خربشة و ألحان
من نافذة زنزانتي البعيدة المبنية على أعلى قمة في المنطقة وللعام العاشر على التوالي تصلني أنغام ندية ، كأنني معها على موعد ، فبعد العشاء مباشرة يبدأ صوت الناي في استئذان سمعي بخجل ، تترنح ذبذباته خفيفة تدغدغ الآذان ، ثم تبدأ في الاستحواذ على كل وجداني ، لم يتخلف ولا يوما واحدا ، كنت أحس به حينما يكون فرحا ، و عندما يكون حزينا ، أسافر معه على بساط الريح إلى عوالم بعيدة تخرجني من زنزانتي ، و كان بعدها يرتجل أغاني حزينة تصف حالتي قبل حالته.
و حين جاء يوم الإفراج عليّ ، أردت أن أجمع تلك الألحان و أحملها معي ،لكنني خرجت في النهار،فتشت في زوايا الزنزانة ،فلم أعثر على شيء ، فعزمت أن أبحث عن صاحب الصوت ، خرجت من السجن ، فلم أجد من ينتظرني عكس ما كنت أتوقع ، و كما هو الحال في الأفلام، ، أعتقد أنهم لا يريدون أن يشوهوا سمعتهم بخريج سجون مثلي ، دون أن يهمهم سبب إدانتي ،نزلت ذلك المرتفع ، تطلب الأمر نصف يوم كامل، فقد استغنيت عن الحافلة التي توفرها إدارة السجن لأنني أعتقد أنها سجن متحرك ، ثم هي تزيد من عمر محكوميتي في قلبي ساعات أخرى ، كأن جدرانه لن تشبع بعد من خربشاتي. وصلت القرية ، فبحثت عن شخص يتقن عزف الناي ، و يغني ليلا ، فأرشدوني بأنه يعيش هناك ، فاتبعت إشارتهم فإذا أنا أمام مبنى ضخم ، طرقت الباب ، فاستقبلني موظفون غلاظ ، طلبت منهم مقابلة صديقي الفنان ، فردوا عليّ :
ـ هل لك معه موعد ؟
ـ للأسف ..لا..
ـ املأ هذا الطلب ، و سنرى ..
بعدما كتبت الطلب ، جاءني القبول ، فدخلت إليه وسط حراسة مشددة ، و بقي الحراس معي ، سلمت عليه ، فلم يجبني ، ثم استدار إليّ ،و قال :
ـ لماذا من بين كل المسجونين الذين كانت تصلهم ألحاني تأتيني أنت بالذات ؟هل أنت مختلف عنهم ؟ لا أعتقد بالاختلاف في هذا العصر ..
ـ لست أدري، و لكنني أتيت .
ـ كم لبثت في السجن ؟
ـ عشر سنوات ..
ـ إذن عشر سنوات من العزف و الغناء ..
ـ نعم ، عندما خرجت جئت إليك مباشرة ..
ـ أجزم أنك لم تكن تدوّن كلماتي على الجدار ..
ـ صحيح ، كنت أخربش ذكرياتي ..
ـ هل لك أن تبقى معي ، لتكتب ما أملي عليك على الجدران ؟
ـ و لكنها جدران نظيفة ؟
ـ لا يهم ..فكلماتي أنظف ..
وقّعت على عقد لكي أبقى معه ، و عندما حان وقت العشاء ، بدأ الغناء ،و بدأت الكتابة ،و مع الأيام تعودت على الترنم بألحانه عسى أن تصل إلى النزيل الجديد ، بعد أيام و حين شرعت في ارتجال ألحانا خاصة بي ، جاء الحراس ، و مشى برفقتهم ، فصحت فيهم :
ـ إلى أين تذهبون به ؟
ـ حان وقت تنفيذ حكم الإعدام عليه ..لقد لبّينا له أمنيته في استضافتك في زنزانته..
من نافذة زنزانتي البعيدة المبنية على أعلى قمة في المنطقة وللعام العاشر على التوالي تصلني أنغام ندية ، كأنني معها على موعد ، فبعد العشاء مباشرة يبدأ صوت الناي في استئذان سمعي بخجل ، تترنح ذبذباته خفيفة تدغدغ الآذان ، ثم تبدأ في الاستحواذ على كل وجداني ، لم يتخلف ولا يوما واحدا ، كنت أحس به حينما يكون فرحا ، و عندما يكون حزينا ، أسافر معه على بساط الريح إلى عوالم بعيدة تخرجني من زنزانتي ، و كان بعدها يرتجل أغاني حزينة تصف حالتي قبل حالته.
و حين جاء يوم الإفراج عليّ ، أردت أن أجمع تلك الألحان و أحملها معي ،لكنني خرجت في النهار،فتشت في زوايا الزنزانة ،فلم أعثر على شيء ، فعزمت أن أبحث عن صاحب الصوت ، خرجت من السجن ، فلم أجد من ينتظرني عكس ما كنت أتوقع ، و كما هو الحال في الأفلام، ، أعتقد أنهم لا يريدون أن يشوهوا سمعتهم بخريج سجون مثلي ، دون أن يهمهم سبب إدانتي ،نزلت ذلك المرتفع ، تطلب الأمر نصف يوم كامل، فقد استغنيت عن الحافلة التي توفرها إدارة السجن لأنني أعتقد أنها سجن متحرك ، ثم هي تزيد من عمر محكوميتي في قلبي ساعات أخرى ، كأن جدرانه لن تشبع بعد من خربشاتي. وصلت القرية ، فبحثت عن شخص يتقن عزف الناي ، و يغني ليلا ، فأرشدوني بأنه يعيش هناك ، فاتبعت إشارتهم فإذا أنا أمام مبنى ضخم ، طرقت الباب ، فاستقبلني موظفون غلاظ ، طلبت منهم مقابلة صديقي الفنان ، فردوا عليّ :
ـ هل لك معه موعد ؟
ـ للأسف ..لا..
ـ املأ هذا الطلب ، و سنرى ..
بعدما كتبت الطلب ، جاءني القبول ، فدخلت إليه وسط حراسة مشددة ، و بقي الحراس معي ، سلمت عليه ، فلم يجبني ، ثم استدار إليّ ،و قال :
ـ لماذا من بين كل المسجونين الذين كانت تصلهم ألحاني تأتيني أنت بالذات ؟هل أنت مختلف عنهم ؟ لا أعتقد بالاختلاف في هذا العصر ..
ـ لست أدري، و لكنني أتيت .
ـ كم لبثت في السجن ؟
ـ عشر سنوات ..
ـ إذن عشر سنوات من العزف و الغناء ..
ـ نعم ، عندما خرجت جئت إليك مباشرة ..
ـ أجزم أنك لم تكن تدوّن كلماتي على الجدار ..
ـ صحيح ، كنت أخربش ذكرياتي ..
ـ هل لك أن تبقى معي ، لتكتب ما أملي عليك على الجدران ؟
ـ و لكنها جدران نظيفة ؟
ـ لا يهم ..فكلماتي أنظف ..
وقّعت على عقد لكي أبقى معه ، و عندما حان وقت العشاء ، بدأ الغناء ،و بدأت الكتابة ،و مع الأيام تعودت على الترنم بألحانه عسى أن تصل إلى النزيل الجديد ، بعد أيام و حين شرعت في ارتجال ألحانا خاصة بي ، جاء الحراس ، و مشى برفقتهم ، فصحت فيهم :
ـ إلى أين تذهبون به ؟
ـ حان وقت تنفيذ حكم الإعدام عليه ..لقد لبّينا له أمنيته في استضافتك في زنزانته..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق