لستُ في زمنِ البَسوس
أُطاردُ أيّامي بينَ كرٍّ وفَر . . .
ما أنا في الفتوحاتِ بطلاً
ضرْبتُهُ بألف
يحرقُ خلفَهُ سُفنَ العوْدة . . .
لستُ في حاشيةِ سُلطانٍ نخّاسٍ
يبيعُ الإماءَ لمخدعهِ بإيماءةٍ رخيصة . . .
تاجراً
تختنقُ العُملةُ في خزائِنِه
وجعَاً في خاصرةِ التُّعساء . . .
ما أنا بأميرٍ
يجثو على بابهِ مُتكسّبون
يزنُ أشعارَهم بحذاءِ جاريتِه . . .
لستُ راكبَها مُظلّلةً
أراهم
ولا يرونَني
بيني وبينَهم برزخٌ
لا يعبرُهُ مَلَكانِ من بابل . . .
. . . . .
أنا ابنُ فلاّحٍ من أُوروك
ما لهُ لا ينوءُ بهِ غيْرُه
شقّتِ الشّمسُ نهرَ تعَبٍ في قفاه . . .
صاحبتْ مسحاتُهُ قامتَهُ
مذْ عرفَ أنَّ الحياةَ كتابُ طينٍ
لا يُقرأُُ مُغلَقاً . . .
ينثرُ حفنتَهُ خارطةَ خيرٍ لأفواهٍ
ولمنقارِ طيْر . . .
نادَمتْ عيونُهُ عيونَ اللّيلِ لعُرسِ السّنابلِ والقمر . . .
. . . . .
كذا
كانَ أبي
حفنةً من تُراب
لها ما لأرضِهِ من عطاء
يصطرعُ معَ قدَرِه . . .
برفقةِ محراثهِ الثالثِ بين أولادِه . . .
يُتعبُهُ
لكنَّهُ
يُفرغُ عليهِ من فيْضِ أبوّتِهِ حُبَّاً . . .
. . . . .
نبتسمُ
وقتَ يُفرَجُ عن رغيفِ خبزٍ
عُذِّبَ في نارِ تنورِنا الرّاقدِ قُربَ عمّتِنا الباسقة
مختوماً بحنانِ أمّي . . .
يستقرُّ في طبقِ خوصٍ
يرسمُ دائرةَ جلوسِنا المُعتادة . . .
لا نلمسُهُ إلآ أنْ يُعمّدَهُ أبي في ماعونِ حَسائِه . . .
تحتفلُ أفواهُنا من بعدُ
بمضغِ جوعِها السّاخنِ بجمرِ الأنتظار . . .
يرحلُ أبي ودُخانَ لفافةِ تَبْغهِ المفتولَ لآفاقٍ
يحجبُها عنّا . . .
لعلّها من أعمارِنا أكبر !
. . . . .
في الإبتدائية
كانتْ دورُ الخلدونيّةِ
جميلة
لكنَّها فاكهةٌ مُحرّمة
لا وجودَ بينَها لبيتِنا الطّينيّ العجوز . . .
قالَ المعلمُ*
غدُكُم داني القطوف
ستزيّنُ لياليَكم قلائدُ الذّهبِ الأسود . . .
لكنَّنا
لبسنا عُريَنا
ازدردْنا العِنبَ حصرماً
شربنا الظّمأَ بغربال . . .
لم نَرَهُ
اختفى في قبضةِ عرّافٍ أعمى . . .
ربَما غادرَنا ونحنُ نيام !
. . . . .
هذا أنا عارٍ سيدتي
ما كَستْني نخبةُ الأسيادِ سوى قلقٍ
مسَحَ ما رسمتُ من خطوطٍ مُستقيمة . . .
أيَّاً ما كانَ من سوادِ الأيّامِ
تكوّرَ سؤالاً على شفاهِ تَيْه
كوْناً
سرقوا سرَّهُ من لصٍّ
كانَ صاحبَهم ذاتَ مرَّة . . .
تخاصموا
تبعثرَ الزّمنُ المفقود . . .
الشّمسُ
تُولدُ من غيرِ قابلة
لا صورةَ لها في مرآةِ اللّيل . . .
. . . . .
رأيتُ في منامي أبي مُتلفّعاً بصمتِه
يحفرُ حُفرتيْن :
قبرَاً
غَرسَاً . . .
لكنَّ
غرسَ الموْتى لا بموتِهم يموت . . .
أنا ابنُ بقعةٍ
ألقى فيها ديموزي حبلَهُ السّريّ
توسدتْها عشتارُ لمولودِها البِكر . . .
علمتْني
كيفَ يُحبُّ العاشقونَ ؟
كيفَ يكرهون ؟
. . . . .
كانت هي التي أنزعُ روحي
ما وطأتْ ترابَها قدَمٌ غريبة
ذرّاتُ غضبٍ
أجمعُها
لعنةً دائمةً لوجوهِ النّار . . .
أبنُ الفلاّحِ حينَ البأسِ
يخضرُّ دَماً في أرضِه . . .
يختزلُ موتَهُ إلى ساعاتِ وجعٍ
ليُتممَ نشيدَ البقاء !
. . . . .
عبد الجبار الفياض
آذار / 2018
* معلمي المبجل المندائي المرحوم زكي زهرون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق