الأربعاء، 28 مارس 2018

دهاة العرب // مقال : بقلم د . صالح العطواني الحيالي // العراق

دُهاة العَرب 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 17-3-2018
رجل داهِية أَي مُنْكَرٌ بَصِيرٌ بالأُمور. والداهِية: الأَمرُ المُنْكَر العظيم
تقول: ما دهاك أَي ما أَصابك. وكلُّ ما أَصابكَ من مُنْكَرٍ من وَجْهِ المَأْمَنِ فقد دَهاكَ دَهْياً.
دهاة العرب أربعة كما أخرج أبن عساكر عن الشعبي وهم : معاوية ابن أبى سفيان ، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه ، فأما معاوية فللحلم والأناة، وأما عمرو فللمعضلات، وأما المغيرة فللمبادهات، وأما زياد فللكبيرة والصغيرة . 
معاوية بن أبي سفيان
ــــــــــــــــــــــ معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كــلاب وهو الصحابي الجليل رضي الله عنه وعن أبيه وأمير المؤمنين حكم أربعين سنة عشرون منه أميراً على الشام وعشرون خليفة للمسلمين وحكم بالحلم والأناة حتى أنه قال : لو أنّ بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددته
عن الشعبي ، عن قبيصة بن جابر ; قال : صحبت معاوية ، فما رأيت رجلا أثقل حلما ، ولا أبطأ جهلا ، ولا أبعد أناة منه .
قال المدائني: كان عمر إذا نظر إلى معاوية قال: هذا كسرى العرب .
أعجب قصة تبين دهاء معاوية هذه القصة 
ـــــــــــــــــــــــــــــ نتيجة غزو المسلمين للروم أيام الخليفة معاوية أن وقع بعض المسلمين في الأسر، وبينما هم واقفون أمام ملك الروم, تكلم أحدهم وهو رجل من قريش بكلام لم يوافقه عليه الملك, فدنا منه البطريق وصفعه على وجهه, فصاح القرشي: 
(وإسلاما, أين أنت عنا يا معاوية إذ أهملتنا وضيعت ثغورنا وحكمت العدو في ديارنا ودمائنا وأعراضنا). 
تألم معاوية بعد سماعه الخبر فأرسل من يفتدى القرشي, الذي بعد أن عاد إلى دمشق دعاه معاوية وأحسن إليه وقال له: (لم نهملك ولم نضيعك ولا أبحنا دمك وعرضك). هذا في الوقت الذي كان معاوية يخطط لحيلة يقبض فيها على ذلك البطريق لكي يحضره إلى دمشق. 
استدعى معاوية أحد مواطني مدينة صور, اشتهر في الغزو البحري وكان قوي البنية ومتمكنا من التحدث بالرومية, واتفق معه سرا على تفاصيل الحيلة بدءا بتمويل معاوية بضاعة اشتراها الصوري لبيعها في القسطنطينية. وبعد أن أبحر الصوري ووصل الى القسطنطينية قدم حسب توجيه معاوية هدايا للملك وبطارقته باستثناء البطريق الذي لطم وجه القرشي حيث أعطى معاوية أوصافه للصوري. وبعد أن باع واشترى الصوري عاد الى دمشق بطلبات بضاعة يشتريها للملك وبعض البطارقة والحاشية, فأحضرها لهم من دمشق. 
وفي قصر الملك عاتبه البطريق المستثنى عن عدم إهدائه له وعدم قضائه لحاجته, فاعتذر له الصوري لعدم معرفته له ثم قربه الصوري منه وأهداه متعاملا معه مثل غيره. ومضت سنين والصوري على هذه الحال يتردد على القسطنطينية قاضيا حاجات الملك ومن معه, من دمشق بالتنسيق السري مع معاوية. 
وذات مرة طلب البطريق أن يحضر الصوري له بساطا ملونا بالألوان وأبرزها الأحمر والأزرق من الصناعة الخوزستانية الشهيرة بمخداته ووسائده. وكالعادة عندما يرد الصوري القسطنطينية يقف بمركبه قبالة ضيعة البطريق الموالية لخليج القسطنطينية (مضيق البسفور) حيث يمضي البطريق بها جل وقته. فعاد الصوري من دمشق للقسطنطينية وفرش على المركب البساط (الذي أوصاه عليه البطريق) ووضع عليه الوسائد والمخدات, فرآه البطريق وفرح بقدومه ونزل إلى المركب. 
وباتفاق الصوري مع معاوية على إشارة قام بتنفيذها, وهي الضرب بقدمه, قام من معه من تحته بدفع المركب بالمجاديف باتجاه دمشق بعد أن أوثق أكتاف البطريق. 
ولما وصلوا به إلى دمشق استدعى معاوية القرشي وأمره بأن يقتص لنفسه وأن يصفع البطريق على وجهه فصفعه القرشي بالمثل. 
فأحسن معاوية إلى البطريق وأكرمه وأهداه وأعاده مع الصوري لبلاده ومعه هدايا لملك الروم الذي سر ومعه الروم بعودة البطريق, وقال الملك عن معاوية: (هذا أمكر الملوك وأدهى العرب, لقد قدموه على أنفسهم فساس أمرها, والله لو همّ بأخذي لتمت له الحيلة عليّ ). اللهم ولي على المسلمين خيارهم واصرف عنهم شراره
وهذه قصة على بعد النظر والاستبصار في الأمور 
مرض معاوية بن أبي سفيان بدمشق في جمادى الثانية وكان يزيد ابنه غائباً، فأحضر معاوية الضحاك بن قيس ومسلم بن عقبة المري وأدى إليهما وصيته إلى يزيد وكان فيها: ( يا بني إني قد كفيتك الشد والترحال ووطأت لك الأمور وذللت لك الأعداء وأخضعت رقاب العرب وجمعت لك مالك يجمعه أحد ، فانظر أهل الحجاز فإنهم أصلك وأكرم من قدم عليك منهم وتعاهد من غاب وانظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملاً فافعل فإن عزل عامل أسهل من أن يشهر عليك مائة ألف سيف ، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وغيبتك فإن رابك من عدوك شيء فانتصر بهم فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادك فإنهم إن أقاموا بغير بادهم تغيرت أخلاقهم .وإني لست أخاف أن ينازعك في هذا الأمر إلا أربعة من قريش الحسين بن علي وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير وعبدالرحمن بن أبي بكر. فأما ابن عمر فإنه رجل قد وقدته العبادة فإذا لم يبق ، أحد غيره بايعك ، وأما الحسين بن علي فهو رجل خفيف ولن يتركه أهل العراق حتى يخرجوه فإن خرج وظفرت به فأصفح عنه فإن له رحماً ماسة وحقاً عظيماً وقرابة من محمد صلى الله عليه وسلم، وما ابن أبي بكر فإن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله ليس له همة إلا في النساء واللهو ، وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب فذاك ابن الزبير فإن ظفرت به فقطّعه إرباً أربا، واحقن دماء قومك ما استطعت ) وقد حصل ما توقع معاوية فيا سبحان الله على بعد النظر والاستبصار في الأمور ومعاوية من الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم
عمرو بن العاص " أرطبون العرب "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عمرو بن العاص ابن وائل الإمام أبو عبد الله ، ويقال : أبو محمد السهمي . داهية قريش ورجل العالم ومن يضرب به المثل في الفطنة ، والدهاء ، والحزم . هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مسلما في أوائل سنة ثمان ، مرافقا لخالد بن الوليد ، وحاجب الكعبة عثمان بن طلحة ، ففرح النبي -صلى الله عليه وسلم- بقدومهم وإسلامهم ، وأمر عمرا على بعض الجيش ، وجهزه للغزو .
بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عمرا في غزوة ذات السلاسل ، فأصابهم برد ، فقال لهم عمرو : لا يوقدن أحد نارا . فلما قدم شكوه ، قال : يا نبي الله ! كان فيهم قلة ، فخشيت أن يرى العدو قلتهم ، ونهيتهم أن يتبعوا العدو مخافة أن يكون لهم كمين . فأعجب ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص ، أن عمرا كان على سرية ، فأصابهم برد شديد لم يروا مثله ، فخرج لصلاة الصبح ، فقال : احتلمت البارحة ، ولكني والله ما رأيت بردا مثل هذا ، فغسل مغابنه ، وتوضأ للصلاة ، ثم صلى بهم . فلما قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه : كيف وجدتم عمرا وصحابته ؟ فأثنوا عليه خيرا ، وقالوا : يا رسول الله ، صلى بنا وهو جنب ، فأرسل إلى عمرو ، فسأله ، فأخبره بذلك وبالذي لقي من البرد ، وقال : إن الله قال : وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ولو اغتسلت مت . فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
نظر عمر ابن الخطاب إلى عمرو بن العاص ، فقال : ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا .
وروى أبو أمية بن يعلى ، عن علي بن زيد بن جدعان ; قال رجل لعمرو بن العاص : صف لي الأمصار ، قال : أهل الشام ; أطوع الناس لمخلوق ، وأعصاه للخالق ، وأهل مصر ، أكيسهم صغارا وأحمقهم كبارا ، وأهل الحجاز ; أسرع الناس إلى الفتنة ، وأعجزهم عنها ، وأهل العراق أطلب الناس للعلم، وأبعدهم منه
قصة الأرطبون
ــــــــــــــــــــــــــــ أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشاً لفتح بيت المقدس ، بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه ،فلما وصل إلى الرملة وجد عندها جمعاً من الروم عليهم الأرطبون، وكان أدهى الروم وأبعدها نظراً وحكمة وأشجعها وأقواها، وقد كان وضع بالرملة جنداً عظيماً وبإيلياء جنداً عظيماً ، فكتب عمرو بن العاص إلى عمر بالخبر ، فلما جاء الكتاب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب، فانظروا عما تنفرج 
وكان عمرو بن العاص يرسل الرسل إلى الأرطبون للحوار. ليتعرف على عقل الأرطبون وكيف يفكر ويخطط، فما شفته الرسل ، فتولى الأمر بنفسه ، فتنكر بلباس الجند ، كأنه أحد جنود عمرو بن العاص ، فدخل على الأرطبون متنكراً ، فأبلغه ما يريد وسمع كلامه وتأمل شكله، حتى عرف كيف يفكر الأرطبون، ثم أراد الرجوع، وكان الأرطبون قد سمع من قبل بدهاء عمرو بن العاص وذكائه ، فشك في الذي أمامه ، لما رأى من فطنته وذكائه . 
فقال الأرطبون في نفسه : والله إن هذا لعمرو أو إنه الذي يأخذ عمروٌ برأيه ، وما كنت لأصيب القوم بأمر هو أعظم من قتله. فدعا حارساً فساره فأمره بقتله فقال: اذهب فقم في مكان كذا وكذا فإذا مر بك هذا العربي فاقتله، ففطن عمرو بن العاص للحركة الغريبة ، وهو لا يعرف الرومية فقال للأرطبون :أيها الأمير إني قد سمعت كلامك وسمعت كلامي ، وإني واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب لنكون مع عمرو بن العاص لنشهد أموره . وقد أحببت أن آتيك بهم كلهم ليسمعوا كلامك ويروا ما رأيت . فقال الأرطبون: نعم. فاذهب فأتني بهم، ودعا رجلاً فساره وقال له : اذهب إلى فلان فرده عن قتل هذا العربي.فرجع عمرو بن العاص إلى جيشه ثم تحقق الأرطبون أنه عمرو بن العاص، فقال: خدعني الرجل، هذا والله أدهى العرب. وبلغت عمر بن الخطاب فقال : لله در عمرو
دقة وصف عمرو بن العاص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ روى مسلم عن المستورد القرشي أنه قال عند "عمرو بن العاص" رضي الله عنه‏: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏" ‏تقوم الساعة والروم أكثر الناس ‏"‏‏.‏ فقال له عمرو‏:‏ أبصر ما تقول ‏.‏ قال‏ :‏ أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ .‏ قال ‏:‏ لئن قلت ذلك ، إن فيهم لخصالاً أربعاً : ‏إنهم لأحلم الناس عند فتنة‏ ، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة‏ ، و أوشكهم كرة بعد فرة‏ ، وخيرهم لمسكين و يتيم وضعيف‏ ، وخامسة حسنة وجميلة‏:‏ و أمنعهم من ظلم الملوك ).
إنّ من عرَفَ الأوربيين قراءةً عنهم أو معاشرة معهم ؛ فإنه يرى لديّهم الحلمَ في الرزيّة ... حتى لقد قيلَ : شعبٌ بارد !
ومن تفكّر في حال ألمانيا وفرنسا وغيرهما فسيجدُ : الفَواقَ السريعَ من المُصاب - مع الكرّ واستخلاص الثأر على العجلة .
ومن طالع في اهتمام أثريائهم بالأعمال الخيريّة ، والخدمات الإنسانيّة فإنه سيلحظُ الخيريّة في شرهم .
وأمّا الخامسة : فلعمرُ الله قد وقع عليها عمرو ؛ إذْ أن تلك المجتمعات الأوربيّة قد حققت قدراً عالياً من العدالة الاجتماعية ؛ فصرنا نردد بعدها: إن الله لينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة !!
المغيرة بن شعبة
ــــــــــــــــ المغيرة بن شعبة ابن أبي عامر بن مسعود بن معتب الثقفي . الأمير أبو عيسى ، ويقال : أبو عبد الله ، وقيل : أبو محمد . من كبار الصحابة أولي الشجاعة والمكيدة شهد بيعة الرضوان . كان رجلا طوالا مهيبا ، ذهبت عينه يوم اليرموك ، وقيل : يوم القادسية .
عن الزهري قال : كان دهاة الناس في الفتنة خمسة ، فمن قريش : عمرو ، ومعاوية . ومن الأنصار : قيس بن سعد . ومن ثقيف : المغيرة . ومن المهاجرين : عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي
كان يقال له مغيرة الرأي، وشهد اليمامة وفتوح الشام والعراق. وقال الشعبي: كان من دهاة العرب؛ وكذا ذكره الزهري.
وقال قبيصة بن جابر: صحبت المغيرة؛ فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بالمكر لخرج المغيرة من أبوابها كلها،
قصص من دهاء المغيرة 
ــــــــــــــــــــ ومن دهاء المغيرة بن شعبة أنه لما شكا أهل الكوفة عماراً، فاستعفى عمار عمر بن الخطاب، فولى عمر جبير بن مطعم الكوفة، وقال له: لا تذكره لأحد. فسمع المغيرة بن شعبة أن عمر خلا بجبير، فأرسل امرأته إلى امرأة جبير بن مطعم لتعرض عليها طعام السفر، ففعلت، فقالت: نعم ما حييتني به. فلما علم المغيرة جاء إلى عمر فقال له: بارك الله لك فيمن وليت! وأخبره الخبر فعزله وولى المغيرة بن شعبة الكوفة، فلم يزل عليها حتى مات عمر.
دعا معاوية عمرو بن العاص بالكوفة، فقال: أعني على الكوفة، قال: كيف بمصر؟ قال: أستعمل عليها ابنك عبد الله بن عمرو قال: فنِعْمَ. فبينا هم على ذلك جاء المغيرة بن شعبة - وكان معتزلا بالطائف - فناجاه معاوية. فقال المغيرة: تؤمر عَمْرا على الكوفة، وابنه على مصر، وتكون كالقاعد بين لحيي الأسد. قال: ما ترى؟ قال: أنا أكفيك الكوفة. قال: فافعل. فقال معاوية لعمرو حين أصبح: إني قد رأيت كذا، ففهم عمرو فقال: ألا أدلك على أمير الكوفة؟ قال: بلى، قال: المغيرة، واستغن برأيه وقوته عن المكيدة، واعزله عن المال، قد كان قبلك عمر وعثمان ففعلا ذلك، قال: نعم ما رأيت. فدخل عليه المغيرة، فقال: إني كنت أمرتك على الجند والأرض، ثم ذكرت سُنة عمر وعثمان قبلي، قال: قد قبلت.
المغيرة ورستم
ـــــــــــــــــــ أرسل رستم إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص أن ابعث إلينا برجل نكلمه فكان فيمن بعثه المغيرة بن شعبة، فأقبل إليهم وعليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب وبسطهم على غلوة لا يوصل إلى صاحبهم حتى يمشى عليها، فأقبل المغيرة حتى جلس مع رستم على سريره، فوثبوا عليه وأنزلوه ومعكوه، وقال: قد كانت تبلغنا عنكم الأحلام ولا أرى قوماً أسفه منكم، إنا معشر العرب لا نستعبد بعضنا بعضاً، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، فكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعضٍ، فإن هذا الأمر لا يستقيم فيكم ولا يصنعه أحدٌ، وإني لم آتكم ولكم دعوتموني اليوم، علمت أنكم مغلبون وأن ملكاً لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول. فقالت السفلة: صدق والله العربي. وقالت الدهاقين: والله لقد رمى بكلام لا تزال عبيدنا ينزعون إليه، قاتل الله أولينا ما كان أحمقهم حين كانوا يصغرون أمر هذه الأمة! ثم تكلم رستم فحمد قومه وعظم أمرهم وقال: لم نزل متمكنين في البلاد ظاهرين على الأعداء أشرافاً في الأمم، فليس لأحد مثل عزنا وسلطاننا، ننصر عليهم ولا ينصرون علينا إلا اليوم واليومين والشهر للذنوب، فإذا انتقم الله منا ورضي علينا رد لنا الكرة على عدونا، ولم يكن في الأمم أمة أصغر عندنا أمراً منكم، كنتم أهل قشفٍ ومعيشةٍ لا نراكم شيئاً، وكنتم تقصدوننا إذا قحطت بلادكم فنأمر لكم بشيء من التمر والشعير ثم نردكم، وقد علمت أنه لم يحملكم على ما صنعتم إلا الجهد في بلادكم، فأنا آمر لأميركم بكسوة وبغل وألف درهم، وآمر لكل منكم بوقر تمر وتنصرفون عنا، فإني لست أشتهي أن أقتلكم.
فتكلم المغيرة فحمد الله وأثنى عليه وقال: إن الله خالق كل شيء ورازقه، فمن صنع شيئاً فإنما هو يصنعه، وأما الذي ذكرت به نفسك وأهل بلادك من الظهور على الأعداء والتمكن في البلاد فنحن نعرفه، فالله صنعه بكم ووضعه فيكم وهو له دونكم، وأما الذي ذكرت فينا من سوء الحال والضيق والاختلاف فنحن نعرفه ولسنا ننكره، والله ابتلانا به والدنيا دولٌ، ولم يزل أهل الشدائد يتوقعون الرخاء حتى يصيروا إليه، ولم يزل أهل الرخاء يتوقعون الشدائد حتى تنزل بهم، ولو شكرتم ما آتاتتكم الله لكان شكركم يقصر عما أوتيتم، وأسلمكم ضعف الشكر إلى تغير الحال، ولو كنا فيما باتلينا به أهل كفر لكان عظيم ما بتلينا به مستجلباً من الله رحمةً يرفه بها عنا؛ إن الله تبارك وتعالى بعث فينا رسولاً. ثم ذكر مثل ما تقدم من ذكر الإسلام والجزية والقتال، وقال له: وإن عيالنا قد ذاقوا طعام بلادكم، فقالوا: لا صبر لنا عنه.
فقال رستم: إذاً تموتون دونها. فقال المغيرة: يدخل من قتل منا الجنة ومن قتل منكم النار، ويظفر من بقي منا بمن بقي منكم.
فاستشاط رستم غضباً ثم حلف بالشمس أن لا يرتفع الصبح غداً حتى نقتلكم أجمعين. وانصرف المغيرة وخلص رستم بأهل فارس وقال: أين هؤلاء منكم! هؤلاء والله الرجال، صادقين كانوا أم كاذبين، والله لئن كان بلغ من عقلهم وصونهم لسرهم أن لا يختلفوا فما قوم أبلغ لما ارادوا منهم، ولئن كانوا صادقين فيما يقوم لهؤلاء شيء! فلجوا وتجلدوا. وقال: والله إني لأعلم أنكم تصغون إلى ما أقول لكم، وإن هذا منكم رثاء. فازدادوا لجاجة.
فأرسل رستم رسولاً خلف المغيرة وقال له: إذا قطع القنطرة فأعلمه أن عينه تفقأ غداً، فأعلمه الرسول ذلك، فقال المغيرة: بشرتني بخير وأجر، ولولا أن أجاهد بعد هذا اليوم أشباهكم من المشركين لتمنيت أن الأخرى ذهبت. فرجع إلى رستم فأخبره. فقال: أطيعوني يا أهل فارس، إني لأرى لله فيكم نقمة لا تستطيعون ردها عن أنفسكم.
زياد بن أبيه
ـــــــــــــــــ زياد بن أبيه وهو زياد بن عبيد الثقفي ، وايضاً وهو زياد ابن سمية ، وهي أمه ، وهو كذلك زياد بن أبي سفيان الذي استلحقه معاوية بأنه أخوه
قائد عسكري في عهد الخلافة الراشدة، و سياسي أموي شهير ارتبط اسمه بمعاوية بن أبي سفيان، و ساهم في تثبيت الدولة الأموية.
و لد في السنة الهجرية الأولى. و هو ابن غير شرعي لذات راية (بغي) معروفة اسمها سمية كانت جارية الحارث بن كلدة الطبيب الشهير، وكان يختلف إليها كبار القوم في الجاهلية.
عمل كاتباً لأبي موسى الأشعري و نبغ في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، و قيل فيه أنه كان يمكن أن يسوق الناس لولا نسبه المجهول، فقيل أن أبا سفيان بن حرب أقر ببنوته، و قال لأحد الطاعنين فيه: "ويحك، أنا أبوه".
و في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه تولى زياد ولاية فارس وكرمان والبصرة، فلما أراد معاوية بن أبي سفيان أن يستميله إليه ليستعين به على مناوئيه، ويمنعه من معاونة الحسن بن علي، أبى زياد، فلجأ معاوية إلى الحيلة، و ذكر ما كان من أمر أبيه يوماً، و مقالته في زياد، فأرسل إليه أنه سيقر بنسبته إلى أبيه، و يصبح اسمه زياد بن أبي سفيان، فوافق زياد، و قدم على معاوية الذي ولاه البصرة والكوفة و كان ذلك سنة 44 هـ.
كان جباراً، ميالاً إلى سفك الدماء، وهو أول من فرض حظر التجول في الإسلام. كما أن زياد بن أبيه كان خطيباً مفوهاً له جمهرة خطبٍ أشهرها البتراء التي سميت بذلك لأنها لم تبدأ بذكر الله.
وهذه الخطبة البتراء 
ـــــــــــــــــــــ 
أما بعد : فإن الجهالة الجهلاء ، والضلالة العـمياء ، والغي الموفي بأهله على النار ، ما فيه سفهاؤكم ، ويشتمل عليه حلماؤكم ،من الأمور التي يشب فيها الصغير ، ولا يتحاشى عنها الكبير!
كأنكم لم تقرؤوا كتاب الله ولم تسمعوا ما أعد من الثواب الكريم لأهل طاعته ، والعذاب الأليم لأهل معصيته!
قربتم القرابة وبعدتم الدين ، كل امريء منكم يذب عن سفيهه صنع من لا يخاف عاقبة ولا يرجو معاداً ، ما أنتم بالحلماء ، وقد اتبعتم السفهاء! 
حرام علي الطعام والشراب ، حتى أُسويها بالأرض هدماً وإحراقاً.... إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله ، لين في غير ضعف ، وشدة في غير عنف . 
وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالمولى ، والقيم بالطاعن ، والمقبل بالمدبر ، والمطيع بالعاصي ، والصحيح بالسقيم ، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول : " انج سعـد ، فقد هلك سعـيد " أو تستقيم قناتكم . 
وإياي ودلج الليل ، فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه ، وإياي ودعوى الجاهلية فإني لا أجد داعياً بها إلا قطعت لسانه ، ولقد أحدتثم أحداثاً لم تكن ، 
ولقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة ، فمن غرَّق قوماً غرّقناه ، ومن أحرق قوماً أحرقناه ، ومن نقب بيتاً نقبنا عن قلبه ، ومن نبش قبراً دفناه فيه حياً .
وايم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة ، فليحذر كل منكم أن يكون من صرعاي
عُرف عن العرب المتقدمين, -والذين عاصروا فترة الجاهلية والبعثة النبوية- أن دهاة العرب هم الأربعة بداية بالثلاث الأكثر شهرة : معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة, أمّا رابعهم فهو زياد بن سمية أو زياد ابن ابيه المتأخر قليلاً عنهم, والذي رجّح الأغلب أنّه ابن ابي سفيان بن حرب وقد قيل أنّه - أي ابا سفيان - كان يتردد على جارية في الجاهلية وهي سمية أم زياد .. والواقع أن الدهاة كثر فأبو سفيان بن حرب نفسه كان أحد الدهاة وإن كان أقل من هؤلاء الأربعة مرتبةً, وقد يكون ما ينسب زياد لأبي سفيان هو أنه - أي أبا سفيان - داهية وابنه معاوية من الدهاة إذن فالمنطق يقول أن زياد الداهية الآخر هو الأقرب لعائلة الدهاة هذه .
الواقع أن هذا الحديث لا يعني شيئًا إذا ما علمنا أن الداهية الأكبر والأعظم في التاريخ الإسلامي والجاهلي ليس من هؤلاء الأربع, وليس خامسهم الأقل مرتبة في الدهاء - أبو سفيان - , بل هو أشدّهم ورعًا وأكثرهم تقوى وأصدقهم إيمانًا وأعظمهم هيبةً و أبسطهم منطقًا .. عمر بن الخطاب بن نفيل العدوي القرشي .. الرجل الثاني في الإسلام بعد الرسول عليه الصلاة والسلام .. نعم إنه عمر .. أكثر العرب دهاءً من هؤلاء و أصدقهم دهاءً .. والحقيقة أن لفظ " دهاء " قد لا يتناسب مع شخصية إسلامية إذا ما أُخِذَ على أنّه " مكر وخديعة " , ولذلك يقول الصحابي الجليل قيس بن سعد " لولا الإسلام لمكرت مكرًا " بمعنى أن الإسلام ينهى عن ذلك .. لكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلخّص الموضوع ببساطة وبلاغة فيقول : " لستُ بالخِبِّ ولا الخِبُّ يخدعُني " .. فهو يبيّن هنا بمعرض حديثه عن نفسه : أنني لست بالماكر المخادع, ومع ذلك لا يستطيع أي ماكر أن .ينال مني بدهائه
ولو رأينا مواقف عمر مع هؤلاء الدهاة لاستنتجنا أن دهاءه فاق دهاءهم , وعلمه تعدى علمهم, وفراسته تجلّت في حين خانتهم فراستهم
ولنبدأ بأبي الدهاة أبو سفيان, فقد قيل أنه رجع من دمشق من عند ابنه معاوية, وشكّ عمر أن معاوية أعطى لوالده شيئًا من أموال الشام فلما سأله عما إذا نال شيئًا من ابنه, أنكر هذا .. فأخذ عمر خاتم أبي سفيان وأرسله مع خادمه إلى هند بنت عتبة زوجته وقال لها : "يطلب منك أبا سفيان أن تأتيه بخرجين". وما لبث عمر أن أوتي بخرجين فيهما عشرة آلاف درهم !!
أمّا عن زياد ابن ابيه فلقد وُلد في السنة الأولى من الهجرة ولذا فلم يكن ليعي منزلة عمر بعد أن كَبُر, أو أن يكون هناك ثمّة لقاء بين الإثنين إلا أنه ثبت في الكتب وفي مقالات العرب أن زيادًا كان في مجلسٍ فيه عمر فتحدّث بكلام منمّق وفصل فيه بقدرته على الكلام فأعجب به عمر وقال : لله هذا الغلام ! .. لو كان قرشيًا لَساق العرب بعصاه! ومما يُروى أن أبا سفيان كان جالسًا حينما قال عمر هذا الكلام, فهمس لعلي بن ابي طالب رضي الله عنه : أنّه والد هذا الغلام - على زياد - فسأله علي : أن لماذا لم تعترف به وتستلحقه .. فقال أبو سفيان : أخاف هذا الجالس .. أن يخرق عَلَيَّ إهابي .. ويقصد بـ : هذا الجالس عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وجاء معاوية من بعد والده ووعد زيادًا أن يعترفَ به أخٌ من والده أبو سفيان .. وكان ذلك فجاءَه الرد مسرعًا من ابن المفرغ الحِمْيَري الذي كان أحد خصوم معاوية بثلاثة أبيات زلزلت هذه الشهادة والإعتراف من معاوية بزياد -الأخ الجديد- فقال :
ألا أبلغ مُعاويةَ بن حربٍ ... مُغلغلةٌ عَن الرجُل اليماني
أتَغضبُ أن يُقال : أبوكَ عفٌّ ... وترضى أن يُقال : أبوك زاني!؟
فاشهد أن رَحْمَكَ من زيادٍ ... كَرَحمِ الفيلِ من ولَد الأتاني
وفي الواقع أن معاوية يُعد في المنازل الأولى من الدهاء والمراتب المتقدّمة في الفراسة, وقد قال مرّة يوازن بين الخلفاء : " أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده .. وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها , وأمّا نحن فتمرّغنا فيها ظهرًا لبطن " .. وقيل أن عمر قدم على معاوية مرة فاستقبله معاوية بموكب فجاوزه عمر وأعرض عنه فأقبل إليه معاوية فأعرض عنه ومشى فقال عبد الرحمن بن عوف لعمر : أتعبت الرجل! , فسأل عمر معاوية قائلا ً : يا معاوية أنت صاحبُ الموكب آنفاً مع ما بلغني من وقُوف ذوي الحاجات ببابك قال : نعم يا أمير المؤمنين . قال : ولم ذلك قال : لأنّا في بلاد لا يُمتنع فيها من جواسيس العدوِّ فلا بُدّ لهم مما يُرهبهم من هيبة السلطان فإن أمرتَني بذلك أقمتُ عليه وإن نهيتني عنه انتهيت . قال : لئن كان الذي قلتَ حقا فإنه رأيُ أريب ولئن كان باطلًا فإنها خُدعة ولا آمرك به ولا أنهاك عنه .
وقيل أنه لما فتحت القدس أشار معاوية لعمر بأن يرتدي أبهى الثياب ويركب أفخم المراكب فيدخلها ويتسلّم مفاتيحها؛ فقالوا أن عمر أخذ بوصية معاوية لكنه تراجع فورًا وأنّبه على ذلك بأقسى العبارات ودخل بيت المقدس بأسماله البالية وحماره فلما رآه الراهب قال أن : هيئتك هذه وردت في كتابنا ووالله لو لم تأتِ بهذه الهيئة لما اعطيناك مفتاحها ! وقال البعض أنه نهر معاوية منذ البداية ولم يمتثل لوصيته , وسواءً أخذ بوصيته وتراجع فيما بعد, أم نهَرَ معاوية فورًا ووبّخه فكلاهما فعلٌ حقٌ يبرهن على دهائه 
هذا دأب عمر مع عائلة أبي سفيان بن حرب .. زياد - المنسوب لأبي سفيان -ومعاوية, ووالدهم ..
أمّا مع عمرو ابن العاص - الداهية الأمويّ الرابع الذي يجتمع نسبه مع الثلاثة السالفة ذكرهم في أميّة , فأشهر رواية تبين جَلْدَ عمر وقوّته وهي القصّة التي درسناها منذ الإبتدائية المختومة بالقول المأثور عن الداهية عمر بن الخطاب : يابن العاص متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا !؟ وبالرغم من تسيير عُمَر لِعَمْرو بالقوة والجبر إلا أن عمرو بن العاص كان يقول عنه :" لله در ابن حنتمة أي امرئٍ كان !" وحنتمة هي والدة عمر بن الخطاب ...
كان عمرو بن العاص يهاب عمر ويعلم صنيعه إذا ما أخطأ وداهن, وابن العاص رضي الله عنه يقدّر لعمر هذا الأمر ويُكبِرُه في نفسه ؛ فكان إن أشكلت عليه الأمور - وهو داهية - أرسل إلى عمر يستفتيه, ومنها أن نيل مصر انحبس عن الناس ولم يفض وكانت لأهل مصر سنّة أنهم يرمون فيه جارية بكر فناههم عمرو عن ذلك وارسل إلى الفاروق بأمرهم فأرسل إليه عمر رسولاً يقول له : إذا بلغك كتاب أمير المؤمنين فارمهِ في النهر - نهر النيل- .. ففتح عمرو رسالة عمر إلى نهر النيل فإذا فيها :" من عبد الله : عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد : فإن كنت تجري من قِبَلك, فلا تجرِ ! وإن كنت تجري بأمر الله الواحد القهّار فنسأل الله تعالى ان يُجريك " فرمى بها إلى النيل ففاض !
وإذا سردنا أمر المغيرة بن شعبة فهو من دهاة الجاهلية ودهاة الإسلام والذي قيل فيه : لو أن مدينة لها ثمانية أبواب, لا يُخرجُ من بابٍ منها إلا بمكر! لخرج من أبوابها كلها. فيروى ان عمر بن الخطاب سأل:"ما تقولون في تولية ضعيف مسلم، أو قوي فاجر ؟" فقال له المغيرة :" المسلم الضعيف إسلامه لك، وضعفه عليك وعلى رعيته، وأمّا القوي الفاجر ففجوره عليه، وقوته لك ولرعيتك " فرد عليه عمر بكل التجرّد قائلاً له :"فأنت هو، وأنا باعثُكَ يا مغيرة إلى الكوفة " ولعل المغيرة كان كأمر معاوية يحاول أن يفلت من قبضة عمر بأيسر الطرق التي يرتضيها عمر .. وكان يعرف من هو عمر ويعرف أن دهاءهُ و قوة استطلاعه لن تأتي بالمطلوب مع هذا الرجل فهو القائل : لست بالخب ولا الخب يخدعني .. فآمن بذلك كل الدهاة الأربعة وأَمِنَ بهِ كلّ مسلمٍ لا دهاءَ في شأنه. 
وقد قال المغيرة مرة لعمرو بن العاص معترفًا بقوة الفاروق وبدهائه: "أأنت تفعل أو توهم عمر شيئًا فيلقنه عنك !؟ ( أي يأخذ به فورًا بغير تفكير ) واللهِ ما رأيتُ عمرَ مستخليًا بأحدٍ إلا رحمته كائنًا من كان ذلك الرجل . كان عمر والله أعقلُ من أن يُخدع وأفضلُ من أن يَخدع " داهيتان يتحادثان فيما بينهما فيُقرّان بأن دهاؤهما لا يُشكّل خطرًا على من هو أقوى وأذكى وأحوط منهم بما قد يقترفان .. وعلى ذكر الحيطة فقد تحدث الداهية المغيرة إلى الداهية الآخر معاوية في إحدى السنوات عندما استشاره معاوية قائلاً له : أأولّي عمرو بن العاص أمر الكوفة !؟ .. فقال له المغيرة : يا أمير المؤمنين, تؤمِّرُ عمرًوا على الكوفة وابنه على مصر وتكون كالقاعد بين فكي الأسد!؟ ، قال: ما ترى ؟ قال : أنا أكفيك الكوفة. فولي الكوفة لمعاوية إلى وفاته.
غير أن الأعجب من ذلك أنه في عام 21 للهجرة , تولّى المغيرة أمر البحرين, وفي عام 21 نفسه تولّى معاوية أمر الشام, وفي ذات العام 21 إستقرّت مصر في يد عمرو بن العاص بعد سقوط الإسكندرية, فكان عمر بن الخطاب محاطًا بثلاثةٍ من أدهى دهاة العرب الأربع؛ فالأول عن شرقهِ والثاني عن غربهِ و ثالثهما الآخِرُ من الشمال .. وكانوا كثلاثةِ أثافي حول عمر بن الخطاب ولم يجرؤ أحدًا منهم على فِعلِ ما يكرهُ الفاروق .. بل كانوا على أتمّ الحذر وأشدّ الستر, ولا نقول ذلك إستصغارًا لشأنهم فهم جمعٌ من صحابة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام, ومن خيرِ رجال الأمّة وكانوا على علم وتقوى وذكرٍ حسن فرضي الله عنهم أجمعين.. لكن دهاءهم لم يأتِ ثمارَه عند مَن " لا يخدعهُ الخِبّ"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق