بين هدير امواجك ايها المحيط
أبدد صخب ضجيج
يقلق راحتي
ويغتال سكينة روحي
على رمالك الممتدة
تتوالى خطواتي
على اديمها
امشي ... وأمشي
اناطح غيمات تثاقل قتامها
فحجب عني رؤية مداك
ينسيني ضجيجك
ضجيجا أخذني اليك
أفرغ حمولته
انينا ... وآهات
تعاكس مدك..
وتشاكس جزرك
انثره فقاعات تعتلي موجك
اسحب خطاي يرافقني
صدى وقوعها
و تلاشيها في عمق
مداك ايها المحيط
زمان مرَّ .. ساعة الصبر
------------------------
ساعة الصبر
ترتجف السماء لأرض السواد
وضوء
إلاهي صلاة ملحمية
ضياء رعد أذان أجراس
نادت حانت ساعة الخلاص
زمانٌ مَرَّ كالشهابِ
دون أيِّ التفاتِ
غادرني كتواريخ مثقلةٌ في سباتِ
زمانٌ مَرَّ كطواحينِ الهواءِ
يسقيني مثل نهرٍ
ذكرياتٌ كحصى متناثرةٍ
كشتاءٍ مَرَّ دون وجعٍ
مرتحلاً في أقاصي الغياب
قبل أنْ أختفي
أرغب أن أعرف السر في سنيني الفانية
مضطر لحملِ قرابيني كي لا تقع روحي على الحوّافِ
أختار وقتي بدقة كي لا أعلق في مَدِّ الزمان
فيما ينبغي ولا ينبغي
وقفت أعدُّ خُطاي
لا تحصى
مثل الهاويات لا سبيل إلاّ السقوط
أولها دمعة الثانية وجهٌ ولا اسم
********
د.المفرجي الحسيني
زمان مرَّ. ساعة الصبر
العراق/بغداد
26/9/2017
الوطن بلا اجنحة
لأن الريح غادرت انينها
فنفخ من دعاء الامهات
في شراع بلون شهادة
الوطن يحلم بالمسير ايضا
بلا عكاز
لكن المسامير المتناثرة من التوابيت
تخنق الزهور
الوطن احجية بلهاء
سر خلوده في موته شهيدا
بلا ارض يدفن فيها
الوطن سر اخر
من اسرار الاغتيالات المزمنة
سقط سهوا من جيب الرب
ليتقطه شحاذ لا يفهم
غير تسول الاكفان
الوطن دعاء
لا تسمعه الملائكة
لان صخب الرصاص
يمطر الكون تفاهات .
الصبر
ايا صبر
هل تباع فاشتريك؟
دلني
أي عطار يبيعك؟
من لوعة البعد أبتغيك
وحرقة الفقد
أشتهيك
أيا صبر
احتويني
فما عاد للنبض خفقان
ولا للروح هيام
في سحرك حياة
منبع قوتي
نبض روحي
يا صبر
يارفيق العمر
هل اعيتك رفقتي
أم أضناك زمني
صبرا يا صبر
من قلة حيلتي
توجتك ملكا على عرشي
مرفأ حنيني
همس روحي
شاطئي
أيا صبر
اترتضي ؟
غلبي و وهني
أم للشوق صرت عنوان ؟
نجاة رفيس
الجزائر
يوم الطف
""""""""""""""""
وجه الگاع وحشه...........
الدمه اعليه ﭼبود ...........
وشح ماي الفرات.. بﭼتفه غربه حيود
والميدان سيف...يحز وريد الموت
والگيظ بسمومة ....ينز ابد ميهود
وجه الكون مغبّر.....حلگه آفة موت
والكفار غايه....ونذل بيها يگود
وغيم الكون احمر...والنِفس محبوس
بصدر حسين لا.....غايه ابد متهود
وصار الموت رّحه.....وغايه للسبعين
لاجل حسين....واحدهم بنفسه يجود
صال ..وصالوا ٲهله ...الجنه فكت بوب
التم شمل الكساء...بقدرة المعبود
والعباس........دمّه يزف وفه لحسين
انطه العين.....والهامة وي ظهرة زنود
الاكبر......رصع روحه بگصة التاريخ
طرزنا فخر.......ماس وذهب وورود
لاء حسين شمعه اتدلي لمتيهين
الحُر .....بيهه عله والزارة ليه يعود
حتى افريقيا ...تتباهه عدهم جون
الوفا .....صرخه حسين بٲسمة گام تذود
صرخة غاندي...طگ بيهه هام العار
گال حسين دربي.. بصبرة اطگ گيود
حسين بكربله ...فجّر الف بركان
اللا صارت مناير....والذهب معگود
طول العام ذكرك بالدموع حسين
مو رادود يصرخ.....مية الف رادود
حضرة بكربله الهم.. . صك يطهر الروح
ونورين المناير بالعرش مشدود
مثل جدة ....تزورة ويمه تبرة الروح
باب حسين وسعه....ولا تظن مسدود
******************
محمد النعماني // العراق.
ضمائر ...
شعر : مصطفى الحاج حسين .
حكَّامُ العربِ يختلفونَ
على طريقةِ قتلنا
لكنّهم متّفقونَ
على ضرورةِ إبادتنا
والأممُ المتمدِّنةُ
تريدُ حصّتها من دمنا
ونحنُ نلجأُ لأوّلِ سيَّافٍ
نشكوا لهُ ظلمَ أهل القربى
وهكذا يوزّعُ دمنا
على كلِّ جهاتِ الأرضِ
كلّ بقعِ العالمِ نهشت
من اللحمِ السّوري
صرنا طرائدَ للريحِ
أصابعُ الأرضِ تدلُّ علينا
أينما توارينا
أمواجُ البحرِ كشّرت عن أنيابها
والسّماءُ سالَ لعابها
دمنا يثيرُ شهيّةَ الفضاءِ
ويوقظُ حاسَّةَ الغبارِ
تلتهمنا المؤتمراتُ
تلعقُ جرحنا اللجانُ
وبلادنا تقسّمُ على الأغرابِ
بحسبِ ما اقترفوا من قتلنا
لكلٍّ على قدرِ جبروتهِ
لا رحمةَ في قلبِ
أصحابِ المصالحِ
قانونُ الغابِ يحكمُ
الأممُ المتّحدةُ
والجّامعةُ العربيّةُ تخلّت عنّا
من أوّلِ قتيلٍ سقطَ منّا
أيّها السّادةُ الكبارُ
أشفقوا على الموتِ المسكينِ
على أقلِّ تقديرٍ
لقد أنهكت قواهُ
انظروا إليهِ كيفَ يجرجرُ خطاهُ
امنحوهُ فرصةً ليستريحَ
كي يقالُ عنكمُ
أنّكم بشرٌ
وأنَّ عندكم ضمائرَ حيّةَ .
مصطفى الحاج حسين .
إسطنبول
هم هذا . . .
هم هذا
الملتفُّ حولَ ظلِّ سيدِهم
الذي علَّمَهم
كيفَ تُصادُ الضّحيّةُ بتسويفٍ أخضر ؟
كيفَ أنَّ خيطَ الوهمِ على وهنٍ
يشلُّ ذراعَ مدينة ؟
بقايا مخلوقٍ عاشَ بعينٍ واحدةٍ وألفِ أُذْن . . .
يعلوها بسجعٍ أجوف
منابرُ سائمةٌ من غيرِ عَلَف . . .
ذاكَ الوباءُ الذي حلَّ بأرضِ طيبة
فلا واليَ سملَ عينيْه . . .
ولا واعظَ
ابتلعَ روالَ أقوالِهِ !
بقيتْ أُمُّ عوْفٍ
تُطعمُ ليلَها النّابغيَّ أنيناً . . .
تطوي المُعلّقَ من شفتيْه على مغزلٍ نهاراً أخرس . . .
لعلَّ جودو يخصفُ نعليْه
ويأتي . . .
فالتّثائبُ
فتحَ بابَ الهجرةِ لكهفِ الرّقيم . . .
رُبَّ ثُقبٍ في مُلتَمسٍ
ينفذُ منهُ سهمُ نجاة . . .
فهل يهربُ شاطئٌ أمامَ اسطولٍ من سُفنٍ ورقيّةَ ؟
. . . . .
منذُ أنْ فارَ التّنور
أنْ رأى الفيلُ عينَ مكةَ في وادٍ غيرِ ذي زرع . . .
أنْ نضحتْ خيولُ التّترِ في دروبِ المُستديرة . . .
ما وقفتْ دجلةُ عاريةً في سوقِ النّخّاسين
ولم ترقَ دلالُ سطحَها من غيرِ حنّاء*
تمدُّ يداً مشلولةً لأوراقِ التّوت . . .
تُصلّي واقفةً من دونِ وضوء . . .
حفظتِ الجدرانُ منها صلاةَ الأموات !
وقبلَ أنْ يُلتَهمَ ديكُ شهرزادَ على مائدة :
رباه
زدْهم ما يُنقصُها . . .
. . . . .
مَنْ ألبسَها هذا العُري ؟
تلكَ القِبلةُ المعشوقةُ لقلوبٍ على نأيٍ
هفتْ . . .
أسكرَ الحسنُ عصرَها
فغنّى . . .
من أباحَ قطافاً دنتْ
ولم
سيّان حصرمٌ وما اعتصرَ خمراً . . .
وأتيتَ
ثوراً أسبانيّاً يطاردُ اللّونَ الأحمر . . .
تشعرُ بوخزِ الأرض
لكنَّكَ تكتمُ خطيئتَكَ
حملَ سِفاح . . .
حُلَّ الوُكاء**
فما للقربةِ إلا أنْ تروي ظمأً
تشققتْ شفتاه . . .
أنتَ تملكُ هذا الفيءَ مُلكَ يمين
لا يخرجُ من يدِكَ ما دمتَ فيه
صكٌّ ممهورٌ من آلِ رُغال !
. . . . .
كما تريدُها أنْ تكون
تسفُّ ظلاماً
يتنفّسُ من مبسمِها صبحٌ مُغتَصَب . . .
تُخبّئُ قلباً لا يخفقُ بغيرِ هواكَ
وبآخرَ انتعلَكَ
منذُ أنْ انحنيتَ
تلتقطُ ما تبعثَرَ من فُتاتِ موائدِه . . .
أوسعَكَ ما عندَ شُذاذِ الآفاقِ من ضيق . . .
. . . . .
لباسُ التّقوى
مبلولٌ بدموعِ استغفارِ سيفِ الحَجاج . . .
سطوتَ
تستلُّ قُربى من جوارِ الثُّريّا
أيِّ ذُرى ؟
بينَ الأضداد
تماريتَ بطيبةِ أهلِ الطّين . . .
بلغتَ الشّاطئ
زبداً من وطنيّةٍ ميتةٍ على شفاهِ قنينةِ نبيذٍ
زُفتْ بعُرسِ ليلٍ أحمر !
. . . . .
طولُك حافرٌ
ليسَ هذا الذي تمطُّهُ عنقَ زُرافة
لعلّكَ حرفاً تنالُ من ذاكَ الأسمِ المسروق . . .
عَرضُك
حقيبةُ سطوٍ لأرغفةِ تنّورٍ جائع . . .
اختلفَ القوْم
أيُّهما ؟
حتى كُنتَ
للتّفاهةِ اسماً آخر !
. . . . .
ليستِ الأبجديّةُ من الإماء
لا تُرقُّ تحتَ الشّمس . . .
لا أُسميكَ خوفاً من أنْ تلمُّكَ حروفٌ
تتعدى النّكرة . . .
إنزعْ أنتَ الذي لا يكونُ إلآ كيسَ قَمامة
لا لومَ إنْ بصقتِ المرايا . . .
الثّيابُ
قد تشعرُ بالإثمِ كذلك !
. . . . .
عبد الجبار الفياض
أيلول/٢٠١٧
*أغنية عراقية معروفة .
**ما يربط به عنق القربة .
(أوبرا)
1
المقطع الحالم،،،
مذ مطلع هذا الحب
أ سفاري نحو الفجر
نزار أنت /
فقهت طلاسم أنوثتي
اخترقت سديمي
أهديتني " آلاف النجمات"
صارحتني
بأسماء "العشرين ألف امرأة"
اللواتي أحببت
2
المقطعالباكي،،،
عشقتك يا أنا /
مذ أول تماس للندى و الوردة
مذ أول احمرار للشفق
مذ شغف زوليخة
عصامية .....
حبي قدسي الرؤى
اقتبسته من ،،،
رفرفات جناح ملاك
تراتيل قديسة بالجنة
غيابك
رسمني.....
جاكارتيا بوجه القمر
.....قابع طيفك ....
مسبحة بضفة الروح
3
المقطع الخالد
عد إلي /
ضمني إليك :
الأولى.....
أعود ضلعا بين جنبيك
كبدء التكوين
ضمني الثانية .....
أستقيم / -
الضمة الثالثة ....
يتوب الله على آدم
و نسكن الجنة
بقلم إيمان ملال / الجزائر
،،،،،،حظ سيء،،،،،،
لم سوء الحظ لا زائر ملاصق
فيما حسن الحظ عن حظي مفارق
يبتغيني كلما أطلب شيء
ويقول للمطالب لا موافق
لاذكاء كان عندي يعترض
وآعتراضي فاقه من كان حاذق
ما أضل للطريق إن أتئ
واثق الخطوة في ممشاه واثق
كلما أغلقت بابا حطمه
يقلع الباب إذا توجد مطارق
نادئ سوء الحظ لا صلح معك
وهو إذ يعلنها حربا يبدو صادق
بحث صوتي لا أريد أرفعه
صرت أشبه للغراب صوتي ناعق
جن عقلي ما بقئ عندي شعور
والمشاعر لا تهدأ كل حانق
لم سوء الظن باقي لا يزول
ووعاء السوء دوما فيه غارق
إن حظي لو دقيق ما جمع
في إناء او صفيح سيفارق
بت أرجوه لمرة لا كثير
لويطاوع مني يسمع أنت طالق..
..عباس حسين العبودي.. العراق…
27/9/2017
بقلم : محمد الناصر شيخاوي / تونس
* وهج الإشارات *
ألا أيها الصاحب
أنا لك محب ناصح /
إذا رأيت الليل ينسحب
و عادت أدراجها الرياح
فراهن بكل ما تملك
و قامر
إن الرهان هنا مباح !
لم يبق بعد انحسار ليلنا
غير احتمال واحد / أن يشرق الصباح
أن يشرق الصباح ...
محمد الناصر شيخاوي
تونس في 19 / 9 / 2017
(باب حكمة )
نقر
على باب حجري
كان فيما مضى
مدخله الى الحلم الضبابي
اضاء بأصابعه كل الزوايا
خط في الوسط
المدخل .
مضغه الوقت بصمت
طحنه بين فكيه
ثم
وضعه على صخرة الأنتظار .
جاء مزهوا بخيالاته المعتقة
دعا شركائه في الحلم
أتوه
يمينا وشمالا
ومن كل فج عميق
نقروا
جميعا
الباب الصخري
أصم مغلق على الوهم .
27/9/2017
هوادج
__________
الخروجُ من الفردوسِ
خطوتي الأولى
على تخومِ العتبةِ
التخلي من عسلِ خلايا القهرِ..
وطنٌ أتعبهُ الكاهنُ
وسفرُ الرّيحِ
على سنامِ المنافي
الذي يزرعُ الوردَ
في فيافي الوحدةِ
لأجل فراشاتِ الجوعِ..
خروجي لم يكن اعتباطا ولا بطرا
بل شممتُ شمامَ الزمنِ
من حقول الترجي
وأتبعُ على سرجي
أثارَ عطرٍ كان يمحورُ الأشهرَ الحرمَ
على هوادجِ السرورِ
تبدو للبشرِ
تموز ماتَ بقبضةِ ثلجٍ
ورفسةِ ( عجوز )
جلبت من سبإ
أحلى نبإ..
________
عبدالزهرة خالد
البصرة /٢٧-٩-٢٠١٧
المواجهة
حين لا ينفع الهروب
حين تلتوي بنا الدروب
ونهيم في صحراء الوجود
عاجزين عن الفعل عن الردود
علينا أن نواجه القدر
وننسى أن قلوبنا كسيرة
تنزف أسى وضجر
علينا السير بثبات
رغم الأشواك لدرء الممات
نفتكُّ أنفاسنا لتستمر الحياة
علّنا نقدر فرض وجود عسير
نهدم جدران السجون
نثقب الغيم المفروض
نفجره سيولا وهدير
لتشرق شمس الإرادة
ويلفنا النور بعد الظلام
عبدالله محمدي. تونس.
قَدَمي اليُمنى
عادل قاسم ... من العراق
يتوارى خلفَ جُدران الحروفِ السميكةِ؛ كلبٌ يتربَّصُ بالغبارِ
ماعادتْ الأشرعةُ ولامراكبُ الرغبةِ تقودُنا لمناراتِ الخلاصِ،
انطفأتْ المصابيحُ وتهاوتْ الفناراتُ، تحتَ ( بساطيلِ ) القراصنةِ،
مسافرونَ على غيرِ هدىً نتبعُ ضياءَ نجمةٍ ميتةٍ ، عسى أن تُرشدَنا لرايةٍ يُكحِّلُها الندى،
كنتُ متوقِّفاً على حافَّةِ الصِراطِ، أراقبُ بِدهشةٍ كيفَ يمرُّ عليه المجانينُ بثقةٍ، وضعتُ قدمي اليمنى مُرتعباً، وأنا أنظرُ أسفلَ الوادي السحيقِ وزفيرَهُ الذي يميزُ من الغيظِ. لأَجري أخيراً برشاقةِ المجانينِ وخِفَّتِهم..
يَقفُ دونما حراكٍ، ذلك العجوزُ يُقلِّبُ الأيامَ، المساءاتِ، التي تنطفئُ، ليزدادَ انحناءً، ذاتَ مساءٍ تخشَّبَ جَسدُهُ الطريُّ، أصبحَ زَورقاً صغيراً، يُبحرُ في شواطئَ من الغبارِ
بوابات الأحلام....في أدب وفلسفة
الأديب عبد القادر زرنيخ
.
.
(نص أدبي)...(فئة النثر)
.
.
بوابات الأحلام بين غياهب الأخيلة
بكل باب خيال
وبكل خيال ألف قصيدة مرصعة بالآمل
أيأخذني الهوى عالم نزار
أم تفترش الدوب أحلام جبران
أيا خربشات الهوى رأيت أبوابي كحل رواياتي
.
.
.
باب الهوى أيقظ مشاعري كآهات الأعوام
أأكتب قافيتي على جبين بلادي
أم أرسم جميلتي على بحر الأحلام
كلاهما فقد عتق القمر أقلامي
وانتشى النهر بخمر قصائدي الثمان
.
.
.
باب الروايات
مالي والحزن يعتلي أقلامي
أحلم نزار يهيج مفرداتي فلسفة الإدخار
أم طغى الحلم على الحلم
وولدت كلماتي ألف نزار
بكل نزارية رواية
تحن لها الأوطان
.
.
.
باب الآمال
أأدخل بك الشوق وألقي الأحزان
أراك يا أمي مشعلا يضيء الدرب رغم الطغيان
بين غياهب الأوطان
رسمت وطني بلا ياسمينة اللقاء
أبحث عنها حقول الرجاء
كي أشتم عبقها وأقبل جبين وطني عند الفجر المنتظر
.
.
.
أيبزغ فجر أقلامي وصفحاتي تنتظر الولادة
مابين حلم جبران وأقلامه ألف حكاية
أيسمع الأنين مسراتي وتتراقص فلسفات الهوى
عندها سأنهي الرواية
وأكتب الأوطان حقل البداية
وأزرع الياسمين.مبتسما
وأرسم.من الهوى مدائن السلام
وأنشد الأساطير عند منبر الإنسانية
فقد يسمعني كتاب الهوى
ويقرأ الروح دعاة المحبة
وسفراء الإنسانية
.
.
.
توقيع...عبد القادر زرنيخ
قــــــــــــصيرة : هي: الحــــــــــــياة
---------------------------------
النار المتّقدة في موقد منزلنا
مازال الدفؤ يملأ الفناء
عروقي مثل جراح
غائرة في صدر والدي الكفيف
عرفت الطريق بإضاءة قنديل عينيه
جراح صدره
سفن تمخر بي بحار الشمس
تغطيني كشراع
البلبل الغرِّيد غرِّد فجراً بأعذب الألحان
رمل دم أورق دموع
نحن هنا تحرقنا شمسنا لا تضيء
أرضنا ماؤها حليبها سموم
قمر الكرخ حبيس يخنقه جدار
تمنحنا قليل من رحلة العمر القصير
عمري لا يزال في العشرين
عندما اجتاحتنا عواصف التتار
ربما يزيد قليلاً من العذاب
بلا عطر كشجرة دفلة
سأعيد للزمان حكايات علي بابا والسندباد
أطوي البحار إرادة قوية يد معروقة زرقاء
من يشتري السرور والأفراح من شاب عند المساء
ماتت الشمس في عينيه مثل موت البعير
بيته خال لا نور إلا من حصير
ذوائب قنديله مثل أهداب الضرير
أرضنا مقبرة فيها عظام موتانا لم تنبت الزهور
ماتت دنيانا إثر الطاعون الأسود المشؤوم
مساءنا نهارنا أرواحنا لعيون دار السلام
مقلها تبرق كفانوس من بعيد
ضفيرتها عرق النخيل
قرطها منارة من ذهب يا كحل العيون
مبخرة تفوح بالعطر بالطيب
يا أمي الحنون ...
*****
د .المفرجي الحسيني
قصيرة هي الحياة
العراق/بغداد
28/9/2017
طبيبة القلوب ***
أنا ...
ابجدية البوح ..
صرت عقدا
من الحروف
وقلادة
من القوافي ...
يوحي بها
طبيب القلوب
لتطوق اعناق
العشاق
او تترنح
فوق
باحات الصدور ...
لكل من يعاني
من ضيق
في شريان الوتين
او من عشق
متيّم
ينتفض بين الحنايا
كما تنتفض بلهفة
قلوب المحبين....
نوره حلاب # لبنان
مجازفة
هلال القمح
وسراب الطين......
تلثم الدمعة
خد المشارف.
لا بديل
لندبة جرح
على شفتي النساء؛
للشوق المؤجل
في حلم طفل؛
للشمس الموؤودة
على شرفة الأصيل؛
لبسمة نور
جفت
في حقول الليل؛
لنهار
على خريف الشعاع؛
لخيام
على جسد الحنين.
لا بديل
لمساء
بحلم
وردة شمس
عانقت الدجى
وسهل بئر.....
لدم
على عروق نهر؛
لنسيم فجر
تبخر في نشوة القيظ.....
لا بديل
لمجازفة صك
قزدير الذرى
في بدعة لحن.
ذ بياض أحمد المغرب
قـراءة فـي نـص الشاعـر "علاء الدين الحمداني" (( ضفـة الشيـطان ))
مسكون هذا الجانب
لا تقترب
فيه ..من الإنس الكثير
لو أحببت ..
هناك في ضفة الشيطان
قلم .. كتاب .. أزميل ..
بعض من الأسمال
تواري سوأة البوح الماجن..
رؤوس .. طويلة .. فارغة
عيون .. ترمقك..
بلا أدنى غاية
في باحة الشيطان
مجرفة .. تواريك
بعد أن تتم مراسم تشييع
ذاكرة الضفة النائية
تُزاحم الفسحة الكبيرة
سرادق منسوجة من الوهن
وأثر من موضع نعل
خذه وانثره على زوايا العتم
يتبين لك
من ذر الرماد بالعيون
دكات بافواه فاغرة
كؤوس مترعة من سالف الثمالة
هنا أُرضة المنسأة
تلوذ باليباب
ريش من الغراب .. الحكيم
وقرن مثقوب
تعوي به الريح
ظلين يتبعانك ..
أينما تولي شطرك
يعقبك ظل أخر
أفترشْ ذاكرة موبوءة
بأنفاس الذبيحة
المنبوذ في ليلة العتمة
يدانيه .. الشيطان
هاك بقايا أنسان
تلفظني مرارتي
نافرا... وجلا .. ربما هناك نفعٌ
اترك لي بين الرقود
مقام ..
حيزي ضئيل ..
الزحام شديد في الضفة النائية
كم هو مهلك
صخب الالسنة المترهلة
كل ما في الامر
أنبذه .. أحيانا
لكن ...
كثيرا ما أدانيه
فهو يكاتبني ..
يرتع على حبال
كان قد نسجها
الملعون أبيه ..
لفظته الضفاف البعيدة ..
تورث هدأة اخرى
ضفة الشيطان
بوجوه متربة
أعياها العبور .
لا يمكن النظر الى عتبة النص كترف فكري أو نقدي ، بل ينظر اليه كمدخل نقدي قادر على فتح مغاليق النص وتمكن الناقد من أستقراءه . أضافة الى أستثماره بما يتضمنه من قوة لفظية ترسم ملامح هوية النص وترسل اشارات أسلوبية ودلالية أولية للقارئ ، وعنوان نص الشاعر "علاء الدين الحمداني" الذي يحمل مسمى (ضفة الشيطان) ، شكل العتبة الأولى في القراءة ، نتعرف من خلاله على محاولة الشاعر أن يكتب عن الجانب الآخر من الضفة ، الجانب المسكوت عنه (الإنسان/الشيطان) ، يخبرنا عن وجود مساحة وحيزاً للشر يكون الإنسان فاعلاً له ، بل سوف يبرئ ساحة الشيطان ، في عملية تبادل الأدوار بين الإنسان والشيطان ، طارحاً من خلال تلك الجدلية أسئلة الذات الإنسانية المسكونة بالقلق الوجودي والهواجس المحيطة بحياة الإنسان المتخمة بالعقد النفسية وأزدواجية الشخصية والبودقة التي أنصهرت بها أمراض العصر .
(الشيطان) لفظ واللفظ رمز يشكل صورة في السياق اللغوي ، وهو المفتاح الذي سوف يستخدم في قراءة نص الشاعر "علاء الدين الحمداني" (ضفة الشيطان) ، الذي يُعيّن القارئ في مواجهة نص مركب ، من خلال قراءة فراغات النص ، والغوص عميقاً في أعماقه . أن الشاعر في نصه المركب هذا لايريد أظهار المتعة الجمالية التي يوفرها الشعر بلغته ومجازاته وأستعاراته ، إنما أراد أن يحفر في تراث "أنثربولوجيا المجتمع" باحثاً مع القارئ عن الوعي الجمعي المتشكل من عمق تاريخي تمتزج فيه الرؤى الأسطورية مع الرؤى الدينية التي صاغت رؤاها عن الشيطان ورمزيته .
قد يتحسس الناقد أو القارئ الرؤية العميقة للشاعر في التعبير عن "الشيطان" بطريقة شعرية تكون مدخل لمعرفة ملامح الصورة الشعرية التي تختزل كل النص من أجل فضح الإنسان في تمرده الشيطاني ، والذي يرى أن الشر لم يتسبب فيه الشيطان فحسب ، إنما الشر في جانب أخر منه ينشره الإنسان بين أبناء جلدته .
مسكون هذا الجانب
لا تقترب
فيه ..من الإنس الكثير
لو أحببت ..
فالشاعر يريد أن يقنع المتلقي بأن مصدر الشر ليس في الصورة الشيطانية الراسخة فى العقل الجمعي ، إنما الشر ينتشر بين البشر كذلك ، ويولد من رحم الإنسان . إذاً هو صورة للشر والجشع والرغبة المتجذرة في أعماق النفس الانسانية ، حين تفرض نفسها عليه . وهذا مصداق ما ذهب اليه المستشرق ألألماني "فريدريك روكرت" 1788 - 1866 م ، في قوله:(غادر الشيطان العالم ، لأنه يعلم أن الناس يعذب بعضهم بعضاً ) .
هناك في ضفة الشيطان
قلم .. كتاب .. أزميل ..
بعض من الأسمال
تواري سوأة البوح الماجن..
نص الشاعر "علاء الدين الحمداني" يحتاج إلى قارئ منفتح على كثير من المعارف حتى يتمكن من أن يعيد نتاج الدلالة التي يستنبطها الشاعر من روافد معرفية كثيرة . لقد أستحضر الشاعر في نصه "الشيطان" ليأخذ دلالته ، ليكون رمزاً للتمرد وذات دلالة معجمية ودينية وأخلاقية تفيد المعنى المقصود .
نحن نعرف أن الشيطان أرتسم في مخيلة الإنسان منذ القدم فهو مرتبطاً بالتمرد على الأوامر الإلهية ، وهذه الفكرة وجدت في حضارات وادي الرافدين والمصرية والهندية واليونانية وكذلك في الأديان السماوية والوضعية ، حين يوصف "الشيطان" في الأديان والحضارات كرمز يجسد قوى الشر ، وهذه الفكرة تشكل قاسم مشترك بين الناس في مختلف الأزمنة والأمكنة ، وفي مختلف الديانات في ربط صورة الشيطان بالشر . ولكن هناك من يعتقد بوجود قوى ، لها عقل وفهم وقدرة ، هي سبب الشر في الحياة ، فلا تجعل من الشيطان أن يختزل الشر فيه فقط ، هذه القوى تمثلت بالبشر ، بل أن بعض البشر شياطين بتكوينهم العقلي والنفسي . وهذا لا يعني نكران ذكر "الشيطان" وقد ورد كثيراً في القرآن والأحاديث النبوية والشعر والحكايات ، وفي تراث الانسانية بصورة عامة ، ولكن عندما تطرح قضية "شيطنة الإنسان" ليست انعكاسًا لمفاهيم دينية سائدة ، رغم أنها تعالج قضية دينية بعينها ، متعلقة بالشيطان والإنسان ، وأنما هناك من العلماء من أشار الى أن شياطين الأنس (هذا النوع من الشياطين خطير فعلاً وخطورته تكمن في إنه يتكلم بلسانك المادي فهو يقتلك ويعطيك السلاح والقنبلة لتقتل بها الإنسان الأخر ويسرق بيديه ويعلمك سبل السرقة) . بالرغم من أن للشاعر تناصه الديني مع النصوص الدينية ، فيتناص مع لغة القرآن الكريم في أكثر من موضع لغةً وصوراً .
هنا أُرضة المنسأة
تلوذ باليباب
...
ظلين يتبعانك ..
أينما تولي شطرك
يعقبك ظل أخر
الشاعر"علاء الدين الحمداني" يمارس وعياً شعرياً عبر الكشف عن التناقضات النفسية للإنسان وعن الوقائع والأشياء التي تتعلق بعوالمه . فهو يرى أن الشياطين أصبحت تتعلم من الإنسان الشرور والأفساد ، وأن الشيطان ليس المحرك الأساسي لهما ، بل أن الفساد الحقيقى هو فساد الضمير الإنسانى . أن النص منفتح على تأويلات تتضارب والرؤى تختلف من أجل الوصول الى الحقيقة التي يريدها الشاعر ، وأعتقد أن كثرة التأويلات هي دلائل تشير الى نجاح الشاعر في الوصول إلى القارئ على أختلاف توجهاته . لقد قدم لنا الشاعر نصاً بلغة فلسفية رمزية نفسية أجتماعية ، بمجمله ساقه على ما أمتلكه الشيطان من أدوات ،والرمز عنده ربما كان لغزاً مبهماً ، ولكن ليس بالصيغة المباشرة ولا التقريرية ،وهذا في حد ذاته موقف محمل بالإثارة ، إنه رمز وطاقة شعرية وصورة تنطق بكل المعاني والدلالات التي جمعها في عنوان النص (ضفة الشيطان) . أن الحجر الأساس في البناء الشعري للنص هو (الشيطان) الذي أحسن الشاعر أستغلاله ، وكان ذلك في قوة بنائه وتماسكه ، وقوة معانيه الذي بث فيها الروح .
النص متخم برمزية عالية تكاد أن تكون جميع مكوناته رمز ، حتى يترائ للناقد أن هناك نصين في نص واحد ، نص ماثل أمام القارئ كما أراده الشاعر ، ونص غائب لايكشف عنه إلا القارئ أو الناقد الذي يسير بين الضفتين ، يتلمس فعل الإنسان ووحشيته التي فاقت الشيطان ، حتى ذُهل من حماقات التي أرتكبها ، والتاريخ خير شاهد على جرائم الإنسان بحق أخيه الإنسان ، وإلا بماذا نفسر أندهاش الشيطان وهو فاغر فاه .
يتبين لك
من ذر الرماد بالعيون
دكات بافواه فاغرة
ترى الناقدة الفرنسية "جوليا كريستيفا" أن النص الشعري أي نص (لوحة فسيفسائية من الاقتباسات ، وهذه الاقتباسات أو النصوص الغائبة تتداخل في النص الشعري كمكونات أدبية وثقافية متنوعة تتواشج وتترافد من أجل صناعة الدلالة الكلية للنص) .
سأكتبك صغيرتي "رذاذحنظل على شفة سكر"
زكية محمد
أعلم أن ولادتي اول الخيبات
عين أمي ترعاني بفزع
وأبي رجل تبرأت منه حمير القبيلة
فاختار ان يحرث سهل الله محبة
ويتجرع من عباده كؤوس الغدر
بين يديه نبت خبز لذيذ
جهل جيبه فرحة العيد
الأقمار لم تستكشفه بعد
جزيرة من التحدي والصبر
هكذا حدثني شاهد قبره
ليلة التهجير والغضب
تركت موطني
عند تربته الأبية
باكية للغوث سعيت
من يحميني شبح الذل
معلقة بين قهر الماضي
وشؤم المستقبل
أم رؤوم أبعدوها هناك
طالتها خسة نخاس
اهربي صغيرتي
ربما يحتضنك الفجر
وئدت صرختي
هرولت وراء نجاتي
في متاهة المخيمات تهت
بين أسلاك الخيبات سقطت
لن اعلن إفلاسي
أنياب اسد غاضب
غرست في لحم جيف
ومايليق بنبل الملوك الحيف
لكنني من جور الذل اشتكيت
فعلت..اجل للمحظور التجأت
بقانون" الضرورة اصل المستباح"
الشيء واللاشيء سيان
لن اورث سكوت أمي وخنوع أبي
احمل في قلبي الصغير جناحين
ينبت ريشهما مع هطول الدموع
وتحريض الشموخ
كنسر ثائرسأحلق يوما
لن يردعني قيد ولا غل
لن يمسني كهن تدخل إنساني
يسجن كرامتي
بين خطوط الطول والعرض
أرض الله موطني
بالدم نقشها الاحرار
وآمن بها الأبرار
قدر لي ان انسى ملامح وطني
طهر من نجاسة القيد
سبية للحق اثور واتمرد
اعلم ان موتي ليس نهاية الخيبات
في زمن تستنسخ فيه المصائب والزلات.
لكنها حكاية شفاه حلوة صغيرة
عافت حنظل الهجر
فاحرقت سجون الأموات.
اللصقة ...
قصة : صطفى الحاج حسين .
كان زملاؤه في الجامعة ، يسمونه " اللصقة "
فما من مرّة رأوه مقبلاً نحوهم ، إلاّ وسارع أحدهم لتنبيههم ، قائلاً في حذر :
- جاء اللصقة .! .
فينسحب بعضهم قبل وصولهِ ، بطريقة ذكيّة قائلين :
- لنهرب .. قبل أن يحلّ بلاؤهُ علينا .
وسبب هذا يعود إلى ظروف " عبد الله " القادم من الريف ، ليتابع دراسته في كليّةِ الآداب.
جاء إلى حلب من قرية " عامودا " الواقعة على الحدود الشرقية ، محمّلاً بآمال عظيمة وطموحات عالية ، وأحلام غزيرة ، وموهبة متقدةٍ ، مخلّفاً وراءه أباً طاعناً في الشيخوخة ، لا يقدر على فعل شيء، سوى تحدّي " عزرائيل " ، فكثيراً ما شاهد والده ، يعارك ملك الموت ويرغمه على التقهقر ، في حين يبقى العجوز متمسكاً بروحه المهترئة .. ولولا عمل أمّه وشقيقاته في حقول الآخرين ، لما تمكنت العائلة من العيش .
كان " عبد الله " في كثير من الأحيان ، يندم
لأنّه لم يسمع كلام والدته ويترك الدّراسة ، فهو
بشكل دائم في حاجة وعوز ، ولو لم يكن ينزل إلى " باب أنطاكيا " حيث معرض العمال ، للبحث عن رزقه ، لما تمكن من اجتياز السّنوات الثلاثة الماضية بسلام .. وخاصة بعد أن حرم من القرض الجامعي ، بسبب رسوبه في السنة الماضية . في
كلّ عام وخلال فصل الشتاء ، كان يمرّ بمثل هذه الضائقة ، فالعمال المختصون لا يجدون عملاً في
هذه الأيام الباردة والماطرة ، لولا طموحاته وأحلامه القوية ، لترك الجامعة منذ أمدٍ بعيد . ومن حُسنِ حظّهِ أنّه يقيم في بيت زوج شقيقته
الذي يعملُ في الخليج ، كان يضطر إلى الاستدانة من أصدقائه ، ريثما يجد عملاً فيردّ إليهم دينهُم ،
وكانت ظروفه السيئة ترغمه على فرضِ نفسه ضيفاً مكسور الخاطر ليتناول الطعام في منازل أصدقائه ، جاهلاً أن أصدقاءه يطلقون عليه لقب
" اللصقة " ، ولكنّهم رغم كلّ سخرياتهم التي يطلقونها وراءه ، يعاملونه باحترام وودّ ، وذلك بسبب شاعريّتِهِ الكبيرة .. " فعبد الله " شاعر موهوب ، له حضوره في الملتقيات الأدبية التي
ترعاها الجامعة ، وكان معظم زملائه يشاركونه ذات الميول، لذلك هم يحسدونه لتفوقه عليهم في
الشّهرة ، وامتداح النقاد والتفاف المعجبات حوله..
ولمّا كانوا عاجزين عن النيل من شاعريته .. أخذوا
يسخرون من نقطة ضعفه الوحيدة ، ألا وهي سوء
حالته المالية ، وعوزه الدائم إليهم ، لذلك وصفوه
بال " لصقة " .
وفي هذا الصباح الممطر ، استيقظ " عبد الله" مهموماً مكروباً ...فهو في حالة إفلاسٍ لا مثيل لها،
مضى عليه أكثر من عشرين يوماً دون أن يتمكّن من العمل.. فالأمطار لا تنقطع ، والعمل في ورشات البناء معدوم ..و " عبد الله " يقتصد .. في كلّ شيء يقتصد ...في عدد وجباته القميئة ، في نوعية وكمية سكائره .. في حلاقة ذقنه .. وشرائه
لتذاكر باصات النقل الداخلي .. في الصحف والمجلات .. وتردده إلى المقصف المركزيّ ..
ومرافقة صديقاته اللواتي اضطر أخيراً أن يستدين منهنّ رغم شعوره بالخجل . وعاد أيضاً لبيع الكتب التي تمكن من جمعها خلال الصيف ..
فهو في كلّ شتاء ، يضطّر لبيعها من جديد ، حتّى
أنّه في الأونة الأخيرة ، اضطّر إلى بيع ساعة يده
التي هو بأمسّ الحاجة إليها . ومع هذا فقد وقع
يوم أمس بين فكّي الإفلاس ، ونام ليلته وأمعاؤه
نتضوّر من الجوع .
نهض من سريره المنحني والمزعج في صريره
، واتّجه نحو المطبخ النتن الرائحة، وراح يبحث عن لقمة يسدّ بها رمقه ، رغم علمه بأنّه يبحث عن
لا شيء .. عنده زيتوناً ولا يوجد خبز ، ولديه سكّر
ولا وجود للشاي .. ويملك قليلاً من البرغل في حين أن السّمن والزيت غير متوفرين ، فكيف له أن يتدبّر أمره ؟! .. فكرة أن يستدين من الجيران خبزاً ليست واردة ، لأنّه استدان منهم في مرات
سابقة وكثيرة وعجز عن ردّ ما استدان لدرجة أن
رفض جميع جواره أن يعطوه رغيفاً واحداً يوم أمس .وتساءل :
- (( ماذا أفعل ؟.. أمعائي تزقزق طوال الليل ، صرت أخجل من طلب الاستدانة ، أنا مدان للجميع ، مامن شخص أعرفه إلاّ واستدنت منه ، ديوني لسبعة وثلاثين شخصاً ، بمبلغ / 4645/ ليرة سورية .. فإلى متى سأظلّ معتمداً على الدين
؟!.. أخذ أصدقائي يتهربون منّي ، " يطنشون " إذا
ما شكوت لهم سوء حالتي المادية ، حتّى أنّ صديقاتي اللواتي كنتُ أخجل أن أظهر فقري أمامهنّ ، أصبحت مداناً لتسعٍ منهنّ ، بما فيهنّ " انتصار " التي تحوّل حبّها لي إلى دروسٍ في الاقتصاد ، والاعتماد على الذات .)) .
ولأنّ " عبد الله " جائع ولا يملك حلّاً لمشكلته
سوى اللجوء إلى أصدقائه ، فقد قرر أن يذهب إلى صديقه " بشير " ، الأكثر رفاهيةً من الجميع ،
سيداهمه في بيته قبل أن يغادره ، ويتناول معه
فطوره ، ويطلب منه بضع ليرات .
أسرع بارتداء بذّته الجامعية العتيقة ، وخرج
مسرعاً ، فكان المطر بانتظاره ، ولأنّه لا يملك نقوداً
ولأنّ باصات النقل الدّاخلي تتأخر في المجيء ، قرر أن يذهب سيراً على قدميه ، من منطقة " الأعظمية " إلى حيّ " الجميلية"
غير عابئ بسقوط المطر فوق رأسه الأصلع
بعض الشيء .
في تمام السابعة والنصف ضغط على زر
الجرس ، وهو يأمل ألاً يكون " بشير " قد تناول فطوره ، وانتظر برهة والحياء يلسعه ،
كم مرّةً يفرض نفسه .
مامن أسبوع إلاّ ويحلّ عليه ضيفاً ثقيلاً ، اللعنة على الجوع ، لو لم يكن " بشير " أفضل أصدقائه لما زاره هكذا .. عاود الرّنين
مرّةً ومرّتين ، وقلبه ينبض من شدّة توتره وخجله ، وسمع وقع أقدام تقف خلف الباب،
واختفى بصيص الضوء المنبعث من العين
السحرية ، فغضّ بصره حتى لا تلتقي عينيه
بعين الناظر ، وفجأة سمع صوتاً أنثوياً يسأل:
- مَن ؟؟ .
تنحنح " عبد الله " .. وقال :
- أنا صديق بشير ، هل هو موجود؟.
لم بأته الجواب .. بل أبصر الضوء ينبعث
من حدقة العين السّحرية ، فأدرك أنّها دخلت
لتنادي أخاها " بشير " .. مضت لحظات اعتقد أنها توقظه ، ولهذا عذرهم عن التأخر،
سمع وقع الخطا من جديد ، أبصر العين السّحرية تظلم ، وعاد صوت الأنثى يخاطبه:
- مَن حضرتُكَ ؟.
بادر يُجيبها على الفور ، والحرج بادٍ في نبرات صوته :
- أنا صديقه .. عبد الله الحجي .
وابتعدت عن الباب مرّة أخرى ، وانبعث
الشّعاع من العين السّحرية .. غابت في هذه المرّة مايزيد عن الدقائق الثلاث ، لدرجة أنّه
شعر بالضجر والندم على مجيئه في هذا الوقت المبكر ، فكّر أن ينسحب ولكن فات الأوان ، فها هو يسمع وقع الخطى ، ولابدّ أنّ
" بشيراً " استيقظ ، وتفاجأ من زيارته غير
المتوقعة .
لكنّ الباب لم يفتح ، كلّ ماحدث أنّه سمع ذات الصوت الأنثوي :
- بشير غير موجود ، لقد خرج في السّادسة
والنصف .
لعن نفسه لأنّه فكّر في هذه الزيارة ، وتيقّن أنّ صديقه موجود في الداخل ، أحسّ أنّه أهان كرامته ، ليس من المعقول أن
يبقى متطفلاً على أصدقائه ، لدرجة أنّهم باتوا يسدّون أبوابهم في وجههه ، داهمته موجة من الانفعال ، فامتزجت دمعته التي طفرت من عينيه بحبّات المطر ، المنسابة على وجهه الشّاحب .
سار في الطرقات حاملاً خيبته في صدره
، ومعدته تتقطّعُ من شدّة الجوع ، ولمّا كان
لا يملك سوى سيكارتين ، قرر أن يدخّن واحدة منهما .. وتساءل :
- (( أين أذهب ؟ .. هل أتوجّهُ إلى عبد الناصر ، الذي استدنت منه خمسين ليرة منذ
أكثر من شهرين ، ولم أردٌها إليه حتّى الآن .؟ )) .
ولأنّه لا يملك إلاّ هذا السبيل ، فقد عزم
على زيارته ، فمنزله قريب بعض الشيء ، يقع في " الحميديّة " .
لحسن حظّه لم يعتذر سكان البيت عن
عدم وجود صديقه ، فها هو " عبد الناصر"
أمامه بشحمه ولحمه يفتح الباب ، بينما يمضغ شيئاً ما .
استقبله " عبد الناصر " وأدخله غرفته الخاصّة ، وقبل أن يتّخذ مكانه على الأريكة،
بادره " عبد الناصر " قائلاً :
- أشعل مدفأة الكهرباء وتدفأ ، ريثما أكمل فطوري مع أهلي .
كم ودّ أن يسأله صديقه ، إن كان قد تناول
فطوره . وأخذ يقارن بين عادات المدينة والريف ، هناك ما إن يحلّ الضيف ، حتّى يهرع أصحاب البيت لإحضار الطعام .
وبعد أن أشعل المدفأة وأخذ يدفء جسده الهزيل ، تناهى إلى سمعه ، صوت " عبد الناصر " من الداخل .. قائلاً :
- أرجوك ياأمي دعيني أقدم له الفطور .
وجاءه صوت امرأة منفعلة تزعق :
- والله أنا ماعندي مطعم لك ولأصدقائك ، قلت لك افطر معنا ، وإلاّ ستبقى جائعاً .
انصعق " عبد الله " ، دارت به الغرفة ،
وكأنّ صفعة قوية باغتته فجأة على رقبته،
هل بلغ الأمر إلى هذه الدرجة ؟؟!!.. هل أصبح مزعجاً لأسر أصدقائه دون أن يدري
؟؟!!.. ينبغي عليه أن يخرج من هذا المنزل،
وبأقصى سرعة ، لقد بات يقرف من نفسه ،
كان يجب أن يسافر إلى أهله ، قبل أن ينفق
أجرة المواصلات ، فالامتحان لا يهم ، فليرسب هذه السّنة كما رسب في السّنة السّابقة ، كرامته أهمّ من دراسته .. اللعنة عليه يوم فكّر أن يتحدّى ظروفه ، ويتابع إقامته في حلب ، حتّى يتقدّم لامتحان الفصل الأول .. إنّه غبي عديم الإحساس ، كان على والده أن يوافق على بيع قطعة الأرض البور التي يملكها ، فهو رجل عجوز
لا يقدر على العمل بها ، و " عبد الله " يطمح
أن يكون أستاذاً كبيراً ، فمن سيعمل في الأرض ؟ وتمنّى أن يقصف الله عمر والده ، الذي طالت حياته أكثر ممّا ينبغي .وحيداً كان في الغرفة مع أفكاره ، في حين كانت
أمعاؤه تنهشه بعنف وجنون ، وشعر بالدوّار،
وأحسّ أنّه يوشك على التقيّئ .
وفتح عليه " عبد الناصر " حاملاً صينية
عليها كأسان من الشّاي السّاخن ..في حين
كان يبتسم ويردد :
- أهلاً وسهلاً .
وضغط على نفسه ، أجبر ذاته على الجلوس
، وتظاهر بعدم سماعه بما دار من حوار ، فهو
على كلّ حال ممتن من " عبد الناصر " .
ودّع صديقه فور انتهائه من احتساء الشاي ، كان عليه أن يمشي تحت وابل المطر الذي تضاعف انهماره .. بينما كانت النار في أعماقه تغلي من مرارة القهر والشعور بالذلّ والإهانة ، راح يحدّث نفسه:
- (( هل كان عليّ أن أشارك " حمود " في بيع
الدخان المهرّب ؟! .. حتّى أتمكّن من العيش
دون أن أحتاج الآخرين .)) .
سيتخذ قراره بعد أن يسدّ رمقه ، آلام الجوع تمنع عنه القدرة على التفكير ، سيذهب إلى " عماد " يطلب منه عدّة ليرات تكفيه للسفر إلى أهله ، لا حلّ أمامه إلاّ هذه الطريقة .. أصدقاؤه منقطعون عن الدّوام ، بسبب اقتراب موعد الامتحانات .
قبل أن يدخل باب العمارة ، برز " عماد"
أمامه حاملاً مظلّة سوداء .فرحّب به ودعاه أن يصل معه إلى الفرن ليشتريا خبزاً ويعودا
إلى البيت .
ساعة ونصف و " عبد الله وعماد " يقفان
تحت المطر وسط هذا الازدحام ، حتّى تمكّنا
أخيراً من الحصول على أربعة كيلو من الخبز
من شدّة تلهفه على قطعة من الخبز السّاخن ، أسرع ليتناول الخبز عن " عماد " ،
وقبل أن يصله ليلتقط قطعة ويلتهمها، وقف
أمامهم والد " عماد " وبعد السلام .. قال الأب :
- هات الخبز ، واذهب لتسديد فاتورة الكهرباء ، ثمّ عودا إلى البيت .
أحسّ بخيبة كبيرة ، فأخذ يردد في طيات نفسه الجائعة :
- (( كم كان حظي سيئاً ، لماذا لم يتأخر والد
" عماد " دقيقة عن الوصول إلينا ؟! .)) .
لقد خطر له أن يتناول رغيفاً ، لكنه في
النهاية خجل ، لو كان " عماد " بمفرده لكان
الأمر أسهل .
في الطريق راودته فكرة أن يستدين من " عماد " مبلغاً بسيطاً يكفيه لشراء " صندويشة " ، وتذكّر أنه مدان " لعماد " بأكثر
من ثلاثمئة ليرة ، فأحجم عن الكلام ، لأنّه خجول .
تابع طريقه مع " عماد " آملاً أن يتناول عنده وجبة الغداء، بعد أن يسددا فاتورة الكهرباء ، لم يكن يتصوّر أنّ تسديد الفاتورة،
سيحتاج لكلّ هذا الوقت .. الازدحام كان هائلاً .. ومن جديد كان عليهما أن ينتظرا الدّور ، ولم ينتهيا من أداء المهمة حتّى انتصف النّهار .
أخيراً سيعود مع " عماد " إلى بيته ليتناولا الغداء .. كان يمشي ولسان حاله يقول :
- (( ياالله .. متى سنصل ؟ .. ريقي فرط ، أمعائي تتمزّق ، أمّا أقدامي فلم تعد قادرة
على حملي .)) .
انتبه " عماد " إلى حالة صديقه ، تفحّص
وجهه ، ثمّ سأله :
- مابك يا " عبد الله " .. ولم وجهك مصفر؟!.
وكاد أن يصارحه بحقيقة جوعه ، فهو
يتوقّع أن يغمى عليه .. لكنّه فضّل الصمت:
-(( لماذا أفضح نفسي ، طالما أنا ذاهب معه ،
لأتناول الغداء .. هل من الضروري أن أطلعه
على حقيقة وضعي التعس ، لا لن أتكلم.)).
وعند المنعطف .. أي بالتحديد، عند تقاطع الطرق الأربعة الرئيسية ، أذهله " عماد " عندما مدّ له يده مودعاً ، وابتسامة
الحرج على شفتيه :
- أنا آسف يا " عبد الله " ، عندي موعد هام وضروري مع خطيبتي ، لن أستطيع أن أدعوك إلى زيارتي الآن .
امتقع لون وجهه أكثر ، واضطربت شفتاه
حينما رددّ :
- بسيطة .. أزورك في وقت آخر .
وبعد أن تصافحا ومضى كلّ في سبيله.
خطر له أن يتشجّع فينادي " عماداً " ليستدين منه بعض الليرات ، أسرع خلفه مهرولاً غير عابئ بأنظار المارة :
- عماد .. يا عماد .
استدار " عماد " ، توقف حينما شاهد
" عبد الله " يتبعه ، ويناديه .. واقترب " عبد
الله " والاضطراب والخجل يسيطران عليه:
- عماد .. أريد منك أن تقرضني بعض النقود.
ابتسم " عماد " ، أطلق زفرة قويّة خرجت
من أعماقه ، راح يتأمل أنامله في حيرة .. ثمّ قال :
- والله يا " عبد الله " لا أعرف ماذا أقول لك،
أنا جد آسف، وأقسم لك أنّي لا أحمل معي سوى بضعة ليرات ، لن تكفيني لو دعوت خطيبتي
إلى فنجان قهوة .
أحسّ بندم شديد ، وبانفعال مرير ، وأخذ
يلوم نفسه لأنّه عرّض حاله لمثل هذا الموقف المهين ..
- (( غبيّ أنا ، كان عليّ أن أوافق " حموداً " وأشاركه في تهريب الدّخان .. " حمود " أصبح مهرباً كبيراً .. جيوبه امتلأت خلال فترة قصيرة .. أمي تقارن بيني وبينه بشكل
دائم ، تلومني بدون رحمة ، تقول :
- انظر إلى حمود .. يدرس ويصرف على نفسه وعلى أهله ، إنّه رجل .. أنت يافرحتي
عليك لحظة تريني صورتك منشورة في الجريدة ، وكأن الشعر سيمنع عنّا الجوع ؟!))
سار بمفرده ، واجهات المحلات تتحدى
فقره ، وتفقأ عينيه ببريقها الأخاذ ، ومرّ بالقرب من مطعم .. شاهد الفروج المشوي يتلوّى فوق النار ، فرددّ :
- (( أنا لا أطمع بتناول الفروج ، " صندوشة "
فلافل تكفيني .. اللعنة عليّ يوم أغضبت " حمود " ، لقد أخطأت يوم شبهته بالجرادة ،
كان أكثر ذكاء منّي . ولكن كيف لي أن أكون
شاعراً ، ومهرّب دخان في آن واحد ؟!.. كان
يجب أن أرفض عرضه المغري .. فأنا لا أقدر
أن أكتب قصيدة ، إن لم أكن راضياً عن نفسي . )) .
شعر بشيء يشبه الغصّة في أعماقه تقهقه وتسأل :
- وهل أنت راض عن نفسك الآن أيها الشاعر المبجّل ؟! .
- ليتني أعرف عنوان " حمود " ، سأبحث عنه لا شك . أمّا الآن عليّ أن أذهب إلى المدينة الجامعية ، سأطلب " انتصار " وأصارحها بحقيقة وضعي .. إنّ أحشائي تتقطع .. تتمزقُ .. تتعاركُ .. تقرقرُ .. تعوي..
تنهشني .)) .
وتوقف ، تحيّر .. وتساءل :
- (( هل أعاود الكَرّةَ من جديد ؟.. وأذهب إلى " انتصار " التي أحبّها أستجديها بذلٍ وانكسار ؟!.. وهل ستتكرر نفسُ المسألة .)).
توجّه إلى " المنشيّة " ، انتظر طويلاً ،
وهو يرتعش من شدّة البرد والجوع على السواء .. بعد زمن جاء باص المدينة الجامعيّة ، اكتظّ بالركاب ، ولأنّه لا يملك تذكرة في هذه المرّة ، حدث أن توقف الباص ، وصعد إليه المفتشون ، أخذوا يطلبون التذاكر من الركاب ، حاول أن يختفي ، أن يتملّص ، أن تنشق الأرض وتبتلعه ، أن يقذف بنفسه من النافذة المكسورة ، فلم يفلح . ها هو المفتّشُ ببذتهِ
الزّرقاء يقف أمامه ويطالبه بالتذكرة ..وحتّى
ينقذ نفسهُ من هذه الورطة السّخيفة ، بادر
على الفور وناول المفتش هويته الشّخصية ،
ليقوم بحجزها ريثما يذهب إلى الصندوق ويسددّ الغرامة .
ودمدم في سرّه :
- (( أنا لا أصدّقُ الذي يحصل معي ، هل هذا
اليومُ يومُ النّحس ؟؟!!.)) .
لم يجد " انتصار " في غرفتها ، أخبرته إحدى زميلاتها في الوحدة الرابعة ، أنّها خرجت منذ ساعتين ، ولا تدري إلى أين ؟.
تسمّر في مكانه ، واقفاً ينتظر مجيء صديقته " انتصار " ، مضت أكثر من نصف
ساعة ، فأدرك أنّها لن تأتي .. فجرّ قدميه
المنهكتين وابتعد .
رفع رأسه المبلل بكامل صلعته ، نحو شرفات الوحدة الرابعة ، فتلاقت عيناه الغائرتان بالفتاةالتي أبلغته بخروج " انتصار" ، تقف مع ثلاث فتيات في الطابق
الثالث يتغامزن ويضحكن بشدّة .
فانتفض قلبه كسمكة قذفها الصياد فوق
الرّمل ، وغصّت حَنجرتهُ بألمه فأراد أن يبصق ، وإذ به يجهش في بكاء مرّ .
عاد أدراجه من المدينة الجامعية ، سيراً
على الأقدام المنهكة والمتورمة ، والدنيا مظلمة في عينيه الزائغتين ، من شدّة الجوع
- (( الموت أهون من أن أصبح سخرية ، كان
يجب أن أسافر ، اللعنة على الجامعة ، كنت
أطمح بالشهرة والمجد ، وها أنا تحوّلت إلى سخرية .. بنبغي لي أن أجد " حمود" سأعمل
معه ، صدق " حمود " في قوله :
- معك قرش تساوي قرش . )) .
ولأنه لا خيار له إلاّ بالبحث عن صديق يطعمه وينقذه من جوع هذا اليوم ، قرر أن يعود إلى منزل صديقه " بشير " الذي ذهب إليه صباح هذا اليوم ..فما أدراه .. لعلّ " بشيراً " كان بالفعل غير موجود في البيت ،
أو ربما كان نائماً فلم يشأ أن يستيقظ باكراً.
على أي حال " بشير " أفضل من جميع أصدقائه .
استطاع أن يلتقي " ببشير " ، وما إن استقبله حتى ضحك ، وقال :
- أنا آسف لأني لم استقبلك صباحاً .. كنت نائماً حقاً .
ابتسم بينما كان الأمل ينبعث من أعماقه
في حصوله على الطعام :
- كنت واثقاً أنّك موجود في البيت .
دخل إلى غرفة الاستقبال الفخمة ، وإذ به يصطدم بعدّة أشخاص موجودين . فرمى
السّلام وجلس شاعراً بالحنق من حظه السيء . قال " بشير " :
- أعرّفك على شركائي في التجارة .
- ابتسم مندهشاً :
- هل أنت تعمل إلى جانب دراستك يابشير؟.
قهقه " بشير " وأجاب :
- بالطبع .. أتريدني أن أكون مدرساً في المستقبل ؟!.
اتّسعت دهشته .. وسأل :
- إذاً لماذا تتابع دراستك ؟!.
- حتّى أرضي غرور بابا وماما ،هم متمسكون
بالشكليات ، الشهادة الجامعية ضرورية في تقاليد عائلتنا .
واستطاع " عبد الله " أن يرسم على شفتيه ، ابتسامة المجاملة في حين كان يسأل :
- وبماذا تتاجر " يابشير " ، شغلني معك إن كنت أنفع .
وانفجر " بشير " بضحكة مجلجلة ، صارخاً في هياج :
- أنت لا تنفع ياصديقي في شيء ، سوى في
الشعر ، لأنّك رومانسي .
احتج " عبد الله " وأراد أن يقنع صديقه
بأنه ليس رومانسياً ويصلح للعمل :
- قل لي بماذا تتاجر ، لأبرهن لك أنّي إنسان عملي .
احمر وجه " بشير " وقطّب وجهه وأشار
بيده إلى الرجل البدين ، الجالس قرب التلفزيون الملون :
- اسأل " أبا درغام " عن نوع تجارتنا .
فما كان من " أبي درغام " إلاّ أن ابتسم،
وتكلم بصوته المتهدّج :
- نحن يأستاذ نتاجر بشراء البطاقات التموينية .. فما رأيك ؟ .
انصعق " عبد الله " وأراد أن يتكلم ، لكنّ صوت " بشير " أوقفه :
- مارأيك ياصديقي ؟ .. أنا مستعد أن أدفع لك خمسمئة ليرة ، على كلّ بطاقةٍ تشتريها لي .
وسأل " عبد الله " في حيرة :
- وكم تدفع ثمن بطاقة الشّخص الواحد ؟.
- بألفين وخمسمئة ليرة ، باستثناء ما ستتقاضاه أنت .
وجم " عبد الله " برهة ، ثمّ رددّ :
- هذا حرام .. أنا بالفعل لا أصلح لمثل هذا العمل .
وضجّ المجلس بالضحك ، في حين كان " بشير " يرددّ :
- ألم أقل لك ، أنت لا تصلح إلاّ لكتابة الشعر.
قدّم " بشير " لضيوفه الشّاي ثمّ القهوة،
وسكائر أجنبية فاخرة ، و " عبد الله " في حالة يرثى لها .. وكلّما همّ بالانصراف راودته
فكرة أن ينصرف شركاء صديقه قبله ، وبالتالي سيطلب الطعام من " بشير " حتى وإن تقاعس عن إحضاره .
من خلال الجلسة علم أن شركاء " بشير"
كانوا مدعويين على تناول الغداء ، ولقد تناولوا غداءهم قبل مجيئه بلحظات، وعرف
أيضاً أن "بشير " قدّم لضيوفه( لحم بعجين)
فقال حتى يحرّض " بشيراً " على إحضار بعض الأقراص له :
- والله ياأخي ( اللحم بعجين ) لذيذ ، أنا أفضله عن سائر المأكولات .
فابتسم الجميع دون أن يحرّك " بشير " ساكناً .
وبعد فترة شعر بالدوار .. وبالغثيان ..
وبلعابٍ شديدٍ ، يملأ فمه ، وازداد شحوب وجهه ، أخذ جسده النحيل برتجف .. وانتبه
الحضور إلى حالته، فأسرع" بشير " لإحضار
كأسِ الماءِ لهُ، وسألهُ شريكُ " بشير " الضخم
الجثة :
- لعلّكَ جائع ؟!.
أراد أن يغتنم الفرصة الذّهبية ، ويرغم
" بشيراً " على إحضار الطعام :
- والله أنا لم أفطر .. ولم أتناول الغداء .
وأخذ الجميع يلومونه .. حتّى " بشير "
دون أن يتحرّك :
- هذا لا يجوز .. الجوع كافر .. عليك أن تعتني بصحّتك .
ولم يبادر " بشير " لتقديم لقمة لصديقه.
حان وقت الغروب ، وأخذ القوم يتململون ،
وينظرون في ساعاتهم . قال شريك بشير:
- متى وعدتَ الجماعة بحضورنا إليهم ؟ .
رد " بشير " :
- في تمام السّادسة .
أدرك " عبد الله " أنّ القوم ، ينبهونه إلى
ضرورة الانصراف .. نهض مستأذناً .. وماإن
خرج حتّى صفعته الأمطار الهاطلة بغزارة لا
مثيل لها .. حاول أن يحمي صلعته بيديه ،
وانحنى راكضاً ومحتمياً بالشرفات .. وحين
دوى الرّعد بقوة هزّت الأرض ، كان على " عبد الله " أن يقرفص فوق الرصيف ليتقيأ
فوق جداول الماء المتدفقة .
الشوارع خالية ، مرعبة ، وعليه أن يجتاز
طريقه من " الجميلية " إلى" حيّ الأعظمية"
وهذه المسافة ستستغرق نصف ساعة معه
بالتأكيد .
- (( سأترك الجامعة ..وأرجع إلى أهلي .. أعمل في أرضنا .. إن فشلتُ في تحقيق حلمي ، فهذا لا يعني أن أشارك " حموداً " أو
" بشيراً " .. سأبقى إنساناً نظيفاً . )) .
وفور أن دخل بيته ، وجفّف نفسه بعض
الشيء .. هرع إلى المطبخ ليلتهم حبّات الزيتون . وبدرت في ذهنه فكرة .. جعلت الأمل يستيقظ في أعماقه الجائعة :
- (( نعم .. سأنزل وأبيع للسمّان كتبي الجامعية .. بالكيلو .)).
أحضر حقيبة جلديّة يستعملها عند سفره
لأهله ، ملأها بالكتب بسرعة جنونية .. لم يعد قادراً على الاحتمال، إنّه مهدّد بالسقوط.
وبينما كان يهبطُ الدرجَ المعتمَ ، فجأةً
توقفَ عن النّزول ، والدّهشةُ تقفزُ من عينيهِ
الغائرتينِ ، هذا غيرُ معقولٍ .. إنّه لا يصدّقُ
مايراه ، إنّه العجوزُ والده !!! .. يتوكّأُ على عكّازِهِ ، بينما يحملُ في يدِهِ الأخرى سلّةَ قَشٍ مليئةً لا شكّ بالأطعمة .
لا .. لا يقدر أن يصدّقَ أنّ هذا المقوسَ
الظهّرِ أبوه .. فوالدهُ مريضٌ لا يقدرُ على النّزولِ إلى المدينة .. تأمّلَهُ جيداً .. اقتربَ
منّهُ أكثرَ ، والدّمعُ ينفرُ من عينيهِ .. وانبعثَ
صوتُهُ المخنوقُ من أعماقِهِ :
- أبي ؟؟؟!!!.
كان الكهلُ رافعاً رأسَهُ الملفّعَ "بالجمدانة"
السّوداءِ ، نحو " عبد الله " وفوقَ وجهِهِ المكسوّ بالتّجاعيدِ ترتسمُ على فمهِ الذي خلا
من الأسنان منذ أمدٍ بعيدٍ ، ابتسامةً عذبةً ،
دافئة . في حين كان يَلهثُ بعنفٍ وصعوبة :
- منذ الصباح وأنا أبحث عنكَ ياولدي .
اندفَعَ نحوَ والدِهِ .. احتضنهُ بشدّةٍ ..
بعنفٍ .. بقوّةٍ .. بشوقٍ .. بحنانٍ .. برقّةٍ ..
بحُرقةٍ .. انحنى على يدِهِ التي تتمسّكُ بعكّازِها ، قبّلَها بحرارةٍ بالغةٍ ، أحسّ بدفئها،
بنبضها ، بخلجاتِها ، بحنانِها ، فلم يكن يدرُكُ
مدى حبّهِ وتعلقِهِ بأبيه ، قبل هذهِ اللحظة .
وفجأةً .. تحوّلت يدُ والدِهِ المعروقةُ ،
والراعشةُ ، والمتشققةُ ، أمام عينيهِ الدّامعتين إلى واحةٍ خضراءَ ، تشبه الرّيف
بخيراتِهِ وعطاءاتِهِ ، وعاداتِهِ .
في حين كان " عبد الله " يصرخ ، بصوت
شبيه بالنباح :
- آهٍ يا أبي .. لو تدري كم المدينة ابنة كلب ؟!.
مصطفى الحاج حسين .
حلب