سيمولوجية العنوان
قراءة في ديوان (فراغ مقلوب) للشاعر "جواد الشلال"
قراءة في ديوان (فراغ مقلوب) للشاعر "جواد الشلال"
بقلم/ حسين عجيل الساعدي
أعطت الدراسات السيميائية أهتماماً متزايد للعنونه كونها تمثل (مصطلحاً إجرائياً ناجحاً في مقاربة النّص الأدبي، ومفتاحاً أساسياً يتسلّح به المحلّل للولوج إلى أغوار النّص العميقة قصد أستنطاقها وتأويلها)، "السيميوطيقا والعنونة، جميل حمداوي مجلة عالم الفكر، العدد 03، المجلد 25، ص 96". فالعنوان يعد أول أشارة سيمولوجية تجذب أنتباه المتلقي. وغالباً ما يتجاوز اللغة المعيارية إلى لغة منزاحة في مسارها المألوف، ويتعدى إلى أغراض رمزية وإيحائية وفنية وجمالية.
يحدد (ليوهوك) أحد مؤسسي علم العنونة المعاصر، العنوان بأنه (مبنى وشيء مصنوع لغرض التلقي والتأويل). ومسألة (تأويل) العنوان، عالجها (ليفنستن ادمز)، بقوله: (أن العنوان هو نفسه موضوعاً للتأويل إذ كثيراً ما يلعب النص نفسه دور المرشد لتأويل العنوان وليس العكس)، "محمد فكري الجزار، العنوان وسيموطيقيا الاتصال الادبي".
العتبة في اللغة (أسكفة الباب التي توطأ.. والجمع: عتب وعتبات، والعتب: الدرج)، "ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص 576". وقد جاء في مقاييس اللغة لابن فارس، أنها سميت عتبة (لارتفاعها عن المكان المطمئن السهل)، "ابن فارس، مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، ج4، ص 255".
تؤدي العتبة دور الولوج الى عالم النص، وأولى مراحل التعرف عليه، وتحديد مساراته وهويته، وأستكشاف مكنوناته. وقد عد الكثير من النقاد العتبة ركناً اساسياً، وجعل (كل قراءة بدونها قراءة ناقصة مشوهة النص).
في هذه القراءة نسعى إلى فك شفرة عتبة المجموعة الشعرية (فراغ مقلوب)، للشاعر "جواد الشلال" باعتبارها بؤرة تتجمع فيها دلالات المجموعة، والعلاقة بينها وبين المتن.
يتألف العنوان في جزالة لفظية، من كلمتين هما (فراغ ، مقلوب)، ودلالة كلمة (فراغ) توحي لنا بحالة من الاتساع، فمعناه اللغوي ( الخُلُوُّ او المكانُ الخالي. وفي (الطبيعة والفيزياء) يعني حيِّز خال من المادَّة بصورها الثلاث)، "معجم المعاني الجامع". اما الكلمة الأخرى هي (مقلوب) فيمكن إرجاعها الى جذرها اللغوي.
وإذا تأملنا (عنوان) ديوان الشاعر "جواد الشلال" (فراغ مقلوب)، وتتبع قراءته السيميائية، ندرك وجوب تفكيكه، لأن فيه الكثير من روح الحداثة والمعاصرة، فهو يتوافق مع التشكيل البصري للغلاف أولا، وبوصفه كينونة، وأحتوائه إيحاءات ودلالات، حتى يغدو أغتراباً بمعناه الفلسفي. مما يكسبه قيمة دلالية وأسلوبية. فهو من (العناوين المُربِكة) في تصنيف (ليفنستن ادمز) للعناوين، إذ يعتبر (الحيلة المفضلة) عند الدادائيين والسرياليين، أو نعده من (العناوين الانزياحية).
فعنوان ديوان الشاعر "جواد الشلال" (فراغ مقلوب)، كعتبة أولية، هو عنوان إشكالي يحتاج إلى الحفر في خفاياه وتأويله، لأنه ذات محمولات شعرية متعددة الدلالات، متسماً بمقومات ( الاختزال، التكثيف، الإيحاء، الترميز، الانزياح البلاغي)، أضافة إلى أكتنازه اللغوي. فأختيار الشاعر له لم يأتي أعتباطياً، بل كان قصدياً ومتعمداً، كي يحدث ميزة جمالية غير مألوفة في ذهن المتلقي، وغير متوقعة. فالقصدية هنا وسيلة من وسائل الاتصال بالمتلقي. هكذا أراد الشاعر للعنوان أن يكون غواية يقنع المتلقي ويجذبه الى القراءة، لأن كل شيء في الكتابة الأدبية مقصود، ولا وجود للعشوائية فيها.
قد يكون الفراغ (مقلوب) إنزياحاً مقصوداً، وهي محاولة من الشاعر في ترميز هذا الفراغ وأطلاقه بتعبير جديد. فلفظ (مقلوب) في العنوان يرتبط عضوياً بمفردة (فراغ)، وهذا الوصف يعزز من القيمة الدلالية لفكرة (فراغ)، الذي يكاد أن يكون قضية ذاتية يختص بها الشاعر. فالفراغ عنده يمتلك قيمة جمالية ودلالية ليحلق في أجواءه. فهو يصف حالة نفسية وفكرية وحسية، لها أبعادها العلمية والفلسفية والأدبية.
(الفراغ) مفهوم جدلي، له مصطلحاته ومعانيه الكثيرة، وأثار جدلاً معرفياً واسعاً، تجاذبته حقول معرفية متعددة ومختلفة (علمية، فلسفية، سايكولوجية، اجتماعية، أدبية، جمالية، لغوية)، وأكثر تجاذب له كان بين حقلين معرفيين هما؛ الفلسفة والفيزياء. فلايمكن أخضاعه الى تعريف علمي أو فلسفي أو سايكولوجي أو سيسولوجي معين، وهذا أمر شائك، لأن هناك جدلاً فلسفياً وعلمياً حول هذا المفهوم، الذي يرادف (اللاشيء).
فـ(الفراغ) فلسفياً، كما يقول "إدغار كانزيك" ( يمكن تصوره كغياب لكل شيء، مع تعلق الأمر برؤية ذهنية )، فلا يمكن ان يكون (الفراغ) ألا فراغاً ذهنياً أو ميتافيزيقياً في مجموعة الشاعر "جواد الشلال"، وإجابة لتوتره وقلقه، قد يعيش فراغاً وجودياً لايمكن حده ضمن حدود الزمان او المكان. فـ(بعض الفلاسفة يرون أن الفراغ هو شيء أو كيان له وجود حقيقي)، وهذا الاعتقاد نابع من إدراكهم للأشياء، وحيثما تكون هناك أشياء يكون هناك فراغاً، أما البعض الاخر (يرون أن الفراغ هو ليس شيئاً حقيقياً ولكنه مجرد فكرة في العقل). وهذا الرأي عند الفيلسوف "كانت Kant" حين يرى (أن فكرة الفراغ ليست نابعة من إدراكنا للأشياء المحسوسة). أما "كينيث روبرتز" فيصف عالم اليوم بـ(عالم الفراغ)، وعند الفيلسوف "ماركيوز" (هو ضرب من الإغتراب)، وهنا يقترب "ماركيوز" من فكرة (الفراغ الوجودي)، الذي يمكن أكتشافه وفق منهج تأملي فلسفي، فهو (فضاء تأملي يعمل على تعميق نظرة الأنا إلى آناها)، هذا الشعور يدلل على عدم وجود إنسجام بين الذات وغيرها.
فـ(الفراغ الوجودي) يعني فقدان الفرد للشعور بأن حياته ذات معنى، ويتجلى هذا من خلال الشعور بـ(الملل)، وهو (آية الفراغ الوجودي)، وهذا يعطي إحساساً باللامعنى واللاجدوى. فالفراغ هنا فراغاً من المعنى وليس فراغاً فيزياوياً.
عندما وضع العنوان (فراغ مقلوب)، قد يبدو للمتلقي (خطأً لغوياً) مقصوداً من قبل الشاعر لوجهة يريدها ويقصد إليها. فـ(فراغ مقلوب) لم يسمع به، وليس هناك شيء يمنع الشاعر ان يصف الفراغ بوصف اخر، ويسلم من تساءل (المتلقي)، لكنها (شهوة المخالفة)، وإحساس الشاعر بأمتلاكه للغة، لا أمتلاك اللغة له.
يحدد (ليوهوك) أحد مؤسسي علم العنونة المعاصر، العنوان بأنه (مبنى وشيء مصنوع لغرض التلقي والتأويل). ومسألة (تأويل) العنوان، عالجها (ليفنستن ادمز)، بقوله: (أن العنوان هو نفسه موضوعاً للتأويل إذ كثيراً ما يلعب النص نفسه دور المرشد لتأويل العنوان وليس العكس)، "محمد فكري الجزار، العنوان وسيموطيقيا الاتصال الادبي".
العتبة في اللغة (أسكفة الباب التي توطأ.. والجمع: عتب وعتبات، والعتب: الدرج)، "ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص 576". وقد جاء في مقاييس اللغة لابن فارس، أنها سميت عتبة (لارتفاعها عن المكان المطمئن السهل)، "ابن فارس، مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، ج4، ص 255".
تؤدي العتبة دور الولوج الى عالم النص، وأولى مراحل التعرف عليه، وتحديد مساراته وهويته، وأستكشاف مكنوناته. وقد عد الكثير من النقاد العتبة ركناً اساسياً، وجعل (كل قراءة بدونها قراءة ناقصة مشوهة النص).
في هذه القراءة نسعى إلى فك شفرة عتبة المجموعة الشعرية (فراغ مقلوب)، للشاعر "جواد الشلال" باعتبارها بؤرة تتجمع فيها دلالات المجموعة، والعلاقة بينها وبين المتن.
يتألف العنوان في جزالة لفظية، من كلمتين هما (فراغ ، مقلوب)، ودلالة كلمة (فراغ) توحي لنا بحالة من الاتساع، فمعناه اللغوي ( الخُلُوُّ او المكانُ الخالي. وفي (الطبيعة والفيزياء) يعني حيِّز خال من المادَّة بصورها الثلاث)، "معجم المعاني الجامع". اما الكلمة الأخرى هي (مقلوب) فيمكن إرجاعها الى جذرها اللغوي.
وإذا تأملنا (عنوان) ديوان الشاعر "جواد الشلال" (فراغ مقلوب)، وتتبع قراءته السيميائية، ندرك وجوب تفكيكه، لأن فيه الكثير من روح الحداثة والمعاصرة، فهو يتوافق مع التشكيل البصري للغلاف أولا، وبوصفه كينونة، وأحتوائه إيحاءات ودلالات، حتى يغدو أغتراباً بمعناه الفلسفي. مما يكسبه قيمة دلالية وأسلوبية. فهو من (العناوين المُربِكة) في تصنيف (ليفنستن ادمز) للعناوين، إذ يعتبر (الحيلة المفضلة) عند الدادائيين والسرياليين، أو نعده من (العناوين الانزياحية).
فعنوان ديوان الشاعر "جواد الشلال" (فراغ مقلوب)، كعتبة أولية، هو عنوان إشكالي يحتاج إلى الحفر في خفاياه وتأويله، لأنه ذات محمولات شعرية متعددة الدلالات، متسماً بمقومات ( الاختزال، التكثيف، الإيحاء، الترميز، الانزياح البلاغي)، أضافة إلى أكتنازه اللغوي. فأختيار الشاعر له لم يأتي أعتباطياً، بل كان قصدياً ومتعمداً، كي يحدث ميزة جمالية غير مألوفة في ذهن المتلقي، وغير متوقعة. فالقصدية هنا وسيلة من وسائل الاتصال بالمتلقي. هكذا أراد الشاعر للعنوان أن يكون غواية يقنع المتلقي ويجذبه الى القراءة، لأن كل شيء في الكتابة الأدبية مقصود، ولا وجود للعشوائية فيها.
قد يكون الفراغ (مقلوب) إنزياحاً مقصوداً، وهي محاولة من الشاعر في ترميز هذا الفراغ وأطلاقه بتعبير جديد. فلفظ (مقلوب) في العنوان يرتبط عضوياً بمفردة (فراغ)، وهذا الوصف يعزز من القيمة الدلالية لفكرة (فراغ)، الذي يكاد أن يكون قضية ذاتية يختص بها الشاعر. فالفراغ عنده يمتلك قيمة جمالية ودلالية ليحلق في أجواءه. فهو يصف حالة نفسية وفكرية وحسية، لها أبعادها العلمية والفلسفية والأدبية.
(الفراغ) مفهوم جدلي، له مصطلحاته ومعانيه الكثيرة، وأثار جدلاً معرفياً واسعاً، تجاذبته حقول معرفية متعددة ومختلفة (علمية، فلسفية، سايكولوجية، اجتماعية، أدبية، جمالية، لغوية)، وأكثر تجاذب له كان بين حقلين معرفيين هما؛ الفلسفة والفيزياء. فلايمكن أخضاعه الى تعريف علمي أو فلسفي أو سايكولوجي أو سيسولوجي معين، وهذا أمر شائك، لأن هناك جدلاً فلسفياً وعلمياً حول هذا المفهوم، الذي يرادف (اللاشيء).
فـ(الفراغ) فلسفياً، كما يقول "إدغار كانزيك" ( يمكن تصوره كغياب لكل شيء، مع تعلق الأمر برؤية ذهنية )، فلا يمكن ان يكون (الفراغ) ألا فراغاً ذهنياً أو ميتافيزيقياً في مجموعة الشاعر "جواد الشلال"، وإجابة لتوتره وقلقه، قد يعيش فراغاً وجودياً لايمكن حده ضمن حدود الزمان او المكان. فـ(بعض الفلاسفة يرون أن الفراغ هو شيء أو كيان له وجود حقيقي)، وهذا الاعتقاد نابع من إدراكهم للأشياء، وحيثما تكون هناك أشياء يكون هناك فراغاً، أما البعض الاخر (يرون أن الفراغ هو ليس شيئاً حقيقياً ولكنه مجرد فكرة في العقل). وهذا الرأي عند الفيلسوف "كانت Kant" حين يرى (أن فكرة الفراغ ليست نابعة من إدراكنا للأشياء المحسوسة). أما "كينيث روبرتز" فيصف عالم اليوم بـ(عالم الفراغ)، وعند الفيلسوف "ماركيوز" (هو ضرب من الإغتراب)، وهنا يقترب "ماركيوز" من فكرة (الفراغ الوجودي)، الذي يمكن أكتشافه وفق منهج تأملي فلسفي، فهو (فضاء تأملي يعمل على تعميق نظرة الأنا إلى آناها)، هذا الشعور يدلل على عدم وجود إنسجام بين الذات وغيرها.
فـ(الفراغ الوجودي) يعني فقدان الفرد للشعور بأن حياته ذات معنى، ويتجلى هذا من خلال الشعور بـ(الملل)، وهو (آية الفراغ الوجودي)، وهذا يعطي إحساساً باللامعنى واللاجدوى. فالفراغ هنا فراغاً من المعنى وليس فراغاً فيزياوياً.
عندما وضع العنوان (فراغ مقلوب)، قد يبدو للمتلقي (خطأً لغوياً) مقصوداً من قبل الشاعر لوجهة يريدها ويقصد إليها. فـ(فراغ مقلوب) لم يسمع به، وليس هناك شيء يمنع الشاعر ان يصف الفراغ بوصف اخر، ويسلم من تساءل (المتلقي)، لكنها (شهوة المخالفة)، وإحساس الشاعر بأمتلاكه للغة، لا أمتلاك اللغة له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق