الخميس، 15 مارس 2018

صوت النعمة // ق . ق // بقلم ابتهال الخياط // العراق

صوت النعمة ..
من القبور.
محسن : اليوم يوم الأحد ، يوم الراحة سيأتي المدير ليعطينا الرُخص للانطلاق حيث كل ما يبهجنا من جمال الأرض و السماء و النسمات و روعة الكون و يمنحنا جمال الحياة التي لم نكن نراها ونحن أحياء.
عبد الفتاح : لكن يا صديقي لن نستطيع الأكل هههههههه.
محسن: صحيح، مازلتَ تفكر بالأكل ؟
عبد الفتاح: كلا إني أمزح ، فهو يوم راحة من أعباء الموت والصمت..أجمل ما فيه هو أنني أحادثك كما كنا قبل أن التحق بك . كنت أحدث أولادي عنك و أبكي ، و ها نحن الآن معا نبكي أولادنا و احبائنا، الفراق مؤلم ، ليتها تكون حالة واحدة .
محسن: كيف يعني ؟
عبد الفتاح: أقصد أن يكون الموت بشكل آخر ، لا أعلم كيف ، لكنني لا أريد فراق أحد.
محسن: حين تفقد كل شيء ترغب في الاستغناء عن حياتك .. نعم إنَّ الحياة جميلة ، أو بالأحرى تبدو لك كذلك ، لكنها تخنقنا ثم ترغمنا على عدم البكاء ، إنها طاغية ظالمة.
عبد الفتاح: لقد غيرت رأيي ، الموت راحة أيضا في أحوال كثيرة ، كما أننا هنا فزنا بمرتبة جيدة فلقد وكلوا لنا بعض الأعمال وعندنا إجازة كل أسبوع كي نشعر بطعم الحياة .. هل رضيت صديقي؟
محسن: حين نصمت يأخذني تفكيري دائما إلى أننا أخطأنا في الاختيار.
عبد الفتاح: وهل كان لنا أي اختيار أم هي الأقدار تسوقنا دوما إلى حتفنا؟
محسن: كلا عزيزي ليست الأقدار ،بل نحن. فالإنسان مزود بماكنة العقل وقوة القلب و اندفاع الروح هؤلاء الثلاثة إن اجتمعوا كانت القوة جبارة أولها تُعرفك بالله فتكون عابدا عارفا واثقا ، و منها تستمد القوة بأن لاتكون عبدا لأحد.
عبد الفتاح: وهل كان بأيدينا أن نغير شيئا مما يحدث من طغيان و ظلم و فساد مستفحل إلى نخاع الأرض، حتى بتنا نشرب الخوف و الإحباط كشربنا للماء.؟ لقد فقدتَ أولادك بلحظة ، ما فعلت حين وقع الانفجار هل كان العقل والقلب والروح لهم وجود ؟، هل ينفعون بشيء..؟ لا أظن ياصاحبي . أغفر لي فلامجال للمراوغة هنا فالنهاية وقعت ، لحقت باولادك وهم في عالم جميل مسالم..و لم يلحقهم خوف.
محسن: الطبيعة تحب أن تُرضي نفسها ، إنها متزمتة أنانية ،تكره الإهمال أو أن يتسلط عليها أحد ، طبيعة مغروزة فينا بقوة لنكون مثلها أنانيون.. أنا من قتلت أولادي ، أعترف بهذا صدقا .
عبد الفتاح: ماتقول ؟ مستحيل ، وهل شاركت في التفجير .كنت هناك واعلم المسبب جيدا.
محسن: بل قتلتهم بصمتي وجبني ، قتلوا جاري أمامي فلم أتحرك لأغيثه ،طمعت بأن اكفي نفسي و أولادي شرّ القّتلة ، وتكررت مرارا و أنا أنظر ،قلت المهم أن لا يصلون إلي ، إنه الصمت البغيض ،صمت الخوف و الجبن تلك الطبيعة الكريهة التي تسيطر علينا فنخسر كل شيء أنفسنا أولا ثم كل مانحب.
عبد الفتاح: ربما ما تقوله صحيح، لكنه حالنا جميعا ،لم أرَ أحدا مختلفا.
محسن: بلى أنا رأيته ، إنه عامر شاهدهم و ركض خلفهم و رغم أنهم قتلوه أيضا لكنه الأقوى عاش و مات بنعمة الإنسان الحر ، ما فائدة الحياة و أنت عبد للخوف فيتسلط عليك الأشرار و يسلبون كل شيء منك تباعا و أولها روحك قبل أن تموت ، إنهم سراق أرواح كما هم سراق أراضي وممتلكات الآخرين و أرزاقهم .
عبد الفتاح : لقد تأخر دورنا في الانطلاق خارج القبور.. ماكنت أحب أن أرى حزنك صديقي.
محسن: إنه مدفون معي وهو الذي يحاسبني و لماذا تظن أنني لست مع أبنائي ؟ إنهم هنا من المدراء ، يلبسون زي الأشجار الأخضر ، كما هو لون الحياة ، إنهم شهداء ، أما أنا فمن أتباع الطبيعة .
عبد الفتاح: الطبيعة فيها نعم جمة وجمال .
محسن: النعمة ليست أنانية و لا تثور و لا تحطم إنها تُسخر ذاتها للآخرين و لا يهمها إن أهملوها أو استصغروها ، أما الطبيعة فهي الحاكمة هناك وليست النعمة . هنا عندنا وقتا كافيا لنكتشف الحقائق.. هنا فقط في الموت يعرف الإنسان ما أهدر..
لكن لاينفع الندم..هكذا أكون أنا من قتلت أولادي ..ربيتهم بالطبيعة التي تحكم الحياة بقسوة و لم اعلمهم معنى النعمة..ياللجروح التي فتحها الموت ياصاحبي.
عبد الفتاح: لقد اقترب المدير ،جاء دورك لأنك قبلي.
(المدير : السلام يحييكم برحمته ويترك لكم حرية الانطلاق حيث ما تحبون في مرضاته ، أين تريد أن اوصلك محسن )
محسن: أريد أن أبقى هنا و لي حاجة للصمت والبكاء.
المدير: كل ماكنت تقوله سمعته وهو من جذور روحك الطيبة ، سأخبرك بذاك الذي كان يساعد المجرم على الاختباء في دكانه كان أيضا يخاف لكن بخساسة و طبعا لم يسلم منهم فقد قتلوا زوجته لأنها قالت بحقهم ما يستحقون ، خوفك لايشبه خوف من ساعدهم ، أنت خفت لأن للقتل رهبة وما بيدك حيلة لأنك لوحدك و ما كنت تفعل أكثر من أن تموت بسهولة..؟ المهم أنني ما رأيتك تحمي مجرما أو تساعده على القتل.. كلا يا أبي اترك البكاء و لا تطيل التأمل بما رحل عنك ، أستطيع أن آخذك حيث نحن أنا و اخوتي لنكون معا في ملكوت السماء إنه يوم الراحة لكم .
رفع عينه محسن لينظر للقائل (يا أبي) فاستغرب جماله ونور وجهه ، كان أحد أولاده ، فأجهش في البكاء وقال نعم دعني اليوم معكم.
كان عبد الفتاح قد دخل في الصمت وراح يفكر بكل ما سمع من صاحبه والمدير، جاءه الصوت : هيا ياصاحب أبي خذ نصيبك و انطلق كما تحب بمرضاة الله بجمال الحياة والكون.
......
ابتهال الخياط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق