كانت لي هذه المطالعة عن الرمزية في الإبداع الشعري الحديث أحببت أن أعرض بعضا منها على السادة القراء.
الرمزية في الشعر العربي الحديث
يقول أحد الباحثين (1):
(الرمزية بصفتها اتجاهاً فنياً برزت في الإبداع الشعري المعاصر ترتقي فوق موجودات الظواهر المادية المتناثرة في العالم الواقعي إلى مدارك الآمال والأحلام المنشودة في العالم المثالي، مستنجدة بالرمز بصفتها آصرة له تربط بين هذين العالمين، لتنتشل الأحاسيس الغائرة التي تألف التشابه النفسي بين الأشياء وتنسج على منوالها وتوقها المستمر من حيث للكشف عن الروابط المستترة خلف الظواهر المادية، وذلك عن طريق مقدرة بثنية ورؤية خاصة يتبناها الشاعر الرامز فيجعل من خلالها الرمز قائماً مقام المرموز إليه حاضرا فيه بمس إبداعي شفيف لا تتسلل إليه الصور الفجّة، أو الاستعارات الساذجة، أو العبارات الهلامية المستعلية، وهذا ما انتبه إليه (أوستن وارين- ورينيه ويليك) صاحبا كتاب نظرية الأدب، عندما قالا.( إن الرمز موضوع يشير إلى موضوع آخر لكن فيه ما يؤهله لأن يتطلب الانتباه -أيضاً- لذاته بصأما التراث الأدبي فقد يجئ باستخدام الشخصيات الأدبية أو أقوالاً مشهورة اقترنت، كما ورد عند الشاعر الفذ أمل دنقل، الذي حور أبياتٍ معروفة للمتنبي ليخلق بها رموزاً تحف بها دلالات إيحائية فقال:
ما حاجتي للسيف مشهورا
ما دمت قد جاوزت كافورا
وعيد بأية حال عُدت يا عيدُ
بما مضى أم لأرضي فيك تهديد
نامت نواطير مصر عن عساكرها
وحاربت بدلاً منها الأناشيد
ناديت يا نيل هل تجري المياه دماً
لكي تفيض ويصحو الأهل إن نودوا
عيد بأية حال عدت يا عيدُ فته شيئاً معروضاً،).
مل دنقل في قصيدته (عشاء) قد استلهم إشارة سطورية،وألبسها ثوباً يتسق وتجربته الشعورية العميقة، وملأها بمفازٍ رمزية جديدة من خلال تناوله لأسطورة مصاص الدماء، فبرزت الصورة الرمزية في النص كصدمة إيحائية شديدة الوقع ذات إيجاز وضربة قوية استثارت الحياة الباطنية ورعشاتها الحية عند الشاعر؛لتسري إلى المتلقي. فمصاص الدماء لا يتحدث ولا يسمع، إنما يرنو بعينيه الصغيرتين،ويلعق الدماء وهو ذاته الفساد الذي يمتص دم الشعب الذي لا يُسمع له صوت تقول الصورة:
قصدتهم في موعد العشاء..
تطالعوا لي برهة..
ولم يرد واحد منهم تحية المساء..
وعادت الأيدي تراوح الملاعق الصغيرة
في طبق الحساء..
نظرت في الوعاء..
هتفت.. ويحكم.. دمي هذا دمي فانتبهوا
ولم يأبهوا..
وظلت الأيدي تراوح الملاعق الصغيرة
وظلت الشفاه تلعق الدماء ..
تراث ديني
ولعل التراث الديني يعتبر من المصادر الكبيرة التي نهل منها الشعراء المحدثون رموزهم. يقول الشاعر محمد الواثق في قصيدته (أم درمان تشرق) :
رباه حلمك ما أم درمان منزلة
لقد خلقت بها الإنسان في كبد
إن كان حكمك أنَّا لا نغادرها
فاجعل لنا أجر من قد مات في أحُد
أو هب لنا منك صبراً نستعين به
أو ما حبوت به أيوب من جَلَد
وخلاصة القول ا ن الرمزية اثبتت وجودها كفن من فنون التعبير في الشعر الحديث والمعاصر وعبر قصائد شعراء الرمز بما يعبر عن عواطفهم وما يختلج في اعماق افكارهم وانفسهم بها افضل تعــــبير الا اني الوم بعضا منــــــهم على هذا الغلــــــو الجانح فــــــي الرمـــــزية الـــى حد الابهــــــام و التعبير الذي يجــــــعل مــــــن الرمز جدارا قويا عاليا صعب المرتقى لا يرتقيه احد الا الشـــــاعر ذاته بحيث اصـــــبح حــــاجزا بينه وبـيـــــن القـــــراء والمتلــــقين ومحبي الشعر عامة.
(1) ـ فالح الحجيّة(ديالي).
سلمية في /12/8/2016
الرمزية في الشعر العربي الحديث
يقول أحد الباحثين (1):
(الرمزية بصفتها اتجاهاً فنياً برزت في الإبداع الشعري المعاصر ترتقي فوق موجودات الظواهر المادية المتناثرة في العالم الواقعي إلى مدارك الآمال والأحلام المنشودة في العالم المثالي، مستنجدة بالرمز بصفتها آصرة له تربط بين هذين العالمين، لتنتشل الأحاسيس الغائرة التي تألف التشابه النفسي بين الأشياء وتنسج على منوالها وتوقها المستمر من حيث للكشف عن الروابط المستترة خلف الظواهر المادية، وذلك عن طريق مقدرة بثنية ورؤية خاصة يتبناها الشاعر الرامز فيجعل من خلالها الرمز قائماً مقام المرموز إليه حاضرا فيه بمس إبداعي شفيف لا تتسلل إليه الصور الفجّة، أو الاستعارات الساذجة، أو العبارات الهلامية المستعلية، وهذا ما انتبه إليه (أوستن وارين- ورينيه ويليك) صاحبا كتاب نظرية الأدب، عندما قالا.( إن الرمز موضوع يشير إلى موضوع آخر لكن فيه ما يؤهله لأن يتطلب الانتباه -أيضاً- لذاته بصأما التراث الأدبي فقد يجئ باستخدام الشخصيات الأدبية أو أقوالاً مشهورة اقترنت، كما ورد عند الشاعر الفذ أمل دنقل، الذي حور أبياتٍ معروفة للمتنبي ليخلق بها رموزاً تحف بها دلالات إيحائية فقال:
ما حاجتي للسيف مشهورا
ما دمت قد جاوزت كافورا
وعيد بأية حال عُدت يا عيدُ
بما مضى أم لأرضي فيك تهديد
نامت نواطير مصر عن عساكرها
وحاربت بدلاً منها الأناشيد
ناديت يا نيل هل تجري المياه دماً
لكي تفيض ويصحو الأهل إن نودوا
عيد بأية حال عدت يا عيدُ فته شيئاً معروضاً،).
مل دنقل في قصيدته (عشاء) قد استلهم إشارة سطورية،وألبسها ثوباً يتسق وتجربته الشعورية العميقة، وملأها بمفازٍ رمزية جديدة من خلال تناوله لأسطورة مصاص الدماء، فبرزت الصورة الرمزية في النص كصدمة إيحائية شديدة الوقع ذات إيجاز وضربة قوية استثارت الحياة الباطنية ورعشاتها الحية عند الشاعر؛لتسري إلى المتلقي. فمصاص الدماء لا يتحدث ولا يسمع، إنما يرنو بعينيه الصغيرتين،ويلعق الدماء وهو ذاته الفساد الذي يمتص دم الشعب الذي لا يُسمع له صوت تقول الصورة:
قصدتهم في موعد العشاء..
تطالعوا لي برهة..
ولم يرد واحد منهم تحية المساء..
وعادت الأيدي تراوح الملاعق الصغيرة
في طبق الحساء..
نظرت في الوعاء..
هتفت.. ويحكم.. دمي هذا دمي فانتبهوا
ولم يأبهوا..
وظلت الأيدي تراوح الملاعق الصغيرة
وظلت الشفاه تلعق الدماء ..
تراث ديني
ولعل التراث الديني يعتبر من المصادر الكبيرة التي نهل منها الشعراء المحدثون رموزهم. يقول الشاعر محمد الواثق في قصيدته (أم درمان تشرق) :
رباه حلمك ما أم درمان منزلة
لقد خلقت بها الإنسان في كبد
إن كان حكمك أنَّا لا نغادرها
فاجعل لنا أجر من قد مات في أحُد
أو هب لنا منك صبراً نستعين به
أو ما حبوت به أيوب من جَلَد
وخلاصة القول ا ن الرمزية اثبتت وجودها كفن من فنون التعبير في الشعر الحديث والمعاصر وعبر قصائد شعراء الرمز بما يعبر عن عواطفهم وما يختلج في اعماق افكارهم وانفسهم بها افضل تعــــبير الا اني الوم بعضا منــــــهم على هذا الغلــــــو الجانح فــــــي الرمـــــزية الـــى حد الابهــــــام و التعبير الذي يجــــــعل مــــــن الرمز جدارا قويا عاليا صعب المرتقى لا يرتقيه احد الا الشـــــاعر ذاته بحيث اصـــــبح حــــاجزا بينه وبـيـــــن القـــــراء والمتلــــقين ومحبي الشعر عامة.
(1) ـ فالح الحجيّة(ديالي).
سلمية في /12/8/2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق