الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

القراصنة والزمن المجنون / قصة قصيرة / للاستاذ ادريس الهراس

القراصنة و الزمن المجنون ..
في ساحة البلدة الغبراء يتأبطون محافظهم بمحاذاة الطريق ، وقفوا يغالبون الجوع ، بما اقتنوه من بائع متجول يدفع عربة مهترئة . نصحهم رائدهم في الصيد بأن يحترسوا من الحصى المخالط للفستق المملح ! ولم تدم فترة وجيزة حتى نسي الناصح فضائل نصيحته ، فأخذ في التهام الحفنة تلو الحفنة دون حرج ! تبادلوا نظرات خرساء و انخرطوا في قهقهات مدوية !! 
التفت " ولد بوعبيد " إلى الدواوير المتناثرة وسط الحقول على مرمى البصر ، و تمتم بصوت مسموع : ها لعجانة ها لهلالمة ها لقلالشة !
كانوا أربعة .. مثلما في أغنية القرصان !! يجوبون بحارالزمن المجنون .. يكتالون الريح و يهتفون ملء حناجرهم : البلاكبا !! البلاكبا !! ( صنف من السمك )
في ولجة " أولاد علي " بعد رحلة صيد خاوية الوفاض على ضفاف أم الربيع ، باغتهم السؤال فتنكروا ، وقفلوا بغنيمة اليقطين غاضبين ، لأن نيتهم لم تكن هزم القروي المتمترس في خندق الجني المتقدم ، قبيل غروب يوم قائظ !! لا ولا التملص من دفع ثمن البضاعة !! و لكن الغبي يجثم في ركن من دماغه شبح مرتش كاسر !! أو هكذا !!
ينال منهم الجوع مأخذه فيعرجون على مقهى" الزيزوة / الركوة " ، يملأون بطونهم بما لذ وطاب من الإسفنج و كؤوس الشاي . يغادرون وحفيد شرقاوة يطربهم بزغرودته المأثورة : يا ق|كطر يا أحلى غنية !!
بفضاء دار الشباب عاقروا الخشبة ، و اختبروا قصفها ضمن جمعية " ناس الكوميديا " ، و تحدوا متبطات قلة ذات اليد ، وتعنت الإدارة ، و تحيز المشرفين المقيت على الإقصائيات الخاصة بمهرجان مسرح الهواة !! فغدا شعارهم : لنا المسرح .. ولهم ربطة العنق !!
في متم تلك السنوات البعيدة .. الموشومة في ذاكراتهم ، علموا جميعهم بكبير أسى وحسرة أن الزمن الملالي مزاجي .. يحنو و يقسو !! و قد يكون ذلك ما جعل الإسكافي الراحل " با حمادي " يقول بعد زفرة طويلة ، و هو يمتطي صهوة غليونه في سفر نحو المجهول ، و أنغام إبراهيم العلمي يصدح بها مذياعه الخشبي المعلق على الجدار بمسمار ، بحارة " آيت تسليت " العريقة ، عصر ذلك اليوم المعطر بشذى النعنع البروجي : " أنا لي بغيتك يا بني ملال !!! " . " الحماق و الهبال في بني ملال !! " و لا يفتأ يردد مع المذياع مترنحا :
يا لي صورتك بين عيني * * * * * كيف يدير قليبي حتى ينساك ؟!
حينما تشاء الأقدار يزور رائدهم في الصيد القرية الودود " فم العنصر" يطل على الصخرة التي جلسوا عليها ذات سمر.. يهيأ إليه أنها تبتسم و تلوح له من بين المياه المنسابة حولها و لسان حالها يقول : " أنا هنا ! لا زلت على العهد ! أحرس المعالم و كل ما كان بيننا !! وأنتم ، أتراكم تذكرونني ؟ أم أن التيار جرفكم بعيدا وشغلكم حتى عن أنفسكم ؟! " ... يعود أدراجه و في نفسه غصة كمد ، و شيء من حتى !!
إدريس الهراس / امغرب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق