السبت، 31 مارس 2018

أبنُ فلاّح // للاديب الأستاذ : عبد الجبار الفياض // العراق


(( أبنُ فلاّح ))
لستُ في زمنِ البَسوس
أُطاردُ أيّامي بينَ كرٍّ وفَر . . . 
ما أنا في الفتوحاتِ بطلاً 
ضرْبتُهُ بألف
يحرقُ خلفَهُ سُفنَ العوْدة . . .
لستُ في حاشيةِ سُلطانٍ نخّاسٍ
يبيعُ الإماءَ لمخدعهِ بإيماءةٍ رخيصة . . .
تاجراً 
تختنقُ العُملةُ في خزائِنِه
وجعَاً في خاصرةِ التُّعساء . . .
ما أنا بأميرٍ
يجثو على بابهِ مُتكسّبون 
يزنُ أشعارَهم بحذاءِ جاريتِه . . .
لستُ راكبَها مُظلّلةً 
أراهم 
ولا يرونَني 
بيني وبينَهم برزخٌ 
لا يعبرُهُ مَلَكانِ من بابل . . .
. . . . .
أنا ابنُ فلاّحٍ من أُوروك 
ما لهُ لا ينوءُ بهِ غيْرُه
شقّتِ الشّمسُ نهرَ تعَبٍ في قفاه . . .
صاحبتْ مسحاتُهُ قامتَهُ 
مذْ عرفَ أنَّ الحياةَ كتابُ طينٍ 
لا يُقرأُُ مُغلَقاً . . .
ينثرُ حفنتَهُ خارطةَ خيرٍ لأفواهٍ
ولمنقارِ طيْر . . . 
نادَمتْ عيونُهُ عيونَ اللّيلِ لعُرسِ السّنابلِ والقمر . . . 
. . . . .
كذا 
كانَ أبي 
حفنةً من تُراب 
لها ما لأرضِهِ من عطاء
يصطرعُ معَ قدَرِه . . .
برفقةِ محراثهِ الثالثِ بين أولادِه . . . 
يُتعبُهُ 
لكنَّهُ
يُفرغُ عليهِ من فيْضِ أبوّتِهِ حُبَّاً . . .
. . . . .
نبتسمُ 
وقتَ يُفرَجُ عن رغيفِ خبزٍ 
عُذِّبَ في نارِ تنورِنا الرّاقدِ قُربَ عمّتِنا الباسقة
مختوماً بحنانِ أمّي . . .
يستقرُّ في طبقِ خوصٍ 
يرسمُ دائرةَ جلوسِنا المُعتادة . . . 
لا نلمسُهُ إلآ أنْ يُعمّدَهُ أبي في ماعونِ حَسائِه . . .
تحتفلُ أفواهُنا من بعدُ 
بمضغِ جوعِها السّاخنِ بجمرِ الأنتظار . . .
يرحلُ أبي ودُخانَ لفافةِ تَبْغهِ المفتولَ لآفاقٍ 
يحجبُها عنّا . . . 
لعلّها من أعمارِنا أكبر !
. . . . .
في الإبتدائية 
كانتْ دورُ الخلدونيّةِ 
جميلة
لكنَّها فاكهةٌ مُحرّمة 
لا وجودَ بينَها لبيتِنا الطّينيّ العجوز . . . 
قالَ المعلمُ*
غدُكُم داني القطوف
ستزيّنُ لياليَكم قلائدُ الذّهبِ الأسود . . .
لكنَّنا
لبسنا عُريَنا
ازدردْنا العِنبَ حصرماً 
شربنا الظّمأَ بغربال . . .
لم نَرَهُ
اختفى في قبضةِ عرّافٍ أعمى . . .
ربَما غادرَنا ونحنُ نيام !
. . . . . 
هذا أنا عارٍ سيدتي
ما كَستْني نخبةُ الأسيادِ سوى قلقٍ
مسَحَ ما رسمتُ من خطوطٍ مُستقيمة . . . 
أيَّاً ما كانَ من سوادِ الأيّامِ
تكوّرَ سؤالاً على شفاهِ تَيْه 
كوْناً
سرقوا سرَّهُ من لصٍّ 
كانَ صاحبَهم ذاتَ مرَّة . . .
تخاصموا
تبعثرَ الزّمنُ المفقود . . .
الشّمسُ 
تُولدُ من غيرِ قابلة 
لا صورةَ لها في مرآةِ اللّيل . . . 
. . . . .
رأيتُ في منامي أبي مُتلفّعاً بصمتِه
يحفرُ حُفرتيْن :
قبرَاً
غَرسَاً . . . 
لكنَّ
غرسَ الموْتى لا بموتِهم يموت . . .
أنا ابنُ بقعةٍ 
ألقى فيها ديموزي حبلَهُ السّريّ 
توسدتْها عشتارُ لمولودِها البِكر . . . 
علمتْني 
كيفَ يُحبُّ العاشقونَ ؟
كيفَ يكرهون ؟
. . . . .
كانت هي التي أنزعُ روحي
ما وطأتْ ترابَها قدَمٌ غريبة 
ذرّاتُ غضبٍ
أجمعُها 
لعنةً دائمةً لوجوهِ النّار . . .
أبنُ الفلاّحِ حينَ البأسِ 
يخضرُّ دَماً في أرضِه . . .
يختزلُ موتَهُ إلى ساعاتِ وجعٍ 
ليُتممَ نشيدَ البقاء !
. . . . .
عبد الجبار الفياض 
آذار / 2018
* معلمي المبجل المندائي المرحوم زكي زهرون .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق