في واحة الأدب الجاهلي (نثراً)
• الأمثال في الأدب الجاهلي...
ــ قصص خرافية على ألسنة الحيوانات..
ــ الانضباط الأسلوبي والبلاغي للأمثال..!!
ــ خاتمة في فن الأمثال..
هناك بعض القصص الخرافية علي ألسنة الحيوانات صارت أمثالا, وبهذا لم يكن المثل كإبداع سريع كما سبق أن رأينا وإنما يكون جزءا من شكل إبداعي أوسع والصق بعمل الخيال الخلاق , ومن هذه القصص:
- قصة الغراب والديك:" في الكثير من الروايات من أحاديث العرب أن الديك كان نديما للغراب, وأنهما شربا الخمر عند خمار ولم يعطياه شيئا, وذهب الغراب ليأتيه بالثمن حين شرب, ورهن الديك فخاس به فبقي محبوسا " [9].وربما لهذا الغدر تشاءمت العرب من الغراب ورأته نذيرا بالفرقة والخراب ربما لأنه تسبب في فقدان الديك حريّته, واستئثاره لّذي البشر حتى اليوم.
ــ الانضباط الأسلوبي والبلاغي للأمثال:
ـ ولكنّ أمثال العرب لم تأت على مثل هذه الدرجة من الرقي والانضباط الأسلوبي, مثل التي جاء بها أكثم وعامر, بل إن كثيرا من الأمثال الجاهلية تخلو من التفنن التصويري, وهذا بطبيعة الأمثال فإنها ترد على الألسنة عفوا وتأتي على ألسنة العامة لا محترفي الأدب, فلم يكن
من الغريب أن يخرج بعضها علي القواعد الصرفية والنحوية دون أن يعيبها ذلك مثل أعط القوس باريها ( بتسكين الياء في باريها والأصل فتحها ), وأيضا ( أجناؤها أبناؤها ) جمع جان وبان والقياس الصرفي جناتها بناتها لأن فاعلا لا يجمع علي أفعال وهذا يثبت أن المثل لا يتغير بل يجري كما جاء علي الألسنة وأن خالف النحو وقواعد التصريف [6].وبعض الأمثال يغلب عليها الغموض ويدل تركيبتها على معنى محدد لا تؤدي إليه الكلمات المفردة ومن ذلك قول العرب ( بعين ما أرينك ) أي أسرع. ولم يكن هذا النوع من الأمثال هو الوحيد بل هناك أمثال صدرت عن شعراء مبدعين وخطباء مرموقين فجاءت راغبة الأسلوب متألقة بما يها من جماليات الفن والتصوير مثل: أيّ الرّجال المهذّب، فهذا المثل جزء من بيت للنابغة يضرب مثلا لاستحالة الكمال البشري والبيت:
ولست بمستبق أخا لا تلمه == على شعث أيّ الرجال المهذّب
وإذا كانت بعض الأمثال تخالف نظام التّصريف والنّحو فإنّ الكثرة الكثيرة لاتشذ ّ عن هذا النّظام ـبل إنّ طائفة منها تدخل في الصّياغة الجاهليّة البليغة كأمثال أكثم بن صيفي وعامر بن الظّرب كما ذكرنا،وكان خطباؤهم المفوّهون كثيراً ما يعمدون إلى حشدها في خطاباتهم .
يقول الجاحظ: (كان الرّجل من العرب يقف الموقف فيرسل عدّة أمثال سائرة ،ولم يكن النّاس جميعاً ليتمثّلوا بها إلاّ لما فيها من المرفق والانتفاع، وتبع شعراؤهم خطباءهم يودعونها أشعارهم .ومن ثمّ نجد كثيراً منها يتمّ لحنه الموسيقي فإذا هو شطر أو بيت،وكثيراً مانلاحظ في بعض عباراتها احتفالاً بتوازن الكلمات توازناً ينتهي بها إلى السّجع،كما نلاحظ في بعض جوانبها اهتماماً بالتّصوير ،ومن أجل ذلك يقول النّظّام إنّها (نهاية البلاغة لما تشتمل عليه من حسن التّشبيه وجودة الكناية )واستمع معي إلى هذه الأمثال:تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها ـ المقدرة تذهب الحفيظة ــ مقتل الرّجل بين فكيّه ـ إنّما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه ــفي الجريرة تشترك العشيرة ــ كالمستجير من الرّمضاء بالنّارــ المنيّة ولا الدّنيّة ـ ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد ـ تحت الرّغوة اللبن الصّريح ــ من استرعى الذّئب ظلم ـ رمتني بدائها وانسّلت ـــولقد لقيت هذه لأمثال شيوعا لخفتها وعمق ما فيها من حكمة وإصابتها للغرض المنشود منها, وصدق تمثيلها للحياة العامة ولأخلاق الشعوب ...
• رأي النظام في أساليب الأمثال..!!
وكما قال النّظام : يجتمع في المثل أربعة لا يجتمع في غيره من الكلام إيجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه وجودة الكتابة فهو نهاية البلاغة.ولهذه الأسباب التي يتصف بها أسلوب المثل،فإنّ الناس يسهل عليهم حفظه وإعادته في كلّ مناسبة تنسجم مع مغزاه،وأحياناً قد يعبّر عن المثل بكلمة واحدة،لذلك كان أسهل حفظاً وتناولاً عند العامة من الفنون الأخرى وخاصة الشعر،وعلى كلّ حال ،المثل هو خلاصة تجارب الناس،وحكاياتهم وصفاتهم وألقابهم من مدح أوذمّ التي اشتهروا بها،لذلك كلّه، كان المثل أكثر واقعيّة ومصداقيّة،في التعبير عن قيم الحياة،كلمّا كانت حكمه الشافية معبّرة عن عمق هذه المثل بكلّ جوانبها وآفاقها الاجتماعية والأخلاقية والسلوكية،لأولئك الناس الذين،ذيع المثل واشتهرعنهم،.
• خاتمة في فنّ الأمثال...
[1هذه كانت نظرة سريعة للأمثال في الأدب الجاهلي, فرأينا كيف كانت الأمثال في ذلك العصر, وبما تميزت به من خفه ودقة وسلاسة وإيجاز وعمق ما فيها من حكمه وصواب رأي, وكيف أبدع العرب قبل الإسلام فيها, فحياتنا الآن لا تخلو من أمثالهم وحكمهم.
تم بعون الله بحث فنّ الأمثال ..للموضوع متابعة جديدة بعنوان :
من فنون النثر الجاهلي (فنّ الخطابة..)ف
• الأمثال في الأدب الجاهلي...
ــ قصص خرافية على ألسنة الحيوانات..
ــ الانضباط الأسلوبي والبلاغي للأمثال..!!
ــ خاتمة في فن الأمثال..
هناك بعض القصص الخرافية علي ألسنة الحيوانات صارت أمثالا, وبهذا لم يكن المثل كإبداع سريع كما سبق أن رأينا وإنما يكون جزءا من شكل إبداعي أوسع والصق بعمل الخيال الخلاق , ومن هذه القصص:
- قصة الغراب والديك:" في الكثير من الروايات من أحاديث العرب أن الديك كان نديما للغراب, وأنهما شربا الخمر عند خمار ولم يعطياه شيئا, وذهب الغراب ليأتيه بالثمن حين شرب, ورهن الديك فخاس به فبقي محبوسا " [9].وربما لهذا الغدر تشاءمت العرب من الغراب ورأته نذيرا بالفرقة والخراب ربما لأنه تسبب في فقدان الديك حريّته, واستئثاره لّذي البشر حتى اليوم.
ــ الانضباط الأسلوبي والبلاغي للأمثال:
ـ ولكنّ أمثال العرب لم تأت على مثل هذه الدرجة من الرقي والانضباط الأسلوبي, مثل التي جاء بها أكثم وعامر, بل إن كثيرا من الأمثال الجاهلية تخلو من التفنن التصويري, وهذا بطبيعة الأمثال فإنها ترد على الألسنة عفوا وتأتي على ألسنة العامة لا محترفي الأدب, فلم يكن
من الغريب أن يخرج بعضها علي القواعد الصرفية والنحوية دون أن يعيبها ذلك مثل أعط القوس باريها ( بتسكين الياء في باريها والأصل فتحها ), وأيضا ( أجناؤها أبناؤها ) جمع جان وبان والقياس الصرفي جناتها بناتها لأن فاعلا لا يجمع علي أفعال وهذا يثبت أن المثل لا يتغير بل يجري كما جاء علي الألسنة وأن خالف النحو وقواعد التصريف [6].وبعض الأمثال يغلب عليها الغموض ويدل تركيبتها على معنى محدد لا تؤدي إليه الكلمات المفردة ومن ذلك قول العرب ( بعين ما أرينك ) أي أسرع. ولم يكن هذا النوع من الأمثال هو الوحيد بل هناك أمثال صدرت عن شعراء مبدعين وخطباء مرموقين فجاءت راغبة الأسلوب متألقة بما يها من جماليات الفن والتصوير مثل: أيّ الرّجال المهذّب، فهذا المثل جزء من بيت للنابغة يضرب مثلا لاستحالة الكمال البشري والبيت:
ولست بمستبق أخا لا تلمه == على شعث أيّ الرجال المهذّب
وإذا كانت بعض الأمثال تخالف نظام التّصريف والنّحو فإنّ الكثرة الكثيرة لاتشذ ّ عن هذا النّظام ـبل إنّ طائفة منها تدخل في الصّياغة الجاهليّة البليغة كأمثال أكثم بن صيفي وعامر بن الظّرب كما ذكرنا،وكان خطباؤهم المفوّهون كثيراً ما يعمدون إلى حشدها في خطاباتهم .
يقول الجاحظ: (كان الرّجل من العرب يقف الموقف فيرسل عدّة أمثال سائرة ،ولم يكن النّاس جميعاً ليتمثّلوا بها إلاّ لما فيها من المرفق والانتفاع، وتبع شعراؤهم خطباءهم يودعونها أشعارهم .ومن ثمّ نجد كثيراً منها يتمّ لحنه الموسيقي فإذا هو شطر أو بيت،وكثيراً مانلاحظ في بعض عباراتها احتفالاً بتوازن الكلمات توازناً ينتهي بها إلى السّجع،كما نلاحظ في بعض جوانبها اهتماماً بالتّصوير ،ومن أجل ذلك يقول النّظّام إنّها (نهاية البلاغة لما تشتمل عليه من حسن التّشبيه وجودة الكناية )واستمع معي إلى هذه الأمثال:تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها ـ المقدرة تذهب الحفيظة ــ مقتل الرّجل بين فكيّه ـ إنّما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه ــفي الجريرة تشترك العشيرة ــ كالمستجير من الرّمضاء بالنّارــ المنيّة ولا الدّنيّة ـ ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد ـ تحت الرّغوة اللبن الصّريح ــ من استرعى الذّئب ظلم ـ رمتني بدائها وانسّلت ـــولقد لقيت هذه لأمثال شيوعا لخفتها وعمق ما فيها من حكمة وإصابتها للغرض المنشود منها, وصدق تمثيلها للحياة العامة ولأخلاق الشعوب ...
• رأي النظام في أساليب الأمثال..!!
وكما قال النّظام : يجتمع في المثل أربعة لا يجتمع في غيره من الكلام إيجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه وجودة الكتابة فهو نهاية البلاغة.ولهذه الأسباب التي يتصف بها أسلوب المثل،فإنّ الناس يسهل عليهم حفظه وإعادته في كلّ مناسبة تنسجم مع مغزاه،وأحياناً قد يعبّر عن المثل بكلمة واحدة،لذلك كان أسهل حفظاً وتناولاً عند العامة من الفنون الأخرى وخاصة الشعر،وعلى كلّ حال ،المثل هو خلاصة تجارب الناس،وحكاياتهم وصفاتهم وألقابهم من مدح أوذمّ التي اشتهروا بها،لذلك كلّه، كان المثل أكثر واقعيّة ومصداقيّة،في التعبير عن قيم الحياة،كلمّا كانت حكمه الشافية معبّرة عن عمق هذه المثل بكلّ جوانبها وآفاقها الاجتماعية والأخلاقية والسلوكية،لأولئك الناس الذين،ذيع المثل واشتهرعنهم،.
• خاتمة في فنّ الأمثال...
[1هذه كانت نظرة سريعة للأمثال في الأدب الجاهلي, فرأينا كيف كانت الأمثال في ذلك العصر, وبما تميزت به من خفه ودقة وسلاسة وإيجاز وعمق ما فيها من حكمه وصواب رأي, وكيف أبدع العرب قبل الإسلام فيها, فحياتنا الآن لا تخلو من أمثالهم وحكمهم.
تم بعون الله بحث فنّ الأمثال ..للموضوع متابعة جديدة بعنوان :
من فنون النثر الجاهلي (فنّ الخطابة..)ف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق