ ثانويٌ هناكَ و"زَنْقَةٌ" هنا كانت تسمّى "زَنْقَةُ" عبد الكريمِ الخطّابي، وفي مقهىً جميلٍ على المضيقِ، كانت عيوني تبحثُ عن ابنِ زياد الطّارق، عن مضيقهِ الذي عبرهُ الأمازيغُ الأبطالُ، وفي الضفّةِ الأخرى، أضواءُ الإسبانِ، والسّفنُ التي تشتعلُ فيها النيرانُ، وشموخُ الإسلامِ، كانت عيوني تتراقصُ في كلّ اتجاهٍ، تشتمُ رائحةَ التّاريخِ، وسِحرَ العزّةِ والانتصارِ والفَخارِ.
إلى قصرِ الحمراءِ تراكضَ قلبي وروحي قبلَ أقدامي، نزارٌ شاعرُ الشّامِ هناكَ أمامي يناديني:
"في مدخل الحمراءِ كان لقاؤنا
ما أطيبَ اللقيا بلا ميعادِ"
قلتُ يا نزارُ أبكتني هذي الدّيار
قال:
ومن لا يبكي هذي الآثار
إلا منْ غادرَتهُ العروبةُ منذُ أجيالٍ
إسبانياتٌ بأبهى جمالٍ، وسِحرٍ ودلالٍ، وعيونٌ كزرقةِ السّماءِ، واِبتساماتٌ عذراءُ، وعطرٌ فاحَ في كلّ مكانٍ، أسحرُ الحمراءِ، أمْ سحرُ المضيفاتِ، أهو حلمٌ أمْ خيالٌ!!!
سافرنا معَ الكتائبِ التي تجتاحُ غرناطةَ، وسمعنا عويلَ السّبايا، وحماسةُ الفرسانِ تعانقُ السّحابَ، نهرتْنا مضيفتنا: 
هذي آثارُ أجدادي وتاريخُ ميلادي
فأجابها نزار:
"يا ليتَ وارثتي الجميلة أدركتْ
أنَ الذينَ عنتهم أجدادي"
استيقظتُ في طريقِ عودتي، أبكي أمسي ويومي وغدي.
معروف بركات العتيبي - سورية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق