الأربعاء، 14 يونيو 2017

عن تجربتي الشعرية والقصصية // للباحث والاديب : عبد الوهاب محمد الجبوري // العراق

بسم الله الرحمن الرحيم 
عن تجربتي الشعرية والقصصية !
الباحث عبدالوهاب محمدالجبوري
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى اله واصحابه اجمعين ، ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين ، وبعد : 
فقد سالني بعض الاصدقاء ، ومنهم صحفيون ، وادباء واساتذة جامعة عن تجربتي الشعرية والقصصية مع اني كاتب وباحث في الشؤون السياسية والعسكرية فضلا عن كوني مترجم لغة عبرية ، فاوضحت لهم كما اوردته في مذكراتي : درست اللغة العبرية في الكلية العسكرية العراقية عام 1964 ، وفي اواخر ذلك العام بدأت الترجمة من اللغة العبرية الى اللغة العربية، ثم خضت تجربة الكتابة في مختلف المجالات في الفترة التي أعقبت ذلك ، وكنت خلالها اكتب المقالات والدراسات ثم تحولت الى تاليف وترجمة الكتب واصدارها . كانت مجالات كتابتي هي الشؤون الفكرية والسياسية والعسكرية والامنية والثقافية (خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وشؤون الكيان الصهيوني) ، حتى تجاوز عدد الكتب والدراسات المهمة التي اصدرتها (تاليفا وترجمة ) منذ العام 1964 وحتى العام 2003 الخمسين كتابا ودراسة . جدير بالذكر ان كتاباتي عن الادب العبري والثقافة اليهودية العنصرية احتلت مساحة واسعة من كتاباتي في المجال الادبي .
اما بعد احتلال العراق في العام 2003 فقد اتجهت للتوسع في الكتابة في مجال الثقافة والادب على التوازي مع كتاباتي السياسية والعسكرية بالقدر الذي افرزته تلك الحرب وما تلاها من ماسي ودمار حل بالعراق واهله وقدراته .
ومن السمات التي امتازت بها كتاباتي الادبية في تلك الفترة - وحتى الوقت الحاضر - هي توجهي لكتابة المقالة الادبية والشعر او لنقل قصيدة النثر والقصة القصيرة جدا ، وقد نشرت أكثر من 300 قصيدة وقصة قصيرة جدا (لغاية2012 ) تحاكي هموم الوطن والأمة ، وكثير من قصائدي وقصصي حظيت باهتمام النقاد العرب والعراقيين ، حتى ان بعض المنتديات نشرت عددا من قصائدي مع مجموعة من الشعراء في دواوين ورقية خاصة . حقيقة الامر أنا لست شاعرا او محترفا للشعر ، والشعر عندي هواية يجسدها نبــض قلبٍ يلتقطُه العـقل فيُبرق للأنامل فترسمهُ شعراً ، وعلى هذا ، أنا اكتبُ الشعرَ التثري ( ان صح التعبير) بشكل عفوي منطلقا من إحساسي بالواقع المؤلم الذي هزني من الأعماق ، اقصد احتلال العراق وما تلاه من احداث وتطورات كادت ان تعصف بالمجتمع العراقي وتدمره ، هذا الشعر حفز في احساسي ومشاعري مكامن التوثب الفكري والوجداني، وحرك نبضِ القلب الذي عاش المحنة ، فعبّر عنها بدِفقٍ أعتمد على العاطفة والخيال والمعاناة ، وبإيقاع اللحظة الفنية والأدبية التي كانت تحضر في وقتها .
كانت انطلاقتي الأولى في هذا المجال هي حرب الاحتلال ومعاناة الإنسان العراقي والوطن ، ثم توسعت موضوعات قصائدي لتشمل قضايا الأمة وبخاصة قضية فلسطين ، فسار اهتمامي الأدبي والثقافي بهذه القضية على التوازي مع اهتمامي بها في المجالات الفكرية والسياسية والعسكرية ، الذي كان قد بدأ منذ العام 1964 - كما ذكرت سابقا - عندما ترجمت في الكلية العسكرية العراقية ، اول نص للغة العبرية الى العربية عن القضية الفلسطينية ، وبهذا يسجل اساتذة اللغة العبرية والمؤرخون والباحثون العراقيون انني اول مترجم عراقي للغة العبرية في العراق (يشاركني في هذا اخي واستاذي الدكتور خالد اسماعيل عميد كلية اللغات في جامعة بغداد سايقا ) . بعد تخرجي من الكلية العسكرية بدات تتبلور اولى اهتماماتي الفكرية والسياسية بالقضية الفلسطينية ، مما اتاح لي الفرصة للكتابة عنها في الصحف والمجلات العراقية . كما كان لوجودي في لبنان ومصر وتونس والأردن وسوريا فترات معينة من حياتي واتصالي بالمفكرين والباحثين العرب الأثر الكبير في بلورة وتطور مفهومي للقضية العربية وبخاصة قضية فلسطين والكتابة عنها والتوسع في مجال البحث والتقصي وكتابة المقالات والبحوث والدراسات الســـياسية والفكرية والعسكرية والإستراتيجية . كما ساعدتني مشاركتي في حرب تشرين عام 1973 ومشاركتي في عمليات الدفاع عن العراق في حرب 1991 وحرب احتلال العراق عام 2003 في توسع معرفتي لأبعاد أخرى من الصراع العربي الإسرائيلي والعلاقات الدولية على مختلف الأصعدة ، فضلا عن مطالعاتي لما كان يكتب عن القضية الفلسطينية وقضايا الأمة واهتمامي المتواصل بها والذي لم ينقطع حتى اليوم ، وقد ساعدني في هذا أيضا ترجمتي لكثير من المؤلفات العبرية التي تناولت جوانب التعريف بالفكر الصهيوني وأنشطته المختلفة ومنها تاريخ الحركة الصهيونية وتنظيماتها المدنية والعسكرية والامنية ونشوئها وعملياتها العدوانية ضد أبناء شعبنا في فلسطين وضد الأقطار العربية والنشاط الصهيوني في العراق في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي ، وكذلك العقيدة العسكرية الإسرائيلية ومرتكزات نظرية الأمن الإسرائيلي والحروب العربية الإسرائيلية وأنشطة أجهزة الاستخبارات والأمن الإسرائيلية وسير القادة الإسرائيليين وصناعة القرار السياسي في إسرائيل ودور الأحزاب الإسرائيلية في إدارة الحكم داخل الكيان الإسرائيلي والتغلغل الإسرائيلي في أفريقيا ومناطق مختلفة في العالم وغيرها من الأمور ذات العلاقة بمعرفة العدو وأنشطته وفعالياته وقواته المسلحة وتسليحها وتجهيزها وعملياتها وتدريبها .
، فضلا عن ترجمتي لعدد من الكتب الأدبية العبرية ودواوين شعراء إسرائيليين وكتب دينية يهودية ومنها ترجمتي لأسفار عديدة من التوراة .
كانت الكتب والدراسات التي كنت اطبعها تطبع بحروف الرصاص الذي يتم اذابته بعد صدور الكتاب بايام ، وذلك لعدم وجود الحاسبات واجهزة الطباعة الحديثة ، وهذا الامر احزنني كثيرا لعدم تمكني من اعادة طبع تلك الكتب التي نشرتها في تلك الفترة ، فضلا عن ذلك كانت الكتب التي اصدرتها توزع بشكل محدود على مستوى القوات المسلحة العراقية ولا يتم تداولها خارجها حسب تعليمات وزارة الدفاع العراقية في تلك الفترة .
اعود مرة اخرى الى تجربتي الشعرية والقصصية والادبية فاقول انها ، بشكل عام ، لا نفصل عن تجربتي انفة الذكر ، ذلك ان خبرة الكتابة والتاليف التي اكتسبتها سابقا ساعدتني ايضا على التكيف مع التجربة الادبية الجديدة ، التي جاءت متاخرة نوعا ما ، ومع ذلك كانت هذه التجربة عميقة ومعبرة بقدر زلزال احتلال العراق ودماره من قبل المحتلين ، فكانت كتاباتي الشعرية والنثرية تلتحم مع الحدث المأساوي وتعيش حالة صراع نفسي وفكري تعكس رفض الإنسان العراقي والعربي لحالة العدوان والاحتلال وتحديه لإفرازاته وإصراره على مواصلة الصمود والرفض لكل ما تسبب في دمار بلده ، 
فكان الوجدان نابعا من الأعماق ، والحروف والكلمات تتدفق كنبض القلـــب الملكوم من احتراق بلد الحضارات والتاريخ . كل هذا شكل رسالة تولاها العقل والقلب فاصدر ايعازاته إلى الأنامل لتصوغ ما تقدر على صياغته من تعبيرات وتحديات وهموم إلى جانب إيقاد شرارة المواجهة الفكرية لتجاوز حالة اليأس وبعث الأمل في الذات الإنسانية بان ما حصل لا يمكن أن يدوم ويستمر كون الإنسان العراقي ( عربيا مسلما ) خبر التاريخ وأحداثه وتطوراته وعرف نكبات كثيرة وكبيرة تم تجاوزها بإرادة لا تلين وبعزيمة لا تفتر ، فحقق التحرر والسيادة والاستقلال والتخلص من ربقة الهيمنة الأجنبية والاحتلال الخارجي على مدار التاريخي ، وشكل هذا الفهم لحركة التاريخ وتجاربه
وأحداثه منطلقا لبعث الهمة والعزيمة في روح الإنسان ووجدانه وعطائه الفكري والثقافي والسياسي . 
هكذا عبرت قصائدي وكتاباتي النثرية ، ومنها القصة القصيرة جدا والمقالة الأدبية والسياسية ، عن هذه الجوانب المهمة في حياتنا وتطلعنا نحو الخلاص النهائي من المحنة باذن الله.
الموصل - محافظة نينوى
العراق في 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق