الأربعاء، 14 يونيو 2017

المفارقة والقفلة في القصة القصيرة جدا // الباحث عبد الوهاب محمد الجبوري // العراق

المفارقة والقفلة في القصة القصيرة جدا
الباحث عبدالوهاب محمد الجبوري
المقدمة
تشغل القفلة والمفارقة مساحة فكرية مهمة جدا في تكوين وإنشاء القصة القصيرة جدا الناجحة ، ومن خلال متابعاتي للكثير من القصص والتعليقات وجدت من الضرروي أن أتحدث عن القفلة والمفارقة لأهميتهما في إنتاج القصة . في قصتي ( ارم ذات العماد ) علق الأستاذ طلال سيف مشيراً إلى موضوع المفارقة وذكر ملاحظة مهمة ( أن قوة العمل يكللها مفارقة النهاية ) وعقبت على ملاحظته بتوضيح مسالة المفارقة ، واقترح أن انشر الموضوع بصورة مستقلة ليستفاد منه كتاب القصة القصيرة جدا ، وها أنا ألبي مقترحه مع شيء من التوسع عن القفلة والمفارقة من خلال تجربتي الشخصية وما تحدث به الكتاب والنقاد المتخصصون في هذا المجال .
عن القصة القصيرة جدا
بداية أؤكد أن القصة القصيرة جداً عمل إبداعيّ فنيّ يعتمد دقّّة اللّغة ، وحسن التّعبير الموجز ، واختيار الّلّفظة الدّالة ، التي تتّسم بالدّور الوظيفيّ و التّركيز الشّديد في المعنى ، و التّكثيف اللّغوي الذي يحيل ولا يخبر ، ولا يقبل الشّطط ، ولا الإسهاب ولا الاستطراد
ولا التّرادف ، ولا الجمل الاعتراضية ، ولا الجمل التّفسيرية ، وتحفل بالمضمون الذي يقبل التّأويل ، ولا يستقر على دلالة واحدة . بمعنى يسمح بتعدّد القراءات ووجهات النظر المختلفة ، فإذا كانت القصة القصيرة جدا بهذه الخصائص الأدبية والفكرية والفنية الدقيقة والمحددة فيمكن القول انه لا يكتبها غير كاتب متمرس لديه قدرة لغوية وبلاغية عالية ، كاتب أو قاص لا تتحكم فيه حلاوة الألفاظ فيقتنصها لحلاوتها ، بل لما يمكن أن تخدم به السياق المقتضب . قاص لا يغتر بالقصر المجمل لقصره ، أو الإٌسهاب المطول لإسهابه ، و لكن يهتمّ بالمعنى على أن يقدَّم بنسق لغوي فنيّ في غاية من الاقتصاد ليمكن القارئ الشّغوف بفن القصّ القصير أن يقرأ داخل اللّغة ، لأنّ القراءة السّطحية لا تجدي نفعاً إزاء هذا النّوع من القصّ ، إذ لا بد من قراءة ما بين السّطور القليلة
وخلف الكلمات المعدودة ، فهناك لغة التّضمين .
وهذا يعني أن القصة القصيرة جدا تحتاج إلى إبداع في اختزال عناصر القصة ، والتي لا يمكن لأي كاتب قصصي أن يتجاوزها جميعا ، لكن الحذق هو من يعرف ماذا يستخدم من هذه العناصر ولديه ذائقه فنية بالاختصار اللغوي . فهذا النوع من الأدب يحتاج إلى التكثيف والإضمار والإيحاء والتلميح والتضمين وكل هذا يحتاج إلى تركيز عالٍ حيث لا يقبل بوجود جمله ، وأحيانا كلمة واحده ليس لها هدف أو أن وجودها عبث في النص ، ورغم أن هناك من أضفى على القصة القصيره جدا طابعاً شعرياً نثرياً أو فلسفياً في ميلانه أكثر من كونه قصصي، إلا أن هناك من برع في هذا النوع من الأدب ، ويبقى من الضّروري أن نقول أن هذا الفن ليس من السّهولة بمكان ، لكن هو سهل على من يستسهله ، فيكتب جملا تدخل في إطار ما يعرف بالكتابة البيضاء التي لا تدل إلا على اللاشيئية ويعتقد أنّه دخل صرح القصة القصيرة جدا من بابها الواسع ، إلا أنّه ينبغي أن نقول ( حسب الدكتور مسلك ميمون ) : إنّ رواد هذا الفن في عالمنا العربي قلة قليلة ، أمّا الكثرة الكثيرة ، فهي من تكتب خارج دائرة هذا الفن ، و تعتقد نفسها ـ في غياب النّقد و المتابعة ـ أنها داخل الدائرة.
عناصر القصة القصيرة جدا
عليه نقول ان فن القصة القصيرة جدا هو من الفنون الصعبة والذي يحتاج إلى أديب موهوب بالدرجة الأولى لأنه يحمل عناصر تستعصى على غير الموهوبين بفن القصة ككل ، ومن أهم عناصرها : ( الشخصية ، الحكاية ، الوحدة ، التكثيف ، الشعرية ، المفارقة والقفلة ، غلبة الجملة الفعلية ، العنوان ، الرمز ، الحجم ، الراوي العليم أو الرؤية من الخلف ، البيئة أو الزمان والمكان .... الخ ) .. وفي هذه المقالة سنتحدث عن المفارقة والقفلة من خلال تجربتي الشخصية أو من خلال ما تحدث عنهما المتخصصون في القصة القصيرة جدا .
المفارقة
المفارقة هي تصوير لتناقض ظاهري، وهي الخاتمة المحيرة التي تبدو في الوهلة الأولى غير مقبولة.. والمفارقات تظهر في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، إلا أنها تناقض بشكل أو آخر الحقيقة. ، والمفارقة هي أسلوب بلاغي يُخفي المعنى الحقيقي في تضاد، أو سخرية مع المعنى الظاهري، أي أنها تقوم بشكل أساسي على التضاد بين المفاهيم الظاهرية والمعاني الباطنية. وهي عمل فكري يخلق ذبذبات التوتر في القصة مما يجعلها تضحك بمأساتها، وقد تبكي بسخريته، وتعتبر المفارقة جوهرة في بنية القصة القصيرة جدا لأنها تعكس وظيفة القصة النهائية حيث نصل إلى صورة النص الحقيقية عن طريق اللذة والدهشة. والمفارقة ليست تنميقا ولعبا بالمصطلحات.، بل هي رؤية جوهرية يجسدها الكاتب لغة بأسلوب المفارقة عن طريق التفاعل مع الأحداث . وتنقسم المفارقة إلى ثلاثة أقسام :
1 . المفارقة اللفظية :
وهي التي يكون فيها المعنى واضحا لا يشوبه الغموض، كما يجب أن يتميز بالدلالات المؤثرة، ويكون المعنى الظاهري والباطني في مواجهة مباشرة
2. المفارقة التركيبية :
تعتمد هذه المفارقة على الانزياح الدلالي باستعمال الفنتازيا الساخرة في الحوار، أو السخرية، والاستفهام البلاغي، والتعجب الذي يحمل بين طياته حالة نفيه ، والاستعارة التنافرية، والمبالغة المعكوسة...
3 . مفارقة الحدث :
إذا كان في المفارقة اللفظية المعنى الظاهري والباطني في مواجهة مباشرة ،؛فإن مفارقة الحدث تخفي طرفي المفارقة داخل بنية القصة ، مما يجعل القارئ يلجأ إلى التأويل أو الاستنباط عن طريق دراسة وتحليل القصة، أو ربطها بالتناص ، وتنقسم مفارقة الحدث إلى ثلاثة أقسام:
أ . مفارقة الحدث : وهي أسلوب يعتمده الكاتب لإيهام القارئ بعدم وجود حدث تبنى عليه القصة.
ب . مفارقة الشخصية : وهي أسلوب يعتمده الكاتب لإيهام القارئ بعدم وجود شخصية يُبنى عليها الحدث.
ج . مفارقة الزمكان : وهي أسلوب يعتمده الكـــاتب لإيهام القارئ بعدم وجود زمكنة تدور فيهما الأحداث .
فالمفارقة هي ببساطة إذن صورة تجمع بين فكرتين مختلفتين الأولى ظاهرة مباشرة ( النص المكتوب ) و الثانية مختفية خلف الحروف ( الفكرة أو الصورة البعيدة) بشرط أن يربط بين الفكرتين وجه شبه تشير إليه قرائن دالة من النص المكتوب .
القفلة
أما القفلة فشأن آخر : هي خاتمة القصة والتي يتم من خلالها تفريغ الذروة ( التأزم ) بغير ما يتوقعه القارئ ، و المفارقة لا تختص بالقصة القصيرة جدا فقط بل نجدها في القصة القصيرة و الرواية و هي – كما يرى البعض من الأدباء - شـرط أساسي من شروط ال(ق. ق. ج )و لكن هذا لا يعني وجوب توفرها في كل نص إذ قد يغني عنها التكثيف الذي يحيل إلى إحالات متعددة كما قد تغني عنها القفلة الحادة الصارخة . فالقفلة هي جملة الختم شكلا ، ولكنها مناط الّسّرد ، فمنها انطلاق التّأويل ، و إليها يستند الـتّعليل ، و عليها يندرج التّحليل . فهي ذات أهمية قصوى. حتّى أنّ البعض لا يرى قصّة قصيرة جداً بدون قفلة ، وإن كان لي رأي مخالف ، فالقفلة ـ على ما هي عليه من أهمية ـ قد يحدث ألا يأتي بها القاص ّ شريطة أن تكون القصـة على درجة عالية من التّكثيف ، أو الرّمز ، أو الحذف والإضمار .فنسقية النّص، وسياقه وتصويره البلاغي . كلّ ذلك يجعل القفلــة استثنائية ، لأنّ ما سبقها ـ إن وجد ـ سيغطى على دلالتها و تأثيــرها .
و من خصائصها الملازمــة ما يأتي :
1 ـ قفلة مفاجئة ، غير متوقعة من قبل المتلقي ،
ولكن لها صلة بالموضوع .
2 ـ تحدث توثراً و انفعالا ، لنسقها الدّلالي والصدامي. 
3 ـ تبعث على التّأمل و التّساؤل .
4 ـ تفتح آفاق التّأويل و التّحرّر من تخوم النّص.
5 ـ تأتي عفوية مع سياق الكتابة .
6 ـ لا تُصنّع ،و لا تعدّ ، سواء من قبل أو من بعـد ، ففي ذلك تكلف.
7 ـ تضفي جمالية دلالية على النّص ، لما تكتنزه من معنى.
8 ـ تأتي على نسق بلاغي يضفي مسحة فنية على النص .
9 . تتسم بطابعها الوظيفي في النّص .
10 ـ تتسم بالميزة الجوهرانية في النّص .
امام هذه الخصائص كلّها ، متجمّعة أو في معظمها ،يتبن مقدار الأهمية القصوى التي تحتلّها القفلـة ، بل كثير من القصص القصيرة جداً تفقد دلالتها ومتعتها وقيمتهـا فقط ، لأنّ القفلة اصطناعية خالية من العفوية الفنية .
وهناك مسالة اشير اليها ، وهي ان القصة القصيرة جدا تمتاز بقصر الحجم وطوله المحدد ، وتبتدئ باصغر وحدة ، وهي الجملة ، الى اكبر وحدة قد تكون بمثابة فقرة أو مقطع أو مشهد أو نص ، وغالبا لا تتعدى صفحة واحدة ، وينتج قصر الحجم عن التكثيف والتركيز والتدقيق في اختيار الكلمات والجمل والمقاطع المناسبة واجتناب الحشو والاستطراد والوصف والمبالغة في الاسهاب والرصد السردي 
والتطويل في تشييك الاحداث وتمطيطها تشويقا وتاثيرا ودغدغة للمتلقي . 
نماذج من القصة القصيرة جدا (تأليف الباحث)
* قصة قصيرة جدا من خمس كلمات :
- أحب حمامة . رماها نايه بحجر ! 
* قصص ق. ج. من ست كلمات : 
- احدودبت الامواج . تاقت الصدفات الى التقعر !
- أحب السلام . عقد صحبة مع الاحلام ! 
- توضأ . صلى . ثم اسلم وجهته للريح ! 
- أحب كان . عقد صحبة مع أخواتها !
- صرخت واعرباه . دارت الايام ومازالوا نيام ! 
* قصص قصيرة جدا اخرى : 
المليونير البخيل :
- قرر مجموعة من فاعلي الخير بناء دار للايتام بطريقة التبرع ، وذهب كل منهم في اتجاهه . زار احدهم مليونيرا بخيلا وشرح له طبيعة المشروع الانساني . عرض عليه المليونير التبرع بخمسين ديناراً . الرجل لم يتفاجئ ، واخذ يتحدث معه حديثا لينا . قال المليونير : كلامك جميل ، لذا سأتبرع بعشرة الاف دينار أدفعها لكم بأقساط شهرية ، كل قسط بخمسين ديناراً !
- الارملة العذراء :
بعد وفاة زوجها ليلة عرسها عاشت في بيت ابيها ، يراودها شوق تصدع بالانين وآخر يلوذ بالحنين . 
ترنيمات مقلتيها تطوف القرية بلا كرنفال . حين يحاصرها الليل تؤانسها الذكرى ، وحين تدنو الصحراء من أساورها تخضب اصابعها بالندى . اما قلبها فقد تشظى نبضه بلون احلامها ، وراح يزرع الدرب ملء العيون !
مراجع
1 . دكتور مسلك ميمون ، مكونات الإبداع في القصة القصيرة جدا .
2 . محمد معماري ، الحل القويم لكتابة القصة القصيرة جدا .
3. جميل حمداوي ، القصة القصيرة جدا جنس ادبي جديد ، موقع ديوان العرب ، 25/12/2006
4 . متابعة شخصية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق