الاثنين، 17 يوليو 2017

صوفية المعنى وجمالية اللغة // قصيدة : حافية القدمين / الشاعرة ثورية الكور : بقلم الدكتور المصطفى بلعوام // المغرب

قراءة سريعة حول :
_______ صوفية المعنى وجمالية لغته.._____
بلعوام مصطفى
_______
قصيدة : حافية القدمين
الشاعرة : ثورية الكور 
/-
وجدتني أسير في الطريق حافية القدمين
أرتدي عباءة مطرزة بالشوق
ألف وشاحا بخيوط من حنين
لا الطريق إليك يوصلني ولا الرجوع إليّ يعرفني
علقت في محطات الانتظار
أين أمضي وكل دروبي مكتظة بك
حد الوجع حد الصمت حد البكاء
وعلى شرفات نبضي
حطت نوارس عشقك منذ زمن
مسافرة بي خلف حديث الروح
خلف حكايا العابرين
وأنا لا زلت كما أنا أنسج القصيد 
حبلى بالنقاء وبسطور من الوفاء
وأغرس ورودا بين دفات دفاتري
حين أعدو ثملة بين الهمسات
يوخزني شوكها 
لينزف الجرح حلما ويفيض الدمع
وأعود أدراجي حافية القدمين
أدور حول نفسي أقتفي أثري
مخضبة بحناء الذكرى
وتأخذني غيمتي المسافرة
لامرأة كنت أعرفها وتشبهني
امرأة كالموسيقى كالمطر
ككل شيء جميل.
_____________________ ثورية الكور.
القراءة السريعة :
يَأْتِي الشعر إلى المرأة ككل شيء جميل وتأتي المرأة إلى الشعر كالموسيقى وكالمطر لتراها وإياه في نفس واحدة. الشعر جمال لغز والجمال لغز امرأة، وبين اللغز والجمال محطات استيهامات كونت حول المرأة. ماذا بقي للشعر أن يقوله حول المرأة ؟ وماذا بقي للمرأة أن تقوله من حيث هي ثيمة شعرية لشعرها؟
لا شيء وكل شيء. لاشيء لأن مجرد طلة عابرة على ما قيل حولها قمين بأن يغلق أبواب الدهشة للجديد، وكأن تاريخ الشعر هو في أول أو اخر المطاف تاريخ المرأة أو على الأقل تاريخ الصورة التي رسمها لها على مدى تاريخه، حاضرة دوما بغيابها تحث وصاية الحب والهيام ومشكلة منبع كل صور الإلهام. وليست مقولة الغياب هنا حجبا وإخفاء لها، بل هي وجود للغياب من حيث هو حضور في ذاته ولغير ذاته في غياب الحضور، كما هي اللغة التي ليست إلا تمظهرات لغياب الحضور والذي يصبح بشكل مفارقاتي حاضرا في غيابه وغائبا في حضوره : " الكلمة هي قتل للشيء" كما يقول جاك لاكان . وما هو الشيء ؟ هو ما لا أستطيع معرفته ، ذلك اللغز ، اي X.
وكل شيء لأن ما ماقيل حولها يبدو وكأنه لم يقل شيئا لها، وكأن المرأة الوجود لم تكن سوى المرأة الاستيهام. كل شيء يبقى ممكنا مادامت لم تكن إلا صنع خيال يمزجها بكل ما في الوجود إلى درجة تغيب فيها هي من حيث موجود.
لكن ماذا لو جاءت المرأة هي نفسها إلى الشعر؟ حتما ستجد نفسها أمام خيارين لا ثالت لهما: إما اجترار نفسها في ثيمة المرأة الاستيهام أو التخلص مما فبركه الشعر حولها والدخول إلى ذاتها بدون وصية ولا وصاية، عارية بدون تاريخ ولا زمن لطالما سيجاها في مقولات جد رومانسية لا علاقة لها بها. إنه الخيار الأخير في ازدواجية معنى الأخير الذي تختاره الشاعرة ثورية الكور: 
_________ حافية القدمين __________
تقشف المعنى في العبارة وتجويع العنوان في الإشارة ، إذا أردنا أن نستعمل لغة فقهائنا في اللغة. يبدو العنوان من الوهلة الأولى بسيطا في دلالته، لا ينم عن شيء ذي إضافة مضافة له ولا يدعو إلى التوقف فيما قد يبطنه من دلالة منفتحة على دلالات أخرى، فقط وصف حالة في منتهى البداهة. لكن هنا يكمن مفعول صمت البلاغة أو البلاغة المتوترة الصمت التي تنفر من جعل مادة العنوان الأدبية مادة لسنية لا هم لها غير البحث عن طبيعة بنييتها وتراكيبها الصرفية. وذلك لأنها تعتبر العنوان استهلالا من قبيل المنهجية وليس في مادته الأدبية المرتبطة بالنص. فقيمته متوقفة دوما وأبدا على ما يسمح له النص بأن يحمله من دلالة، بمعنى أن دلالاته من دلالات النص كوحدة لاتقرق بين " المدخلة " أو " المخرجة " للنص. 
ما يدعو إليه العنوان يتلخص في سؤال يأتيه من مصدر تلفظ ملفوظه اللّغوي، ألا وهو : من يتكلم؟
على من تعود الحافية القدمين من حيث الضمير؟ أعلى " صيغة أنا" أو " صيغة أنت" أم "صيغة هي"؟ وهل طرح هذه الصيغ يغير من شيء في دلالة الملفوظ اللغوي من حيث مصدر تلفظه؟ ومن أين تستمد عملية القراءة هاته معقوليتها في ربط العلاقات التي تنسجها حول العنوان؟ نطرح هذه الأسئلة لمساءلة قيمة دلالة العنوان في نص أدبي
والكيفية التي يتم بها قراءته. يقال إنه يندرج في إطار ما يسمى " بالعتبات "، مدخل أو بوابة أو استهلال أو فاتحة أو عتبة من بين عتبات أخرى باعتبارها ضرورة ميتا-نصية للدخول إلى النص وقراءته. إنها العتبات paratexte أو بما يترجم أيضا بالنص الموازي، النص المصاحب، المناص، النص المحاذي ...وتعني في أدني تعريفها" بنية نصية متضمنة في النص" ( جيرار جنيت)، وفِي أقصاها تحيل إلى كل ما يمت إلى النص وما له علاقة به من عناوين رئيسية أو متفرعة، وحواشي أو هوامش، وتشكيلات بصرية، وفهرست، ومقدمة أو مقدمات.. وهي في العمق ماكان فقهاؤنا في اللغة يسمونها ب " الرؤوس الثمانية" على الأقل من حيث المقاربة والمنهجية. لكن ما علاقة قراءتنا لنص "حافية القدمين "بقضية العتبات والعنوان؟ 
العلاقة أنه لا علاقة له بها سوى وفقط سوى لأن نص الشاعرة ثورية الكور يدحض ما يجعل من العنوان " مركز جاذبية" النص وقفل مفتاحه. إذ أصبح من الابتذال بمكان أن نتوقف عند عنوان النص ونحوله إلى درس لسني يستعرض تراكيبه الصرفية والنحوية تغيب فيها طبيعته الأدبية التي تستعصي على كل " نمذجة نظرية" ذات طابع طقوسي في وجودها. وذلك لأن فكرنا تلميذ جد مهذب في تطبيقه لما يتعلمه من درس نقدي يأتيه من خارج الثقافة العربية والذي سمته بلباقتها المعهودة خالدة سعيد (زوجة أدونيس ) "بالكسل الذهني". 
ماذا يقال عن العنوان ؟ 
يقال إنه يعلن عن طبيعة النص وعلى نوع القراءة التي يتطلبها، ولا يمكن الدخول إلى حجرته إلا بواسطته نظرا لغموضه وتشابكه. تطبيقيا، يعني أن عنوان الشاعرة ثورية الكور "حافية القدمين" يحدد مسبقا وفِي آن واحد طبيعة النص المناص له ونوعية القراءة التي يتوجبها. ويقال أيضا إنه منظومة سيميائية تحتوي في ذاتها على مكنون أسرار النص. تطبيقيا أيضا، يعنى أن النص لا يقرأ وتحل مغاليقه إلا من خلال عنوانه، أي أن عنوان " حافية القدمين " هو حجر زاوية نصه.
وهنا مكمن المغالطة الناجمة عن فرضيات لا أس لها من طبيعتها ولا تستمد قيمتها ونجاعتها إلا من ذاتها. ونورد على الأقل فرضيتين:
- فرضية اعتبار العتبة بنية لها مرجعية ذاتية ( structure auto-référencée ). 
- فرضية اعتبار النص وعنوانه بنية هرمية ( structure pyramidale)، تقتضي بالتالي قراءة هرمية. 
بهذا الشكل يصبح أي نص سجين عنوانه وكل قراءة إعادة إنتاج لذاتها مادامت تجتر ذاتها في كل قراءة جديدة. القراءة من حيث هي عملية يمليها النص تتحول إلى امتحان تطبيقي لشيء خارج عنه. فهل يمكن اعتبار العنوان بنية نصية اختزالا لقول جيرار جنيت ؟ لكن ما معنى " بنية نصية"؟ النص لا يتحدد بالمساحة التي تغطيها ملفوظاته اللغوية، فقد يكون مجرد جملة أو حتى كلمة ( ج. كريستيفا). والبنية لا تعنى في عمقها سوي انغلاق العناصر المترابطة ببعضها البعض وعلى ذاتها.فإذا كان العنوان في ذاته بنية نصية متضمنة في النص، فما هي إذن البنية النصية للنص ذاته؟ وهل نعتبر عنوان " حافية القدمين" بنية نصية لها مرجعيتها الذاتية فيما قد تحمله من دلالات؟
ولا أي عنوان يحدد طبيعة النص ونوعية القراءة التي يفرضها عليه وخصوصا في الشعر، لأن القراءة فعل تفاعلي لايخضع للنص ولا للقاريء، ولا أدل على ذلك من تعدد القراءات، فهو يخضع لمنطقة " بين بين " ، النص والقاريء. كما أن ولا أي عنوان محكوم بنمطية في القراءة تجعل منه العبارة الوحيدة للدخول إلى النص. لنقل بدءا إن العنوان مجرد "احتمال" من بين احتمالات يعج بها عالم النص الشعري الذي لا يتوقف عليه لفك شفراته. وعليه، تنتفي جدية كل قراءة هرمية تبدأ من المركز / الرأس كمنبع لمعرفة المحيط /الجسد.
عتبة النص : _____ حافية القدمين ______
لا تحدد لنا العتبة من ذاتها أية نوعية من القراءة التي يمكن أن تسمح بها، فقط تعطينا للمعاينة ملفوظا لغويا مع تلفظه. قراءتها في ذاتها بمعزل عن نصها هو اغتيال لها ولنصها،ذلك لأنهما معا 
يشكلان جسد النص. عندما نقرأ النص بعنوانه، فإننا ننقاد دوما "بالقراءة العفوية" التي يسميها
باشلار " بشعرية العفوية". على هذا النحو، أقرأ
النص: يخطفني إليه بما يثيره في وأثيره فيه من سبيل الصدى وكذا رجعه في جوانيتي بلا نظارة نظرية لقراءته. لا أتوقف بتاتا على العنوان باحثا فيه عن الخطوط الأساسية للنص حسبما يقال. 
أقرأه كما قرأت عتبة " حافية القدمين " فتأتيني مباشرة " صورة عقلية image cognitive " قابضة على دال " قدمين حافيين لامرأة "، لا أقل ولا أكثر، ثم أتساءل عن الذي يتكلم هنا؟ وماهي صيغة الضمير : أنا / أنت / هي ؟ أتابع قراءة النص، فأجدني مع ضمير المتكلم من البداية :
__ "وجدتني أسير في الطريق حافية القدمين"_
لكنني عندما أصل إلى آخره تتغير بوصلة صيغة الضّمير، وتصبح دلالة ملفوظ العتبة اللغوي تابعة " لفاعل التلفظ" فيها الذي يحمله النص كتتويج لما يسفر عنه من دلالة :
___ وتأخذني غيمتي المسافرة 
لامرأة كنت أعرفها وتشبهني
امرأة كالموسيقى كالمطر 
ككل شيء جميل ______
وتأخذني __لامرأة كنت أعرفها وتشبهني. تلك الحافية القدمين تعود في نفس الوقت إلى "أنا" 
" وهي" وتنفي ضمير "أنت". تتوزع على زمنين، 
زمن الفعل الآني : أجدني أسير حافية القدمين، وزمن الفعل الاسترجاعي لامرأة أخرى : أعرفها وتشبهني. امرأة واحدة في حالة انشطار بين " أنا" و "هي" تقدم لنا أولى الإشارات لفهم عمق دلالة " حافية القدمين " من النص وداخل النص قبل اللجوء إلى ممارسة شطحات تداعي الأفكار حول العتبة. 
هناك فاعليتان لابد من التفريق بينهما في قراءة العتبة :
- الفاعلية العقلية (cognitive) وهي العتبة 
الحقيقة للنص التي تدخل إليه من دون عتبات؛ تأتيه إليه كما يأتي إليها بدون فهرست أو خطة معجمية ومنهجية مسبقة، إنها " القراءة العفوية الأولى" التي تُمارس فيها فاعلية القاريء العقلية نشاطها بكل " ارتجال وبساطة "، باشلار..
- الفاعلية المنهجية : وهي عبارة عن فاعلية 
مكونة من تراتب مستلزمات وقواعد اعتباطية في المطلق لأنها مؤسسة على فرضيات تستمدها من خلفيات نظرية تتوخى منها "التحليل المعقلن"من حيث المنهجية المذهبية.
الفاعلية المنهجية خيار والفاعلية العقلية سيرورة في الذات تتحقق من تلقاء ذاتها. بيد أنه عندما 
تتحول الأولى إلى وازع للثانية تملي مستلزمات قواعدها عليها، تخنقها وتخنق شاعرية إبداعها، باشلار، وبالتالي لا تنتج غير قراءات مستنسخة وكأنها حصة تطبيقية لدرس منهجي. إن الفاعلية العقلية في علاقتها بالنص هي التي ترسم معالم فاعلية المنهجية التي تستقيها منه وليس العكس. وبناء عليه، فليس من الحتمية المطلقة بأن تكون العتبة لازمة من لوازم الدخول إلى النص وفهمه، ونوهم بأنها القنطرة الوحيدة له؛ فما ذلك ليس إلا مفعولا من مفاعيل الدرس المنهجي. 
"حافية القدمين" : هي العتبة الأنموذج من كونها تقويض لما يفهم ويعطى من معنى للعتبة إذ تأتي إليها الشاعرة ثورية الكور عارية من كل نمطيات الفاعلية المنهجية وطقوسها. كيف يوطدها النص؟
من خلال طريق ليس ككل الطرق:
- " وجدتني أسير في الطّريق حافية القدمين". 
- " لا الطريق إليك يوصلني ولا الرجوع إليّ يعرفني ".
- " أين أمضي وكل الدروب مكتظة بك".
- " وأنا لا زلت كما أنا أنسج القصيد".
- " حين أعدو ثملة بين الهمسات".
- " وأعود أدراجي حافية القدمين ".
- " أدور حول نفسي أقتفي أثري".
- " وتأخذني غيمتي المسافرة / لامرأة كنت أعرفها وتشبهني".
يحط النص رحال عالمه دفعة واحدة وبدون تقديم على شكل مفارقات paradoxes تأخذ أطراف عناصرها من معادلة تتجسد في تمظهر ثلاتة أقطاب :
أنا ---- هي
__ هو ___
بين أنا وهي علاقة تبدأ بتعتيم موقع المتكلم فيها من مبدأ استبدالي من حيث الضمائر:"أنا" هي " هي" " وهي" " أنا" :
- " وجدتني أسير حافية القدمين ".
"وجدتني/حافية القدمين"، فعل بدون فاعل يعقل فعله وفِي نفسي الوقت يعقل هدفه بما أن للسير نقطة اتجاه؛ مفارقة حالة " مطلوب" ذات " أنا"
( وجدت ) لذات أخرى " ني " بدون علة لمعلول بين " أنا" و"هي" التي تطل عليها "أنا". وتتأكد العملية في جدلية المسافة بين " هي" ب " هو" :
- " لا الطريق إليك يوصلني ولا الرجوع إلي يعرفني ".
أسير في طريق ينتفي فيه الوصول والرجوع : الوصول إليك والرجوع إليّ. لكن أمام مأزق المفارقة، تتعالى " أنا" لتحل محلها " هي" :
- " تأخذني غيمتي المسافرة / لامرأة كنت أعرفها وتشبهني".
وينضغم الوصول والرجوع ب " هو " :
- "إلى أين أمضي وكل الدروب مكتظة بك".
تصبح العلاقة ليست بين " أنا" " وأنت " بل بين " هي " و هو" كإحالة لما هو خارج الوجود، أي التوحد في الواحد، المسحة الصوفية التي تسكن نص الشاعرة ثورية الكور ، تلك ال " هي" التي لا تتمظهر الا ب " هو" ، كبداية في نهاية ونهاية في بداية :
- أدور حول نفسي أقتفي أثري.
حافية بدون قدمين يختزلان الزمن في زمن واحد والعشق في متاهة وجود واحد لا موجود له غير العشق. 
بوركت شاعرتنا ثورية الكور على عمق هذا النص وجمالية جمالية المعني الذي يسكنه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق