الاثنين، 17 أكتوبر 2016

ملف خاص بموسوعة المبدعين العرب والانسانية جمعاء / للاديب المبدع صالح هشام / المغرب

لمحة موجزة :
......................
حين تقرأ لهذا الاديب المبدع تشعر وكأنك كائنا يبعث من تحت الرماد فلحرفه تاثيرا باعثا لرغبة ملحة لعيش حياة اخرى حتى انك تبدأ بعشق الوان أخرى . بل هو يحيلك لعوالم اخرى وملامح أخرى . وله القدرة على سبر أغوارك والتعامل معها بروية ورقة متناهية فتكاد تشعر بانه جزء منك أو العكس تماما .تنتمي اليه بكامل وعيك وخارج منطقة الوعي .
وإن تجلى فلا حواجز تعيقة للوصول اليك أو لجذبك نحوه حد الالتحام الروحي بصوفية مثلى وحلاجية متفردة تحيطك
من كل صوب . هو القاص الناقد . الاديب المبدع صالح هشام . تبريكاتنا لانضمامه لهذا الركب اللامع المؤتلق كما النجم
جاسم آل حمد الجياشي . مؤرخ موسوعة المبدعين العرب




سيرتي الذاتية :
الإسم والنسب : صالح هشام Salah Hachcham !
من مواليد 5 يوليوز 1959 بوادي  ، إقليم خريبكة ، التحقت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ، جامعة محمد الخامس بالرباط ، بعد حصولي على شهادة البكالوريا في شعبة الآداب العصرية سنة :
1980 ، حصلت على شهادة الإجازة ، شعبة اللغة العربية وآدابها !
التحقت سنة 1985 بالتدريس ، تخصص اللغة العربية وآدابها !
وفي سنة  2007 التحقت بالإدارة التربوية بالرباط ، ولا زلت أمارس مهامي بها إلى حدود كتابة هذه السطور !
أغرمت بالقراءة والكتابة منذ نعومة أظفاري ،فقرأت الرواية والقصة القصيرة والشعر خصوصا الشعر الملتزم ، لكني كنت ميالا لكتابة القصة القصيرة ، عزفت عن الكتابة والقراءة لفترة طويلة جدا ، أمام غياب الدعم و التشجيع والتحفيز !
ابتداء من 2014 ، عدت إلى غمار الكتابة ، في مجال الخاطرة والمقالة بمختلف مشاربها ، وألوانها ، وقد لاحظت أن الشخوص  تغلي في ذاكرتي كالحمم التي تبحث عن ثقب للخلاص ، وكان فعلا إنتاجي في القصة القصيرة في هذه الفترة القصيرة جدا غزيرا جدا !
 دخلت مغامرة النقد في مجال السرد والشعر ، أملا في إنصاف الكثير من المبدعين الذين تضيع نصوصهم  في أعمدة منتديات العالم الأزرق دون أن ينتبه لهم أحد !
وهذه امثله من عشرات القراءات المتنوعة التي قمت بها .

هذه بعض النماذج من  قراءاتي النقدية  للنصوص :
_الشعر
1-التناص والرمزية في قصيدة ( عيون عبلة ) لمصطفى النجار
2-(فزياء ) للشاعر جاسم آل حمد الجياشي !
-3 بوح القصيد ( قصيدة النهر الميت ) لعبد الجبار الفياض !
السرد :
1- صراع الانسان مع الزمن في قصة القاطع ، لمهدية أماني !
2-الابداع السردي عند الدكتور حمد حاجي !


قمت بنشر إنتاجاتي الأدبية في مختلف المنتديات الأدبية ، وفي أغلب المجلات الإلكترونية والورقية في مختلف أنحاء الوطن العربي ، لم أبحث يوما عن الشهرة والتميز بقدر ما كان همي الارتقاء باللغة العربية ، التي مع الأسف تسير نحو الهاوية ، وأتمنى أن أوفق في هذا المسعى ، وكلي إصرار على  تحقيق هذا الهدف إن شاء الله !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ








هذه النصوص المشاركة في ملف المبدعين العرب في مجال القصة القصيرة
القديسة وإحراق العمائم قصة قصيرة
القاص : صالح هشام - المغرب
يحزم أسمال عريه وبؤسه القرمزي على خاصرته ، يأكل هرولة جنبات طريق وعرة ،يسابق خيوط النار و سقوط أول بيضة دجاجة ، يمعن في الهرولة ، تتحول ركضا ، تجتاحه نوبة خوف شديد ، تشده الأرض إليها بإحكام ، شيء ما غريب يتمسك به ، بتلابيبه ، يعوق سيره ، يكبر ، يتضخم ، ينتفخ كبالون ، يجر نفسه : حصان يجر عربة ثقيلة بدون عجلات ! يقتلع جسده اقتلاعا ، يدحرجه أمامه ، يسير في الوحل !
أنفاس حارة ممزوجة برائحة قرنفل غريبة تجتاح قفاه ، تغمر جسده ، يغرز عينيه في الفراغ ، تمة أنامل بدون أظافر ، ناعمة ، ملساء ، باردة كالموت تدغدغ حبيبة أذنه ، انتفاخ ساخن يشعره برعشة لذيذة !
قبضتان قويتان تعتصران فوذيه ، يحس بدوار شديد ،برغبة قوية في القيء حتى الإغماء ، تثقل خشبته، تتقطع أنفاسه ، صوت لا صوت يشبهه :
رخيم ، غريب ، رحيم ، عجيب !
يهمس في أذنيه بعذوبة وشبق خارق حد انهيار الإحساس :
- حبيبي أتلبسني أم ألبسك ؟ أتسكن لي و أسكن لك ؟ أتحملني أم أحملك ؟
يجمع ما تبقى من قوته ، يلملم أطراف لسانه المترهل ويصرخ في الفراغ القاتل :
-من أنت ؟ ما اسمك ؟ وماذا تريدين مني ؟
يجيبه همس أشبه بحفيف زهيرات اشجار الدفلى :
-أنا عروس البحر في البحر! أنا عروس البر في البر ! أنا عروس النهر في النهر! أنا الناقة ،الهيفاء ،الفرعاء ، الحمراء في الصحراء ! ألا ترى أظلافي الجميلة، ألا أشبه حمراء الصحراء ؟
أنا متقلبة المزاح ، أنا حرباء الزمان و المكان !
تسري قشعريرة الموت في أوصاله ، تكتسحه باردة حد الصقيع ،تضيع منه مكابح الروح والجسد ، و يفعلها لزجة ، ساخنة ، تستقر في قاع مداسه !
- خلقنا لبعضنا وقدرنا أن نحل في بعضنا و أن يمتزج دمنا !
يشعر بقضيب فولاد ينغرز في رقبته ، يعوق حركته ، فيشل أطرافه تماما :
تلفظ ذاكرته حروفا قرآنية وجملا غير مكتملة :
يلملمها، يحاول جمع شتاتها وترتيبها، تنفلت من لسانه المتخشب ، تركل أعلى سقف حنكه ، يبتلعها بصعوبة بالغة كأسلاك شائكة ، ثم تندلق رخوة من شفتيه مترهلة ، تضيع في متاهات خيشومه ، ينطق الخواء : نهنهة وحمحمة و أصواتا غريبة :
يمتص سمعه صدى فراغ سحيق غير مسموع، وتتلاشى الهمسات في أغوار الخواء :
يبقى منها فقط في أذنيه رنين مطرقة كبيرة ترج سنديانا !
يخلص جسده بمشقة وعسر من حبال مشدودة بأوتاد كبيرة مغروزة في قلب الأرض ، رويدا رويدا ، تتحرر قدماه :
أشبه بقذيفة طائشة يخترق العدم ، يركب ريح الريح ، يمتطي صهوة الضوء ...صهوة الصوت : حصان جامح أسطوري قديم ، ينبت جناحين !
هسيس الكلاب ، بصبصتها ، نباحها المكتوم ، حفيف الريح , خشخشة الأعشاب , تكتكة قدميه شبه حافيتين ، مكتومة : أصوات نشاز ،خليط ،ممزوج برنين همس شيء ما لم يميز منه شيئا!
يندفع مرتجفا مرعوبا ،ثقيل الخطو ، منهوك القوة، في قعر بيته الطيني :
يتهاوى كتلة لحم بارد ة ، لا أثر للحياة فيها ، بسرعة ،تتلقفه أمه بين دراعيها ، تسنده إلى ركبتيها ، تصرخ ، تولول، تحوقل ، تتف ، تردد تعويدات مبهمة ، تتلو آيات قرآنية ، لا تحفظ منها شيئا :
-آ عيشة ، آعويشة ، آ مولات المرجة أحجارك يشدوك : بس ٠٠بس ٠٠بس ، لا هو من ثوبك ولا أنت من ثوبه ، هو منا وأنت منهم !
تدس أصابعها بحدر وخوف شديد في جسده ، تبحث عن آثار (القبلة/ المصة) الدموية المسعورة القاتلة ، القبلة الواصلة بين الثقلين !
، يغوص في هستريا هذيان مهبول ، مخبول ، يغيب في نوبة صرع حد الجنون :
- هي ،هي : مولات المرجة ، (القديسة / عيشة / قنديشة )، لمستني لازلت أشعر بحرارة جسدها الطري تسد مسام جسدي، وأنفاسها العطرة تداعب زغيبات قفاي ، تهمس في أذني تتلمظ ملوحة لحمي ، تعض حبة أذني ،تبوح لي بسرها ، تعترف لي بحب الجن للإنس :
- حبييي : إلبسني ، فأنت لباسي ! أسكن لي ، فأنت سكن لي !
تتكور حبيبات : بلورية ، براقة، زجاجية على جبينه ، تتدحرج ،تندلق ، ماسحة جغرافية وجهه الأصفر حد الاخضرار ، و تستقر ساخنة ، فائرة في عمق حفيرة منحره :
يتعرق بغزارة ، يشتعل جسده نارا ، يتحول صفحة حديد ساخن!
تصرخ أمه ، تولول وتعول :
- الرجل يموت يا امرأة !٠٠سيضيع منا ، ومن أولاده !
تقتحم زوجته الشابة ، باب الغرفة الكئيبة تجر جسدها منهكا ، خائر القوة ، تستند براحتيها على ردفيها و هي ترتجف :
صفراء : ورقة ميتة صفراء٠٠ تفوح منها نتانة حليب قديم مندلق على صدرها عافه طفلها بعد شبع ، ممزوجا بعطر التوابل ، و ببعض روائح براز صغيرها الذي لم يحول بعد !
تحمل طستا نحاسيا قديما ، و خرقة قماش أبيض و بعضا من بخور (الجاوي ) : بخور لالة مكة، تذكار من عمرة أبيها قبل وفاته ببضع سنوات خلت !
تضع شمعة ، في مصباح فقد طلاءه ،يتدلى كالإجاصة من أعلى دعامة خشبية ، متهالكة تتوسط فناء البيت الطيني ، تدغدغ فتيلتها بعود ثقاب :
شعلة بروميثيوس تمتص خيوط العتمة ،تحررالشمعة دموعها ، فتبكيه بحرقة ، تعدد مناقبه ، كعاشقة ولهانة ، نائحة !
تقعى المسكينة كالكلب أمامه ، تضع الطست النحاسي ، تغمس الخرقة في الماء البارد وتمررها على جبينه : تمسح عرق حمى داخله و خارجه ، ينتفض كطائر مذبوح ويصرخ في وجهها :
-افتحي نوافد هذه الخرابة ، أفسحي الطريق للضيفة القادمة يا غجرية !
يتحجر سؤال على شفتي أمه ، وتضيع حروفه في الفراغ :
-هل هي القادمة يا ٠٠٠٠٠ول٠٠٠٠
قبل أن تكمل سؤالها ينهرها بعصبية محمومة :
-اسكتي يا امرأة ! ومن سيكون غيرها ؟
تقتلع زوجته جسدها المتعب ، تدحرج بطنها أمامها ، تتعثر ، و تمسك بالحائط ، تشرع النوافد ، و تفتح الباب على مصراعيه ، يحدث صريرا رهيبا ، تتسرب نسيمات باردة ، تراقص الستائر البالية ،ممزوجة بنور حاد كلمعان البرق ، ويمتص ضوء الشمعة !
ارتعاشة الموت تسري في أوصال أمه وزوجته ، يتلاشى ذلك النور شيئا فشيئا،وتهدأ النسيمات ، وتعاود الشمعة نشاطها تدرف دموعها ، نائحة !
يتسلل من باب شبه مفتوح ، بخطى ثقيلة مسلوب الإرادة :
نائما / صاحيا ٠٠ حالما /يقظا ، مومياء محنطة متحركة تسير نحو المجهول !
تشرنق يرقة خبل مهبول ،وهبل مخبول في متاهات مخه المشلول تماما وتصيح فيه :
-أركض ،أركض ، إرحم نفسك ، أركض وراءها ، هي لك وأنت لها : امتزج دمك الأحمر بدمها الأخضر ، أنتما من الآن : اثنان في جسد واحد ، لا إنس ولا جن بعد اليوم ٠٠ فقط فصيلة من عبدة عشق قاتل ممنوع ٠٠فصيلة من جمال اتحاد و روعة حلول ٠٠أركض، فالركض خلاصك من آدميتك!
كريم طريد ،يركب الريح ، يحضنه فراغ ليل قاتل ، جاثوم :
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠بصبح وما الإصباح منك بأمثل !
ويضيع شبحه في تلافيف العتمة ، ويمتصه جنح الليل ، يخرج لسان أمه عن طوعها ، تشق عنان السماء صراخا وعويلا :
-ولدي ، اختطف ياناس ! آه يا ولدي آه ! آه يا ولدي ،يا للكافرة !
وتغيب في غيبوبة أشبه بالموت ، تصرخ زوجته : لم تكن المسكينة تتقن فن الصراخ ،كان صوتها رخوا متقطعا ، أشبه بصياح دجاجة يراودها مخاض البيضة !
يجتاح الصراخ القرية ،تسيل شعابها بأضواء القناديل : نجوم تحذق من السماء باستغراب ، تمتزج وحشة المكان ، بنباح الكلاب ، بحفيف النسيم وتكتكة النعال فوق التراب والهشيم اليابس! يتلاعب كبير القرية بعكازه بحماس :
-يا قوم ، الكونتيسة / عيشة / قنديشة ، تضعف أمام شعلة النار ٠٠فهي شعلة لحكمة!
-من أين لنا بشعلة الحكمة ، يا سيد القوم ؟
يتساءل الجميع ،يصيح فيهم بأعلى صوته يا قوم :
- عدو ا معي : خطوة ٠٠ إثنتان ٠٠٠ثلاث ٠٠ أحرقوا العمائم !
- كرروا معي : خطوة ٠٠اثنتان ٠٠ ثلاث ٠٠أحرقوا العمائم !
ينبرى أحدهم و بسؤال فيه نوع من التشكيك و مآخذة الكبير :
-لكن ما علاقة هذا بإحراق عمائمنا يا سدنا ؟
يمسح على رؤوسهم بنظرات مرتابة شاردة :
-العمامة غطاء الرأس !
والرأس رأس الحكمة !
والكنتيسة/عيشة تكره الحكمة ، تخاف شعلة النار لأنها أضاءت الكهف ، تكره بروميثيوس : شعلة ناره، نور فيك، نور في ، نور فينا جميعا ،منذ غابر الزمان ، وقديم المكان !
من حين لآخر يومض ضوء كنور الشمس في عز النهار :
حريق العمائم - تلتهما النيران - يقضم من برنوس الليل : في كل خطوة قضمة ، في كل عمامة تحرق كسر لصمت المرجة القاتل ، وكشف سر من أسرار الكونتيسة / عيشة !
هم يعرفونه حق المعرفة من طفلهم إلى شيخهم :
صريع حب مستحيل ، عشق مجنون :
عاشق لا وجهة له غير هذه المرجة الزرقاء الضحلة ، على صفحة مائها تمارس الضفادع شغب التزاوج ، مرجة تحفها أشجار الدفلى تتخلل سيقانها نباتات السمار :
تم مربط ضحايا (الكونتيسة / قنديشة )،فيها تنصب فخاخ إغراءاتها المخملية ، تم الضوء المميت يجلب الحشرات المعتوهة !
تحت ضوء العمائم المحروقة والقمر ، يلوح جسمه مركوزا مغروزا في الأرض ، يدور في اتجاه عقارب الساعة بسرعة مروحية كهربائية ، يشخر شخيرا غير عاد ، يقترب منه الأهالي بحدر شديد : كتلة رغوة كزبد البحر الهائج ،تغطي وجهه تماما ، عيناه جاحظتان شاخصتان الى السماء ! يقترب منه كبير القرية بنوع من التوجس :
- ههه يا ناس ! هذه الكنتيسة / عيشة ، تمتص منه رحيق نشوتها ، و تتلذذ بجسده الغض ، إنها تمارس عليه شذوذها ، وكرهها للرجال ، وعندما تدبل وردته سترميه ، أين زوجته ؟
تتقدم فتاة في مقتبل العمر : هيفاء ،فرعاء ، رعناء ، شعثاء ، فيها رائحة من غنج غبي سادج ، يربت على رأسها ،ويطبطب على كتفيها و بنبرة متقطعة حزينة :
-هذه ضرتك يا بنيتي ، إقبليها ، فلا رباط خيل لك ، فمعركتك غير متكافئة ، ما ذا تودين قوله لها يا بنيتي ؟
دمعتان كبيرتان تنزلقان على خذيها ترفع عينيها إلى السماء ،تكاد تكسر رقبتها وتصيح :
-أختاه في العشق ، أعرف أن العشق جنون ! خذيه روحا وقلبا ،واتركيه لي عظما ولحما !
يعز علي غيابه ، تبتلع ريقها و يخفت بريقها ، وتجهش في نحيب مكتوم !
حمحمة حصان جامح ، تنهيدة عميقة مسموعة ، تربت على رؤوس أشجار الدفلى وتتلاشى عبرشعاب الوادي !
تهدأ حركة الرجل ، يسكن جسدة ، ترتخي قبضتاه ، ويغيب في غيبوبة الموتى !
، يتلاعب كبير القوم بضفيرتها المنسدلة على خصرها، يقترب منها وهمس لها بصوت خافت :
- على سلامته ، على سلامتك فهو غائب / حاضر ! سيحضر إليك قبيل أولى خيوط الفجر !
لقد أخذت منه وطرها ، حتى ارتوت ، إنها حال وأحوال : عشاقة ملالة !
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
[ خوروس / بوروس : : قصة قصيرة ]
[بقلم الاستاذ :صالح هشام / المغرب ]
ينتشي بالنسر ينهش كبده ، إلى آخر مضغة ، يتلمظ روائح دمه تفوح منه فائرة ،يحلق الإلهي في فراغ الفراغ يعانق خواء الخواء !!
يتجدد كبد ه ، يستمر ألمه /عذابه ، يحيا من جديد ، يلملم نفسه ،يدحرج أوجاعه أمامه ،يحمل ذاته بذاته ، يهيم على وجهه من( القوقاز )إلى أرض الله الواسعة !!
، ذات زمان عاصف !
ذات راعدة مبرقة :
تلفظه السماء ، في إعصار من كويرات البرد الكبيرة في حينا !
يخلخل رتابة زقاقنا الضيق : نشرئب بأعناقنا من النوافد والأبواب ، تخترق جسد الرجل مئات العيون القلقة، الجاحظة عبر الشقوق والثقوب ، نلتهمه حد تجريده من أسماله الرثة !
يروي لنا عنه كبارنا :
-هو خورس / بوروس / قطاع الروس ذاك :
القادم من عمق الألم ووجع العقاب الجماعي ، وصداع الرأس !
يتأجج تعطشنا لمعرفته أكثر !
على رؤوس الأصابع ،نمارس رقصة البالي ، نلتصق بالجدار ، نكاد نسد الشقوق ، نقترب منه بحذر شديد :
_ هو ذا خوروس بلحمه وشحمه !
_ هو ذا بوروس بعمامته اللولبية!
_هوذا قطاع الروس : سيفه بلا مقبض ولا نصل ،في يده شعلة نار !
كم رأسا قطع ، هذا القطاع ؟
هم يكذبون ونحن نصدق !
هم كبارنا ونحن صغارهم !
هم كبار عملاء زيوس !
لسان الكبش يسبب البكم !مخه يسبب الخبل والهبل! هذه خدعهم تحرمنا من أجمل ما في كبش العيد !
* خوروووووس!
* بورووووووس!
* قطاع الروس !
قريض مخبول : سينية خرقاء، رعناء، بلهاء !
تهمة تلصق بالرجل ، هو بعيد عنها بعد يوسف عن مفاتن امرأة العزيز، بعد (ضم الباء ) القط عن اللحم المعلق !
هم يطبخون ونحن نأكل !
س-ؤ -ا-ل :صفعة بيد مفلطحة غليظة ،تضيء النجوم في رأسك في عز النهار ، تلزمك صمت الصمت ، تزج بمخك المخبول في تجويفه ، ويتحجر السؤال على شفتيك !!
يتمطط غريب الحي كالأفعى ، نسمع طرطقة عظامه وضلوعه تتكسر ! ،يسند ظهره إلى الحائط، يهوي بجسده تتلقفه الأرض، يقعى كالكلب !
يعدل عش اللقلاق فوق مؤخرة جمجمته، تلوح لنا ثلاثية الأبعاد !
عصاه براقة ملساء ، بدون نتوءات يلقبها (بوصالح) :
تصلح ظهر كل شارد عن الصواب ، نخالها عصا موسى، حية في حينا تسعى ، تلتهم عكاكيز كل شيوخنا !
غير بعيد منه ، نحترم مسافة الإقلاع وركوب الريح ، يحسن تسديدة العصا ،تلتوي على القدمين ، تقيد الحركة ، ندرك ذلك حق الادراك !
نحنحة، همهمة ، حمحمة ،نهنهة ، زفرة عميقة ، تصدر عنه أصوات كثيرة غريبة ولا نميز صوتا منها ، نحسبه يعب الماء !
يشعل سيجارة ،يمص الدخان عميقا ، يلتصق جلد وجهه بأضراسه النخرة ، يحرره بتلذذ ، يلفظه من ثقبين في وجهه آهلين بذبابة خضراء كبيرة ، تصول وتجول في ربوع خيشومه !
أصابعنا على الزناد، تحسبا لأي طارئ أو أية حركة تصدر عنه !
(لا ثقة في عتيقة ) أسطوانة معطلة، تلوكها أمهاتنا يوميا ؟
*خوروس !
*بوروس !
*قطاع الروس !
،قطار سريع ،بدون مكابح ، بدون ربان :
من يدوسه يشد بالضباب، يقبض على السراب !
يكذبون فنحمل كذبهم محمل الجد !
هم لا يناقشون ، لا يناقشون ، ولا يتناقشون ،فهم الكبار !
يغفو خوروس /بوروس ،مقرفصا ،يضغط على صدغيه بركبتيه ،ينتشي بلذة غيبوبة مؤقتة ،نشعر بحبل الأمان يشدنا إليه :
-أنفه كبير ، معقوف، يذكرنا بمنخر سيرانو الضخم ، جبهة كبش نطاح ، وجهه حليق ، خال من التجاعيد !
أمره غريب خوروس بلباس أفغاني ، بوروس بعمامة لولبية كبيرة ! قطاع الروس ،بلا سيف ولا حصان :فقط شعلة نار على رأس عصا ملساء ، بدون نتوءات !
يشبه كبارنا في تدخين السيجارة الشقراء ، وعب المشروبات الروحية ، القادمة من وراء بحر الظلمات، من بلاد العم توم !
فجأة تصيبه نوبة صراخ هستيرية تنتشله من غفوته ،مرعوبا ، يلوح بعصاه هنا ،هناك، تحت ، فوق ، يمين ، شمال :
يضرب على الخواء !
يرقص فوق الماء !
يطير في الهواء !
يشتم ، يتوعد ، يتف، يتأفف ،ويصرخ :
- كرونس / أطفاله الخمسة :
_بداية لعنة عقدة الكراسي !
_آدم يقضم التفاحة المحرمة !
_قابيل :
(لأقتلنك )
_يقتل هابيل !
_هابيل (انما يتقبل الله من المتقين ) !
_هابيل تقي يغتال !
أول خطيئة بشرية !
اللعنة !
لعنة اللعنة !
المجنون يكشف المستور !
يحتدم الماء في المتانة المتعفنة كحمم ،يحررها رعب رهيب ، تنفلت و تستقر في قاع المداس !
- خطوة، خطوتين ، ثلاث خطوات ،نقلع كطائر النغاف ، نركب الريح ،نحلق : تختلط طقطقة الأحذية البلاستيكية الصغيرة بتكتكة الأقدام الحافية ترتطم بالإسفلت المسبوك ،بصوت واحد :
- وا٠٠ خوروس ٠٠٠وا٠٠٠٠٠الملعون !
-وا٠٠ ٠٠بوروس٠٠٠٠وا٠٠٠٠المغبون !
-وا ٠٠ قطاع الروس ٠٠وا٠٠٠المجنون !
تمتصنا متاهات الأزقة الضيقة ،ولعنة الكبار تنزل علينا غيثا مدرارا !
أسئلة تدغدغنا : أدمغتنا صغيرة لاتربو عن بيضة دجاجة !
-من يحارب خوروس / بوروس ،عندما تأتيه هذه النوبة المفاجئة ؟!
جواب إمام المسجد العتيق ضبابي ، غير مقنع :
-خوروس / بوروس !
قادم من وراء الضباب !
يمتطي صهوة السراب !
يحارب القمع والفساد !
قطاع الروس !
هو ليس قطاع رؤوس ! غربته بيننا ، وخوفنا من شعلة ناره ألصقا به هذه التهمة : قطع الرؤوس !
خوروس عدو قوى الظلام ، مفجر الابداع في جدار ذاكرة البشر
بوروس أضافته، سليقة عربية ، تعشق القافية السينية الهامسة !
قطاع الروس نستعين بها على تخويف اطفالنا لتربيتهم على الخوف والخنوع واحترام الكبار، وموسقة سين القصيدة !
يرجح أن خوروس هو بروميثيوس ، ينشر المعرفة ويتحدى زايوس !
انبرى أحد سكان زقاقنا وصاح بانفعال شديد :
- هذا هذيان ، يا كبير ، كلامك هو الكبير !
خوروس / بوروس شاب مخبول ، يشتغل في صنع الأسرة ، من ضواحي مدينتنا ،أبوه وإخوانه أحياء يرزقون ! أنا أحق حتى عدد دجاجاتهم في خمها !
يخوض حربه ضد ليليث ملكة أشجار الدفلى ، عدوة الرجال !
تخطفه من بين أبنائه تريد أن تلحق به الأذى !
-تمتص منه لذتها ، وترضي شبقيتها الأيروتيكية وتتبول وتتبرز على جسده، تمل منه تبقر بطنه ، ترمي جثته على ضفاف وادي الدفلى : انتقام أبدي من الرجال !
خوروس / بوروس يحارب الخواء ، يقارع الهواء ! يصارع النسور تنهش كبده !يقاتل ليليث العفريتة الشريرة ! لكنه لا يقطع رأسا غير رأس الفراغ ، ينشر الإبداع :
تسقط البقرة ،تشحذ السكاكين !
خوروس / بوروس تمتصه الجاذبية ، يتهاوى ، يغيب في سابع نومة / موتة ، ستنتشله منها كركرة المنقار العاجي للقلاق في عشه أعلي مئدنة المسجد العتيق ينتشي بتكبيرات متهدجة فيها بحة : المؤدن فيه آثار النعاس !
بقلم الأستاذ : صالح هشام
الاثنين~ ٣٠~٥~٢٠١٦
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
قصة قصيرة / طواحين الرياح !
بقلم الأستاذ / صالح هشام !
يسند أحمد ظهره المتعب إلى قاعدة عمود نور..مصباحه مشنوق ..لا يضيء سوى نفسه، يبحر في طلاسم (مغني اللبيب) يسْترِط ُحروف المعمم : (إنها بقرة لا دلول . تثير الحرث ولا تسقي الزرع ) .
على رأسه أقف مسمرا أتأبط الفراغ ، أتابع في هلع خفافيش تحوم حول الضوء الخافت ،تتضخم ظلالها على الحائط العتيق فتبدو كدراكولات ، تستبد بي رهبة المكان ، وينهش رَوْع الليل جوارحي ، تدور عيناي في محجريهما ، في رحلة مكوكية بين قرص القمر وهالة المصباح المتدلي .
تمتص فجأة غيمة شاردة ضوء القمر، فتستوي العتمة فوقنا تماما ، أشعربالبلل ساخنا يستقر في قاع حذائي ، أضع يدي فوق كتف أحمد انتزعه من غيبوبة الحروف .. يقفز مذعورا يشتم ، يتوعد ،ويتف ،يغلق الكتاب ، يتأفف ، يشعل سيجارة رخيصة ، ينفث دخانها في دوائر حلزونية تعانق الخواء ، تشكل أشباحا رهيبة ، تتلاشى شيئا فشيئا ، تزول تماما ، يشفعها بنفتة أخرى أقوى. !
، زعيقه ونرفزته يبددان ارتعابي بعض الشيء..واستعيد قليلا من رباطة جأشي.. !
كرة لهب كبيرة تمرق من داخل الأسوار كالسهم ، وتكاد تلامس وجهي، تند عني صرخة.. أحيد عنها ، أنزلق وأسقط أرضا ،أتابعها تستقر في مكان ما في هذا الفضاء المهول المخيف !
ينهضني أحمد ، أسمع مصمصته المستميتة لابتلاع ريقه..وأرى صعود وهبوط غصة هلع مكورة تسد حلقه تكاد تخنقه..يتظاهر بالشجاعة، تخونه ارتعاشة شفتيه و يتهدج صوته :
- كرة نار.. طائشة من .. من ..منجنيق المعممين ،ربما أحدهم لا.. يحسن التصويب !
يقولون :
- إنه من حين... لآخر تطيش كرة لهب كبيرة.. ليلا وتسقط كالنيزك ، يمكن أن تدمر كل شيء في طريقها حارس ..البوابة الجنوبية لمدينة شالة الأثرية، رآها و أيضا سواح ليليون...أروبيون.. !
أقول وأنا ألوك حروفي التي تركل في سقف حنكي :
- إن هذه نسخة من خرافة الصحون الطائرة جاءتنا من صحراء (نيفادا) لتستقر على أسوار مدينة شالة الأثرية ، المخيفة !
مرت كرة لهب أخرى بمحاذاتنا وهي تصفر، يصرخ علي أن أسكت وأكف عن سفسطتي وإلا ستمطر علينا لعنات أكثر مما حاق بنا في هذه الليلة المشؤومة !
فالمنجنيق في الجهة الشمالية لشالة لازال شامخا هناك ولا أحد يجرؤ على الاقتراب منه وعلماء الآثاربجلال قدرهم يخشون لعنته !
اجتاحتني برودة من الرأس الى أخمص قدميّ ! تماسكت نفسي ، تنفست بعمق لأعيد الدفء إلى دمي المتجمد، ومن ثقب أهمله المرممون في جدار سور شالة السميك ، استرق النظر إلى عمق متاهات المدينة التاريخية المعتمة :
تتبدى لي فجأة حشود من العمائم البيض في صف عسكري رهيب ، تقابلها فيالق ضخمة من الخود السوداء أظنها حديدية ،ويطرق مسامعي خَببُ آلاف الحوافر تجوب المكان ذهابا وإيابا وأصوات ، أشبه بالتكبير واضحة تماما ، طقطقة حوافر تشتد وصليل سيوف تتقارع وصهيل خيل وحمحمة ، لكن لا خيول ولا حمير ولا بغال،
ثم يومض نور باهت يخترق السور الضخم، يتلاشى كل شيء وتبتعله طيات العدم.. يرتد إلي طرفي ، أعيده وأحملق فلا أقابل إلا خواء في خواء.!
أنهر نفسي :
- ما دهاك ؟! إنك تهذي : تمكن منك الخوف . واستوطنتك وحشة شالة . !
-هاي أحمد ! إنه صليل السيوف ، وصهيل الخيل ، و صفير كرات اللهب تلفظها المجانيق ! ما هذه الفوضى المجنونة !
..هس ...هس .. إنه صهيل الجنون ، إنه عويل أشباح التاريخ !
لليل أسرار تحيا فيها الحياة الميتة ، وتموت فيها الحياة الحية..تشق صرخة صمت الليل..يلعلع عويل...وتحشرج أنفاس !
يدق قلبي في صدري بقوة، يركل في جنباتي ، أفقد ما استجمعته من شجاعة وتخور قوتي أحاول لملمة جسدي المتخشب ، أستعين بذاتي على حمل ذاتي ، تخونني قدماي تغوصان في الأرض ،أقتلع اليمنى ،فتنغمس اليسرى ، أراوح مكاني !
مسندا ظهري بيدي اليمنى ومطوقا عنق أحمد باليسرى ،أستمد منه شجاعة يفتقدها أيضا فهو ليس أحسن حالا مني !
نلتف على بعضنا البعض ، نرقص رقصة الهلع والخوف ، نتدحرج من أعلى التلة فتخلتط أطرافنا وتدق عظامنا، يتبعنا الصهيل والصليل ، والطقطقة ،وتحفنا الأشباح وتطوقنا ..نعدو هاربين متسللين من الممرات الضيقة في حقول القصب ،في اتجاه (عين جنة ) يسحبني أحمد ،من يدي ويصرخ في وجهي :
- اقتلع نفسك ،واخلع عنك بزة الخوف فكرة اللهب التي أخطأتك قد تعود إليك ( فليس كل مرة تسلم الجرة ) !
خرير ماء عين جنة سرب جمال مذعورة ، يعبرني عبر ثقب الأذن ، و يتسرب كالرصاصة من الجهة الأخرى ، يصيبني دوار شديد ، أشعر برغبة ملحة في القيء ، أصبح غريبا عن جسدي ، أتهاوى على الأرض ،يجرني أحمد جرا أستعيد وعيي ،أرمي بكل ثقلي على كتفه الواهن ، أ هوخرير الماء توقف ؟ أم هي حواسنا شلت تماما ؟ على مقربة من( عين جنة )، يلوح فارس ، تغمره العتمة ، أفرك عيني ، ثم أفرك ، نعم تبينته ،يمتطي حصانا أعجف نحيلا ، يسند جسده على كتف الفراغ اللامتناهي ، بيده رمح قديم مقبضه في الأرض ونصله يدغدغ النجوم في السماء ،مزروع أمامنا كتمثال قديم ،أكتم أنفاسي بقبضتي ، أحمل صمتي ، أدحرجه امامي ، اتحسس قلبي ،أحسبه يركل خارج صدري ؛ نصيح مرعوبين أنا وأحمد :
-السلام عليكم ، يا أهل المكان ! يا سيد الزمان !
لا جواب ، نظراته صارمة تمسح فوقنا ، تخترق المدى البعيد ، لا حركة ، لا صوت ، في خفر الرهبة نتجاوزه ، أفقد كوابح نفسي ، فيغمرني البلل كلي ، استدارة حرباء : لا شيء وراءنا .. فراغ قاتل .. خواء أسود قاتم :
-أين ذهب ؟ أ تلقفته شياطين السماء ؟ ربما امتصته الأرض !
زفير ، ونحنحة ، وصوت كقعقعة الرعد ، يضرب بالأكف على صفحة الماء الراكد ، يكاد يثقب طبلة أذني :
- أنا قاهر طواحين الرياح ! أنا القادم من زمن العواصف و الرياح ، أنا بروموثيوس أنا قاتل زيوس ، أنا الكبد المتجدد ، أنا الثورة ، أنا التغيير ... أنا... أنا ...أنا ، يتلاشى الصوت شيئا فشيئا ، يغشانا صمت الصمت تتلقفنا أكف خشنة غليظة، تطبطب علينا بشتائم وسباب وبعض من الصفعات على القفا والركلات على المؤخرة ، فنروح في نوبة هذيان هستيرية ، تلفنا برودة الجدار والظلام وتزكم أنفينا روائح الفساد والعفونة !!!!
توضيحات :--------------------------------------
-شالة : مدينة أثرية تاريخية ،بمدينة الرباط
-عين جنة :نبع مائي دافق قرب مدينة شالة
-برومثيوس وزيوس : علمان أسطوريان ..
بقلم الأستاذ : صالح هشام !
الاربعاء ٢٧ ابريل ٢٠١٦ الرباط !
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
اندلاق الكروش ~قصة قصيرة
*بقلم الأستاذ ~صالح هشام
تندلق كرشك ،رخوة مترهلة ،تكاد تلامس ركبتيك، تحجب ما تحت حزامك : خنفساء تدح كرة فضلات حيوانية ! خطواتك ثقيلة : واحدة من الإسمنت ،وأخرى في الإسفلت ! ضحكة سخرية مكتومة :يغوص ظفر أمي في فخذي : خلق الله لا عيب فيه يا قليل الأدب ! أصرخ ، أتأوه ! يندلق فكك السفلي نحو صدرك : تمساح يأخذ حمام شمس ! تضحك ضحكة صفراء تمسح بها إهانتك ! تقذفني نظراتك المخيفة في سعير جهنم ! أعيد ترتيب أوراقي لتفادي مواجهتك !
تمسح صفوف المقاعد الخلفية بتوجس ! راحتك هناك في: الخلف ! يتحاشاك زملاؤك ، و أنت تتحاشى كتلة اللحم تلك : رغم ذلك تتفوق عليه في اندلاق الكروش ! تسمعهم يقولون : كر ش مندلقة عقل مخبول ! تمسح خيبتك بتلابيب المعلم : يدح أمامه كرة اكثر اندلاقا من كرشك ! قبضتك فولادية قوية بليدة لا ترحم ! فقط عصا المعلم المليئة بالنتوءات تحد من سطوتك ! خنزيران بريان موحلان ،مقيتان!
تكرهه و يكرهك : تبادل مجاني لمشاعر سخيفة !
سرواله فضفاض واسع : يلفظ يوما تبانا صغيرا قرب السبورة ! ثمانون عينا ، تخرج مندهشة من محاجرها ! تسري همسات خفيفة في القسم وتتسرب عبر الصفوف، و من الباب إلى خارج القاعة : قطرة زيت في قماش أبيض ! ربما إنه تبان ابنه الذي لم يحول بعد ! ربما يرتدى سراويله مباشرة من سلة الغسيل ! تقهقه ببلادة ،لم تكن تعرف أنك تبوس فم الأفعى ! تركل دبابير مخه في تجويفها ! تحمر عيناه ، يتفل نار قلب جهنم ! يراقص عصاه ! يصوب نحوك رأسها :
- التخين ، المستكرش، البليد ، الحقير ،الخنزير ،قم إلى السبورة !
تحس بالبلل يتسرب ساخنا منك و يستقر في قاع مداسك ! تشرنق يرقة مخيخك ! أما مخك ففوقه طبقة سميكة من الصدإ ! معطل تماما منذ زمن : نصف فكرة ،ربع جملة ، يخونك التركيب ! يقع لك انحباس لغوي ثم شلل دماغي تام ! يخضب المعلم بنانك ، يقلم منه الأظافر : ترقص رقصة الأفعى من الألم !
-قل : v يا بليد ، عض على شفتك السفلى، و اترك لسانك يركل في عمق حنكك الى السقف ! أ فهمت يا خنزير البرك الضحلة ؟!
ترتعد فرائصك ويزداد منك خروج البلل ويثقل عليك مداسك فتقول :
-في..fi ........fi........fi!
يثور في وجهك ،يعالجك بلطمة قوية، ثم ركلة على مؤخرتك ،فيعانقك الفراغ !
-اقول لك :-..ve...ve... وتقول.. fi..fi...يا ابن ال............. !
يوحي له شيطانه بخطة جهنمية، وإن تكن نتائجها خطيرة العواقب :
-فمك ضيق يامتسخ !سأوسعه بعض الشيء لتقول: ve.. عوض fi !
يدخل أصبعيه في فمك ويجر بكل قوة ، يمزقه من الجانبين ! تصيبك نوبة ألم ممزوجة بالقاني ! تتسرب كالجرد من شق الباب ، وتصده خلفك بكل قوة وتطلق ساقيك للريح ، تستنجد بأمك :
-أمي !! وا حادة !! و امي !! وا حادة !!
وتختفي عن أنظارنا ،المعلم بدا في وضع لا يحسد عليه، ربما تسرب منه البلل هو أيضا . ألم يقولوا : (كيف تدين تدان ) ؟! يعرف ثورة أمك "حادة " إنها بركان يقذف نارا ! لذلك يلقبونها : "تسونامي" الحومة ! فثورتها تأتي على الأخضر واليابس،! فقد تجاوز الخط الأحمر !
يشبك قبضتيه خلفه ! ذهابا...إيابا...ذهابا .ايابا ،من زاوية إلى أخرى ، لا يستقر على حال ! تسونامي قادم لا محالة ! من بعيد تلوح أمك "حادة " تترنح وتتهادى : شبح مركب جانح في قلب عاصفة ليلية !
يزداد قلق المعلم ، تتدحرج حبيبات العرق الباردة من جبينه الدسم ! يكسر كبرياؤه أمامنا ! دون تحية أو سلام ،هجمة بتراء :
- هذا الولد مزقت فمه ! ما باله ؟ ماذا فعل ؟
بارتباك واضح ، يربط حزام سرواله بإمعان ، خفنا أن يكون فعلها :
-يا سيدتي لم ينطق v عوضها ينطق fi !
- إذن مشكلة نطق تعالجها بعاهة ، يا ابن الكلب، يا ابن الشوارع؟!
عضلات لسانه ترتخي ،يلصق عينيه بالأرض ! حادة " تسونامي " تتناول قنينة زجاج كانت فوق مكتبه وتهوي بها على أم رأسه بضربة قوية ،يفقد توازنه يكاد يسقط !يغوص في بركة من الدماء أمام أعيننا!
تقذف بك خارج قاعة الدرس، و تترك المعلم يتأوه ويتألم !
-ملعونة هذه المدرسة ، أبوك سيعلمك يا ولدي ، و تدفعك أمامها! وتختفي من مقاعد الدراسة نهائيا ! كنت تبحث عن سبب مقنع لتغرب بوجهك عن ذلك المجرم ! ويبقي مكانك شاغرا منذ ذلك اليوم !
أبوك ثعلب ماكر ، كانوا يشكون في ولائه للمقاومة ،يقولون : كان يتاجر في أحرار البلاد ويبيعهم لقوات الاحتلال بدريهمات قليلة ! هم علموه سياسة الانبطاح ! وسياسة النفاق ! لذلك كان غير مرغوب فيه في حومتنا ! كان يردد على مسامعك دائما :
- وأنت تسلم ،انبطح حتى تلامس بطنك الأرض ! لاترفع رأسك حتى يأذن لك الكبير بالقيام ! الانبطاح واجب الصغير تجاه الكبير شريطة أن يكون ممزوجا بتقبيل ظاهر وراحة اليد ! الصغير/صغير والكبير/كبير!
لم ترضع الانبطاح من (ضرع )أمك ، تلك الروح الهائمة في ملكوت الدروب تقتات على أعراض الناس! تعلمته من أب ماكر ،وأم (بقرة طواحة، عوادة ) لا تصلح إلا لفراشها المعطر بالتوابل وروائح الثوم وحتى بروائح براز أخيك الصغير !
أنا اختلف عنك : أمي تلذغني كالأفعى عندما أسخر منك وتعلمني أن لا عيب في خلق الله! أمك لم تكن تهتم لحالك وأنت في القماط : تبكي فتعالجك بمصة أو مصتين على عجل من ثديها المترهل كحبة فلفل مشوية وتتفرغ لافتراس الناس ! لذلك كنت تعضها من حين لآخر وتشدها من شعرها المنفوش كعش الغراب !
أبي يقول لي دائما :
-يا ولدي إن الأشجار تموت واقفة ،وكل بني آدم أبناء تسعة !
أما أبوك فكان يقول لك :
-الانبطاح دليل على الاحترام : (الصطل صطل ، والقب قب )!
لهذا كنت أجلد واقفا وكنت تجلد منبطحا ! كنت أخترق هامته بنظرات التحدي ،وكنت تقبل حذاءه وتبلله بلعابك ! فتجرأ عليك ومزق فمك !
ما أشبه اليوم بالبارحة ! ها أنت اليوم تنبطح أمام أسيادك ! وحتى أمام تلك الحشود من السذج ! تبتلع كذبك ، تتلو عليهم خطبة الدجل السياسي ! فمك الممزق أصبح أكثر مرونة ليلوك أحرف التعفن السياسي ! تطمح إلى أن تعبد الطريق لجيوبهم ! سرعان ما تشعر باستيقاظ الطفل الواعي في دواخلهم ! تتسلل من بينهم ، تطلق ساقيك للريح ، يبتلعك مقعد جلدي وثير ، تدوس بقوة على البنزين ،تترك وراءك غيمة ترابية ضخمة أشبه بالعاصفة الرملية ، تندهش حشود الناس ، تتبادل نظرات الحيرة !
أمسح حبيبات عرقي ساخرا :
-دنيا عوجة سايقها جربوع ! أمك أخرجتك من المدرسة ! فسرقت أرزاق الناس باسم السياسة ! وطوماس أديسون لفظته المدرسة فتلقفته أمه فانار البشرية جمعاء ! يا للمفارقة !
بقلم الاستاذ ~صالح هشام
*الرباط / المغرب~ الاحد ٢٩|١١|٢
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
الخفافيش والحرافيش /قصة قصيرة
بقلم الاستاذ : صالح هشام /المغرب
يضعون المعاول والفؤوس ، في ترعات الحقول والغيطان ، يغتسلون . منهم من يستحم بماء النهر البارد ، الكبار يتشاءمون منه يقولون : يصاب المستحم بالخبل والهبل ! أهله جن وعفاريت ومردة ، للتو يغادر شبح النوم محاجر عيونهم، عكسنا ينامون نهارا ويهيمون على أنفسهم ليلا !هم هوام ليلية!
يتساوى قرص الشمس مع جباههم ،يتكوم على نفسه ،تتورد وجنتاه ،يغوص في بركة حمراء قانية في الشفق البعيد، يختفي شيئا فشيئا !
يتسللون تحت نقع حشود الحوافر والأظلاف ،تمتزج ظلال الأشياء بخيالات البهائم في حركة حثيثة نحو الزرائب :
لوحة غريبة تثير الخوف والتوجس في نفوسهم . تتحول من مكان لآخر، لا تستقر على حال ،فتربك أبصارهم. يتذكرون الملاحم الأسطورية لأجدادهم ، وهم يصارعون (الشيطانة ليليت مصاصة الدماء) في جوف الجبل المقدس .
تحت الخرفان السير . تتقافز من مكان إلى آخر كالظباء ، تخاف أن تفقد أثر أمهاتها وتشرد عن القطيع !
يختلط الثغاء والخوار برائحة التراب ، كلاب الحراسة منهمكة : تضغط على ميمنة وميسرة القطيع فيتموج يمينا ويسارا : حركة أسراب سردين في عمق البحر !
تبصبص بأذنابها وتتمسح بالرعاة ، مرحبة ومبالغة في الترحيب منتظرة مديحا أو إطراء .
يبتلع الليل القرية ..تبتلع الحضائر البهائم ، وتبتلع البيوت الطينية أجساد الفلاحين المتعبة المتهالكة!
يبدأ صمت الظلام يقرض صمت القرية : طقطقة أسنان البقرات والعجول تتلذذ باجترار مخزون معدتها،تمتزج بخشخشة القش تحت الأ ظلاف والحوافر في الإسطبلات !
أصوات بعيدة تدغدغ الأسماع من حين لآخر: نباح كلب ، رفرفة أجنحة طيور شاردة ، صرار ساهر !
ينبعث النور خافتا من باب البيت ، تمة كليبات تقعى منتظرة ، كرم مولاتها من خليط نخالة شعير و لبن حامض ، يفتض هريرها سكون الليل ، تدخل في مناوشات ،تتحول إلى معارك أنياب ونواجد وقواطع !
يعالجها سيد الداربفردة حذاء أمامه أو حجرة أو كل مايقع في يده ،يحتوي النزاع ، ينهر زوجته :
-يا امرأة أبعدي عني كلابك ،أريد أن أتخلص من ثعب هذا اليوم الذي ينهش مفاصلي منذ الخيوط الأولى للفجر !
دون رد تخرج حاملة آنية طينية فقدت طلاءها ، تشتم الكلاب روائح اللبن يسيل لعابها ،تدخل في نوبة بصبصة مقلقة وهسيس و نباح مكتوم وتتلاعب بأذنابها ، مولاتها تكيل لها أنواعا من الشتائم وهي تصطنع الغضب !
-ابتعد يا كلب ياابن الكلب ،الله يقبض روحك !!
من عمق البيت تصدر قهقهة سخرية عالية :
-هاهاها! ما أبلدك يا امرأة! ربما معاشرة الحمير بلدت إحساسك! إذا لم يكن كلبا ابن كلب فماذا سيكون فهدا بن أسد؟ أو أسدا ابن حمار ' والله ، لا أدري كيف فقدت صوابي ووقعت في شراكك اللعينة ، يا لعينة ؟!
تقتحم نظراتها جسده ، تجرده من عباءته تتلمظه ،في حركات أيروتبكية سافرة ' في غنج أنثوي مشوب بحياء بدوي ساذج ،ممزوج بروائح التوابل والثوم والبصل ،وربما حتى براز صغيرها:
- كانت عيناك لصيقتان بالأرض كنت عروسا ليلة دخلتها ، أو كانت صورتي مقلوبة ، أو أنا حمقاء رعناء، عديمة الذوق ، قبلت بك زوجا ؟!
-يا امرأة لو لاي لا فترستك العنوسة !
تربت على ظهر جرو صغير ، يتبعها ومن حين لآخر ينفلت بين قدميها يعرقل سيرها ويلعق كل ما يتيسر له من لحمها ، كانت تحبه و تعتبره قرة عينها و واحدا من أبنائها !
تدخل . تضع أمامه قدر العصيدة ، على مائدة خشبية قديمة ، ترقبه بنظرات مشتعلة لا تخلو من رغبة مكبوتة،مضغوطة حد الانفجار: تعب النهار وصعوبة الأحراش والوديان ، ومشاغل الحقول والبهائم تمتص من جسده الرغبة الجميلة:
-العشاء جاهز ! قم العشاء جاهز !
- يا امرأة ،اتركيني انام !
-إنك على لحم بطنك ،منذ الفجر لم تأكل شيئا!
-يا امرأة أ آكل العصيدة أم زغب الكلاب؟! أم تحسبيني أيضا كلبا من كلابك ؟!
ترك جسده المنهك، المسنود إلى الحائط يهوي ، تتلقفه الأرض ، يأخذ فردة حذائه يضعها تحت رأسه فيسلم روحه للنوم و الجسد لشخير اشبه بصوت عجلات مطاطية تسير فوق الحصى !!
يستيقظ مرعوبا على أصوات غريبة صادرة من إسطبل البقرات والعجول : زفرات عميقة ممزوجة بالشخير !
-يا إلهي البقرة الحمراء تخور خوارا غريبا !!
جر اللحاف عن زوجته وكانت للتو أستسلمت للنوم ، تستيقظ مرعوبة تغالب النعاس ، وتفرك عينيها المنتفختين براحة يدها !
- قومي يا امرأة : هذا خوار البقرة الحمراء ، أعرفها جيدا ، خوارها لا يبشر بخير ، أين عود الثقاب !؟
أين المصباح ؟!
أين الزيت ؟!
البقرة تموت يا امرأة ، أسرعي !!
يشعل فتيل زيت ويتجه إلى إسطبل البقرات والخوف يمتص منه القوة !
البقرة تخور خوارا شبيها بشخير الموت، تغوص في بركة من دمائها ، منهارة تماما، لا تقوى على الحركة، بقي واقفا مندهشا، تتمدد البقرة المسكينة ، تصارع الموت .يدخل نوبة هستيرية يتحسس جسدها المسجى على الارض !
- يا إلهي : وريد ها مثقوب و -جهة نحرها - جرح غائر أشبه بضربة موسى حادة ؟!
من فعل بها هذا ؟! من اعتدى عليها ؟!
تشل الوساوس منه ا لقدرة على التفكير!
زوجته ،واجمة ، عاجزة ، والبقرة تموت أمامها لا قدرة على فعل أي شيء !
-يا امرأة ، نفقت البقرة ! والعجل الهندي أيضا على أبواب الموت! ماذا سنفعل؟! اصرخي يا امرأة ، يجب أن يعلم كل الناس حجم الكارثة؟! اصرخي، بكل قوة ،فالأمر جسيم !
صرخة لكن فيهما أثر النعاس ، ثم عبدت الطريق للصراخ !
كثر اللغط وخشخشة الأعشاب اليابسة تحت النعال والأقدام الحافية ، أضواء المصابيح تومض وتخبو كالنجوم تسيل بها تخوم القرية ،
يتحلق الناس حول الإسطبل ، يحاصرونه من كل جهة ، بتقدم العارف بأمور القرية بالرجل اليمنى ، وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة فيها نوع من الدعاء ، يبصق يمينا وشمالا ، يتفحص البقرة ، والعجل يقاوم سكرات الموت!
فكر قليلا ، مسح على لحيته و قال:
- الثقب نفسه في الوريد والجرح الغائر!
خرج أحد الحاضرين من ذهوله وسأل :
-من في نظرك فعل هذا أيها العارف بأمورنا وبأحوال قريتنا ؟!
-إنها عدوة الله( أماتشو) بنت (أنو) !
-ومن هي هذه يا كبيرنا ،من تكون ؟!
-إنها شيطانة مرعبة ومصاصة دماء !يقولون إنها تحمي الحوامل حتى تضعن مواليدهن فتخطفهم لهن ، إنها تعشق دماء، الأطفال الرضع و تتغذى على أكبادهم ! وكان أجدادنا يحتاطون منها لحماية رضعهم !
تذعر النساء ، تطلقن سيقانهن للريح للبحث عن أطفالهن الرضع وهن يولولن ،والخوف يعتصر قلوبهن فرقا من هذه الشيطانة ،على أبنائهن النائمين في المنازل !
تمتص مصابيح الزيت ظلمة الإسطبل ،من أرضه إلى سقفه ، تلمع على ضوئها آلاف العيون الصغيرة ، في رؤوس تتدلى ، مشنوقة على دعامات الإسطبل : فواكه إستوائية تنجدب نحو الأرض والدماء تسيل من بين قواطعها الحادة ، صاح العارف بأمور القرية :
-يا إلهي ! إنها خفافيش بحجم الحمامة وبرؤوس ثعالب ، هذا خفاش غريب يا قوم ! ليس كذلك الذي يصطاده أطفالنا بحبيبات البصل ، عندما يجن الليل!
هذا الخفاش يحب الجرح الغائر ليمتص الدم بكل حرية، فماذا سنفعل قبل أن تنتقل العدوى إلى كل حظائر وإسطبلات القرية ؟!
-يجب أن نحرق هذا الإسطبل بكل ما فيه ! أتوافقون ؟!
-والله نعم الرأي ياقوم !
صاح الجميع بحماس زائد :
- أحرقوا الخفافيش ، طاردوها في كل مكان إنها تعتبركم حرافيش ، وتمتص دماءكم ودماء أنعامكم إلى آخر قطرة !
أشعلوا النار! أشعلوها حربا ، أشعلوها حربا ! عمت تكبيرات الحاضرين وصيحات الانتقام للبقرة والعجل الهندي المكان !
أسراب الخفافيش تتسرب من الشقوق والثقوب وفتحات الأبواب وتجتاز الضفة الشمالية للبحر مملوءة البطون بدماء البشر والحجر والشجر والحيوان حتى التخمة ، قبل أن تقدح أول شرارة من النار !
بقلم الاستاذ~صالح هشام
الاربعاء 10 يونيو 2015
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
[دراسة نقدية بقلم الدكتور المصطفى بلعوام ]
[السرد الممتنع وفاعليته الدلالية في قصص]
[الاستاذ : صالح هشام / الرباط / المغرب ]
[لعبة الكنز / شجرة اللعنة /طواحين الرياح ]
[~~اأحلام النوارس / قال الراوي~~~]
________هذا الناقد ___________________________________________
على حافة بئر السؤال ،يجلس الناقد مصطفى بلعوام ، في خضم حقل ألغام : جندي متمرس محنك ،يعرف كيف يراود اللغم عن نفسه وبكل حنكة واقتدار يبطل مفعوله ، ضليع في قراءة التشفير وتفكيك الرموز وقراءة الإشارات والإحالات مهما كانت ضاربة في عمق مكتبة التفكير البشري : تلك المغارة المليئة بالموتى ، يقرأ تلك التلميحات فيعيد هؤلاء الأموات أو بالأحرى ابداعاتهم إلى الحياة فالنقد إعادة كشف واكتشاف ، فيحرك الاستاذ / الناقد البطل الأسطوري المتحجر الذي غذا من المستحتات الفكرية ، كذلك الخرافي والعجائبي في قصصي ، جلجامش و ذوو العمائم في مدينة شالة وراكب الحصان الأعجف ( شبح دون كيشوت ) و قرصان الكرايب ، وأبو الفوارس ، وحمزة البهلوان وسيف ذو يزن وابو زيد الهلالي ، كل هؤلاء الأبطال ينحنون أمام سطوة قلمك أستاذي فلا يسعهم إلا أن ينحنوا أمامك انحناءة احترام واعتراف بالجميل مع رفع القبعة ، لأنك سيدي تغلغلت في سراديب أرشيفات ذاكرتي ، فأخرجت هؤلاء الشخوص ، من الظلمات إلى النور ليومضوا من جديد كالبرق في تلافيف تلك النصوص وأعدت لهم سطوتهم !
صحيح أستاذي هو الامتصاص ، هو التحويل وما النص إلا امتصاص أو تحويل للكثير من النصوص الاخرى وان كان النص يستقل ببنيته الخاصة ، هو الامتصاص أستاذي يخلط الأوراق ، فيمزج ماض طواه النسيان وأصبح من أرشيفات جدار الذاكرة البشرية بحاضر لا زال يعج بالحيوية والنشاط وهذا يخلق نوعا من الصعوبات المعرفية أمام الناقد لأنه مطالب بترك البدلة وربطة العنق و بالتالي الغوص في جميع أزياء الماضي القديم ، لكنك أستاذي لا خوف عليك إنك متمكن من كل ذلك الكم الهائل من إبداعات الذاكرة البشرية عبر مختلف العصور وفي مختلف الأ مكنة من هوميروس إلى سرفانتيس ، تتناول النصوص وكلك ثقة أن تشرح كل تلك الامتصاصات التي تستمد منها نصوصي الحياة ، ،تخلق أستاذي ذلك التآلف الرائع بين الحدث الحديث والحدث القديم الذي أصبح من حفريات تلك الترسبات النصية في الذاكرة ، التي يتداعى جدارها و الذي يحجب تلك الحمم البركانية ويفتح أمامها الفوهة لتجتاح مدى السرد والقص ، وتخلق لذة الإدهاش والغرابة في نفس القاريء والتي لا تتحقق إلا في عالم غريب مرتكز على امتصاص الحاضر لكنوز الماضي إلا أن هذا يتطلب القاريء / الناقد الكشاف وكنت أستاذي المبحر والمغامر السندبادي العابر لمتاهات هذه النصوص المستغور هذه المغارات المليئة بالموتى ، كنت أستاذي القادر على استجلاء خفي الخفي من هذه النصوص ، وكشف المستور فيها وفضح المسكوت عنه ، وما كانت لتظهر بهذا الجمال والروعة لولا عملياتك التشريحية الدقيقة جدا والتي لا تخلو من الطابع العلمي الذي تتميز به استاذي ،رغم ان هذه الدراسة / التحفة قد كلفتك الكثير من المتاعب والوقت ، لكنك كنت تضع نصب عينيك استجلاء الغموض عن هذه النصوص وإحياء أبطالها ، فوالله لولا القراءات النقدية الجادة لجفت الأقلام ، وضمرت الذاكرة وضاع الإبداع ، فشكرا أستاذي لهذا المشرط الرائع الذي شرح النصوص ولم يترك عليها لا كدمات ولا رضوض ، وشكرا لهذا الازميل الذي نحت على جسدها ، لغة اللغة التي لا تقل إبداعا عن اللغة فنعم الحفر ونعم التشريح أستاذي وبورك الاستغوار والاختراق والعبور الإبحار في متاهات هذه النصوص: صالح هشام
~~
{الدراسة النقدية }
١- توطئة ..
أصعب شيء في الكتابة أن تستكنه حقائق الأشياء والكلمات بلغة سرد تبدو سهلة التركيب وكأنها جد عادية تبعث على الاستغراب من التوقف عليها. قد نستدعي السرديات وأخواتها لمقاربة البنية الحكائية فيها، وننتهي في آخر المطاف بنوع من الاستياء المعرفي لكونها تظل سجينة تحديد طييعة العوامل المبنينة للسرد على حساب اللغة التى ينهض عليها السرد ذاته والعالم الذي تخلقه أو تحاول تشييده وفق منطق ما تمليه العملية الإيداعية. ولكأن قواعد السرديات واخواتها كانت سابقة على السرد ذاته مع أن مجملها تكونت من فرضيات استنباطية مستنتجة منه ولا شيء يخول لها حسبما ما هي عليه ومن حيث هي فرضيات لها ما عليها وما لها من حاصل " علمي" في المنهجية أن تتحول إلى قواعد صورية تنصب نفسها الحكم الوحيد عليه و على ما يتوجب أن يكون عليه. فالنص يقرأ انطلاقا مما يعطيه هو للقراءة وإن تعددت أبعادها وليس انطلاقا من البحث فيه عن احترامه أو لا، لما تمليه السرديات وأخواتها. فكيف نقرأ النص إذا ؟ وهل هناك كيفية ما، لها حدودها المعرفية في قراءته ؟
يقول لنا باشلار بأن أفضل طريقة في قراءة النص هو " الانتماء إلى مدرسة البساطة " . والبساطة هنا تحيل في معناها الإبستيمولوجي على فكرة محاولة التخلي عن كل الخطابات البرانية المتقاطعة مع الخطابات الجوانية لأنها تشكل عائقا بيننا وبين القبض على لحظة الانقباض الانشائية " la saisie poétique " في علاقتنا مع النص وفضائه الإنشائي . وهي نفس الفكرة التي سنجدها فيما بعد لدى جاك لاكان ورولان بارث وجوليا كريستفا وإن كان ذلك في إطار معرفي مختلف.
وعليه، لن نبحث في نصوص الأستاذ صالح هشام عن الرؤية من الخلف وعلاقة السارد بالشخصيات والكاتب وهل " احترم " قواعد السرديات أم لا، سنتناولها من حيث ما تفرضه هي وما تنسجه من عالم خاص بها بعيدا عن كل سجال مفاهيمي ، علاوة على أن الأستاذ صالح هشام هو نفسه في إحدى قراءاته النقدية يدعو الكاتب إلى تكسير مستوى الحقيقة في الفنون السردية مادامت مثلها مثل الشعر ومادام إهمال اللغة فيها هو إهمال لفنية الكتابة بصفة عامة. وتلك هي " الحالة الاستثنائية" التي تتمظهر في قصص هذا القاص الاستثنائي وتؤثتها. إنها قصص تحتفل بما يمكن تسميته ب " لغة السرد الممتنع " المعتمدة على تيميات معقدة حيث المعطي البديهي فيها تحايل تقني لممارسة الحفر على المعرفة ذاتها ولبناء عالم القول فيها. لغة السرد الممتنع هاته هي خاصيته في خلخلة بداهة الحكي ببداهة مدهشة تكاد تنسينا أنها غير بديهية وبالتالي تخفي ما تتميز به من استحداث طريقة جديدة لا تفرق بين لغة القص وسرديته في بناء النص القصصي. ماذا نعني بلغة السرد القصصي الممتنع ؟ وما هي سيميولوجية تمظهراتها في نصوص القاص صالح هشام ؟
٢- وقفة منهجية..
اعتدنا أكاديميا وفي كل وقفة منهجية أن نشتغل نظريا على المفاهيم قبل أن نشتغل بها على المادة الموضوعة على المحك النقدي. إلا أن وقفتنا المنهجية هنا تختلف عنها بعض الشيء إذ تتعلق بالمادة نفسها وما تفرضه علينا من أسئلة قد تَخلق التباسا منهجيا إن لم نجب على ما تطرحه من علامات استفهام منبثقة منها أولا وقبل كل شيء. لماذا نتكلم بالجمع عن نصوص القاص صالح هشام مع أنها نصوص متفرقة هنا وهناك لا يلم شملها كتاب ورقي أو على الأقل إليكتروني ؟ كيف ستكون قراءتنا لها؟ هل سنقرأ كل نص على حدة بمعزل عن النصوص الأخرى أم على العكس من ذلك ؟ وما مدى نجاعة القراءة في كلا الحالتين ؟ جوابان مقتضبان، يتعلق الأول منهما بالنشر والثاني بطبيعة القراءة ذاتها ومبتغى مبحثها المعرفي.
إنه لمن تحصيل حاصل العودة إلى خبايا كواليس النشر الورقي ومرارة محنة المبدع في عالم اللوبيات التي تستحوذ على مفاتيحها، مادام أن كل شيء يخضع لصفقات تحكمها "ثقافة الوزيعة المخزنية" الضاربة في اللاوعي الجمعي. وعليه، فلا غرابة أن تشكل القيمة المُضافة لنصوص القاص صالح هشام في الكتابة الإبداعية استثناء يؤكد قاعدة "ثقافة الوزيعة المخزنية "هاته برفضها لها ولطقوسها التي لا علاقة لها بما تسميه خدمة الأدب ( بالتأكيد هناك مبدعون آخرون يعيشون نفس الوضعية، على سبيل المثال لا الحصر: القاصة مهدية أماني).
قد نحرج المنهجية بشكل ما في كيفية اختيار النصوص التي لا حول لها سوى أن تكون متفرقة هنا وهناك، لكننا لن نجترح المعرفة التي ينتجها كل نص مادام مبتغى قراءتنا يتحدد أساسا في مبحث لغة وأسلوب لغة السرد المشتغل بهما وعليهما في النصوص من أجل خلق عالم المعرفة فيها. وهذا يعنى أنه يحكم طبيعة قرءاتنا أولا وأخيرا ويفرض عليها أن تكون قراءة مستعرضة تتبع تيماتها في النصوص من حيث هي فضاء سرديات لغة القص.
٢ - مرتكزات معمارية الفضاء القصصي .
تعتمد جميع النصوص المطروحة للقراءة المستعرضة على ركيزة تتكون من ثنائية عضوية تمنطق مجريات الأحداث حسب موضوعات و فضاءات كل نص.
ففي نص لعبة الكنز يصارع البطل أخاه، وفي نص طواحين الرياح و شجرة اللعنة يدخل مع صديقيه في مغامرة غرائبية ، بينما في نص أحلام النوارس يجعل من صديقه مرآة لما يصبو إليه، وفي نص قال الراوي يكون راويا يبلبل توقعات مستمعيه. صور البطل تختلف في ظاهرها من نص إلى آخر، تارة نجدها في علاقة تقابل أو علاقة تماهي، وتارة أخرى في علاقة تضاد أو علاقة صراع، إلا أن كينونتها تلك لا تنتجها إلا بواسطة خلقها لبطل آخر يعضد شبكة العلاقات التي تتوطد من خلالها مجريات الأحداث. بطلان هما يبنينان معمارية النص بمستويات متعددة ووفق ثنائية عضوية تأسيسية لها: البطل السارد له / البطل السارد عنه.
البطل السارد له، لا إسم له غير أنا نصية تحمل ضمير المتكلم للحدث والبطل السارد عنه يحمل اسماً يخدم دلالة علاقته بالبطل السارد له: قويدر في أحلام النوارس ، انكيدو في شجرة اللعنة، أحمد في طواحين الرياح، أخي في لعبة الكنز ، باسثتناء قصة "قال الرواي " التي يبدو أنها تتحرك داخل كلام ينطوي على حكاية أو رواية يرويها راوي لجمهور مستمعيه. فما علاقة السارد له بالسارد عنه ؟ وما طبيعة مفهوم البطل كقاسم مشترك بَيْنهمَا؟ إنها أسئلة تختزن في طياتها الأدوات المعمارية التي يشتغل بها القاص صالح هشام في قصصه . السارد له يستهل النص ومن ثمة الحدث ويتموقع فيه كبطل يؤثت صفات البطولة ثم يقحم معه في بطولته السارد عنه كي يفجر الحدث بنهاية درامية أو شبه درامية تغيرمن معادلة البطولة إذيصبح السارد له بطل البداية والسارد عنه بطل النهاية. تلك هي بنية القص في مظهرها الصوري ، منها وبها تنسج الأحداث فضاءها وتنتج الفاعلية الدلالية (كريستفا) لغة السرد فيها ومحفزاتها. وتلك هي أيضا تقنية القاص صالح هشام التي تجعل من بنية القص دالا إجرائيا في فاعلية القص الدلالية التي سنتطرق إليها فيما بعد.
السارد له والسارد عنه يشكلان إذا ثنائية عضوية بحيث أن وجود أحدهما مشروط بوجود الآخر في توليد مجريات الحدث وأبعاده الدرامية . يخضعان لحركية زمنية نفسية مرتبطة أساسا بعمل الحدث في مخيلتهما : السارد له يقول ما لا يقوله السارد عنه، والسارد عنه يقول ما لا يقوله السارد له إلى أن يكتمل القول في النص ومن النص ليقول ما لا يقولان فيخرج عن زمن النص ويعتنق زمنا لا زمن له في النص سوي زمن مخيلة ذاكرة تتوسل أحيانا الأسطورة وأحيانا أخرى عالما غرائبيا. إنها ثنائية عضوية تخترق النصوص بما فيها عتباتها/عناوينها التي تتكون من كلمتين: لعبة الكنز/ طواحين الرياح/ شجرة اللعنة/ قال الراوي/ أحلام النوارس. عناوين تزاوج تقريبا بين النكرة والمعرفة وخالقة حقل دلالات لمعرفة فضاء القول فيها. كيف يمكن للكنز أن يكون لعبة وللرياح طواحين وللعنة شجرة وللنوارس أحلاما وللراوي قولا؟ وكيف إن غيرنا موقع دلالة النكرة بدلالة المعرفة أن يصبح للكنز لعبة وللطواحين رياحا وللشجرة لعنة وللحلم نوارس وللقول راويا؟ قراءتنا السريعة لنصوص القاص هشام لا تسمح لنا من حيث غرضها بتناول الحقل الدلالي ( المعجمي والمفهومي ) للكلمات وما تخوله من تخريجات تساعد أكثر على تحليل عمقها، وإن كان يؤسفنا غيابه في مقاربة القصة بصفة عامة والاعتماد فقط على تطور الحدث والشخصيات فيها. فعلاقة الكلمات بالأشياء في القصة ليست دوما علاقة إخبارية صرفة للحدث ذات دلالة خطية أحادية الاتجاه ، لأن الكلمة لا تستطيع قول كل خاصيات الشيء. تحيل إليه بقدر ما تسميه ، والإحالة تعني أنها لا تطابق كليته في مدلولها نظرا لكونها دالا لمدلول عام تتفرع عنه دوال لمدلولات أخرى داخل نفس حقل دلالة الدال الأول، مما يفتح تعدد القراءات ( معذرة عن هذه الجملة المكثفة حتى لا أطيل! )
من المقاربة الأولى لعتبة النصوص نتلمس مؤشرات الحقل الدلالي الذي تشتغل فيه ، وهي تتوزع على شقين :
- الشق الأول :لعبة / لعنة / رياح / أحلام / الراوي. ويتمحور حول ثنائيتين في حقل دلالي موحد : لعبة/لعنة - أحلام / رياح . اللعبة تتحول إلى لعنة والأحلام إلى رياح في كل القصص بينما الراوي يتابع بداية نهاية الرواية بدون نهاية ولا بداية.
- الشق الثاني : شجرة / طواحين/ الكنز / قال / النوارس. وهو يحيل على أشياء ذات وجود فعلي في ماديتها بما فيها " قال" التي تتبث وجود من يقول القول. كلها تتوخى مفعولات الخصب في أبعادها الدلالية.
وبين الشق الأول والشق الثاني تتحدد في المقاربة الأولية معالم نهاية الحدث في القصة إن جاز التعبير، وكأن عتبة النص تضمين لما ستقوله أو تقوله نهايته. غير أن نصوص الأستاذ صالح هشام لا تقرأ بكل هذه السهولة . إنها تحتاج إلى مفتاح آخر لفك وتفكيك لغة سردها الممتنع للحدث وعمق دلالتها. العتبة بوابة بكل أشكالها وما يترتب عنها ؛ وأن نستعملها " بمثابة نقطة ذهاب وإياب إلى النص من أجل تعديل المواقف القبلية"، فهذا يعني أنها تخضع لما يمكن تسميته ب " خرجة النص " التي تتجاوز منطوقه لتشمل الفاعلية الدلالية ( كريستفا) التي تحكمه وتحكم عتبته.
وعليه ، فإن نصوص القاص صالح هشام تتفرد بقوتها الخلاقة في الحقل الأدبي أو كما يقول الأستاذ محسن الطوخي : " فالعالم في قصص هشام لا يطابق العالم الذى نعرفه، بل هو أقرب لصورة العالم في أذهان الشخصيات الأساسية في نصوصه". إنها نصوص تَخلق عالمها وعالم المعرفة الذي تنتجه بمنأى عن الصور الجاهزة للعالم الذي نعرفه. وتشتغل على ثنائية عضوية تبنين معمارية النص بشكل يستجيب لفاعلية دلاليتها. السارد له والسارد عنه يختلفان فيها عما قد نجده في نصوص كتاب أخرين ويتميز توظيفها بخاصية سردية ولغة سردية تكسر منطق البطل والبطل المرافق، البطل وظله ، وتشتغل عليهما " ككائنات مفهومية " ( ج. دولوز) تولد الدلالات في النص.
٤- تقنيات السرد القصصي .
لعل أول ما يشد في القصة هو تقنيتها في سرد الحدث؛ الحدث في حد ذاته قد يبدو غير ذي قيمة فنية إذا اختزلناه من حيث إخبارياته . وبداهة أنه كلما ضاقت مساحة القصة ، تكثفت تقنية السرد فيها، التقنية هنا لا تقتصر فقط على بعدها الذرائعي بل أيضا على ما تحمله من دلالة في الاشتغال على الحدث . ولهذ فلن نقف في قصص القاص صالح هشام إلا على تقنية السرد التي نعتقد أنها تحمل معها قيمة مضافة في العملية الإبداعية . وهما تقنيتان تتمثلان في النقلة السردية والمونولوج الحواري.
- تقنية النقلة السردية
يبدأ السرد في قصة لعبة الكنز بربط عنصرين مضادين : " تفحصت الخريطة (..)كان صوت قرصان الكرايب يهمس في أذني : إنه لك! ستجده ! كنت هذا القرصان هو أنا! وحللنا في بَعضنا البعض ! ". السارد له يتفحص خريطة لعبة الكنز من حيث هو فعل عادي يتحول تدريجيا إلى تماهي سردي بين السارد له وقرصان الكرايب. يأتي إلى هذا الأخير عبر صوته الذي يفتح له عالم التوحد به فتنحل الأنا في الآخر وتصبح الخريطة مسرحا لسارد إشكالي يمزج المتخيل بواقع القصة. وعلى نفس النحو، تستهل قصة شجرة اللعنة : " جمعت قبضتي الصغيرتين . أعتصرت الفراغ. حدقت في المرآة وأمعنت التحديق حتى كدت اخترق نفسي بنفسي وضربت على صدري بقوة، بكلتا يدي كالغوريلا (.) : أنا ( سليل الوركاء )، أنا الثور النطاح ! أنا !! أنا ..." وسليل الوركاء هو ما تسميه القصة ( البطل الجميل) الذي يسكن السارد له :" لو لم أكن مدفوعا من ذلك ( البطل الجميل) في نفسي (...) وأكاد أسقط اعوي كالذئب المسعور ويموت ( سليل الوركاء )". السارد له هنا ينهج أيضا نفس الطريقة في تهيييء ما سيجعله يدخل هو أو تدخل إلى جوانيته أنا الآخر لتحول أناه الى أنا أخرى ، إنه ( البطل الجميل) ( سليل الوركاء). والعملية تتم عبر المرآة التي تعطي صورة منعكسة بين الأنا والآخر.
الخريطة في لعبة الكنز والمرآة في شجرة اللعنة تشكلان نقطة وصل بين عالم السارد له وعالمي البطل الجميل وقرصان الكرايب. إنها حلقة وصل تخول للقاص صالح هشام إبداع ما يمكن تسميته ب " تقنية النقلة السردية" . ماذا يعني ذلك ؟ النصان يقومان على مرجعيات سابقة له : أسطورة جلماجش و قصة جزيرة الكنز. قد نقول إنها عملية " امتصاص" ؛ النصان امتصا نصين كل حسب مجريات الحدث الذي يشتغل عليه. لكن : ماذا يعني امتصاص؟ وكيف لنص أن يمتص نصا آخر؟ وهل كل إحالة على نص آخر هو امتصاص ؟ التناص من حيث هو امتصاص أخد أبعادا وتوجهات متباينة المواضيع والأهداف في الآونة الأخيرة ( intertexualité - hypertextualité paratextualité - transtextualité-interdiscursivité...). أصبح النص مجرد امتصاص لا حدود له ، مفهوما ميتافيزيقيا لا تتحدد ماهيته إلا بمفعولات رجعية من نص إلى آخر والذي لا أخير له، وهنا الانزلاق الأيديولوجي في القصة الذي يخلط بين الامتصاص الإبداعي للنص والنص من حيث هو لغة لها تاريخها وتاريخ تطورها من خلال النصوص. لهذا فاستعمالنا لمفهوم التناص يتعلق بالامتصاص الإبداعي الذي لا معنى له بدون عملية التحويل. التناص امتصاص نص لنص آخر بقدر ما هو تحويل له (كريستيفا).
وعملية التحويل هي التي تعطي للامتصاص النصي قوة الخلق الإبداعي وبالتالي خاصيته من حيث هو نص لا يعيد نسخ النص الممتص إلا ليخلق ما يميزه عنه ويمنحه تفرديته الإبداعية.
ونرى بوضوح أن نصوص القاص صالح هشام لاتتوقف على امتصاص أسطورة جلجامش ( شجرة اللعنة ) أو حكاية جزيرة الكنز ( لعبة الكنز ) أو أسطورة أبي الفوارس ( قال الراوي ) أو قصة القائد البربري ( أحلام النوارس) أو عالم الكائنات الغيبية ( طواحين الرياح )، فهي تقوم بتحويل منطوقهم في " علاقة بدون علاقة" كما يقول دريدا. النص الممتص يتحول إلى نص آخر في النص الذي بدوره لا يمكن قراءته إلا من خلال العودة لما امتصه وإن تم تحويله ليخلق هوية نصية مغايرة له. وهذه العملية المفارقاتية يروضها القاص صالح هشام بتقنية النقلة السردية التي تبعثر أوراق الامتصاص فتحول الحكاية إلى قص والرمزية إلى مادة أخرى للقص. وعليه، البطل الجميل سليل الوركاء في شجرة اللعنة لا نستطيع اكتشاف فاعليته ما لم نربطه بالشجرة في النص التي تفجر عالمه في عملية الامتصاص التحويلية. الشجرة جذور وأغصان والبطل الجميل من شجرة الوركاء( جذور النسب) يبحث من خلال المرآة عن توطيد انتمائه لها عبر إشكالية معرفة الرغبة والرغبة في المعرفة التي تقود مغامرته هو والسارد عنه (انكيدو ) إلى اجثتات جذور الشجرة وبالتالي ضياع أهل القرية ل " رأس الخيط" ( نحيل إلى دراستنا لهذه القصة : المرموز بين الرغبة والرغبة الأخرى في قصة " شجرة اللعنة"). روعة عملية الامتصاص التحويلية التي يقوم بها القاص صالح هشام تتمثل في تحويل أسطورة جلجامش ( mythe ) إلى متخيل طفل ( البطل الجميل سليل الوركاء ) في طور تكوين أسطورته الذاتية كضرورة نفسية ، أي " un mythe endopsychique" ( فرويد) . وهي عملية تحويل تنتهي " بعلاقة بدون علاقة " وتنتج معرفة خاصة بالنص وفي النص ولا علاقة لها بما امتصه من نص . إنها هويته النصية التي يبدعها بدون استنساخ أو إسقاط على النص الممتص .
وتأخذ عملية الامتصاص التحويلية نفس الحبكة في نص لعبة الكنز حيث ينتقل بِنَا القاص هشام إلى عالم آخر عبر تقنية نقلته السردية : من عالم قصة جزيرة الكنز إلى عالم طفل في صراع مع أخيه حول كنز نرجسية كل منهما في تتبيث الذات، من خريطة حقيقية بمتاهاتها ومستغلقاتها إلى خريطة نفسية تعتمل في جوانية السارد له والسارد عنه في " علاقة بدون علاقة". ما هو كائن في النص الممتص يتحول إلى ما يريد أن يكون عليه النص الذي يمتص، أي نصا آخر له مفاتيحه المعرفية الخاصة به.
وعلى صعيد آخر نجد عملية الامتصاص التحويلية في قصة أحلام النوارس تتوخى تكثيفا مقتضبا من خلال القائد البربري ( طارق بن زياد) وموضعة السارد له بين أبواب الجنة وأبواب جهنم ، بين اقتحام فردوس الضفة الأخرى أو البقاء في رحاب أرض متشققة عقيمة الأمل، بين التاريخ الإسلامي في فتوحاته وتاريخ السارد له في إحباطاته. السارد له أمام البحر، يشرئب إلى الجنة الخضراء ووميض حريق السفن في عرض البحر يلف دماغه بتاريخ القائد البربري، يخط خطة هروب عظيم من الجحيم إلى الفردوس، تعجبه خطة القائد ، يدقق في كلمات خطبته كلمة ! كلمة ! ثم عندما يفشل يستنتج خطأ فهمه لتاريخ القائد. إنه التاريخ الذي يستعصي على " ذاكرة مثقوبة " كما جاء في النص، يستنطق الزمن في تاريخية مجده وفي آنيته المقوضة لما صنعه في التاريخ. وهي نفس المعضلة في قصة قال الراوي الذي ما إن يغير من بداية الحكاية حتى تنتهي الحكاية ذاتها بدون حكاية. تنتج هذه القصة عملية امتصاص تحويلية مزدوجة، أولا لوضع الراوي ذاته من حيث رمزيته التخييلية وثانيا لما تحمله القصة من حكاية يرويها الراوي خلافا لما تعودت عليه المخيلة. مفارقة جد دالة على هوة العلاقة بين حكاية أبو الفوارس في المخيلة والحدث في القصة الذي يجعل من الراوي يبحث عمن يحكي حكايته ويروي عجائبه وغرائبه هو الراوي ، وكذلك بين الحكاية التي يريد أن يرويها لمستمعيه مغيرا من تسلسل الأحداث فيها ( أسر أبو الفوارس) وتشبثهم بعدم تغيير أطوارها لأن " القفز على الأحداث يربك حركة الأبطال ويخلط الأمور ويضر بحبكة القصة ويفقد رأس الخيط" ، ولأن " أبا الفوارس لا يساق كالسبايا. وهذه خيانة له ولحمزة البهلوان وللظاهر بيببرس ولأبي زيد الهلالي ولسيف بن ذي يزن . والهذيان في حق هؤلاء يعتبر أكثر جرما من الجريمة نفسها". إنه امتصاص تحويلي مكثف الدلالات يعطي لتقنية النقلة السردية بعدا آخر في قصة قال الراوي بين أبو الفوارس في الحكاية الشعبية وأبو الفوارس في حكاية الراوي الذي يبحث عن راو يحكي حكايته في القصة.
من الواضح إذا أن القاص صالح هشام يجعل من نصوصه حقلا لعملية الامتصاص التحويلية التي تتنوع من قصة إلى أخرى ، فتتجول نقلته السردية من عالم إلى آخر، من عالم الأسطورة الى عالم الحكاية ومن عالم العجائب إلى عالم الكائنات الغيبية كما هو الأمر في قصة طواحين الرياح. ففيها يتنقل بِنَا على عدة محطات غريبة عن بعضها البعض ، من طلاسم كتاب" مغني اللبيب" لابن هشام الأنصاري المصري لفك مستغلقات حروف المعجم فيه إلى منجنيق مدينة شالة الأثرية الذي يقذف بكرات اللهب ؛ ومن صليل سيوف تتقارع وصهيل خيل وحمحمة مع أنه لا وجود لخيول ولا لحمير ولا لبغال، إلى هذا الفارس الذي يمتطي حصانا أعجف نحيلا، ساندا جسده على كتف الفراغ اللامتناهي وماسكا رمحا قديما، مقبضه في الأرض ونصله يدغدغ النجوم في السماء. ومن أشباح تطوق السارد له والسارد عنه إلى عويل أشباح التاريخ . نص " طواحين الرياح " عبارة عن فسيفساء لتقنية النقلة السردية بين سلسلة من الامتصاصات التحويلية : تاريخ طلاسم الحروف، تاريخ مدينة شالة المعتمة ، تاريخ الأشباح في ذاكرة جمعية. إنه لا يمتص فقط تاريخهم ولكنه يكتب قصته بتحويل تاريخهم إلى استنطاق للتاريخ في القصة.
القاص هشام صالح يشغل مادة القص بمنأى عن كل موقف ايديولوجي اتجاهها. فلا يهمه واقعية الأشياء في وجودها المادي مادام يكتب نصا إبداعيا وليس مقالا أو بحثا حول ماهية وجودها العلمي. وعندما تمتص نصوصه خطاب الذاكرة الجمعية الثرية بكائنات غيبية، فهي تقوم بتحويلها وفق مستوى الحقيقة التي تقاربها هي كفاعلية إبداعية. ويكفينا أن نعطي بعض الأمثلة في هذا الشأن من خلال المونولوج الحواري الذي يخترق بعض نصوصه.
- المونولوج الحواري
نقصد بالمونولوج الحواري هنا أن السارد له يتكلم عبر صوته وأصوات أخرى تتكلم عبر صوته داخل ما يقوله هو. وما يقوله السارد له كما بينا من خلال تقنية النقلة السردية والثنائية العضوية التي تحكم معمارية النصوص أنه صوت الأنا وصوت الآخر معا. يتكلم ب " أناه " فيما يتكلم " الآخر" فيها حيث تصل تقنية النقلة السردية إلى أبعد مداها.
فالسارد له في المونولوج الحواري ليس له صوتا أحاديا يناجي به نفسه أو يكلم ذاته . حوارية مونولوجيته تتجلى في احتضانه لأصوات متعددة حسب منطوق القصة وطبيعة مجريات أحداثها . هكذا نرى السارد له في قصة طواحين الرياح يمتلك صوتا خاصا به كسارد له للحدث وصوتا آخر لصوت الآخر فيه وفي النص : " - أنا قاهر طواحين الرياح ! أنا القادم من زمن العواصف والرياح ! أنا بروموثيوس أنا قاتل زيوس ، أنا الكبد المتجدد ، أنا الثورة ، أنا التغيير.. أنا..أنا...أنا، يتلاشى الصوت شيئا فشيئا ." صوت السارد له في النص والصوت الآخر الذي يتكلم عبر صوته يتلاشيان تدريجيا ويفتحان أفقا لقراءة تسلسل مجريات الأحداث في النص. ما يقوله السارد له هو ما تريد أن تقوله القصة عبر أصوات متعددة في صوته الحامل لفاعليتها الدلالية، هو الثورة، هو التغيير ، هو بروموثيوس ، هو كل ما لا يستطيع المونولوج أن يقوله بدون حوارية.
وهو أيضا في قصة لعبة الكنز بطل حكاية جزيرة الكنز وفي شجرة اللعنة ( البطل الجميل ) الخارج من أسطورة جلماجش . إنه صوت السارد له المتقاطع مع صوت الأسطورة وصوت الحكاية " في علاقة بدون علاقة". وكأن تقنية النقلة السردية للقاص صالح هشام تغامر هي أيضا في الاشتغال على أصوات متعددة تحمل السارد له بقدر ما يحملها وفق فاعلية النص الدلالية.
٥- من تمظهرات لغة السرد الممتنع إلى الفاعلية الدلالية فيه .
ماذا نعني بلغة السرد الممتنع ؟
غالبا ما نحلل السرد في تقنياته وعلاقات الشخوص فيما بينها، متتبعين كيفية تطور الحدث بهم ومعهم ؛ نبحث فيه عن تقنياته المحضة قصد الوقوف على مدى تحقيقه لحبكة القصة أم لا، وننظر جنب ذلك إلى لغته وسلامتها الصورية والفنية في مصاحبته إياه. السرد أولا من حيث تسلسل الأحداث وتداخلها مع بعضها البعض ، ولغته ثانيا من حيث قدرتها على تتبعها وكيفية الإفصاح عنها. وعندما يقتضي الحال ، نعرج على ما تحمله من بلاغة في الوصف وانزياح في التعبير. يعني أننا في العمق نقرأ السرد ولا نقرأ اللغة من حيث هي فاعلية دلالية فيه وفي الحدث ذاته وليست مجرد أداة تابعة له لا قيمة لها إلا في كيفية تعبيرها عنه. لغة السرد التي نتحدث عنها في نصوص القاص صالح هشام لا نعني بها تلك التي نقطعها إلى وحدات أو جمل حسب الذائقة الجمالية ونحشرها فيما ننعته بالجملة القصصية. إنها لغة القص في النص الذي يقول الحدث واللغة من حيث هي حدث فيه، وهو ذاك الذي نسميه بلغة السرد الممتنع. لأن السرد قد يبدو سهلا في ظاهره لكنه معقد في تحليل بداهة الأشياء التي تفجرها لغته. ومما لا شك فيه أن قصص القاص صالح هشام تنهل من معين الحكاية اعتمادا على تقنية النقلة السردية التي تجعلها في " علاقة بدون علاقة " داخل عملية الامتصاص التحويلية، لكنها تستثمرها أيضا كقيمة قصصية في تحويل لغة الحكي إلى لغة القص. لغة الحكي لغة عارية تكتب الحدث يكل حمولته الرمزية والدلالية ولغة القص لغة تكتب اللغة من السرد وبالسرد ولا تخضع لخطية الحدث الدلالية.
لو نأخذ كمثال لإيضاح ذلك في قصة أحلام النوارس، فإننا سنلاحظ مايلي في لغتها السردية :
- شقراوات / لحم أبيض/ شبقية/ استمناء ذاكرة مثقوبة / استعذاب اغتصاب/ الجنة/ الفردوس/ رغبة جنونية/ القائد البربري / البحر.
- عقوق/أرض متشققة /حموضة كبث / قطع حبل الصرة/ عض ثدي الأم/ لن تلدك مرة أخرى / جحيم / غسل دماغ/ حرق أفكار قديمة / يا ابن العاهرة.
هذه العينة من التعابير تحمل دلالتها في سياق جملها وقد ننساق بسهولة في البحث عن بلاغياتها ناسين أنها تخدم لغة القص في فضاء القصة. فهي تتمحور حول ثلاتة دوال : الأرض /المرأة / البحر. ودال المرأة يتوسط دال الأرض ودال البحر. المرأة / الأم على اعتبار أن الجنة العليا تحث أقدامها" والمرأة / الحلم من كونها الجنة السفلى في تناقض مع الجنة العليا. وهنا السارد له يفضح علاقة دوال التعابير في الجملة مع الدال العام في القصة المرأة / الام. ماذا تقول لنا لغة القص؟ من ناحية، تعطينا مفاتيح حول السارد له : لحم أبيض / شبقية / اغتصاب / استمناء / استعذاب/ رغبة جنونية، ومن ناحية أخرى، تضعنا أمام : كبث/ عض ثدي / جحيم / يا ابن العاهرة. الأرض متشققة والرغبة تستمنيء في ذاكرة مثقوبة تبحث لها عن ذاكرة محصنة في الجنة/الفردوس لكنها تصطدم بخوائها الذي ينتهي بالسارد له على أنه ابن عاهرة يخون الأرض.
ليس مجالنا هنا تحليل قصة أحلام النوارس، إنها فقط مثال لما نجده في باقي القصص، والمثال هو الشيء ذاته ( فرويد). وإذا كان هو الشيء ذاته ، فهذا يعني أنه يدخل في سياق الفاعلية الدلالية التي تحكم نصوص القص هشام.
كما رأينا من خلال مقارباتنا لقصص الأستاذ هشام صالح أنها مبنية على ثنائية عضوية تتميز بعلاقة تداخل بين السارد له والسارد عنه ويغيب رأس الخيط فيهما. ورأينا كذلك أن تقنية النقلة السردية تخضع لنفس المنطق اعتمادا على عملية الامتصاص التحويلية في " علاقة بدون علاقة" بين الماص والممتص حيث بداهة الحكي تمتصها لغة القص. وعتبة النص تتوقف في زخمها الدلالي على " خرجته". وخرجة النص هي الفاعلية الدلالية التي تحكم داوله في نسج مدلولاته. وبمعنى آخرإن فضاء القص هو الذي ينتج دلالته في دواله وليس في جمله أو ما يسمى بالجملة القصصية. ودال النصوص على اعتباره فاعلية دلالية بموجبها نقرا لغة القص هو " رأس الخيط".
الراوي يبدأ من بداية النهاية، فيتوه " رأس الخيط " في مخيلة مستمعيه كما في النص ، يبحث له عن راو يحكي حكايته مشيرا بالتالي على نهاية مخيلة الكتب التي منها ينسج حكاياته . لم يعد لخيط الحكاية رأس يعيد لها حيوية الاستمرار في الحكي. عويل أشباح التاريخ تحملها الرياح في قصة طواحين الرياح. التاريخ أصبح شبحا يمتطي صهوة الجنون الذي لا أول له ولا آخر ، ولا رأس لأي شيء فيه سوى كائنات غيبية تأتي وتمضي كما هو الريح. الشجرة اللعينة أفقدت القرية " رأس الخيط " كما في النص. ورأس الخيط تاريخها الذي ينهار مع انهيار اجثتات جذور الشجرة وانهيار شجرة ( البطل الجميل) ( سليل الوركاء). رأس الخيط لا نجده بين صوت السارد له والاصوات التي تتكلم عبره. بين الانا والآخر حيث انا الاخر وجه اخر لانا الانا . والقاص ينبش في ذاكرة وطفولة وماض وتاريخ لعله يجد رأس الخيط.~~~~~~~~~~انتهت الدراسة
_________________________________________________________
النص : <<الصهيل>>
النقد : د حمد الحاجي
الكاتب : أ صالح هشام
لئن كان االمنهج الانشائي عند رولان بارت يُعتبرعند الكثيرين مدخلا الى تحليل جنس القصة تحليلا بنيويا وعلى أساس أنه مجموعة من العناصر (احداث- شخصيات - اطار مكاني -اطار زماني ) واصطلح على تسميته الخبر ( histoire ) -- حتى وان اشترك مع الشكلانيين بالتسمية باعتباره تنضيدا لتلك العناصر على نحو مخصوص ولذلك سمي هذا المستوى بالخطاب discours او على حد تعبير الشكلانيين البناء او الحبكة -sujet- فانني ساتجاوز هذه النظرة في القاء الضوء على نصنا هذا من زاوية اعتباري هذه القصة خطابا سرديا وكلاما يرسله الراوي الى القارئ وارى تصنيف النص الى ثلاث محاور هامة :
1 -- زمن القص
-- انماط القص
3 -- أساليب القص
ولا أدعي اني ساعطي القصة حقها وما هي الا مقاربة اولى عجلى يستسمحنا الصديق في القول على الابداع ...فلست أقرأ الا لأنني أنسى ..
ان قولنا انا اقرأ النص يصح من الزاوية اللغوية ولكنه يجانب الصواب اذ يقل وجوده قبل القراءة والانا ليس ضميرا محايدا لاحقا بالنص ذلك ان الانا المقترب للنص هو في حد ذاته جمع من نصوص متراصة وألاف من المصطلحات غريبة وتافهة وغنية وباذخة ..
خطوة أولى :
النص واحد لكن لا ندلف منه الى نموذج (modéle ) منفرد وانما هو مدخل لابواب شتى وعلى حد قول بارت - شبكة لها الف باب - بما أنه توغل في ادق دقائقه وصعود في عروق المعنى خطوة خطوة وتشتيت وتصديع ..
هذا النص فيه مقاطع مصدعة ( étoilé )قد شده الى بعض تتابع الجمل وخطاب السرد والكلام اليومي ..ولذلك يمكن ان نقسم الدال الاصلي الرئيسي الى سلسلة من المقاطع القصيرة وهي عبارة عن وحدات قرائية دنيا ( lexies ) وهذا التقسيم وان كان اعتباطيا ويتعلق بالدال والحال ان تحليلنا مرتبط بالمدلول لكن حسبها ان حيز ممكن لرصد المعنى ذلك ان طولها على كثافته بالمعنى فانه يرصد المصطلحات والشواهد كلها
فهذا النص مصدع ان فرقنا بين كتله الدلالية كالسماء المسطحة العميقة الملساء لا حدود لها ولا معالم لها ..
ونجد بالسرد نموذج النص المهشم ( brisé ) ان وحدات المعنى حين نستخرجها مفرقة كل واحدة على حدة نلاحظ انها لا تجمّع بل مقسمة لا موزعة لوجوه من النقد معرض للتاويل والتحليل
( نفساني : نفسية المنهزم
تحليلي نفسي : ظاهرة الانبطاح
غرضي :الهدف والغرض من الاجتماع
تاريخي :الواقع الراهن /
اليومي :المعاش اليومي الهزيمة بناء الذات
بنيوي : الوقف والاظمار -القص الافرادي القص العادي القص التكرري
حتى أنك تخال ان مهمتك اساءة صارخة ومعاملة فجة للنص وقطع لكلامه للمتلقي..
1- زمن القصة !
لئن كانت زمنية الخطاب مختلفة عن زمن الخبر اختلافا جذربا فان كثيرا من الاحداث في النص اتت في آن واحد والراوي لا يستطيع ان يتكلم بها وعنها معََا
هكذا بدت زمنية الخبر متشعبة ( pluridimentionnelle )في بداية النص
ومن هناك ظهرت زمنية الخطاب خطية ( linéaire ) اخر النص
وقد لاحظنا في غير ما موقع ان الراوي حاد عمدا عن زمنية الخبر وقد كان بذلك يريد ان يحقق أثرا جماليا لنصه .
ولست اتفق مع الشكلانيين والدليل من نصنا هذا على ان تغيير الزمن هوالجانب الوحيد الذي نتعرف به عن الخطاب والخبر .
فتغيير نظام الاصوات او الكلمات او الاحداث من شانه ان يغير في معناه ودلالته فالحديث عن الجراد ثم عن افتكاك الارض يترك في ذات المتلقي اثرايختلف عن الاثر لو ان القصة بدات باجتماع القوم ثم رجعت بنا الى الضيعة ثم الى التهديد بالافات بالجراد
ذلك ان للبناء الجمالي قوانين يتميز بها النص ونسعى الى كشفها والبحث عنها في المخزون الجمالي للنص رويدا رويدا
هذا الى جانب ما حفلت به القصة من انضمام عدد من الاخبار الى بعضها كالتسلسل والتضمين
فالتسلسل يظهر في في تقديم خبر حتى اذا انتهى خبر ابتدأ الموالي بعده.
تكسير ذائقة امتن
او ايضا تلك العلاقة التحاورية بين الجوار المتجانبة .
اما التضمين فنجده في ادخال خبر الى خبر آخر مثال عليه بنصنا : نجد حضور الف ليلة وليلة وحضور مثل هذا الاجتماع القبلي ..
والذي تميز به النص ايضا :
زمن التلفظ (زمن الكتابة ) راو يتحدث عن الظروف المحيطة وعن حيرته وعجزه
وزمن الادراك ( زمن القراءة) هو بمثابة عنصر ادبي ينزله المؤلف منزلة مخصوصة في الخبر وقد أشار اليه علانية .
2 -- أنماط الرؤية
في نصنا نستقي الاحداث من راو على نحو مباشر وادراكنا للاحداث مرتبط بذلك الراوي وكيف يقدم لنا شخوصه وهذا ما نعبر عنه بالتبئير كما ذهب الى ذلك جون بويون في تحديد سمات الراوي
** الراوي اكبر من الشخصية ( الرؤية من خلف) الراوي اكثر علما من الاشخصية انه يرى من خلف الزجاج من النافذة ويعرف ما يدور بذهن الشخصية
فنرى في نصنا هذا ان الراوي يلم تماما بباطن الشخصيةما تجهله هي نفسها
واحيانا يلم ببواطن عدة شخصيات معا
وفي احيان اخرى يروي احداثا لم تدركها شخصية واحدة
** الراوي مساو للشخصية ونجد الراوي ينظر بمنظار الشخصية تماما خاصة باستعماله لضميري المتكلم / الغائب
**الراوي اقل معرفة من الشخصية يظهر على شكل صوت يعلم اقل من الشخصية بكثير فلا يسوق تفسيرا ولا تحليلا وقد ظهر بالنص في مواضع اهمها ..
3 -- أساليب القص
يتعلق الامر بالطريقة التي توخاها صاحب النص في تقديمه للخبر للقارئ المتلقي فقد استعمل السرد المنحدر من من الوقائع والتمثيل فان كان النص ممسرحا ضُّمن في كلام الشخصيات حتى صار كل كلام يحيلنا الى وقائع ...
فلا نجد بنصنا كلاما كالتمثيل ولا تمثيلا كالكلام فماكان للسرد فهو بالسرد وما كان على لسان الشخصية فهو ضرب من المسرح والتمثي
خاتمة :
وأيا كان الاسلوب فان هذا النص يميز ملامح الكاتب عن ملامح الراوي و ملامح الراوي عن ملامح الشخصية وملامح الكاتب عن ملامح الشخصية
هكذا فان الخطاب والخبر ينتميان الى مجال الادب وان فصلنا بينهما فذلك من أجل الوقوف على وحدة الاثر /النص للتمييز بين المعنى والتاويل
أ. حمد حاجي
تونس .
الصهيل/~قصة قصيرة
الضياع ..ضياع الضيعة .. ضياع الهوية.. حروف تأتيك متقطعة من ذلك البياض المستطيل في ركن من أركان الخرابة يفرخ في تلافيف دماغك ألف سؤال وسؤال ماذا تعني : صن أرضك ،إحفظ عرضك ؟ الأرض.. العرض ..من يضيّع أرضه ، يضيع عرضه يصبح ذئبا أجرب بلا مأوى يعوي في صحرا ء مقفرة الجنبات.
كانت هذه زفرته الأخيرة ثم استوى عليه البياض ، تتحسس عنقك يركل قلبك في صدرك ، يقتلك أبوك قبل أن يموت ، فالوصية أحيانا خنجر مسموم . تنبطح أرضا تلامسها بروحك ، تقبل التراب ، تغْترف منها حفنة ، تشْمتها ، تزفر زفرة عميقة شبيهة بزفرة المرحوم ، تغوص في نوبة تفكير محمومة تنتابك، تخاطرات مذعورة تبحث عن ثقب للانفلات من ذاكرتك المتعبة ، حاسة شمك القوية تلتقط رائحة المطر .
-تورق كروم ، تزهر أشجار الزيتون ، وتستبشر خيرا ... في مهبط الشمس ، تلوح لك غيمة كبيرة ، تتماوج ، تصعد ، تهبط ، لا تستقر على حال ، أسراب من البلاء تسقط على الزرع فتحيله قاعا صفصفا..يهولك أن هذا
الجراد قاتل ، مولعٌ بمص دماء الأطفال والشيوخ والنساء ،ضَرَارَته زرقاء
لا يميز الألوان ، يأتي على الأخضر واليابس ..نار تخبط خبط عشواء ولا تختار من يشب فيه إحرقها..
أهل الضيعة منشغلون عنها ، يخوضون حربا ضروسا ، حروب الصهيل تتناسل بينهم كلٌّ يمتشق سيفه، يمتطي صهوة مطيته ..يغوصون مطايا وفرسان في نوبة صهيل محموم صهيل في مساحات معتمة ، حمراء..دامية.
تضغط على حفنة التراب ، تتكور في قبضتك تؤلمك وتصيح فيهم :
- أيُلهيكم قراد أصفر، أشقر، أبيض ؟ يمتص منكم ماء الوجه إلى آخر قطرة ?
يؤلمك وجع التراب ، تؤذيك رائحته ، لا أدهم و لا أبْجر ، لا صهيل خيل في صحراء العرب ، فقط صهيل مساحات معتمة ، حمراء...
يهجم الجراد ، يستف التراب ، يمتص لُحِيَّ أشجار الزيتون ، يتحرش بالضيعة ، يداعب خصلاتها ، تتمنع ، تستعصي عليه يخرج خنجر الغدر من غمده ، تستنجد..
- واعرباه ! وإسلاماه ! وامعتصماه ! !
تضيع صرخاتها ..كحَصَيات ترمى في قاع بئر سحيقة ، فيعانقها الفراغ...!
تسقط الأقنعة .. ويتزاجم الأهل ،أمام الشقوق وفتحات الأبواب الموصدة في نَهم يستعذبون صرخاتها ، يستلذذون انتهاك عرضها ..لا داحس و لا غبراء ولا بسوس هذه خرافات و أساطير الأولين...
تصيح فيهم بكل ما أوتيتَ من قوة :
-يا عبيد الصهيل ، ومملاليك الصُّهال ماذا دهاكم ؟ ماذا أصابكم ؟
يجيبها الصمت الميت...
صيحاتك أنت تتردد في الفضاء دون صدى ، تندب حظك
-*كم كنت وحدك يا ابن أمي !
-*كم كنت وحدك !
-*يا ابن أكثر من أب !
-*كم كنت وحدك !
تكفكف الضيعة دموعها ، تغتسل من عارها بدم عذريتها المنتهكة ، تنتظر مولودها الجديد ،يبحثون له عن أصل و نسب..
تزداد سطوة الجراد قوة ،يعلو صريره ويرتفع يجتاح حقول الزيتون والليمون ولا من يحفل... لما يهدد الكراسي يعقد
اجتماع طارئ على عجالة لتدارس معركة الجراد ، فماء الوجه نضب وغاض ، يصفق كبيرهم ليسترعي انتباههم وبصوت غير متحمس ، مازال فيه أثر من الصهيل رن في آذانهم .. يزعق
-كيف نمسح عارنا يا قوم ؟ الجراد تمكن من الضيعة ، فضعنا ، وسيضيع أولادنا من بعدنا إن لم نتدارك أنفسنا..
ينبرى أحدهم يدُحُّ أمامه كرشا متدلية حتى ركبتيه يعتلى منصة الخطابة ،يمسح على شعيرات لحيته البيضاء ، يطبطب على بطنه المتخمة بالصهيل ..:
-أتعرفون قوم عاد وتمود يا قوم ؟
تبادلوا نظرات الحيرة :
-ما علاقة هذا الذي يحدث يا رجل بقوم عاد وتمود ، أتريد أن تستنجد بالاموات ؟
-قرأت في كتب صفراء قديمة حارب هؤلاء الأقوياء في وقت ما جحافل الجراد بالدجاح الديكة تقود الجيوش فما رأيكم ؟
آخر ، يغوص في أريكة جلدية ولا يظهر منه إلا رأسه المتوجة، يرد في عصبية
- في أي من الكتب ورد ذلك ، إنك تكذب ?
- أنت الكذاب ، فأنت أصلا يخيفك الورق الأصفر ، يخيفك التاريخ !
تراشقوا بالكلمات والشتائم والاتهامات ،ثم تحول الأمر إلى عراك بالأيدي والمناكب..والأرجل والرؤوس.
صاح كبيرهم بكل بقوة :
- يا قوم ألم تسمعوا بأن الجراد كان وجبة أساسية على موائد أجدادنا أيام القحط و المجاعة ؟ نحكم سيطرتنا عليه ونقتات منه..
الجراد يحبس النفس في الضيعة ، يفاجىء قاعة اجتماعهم، يعيث فيها فسادا ، تسيح الأجساد الرخوة أرضا ،توضع الرؤوس تحت الكراسي ، نعائمُ تحتمي برمال صحراء مكشوفة ، سطوة الجراد تدمر الكراسي..تلهمها، تقزقزها كحفنة لُبّ.
تضغط بقوة على حفنة التراب ، تتصلب في قبضتك ، تتحجر ، تتحول جلمودا ، تلوح به في وجه الجراد .. تقذف به جحافله ..
- أنا لها ، شرف الضيعة في عنقي أمانة ، لن أخون الوصية ، لن أكون ذئب الصحراء الأجرب .
يخرج صوتك خافتا مبحوحا...
والقلب ينبض بقوة..
بقلم الاستاذ ~صالح هشام

المغرب / الرباط ~الخميس ٣|١٢|٢٠١٥
************************************************************
ع. لجنة الاشراف لموسوعة المبدعين العرب والانسانية جمعاء / الاستاذ جاسم آل حمد الجياشي / العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق