ثورة الحسين عليه السلام المعاني والدلالات والدروس المستفادة منها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 13-9-2018
نستذكر هذه الايام ثورة الامام الحسين عليه السلام التي جسدت الاصلاح والهداية لكل البشرية دون استثناء، حيث سعى سيد الشهداء وصحبه الابرار بتضحياتهم السخية الى بناء مجتمع إسلامي وإنساني متكامل، تسود فيه الاخلاق الفاضلة والقيم النبيلة وتتحقق فيه العدالة والاخوة والحرية والمساواة وباقي القيم الانسانية التي تحفظ حقوق وكرامة الإنسان،ان ثورة سيد الشهداء وصحبه الابرار لثورة تعد مدرسة حقيقية تستقي منها الأجيال اللاحقة كل معاني العز والشرف والكرامة الإنسانية وإنقاذ الدين وإحياء الشريعة ورفع البشرية من أدنى ما وصلت إليه إلى عالم النور والضياء
ثورة الحسين بن علي على يزيد بن معاوية ، لها دلالات وعبر كثيرة ، لا يمكن للمسلم أن يمر عليها ، دون اخذ الدروس منها ، لأن الحسين أراد بامتناعه عن بيعة يزيد بن معاوية وخروجه من المدينة الى مكة ، ان يظهر للمسلمين بان حكم يزيد هو حكم غير مشروع وان معاوية اراد ان يأخذ البيعة لابنه ، وان يجعل الخلافة وراثية في اولاده ، وانه نكث وعده الذي قطعه للحسن بن علي .
فلما مات معاوية ، كتب يزيد الى واليه في المدينة الوليد بن عتبة بأن يأخذ البيعة من الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن ابي بكروعبد الله بن الزبير أخذا عنيفا ليست فيه رخصة ، وقال في رسالته : فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث برأسه .
فبعث الوليد بن عتبة رسولا الى الحسين بن علي وعبد الرحمن بن ابي بكر وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير فلم يصبهم في منازلهم ، فمضى نحو المسجد فإذا هم عند قبر الرسول فسلم عليهم ثم قال : الامير يدعوكم فصيروا اليه.
فقال الحسين : نفعل ذلك ونحن إذا فرغنا من مجلسنا إن شاء الله. فانصرف الرسول الى الوليد فأخبره بذلك . فأقبل عبد الله بن الزبير على الحسين فقال : يا أبا عبد الله إن هذه ساعة لم يكن الوليد بن عتبة يجلس فيها للناس ، واني انكرت بعثه الينا ودعاءه إيانا في مثل هذا الوقت ، أفترى لماذا بعث إلينا؟
فقال له الحسين : أنا أخبرك :أظن أن معاوية قد مات ، وذلك إني رأيت البارحة في منامي كأن معاوية منكوس ، ورأيت النار تشتعل في داره ، فتأولت ذلك في نفسي أن قد مات معاوية .فقال ابن الزبير : فأعلم ان ذلك كذلك ، فما ترى نصنع يا أبا عبد الله ! إن دعينا الى بيعة يزيد؟ .
فقال الحسين : أما أنا فلا أبايع أبدا ، لان الامر كان لي بعد أخي الحسن ، فصنع معاوية ما صنع ، وكان حلف لاخي الحسن : أن لا يجعل الخلافة لاحد من ولده ، وأن يردها عليّ ان كنتُ حيا ، فإن كان معاوية خرج من دنياه ولم يف لي ، ولا لاخي بما ضمن ، فقد جاءنا ما لا قرار لنا به ، أتظن أبا بكر ! اني ابابع ليزيد ، ويزيد رجل فاسق ، معلن بالفسق ، يشرب الخمر ، ويلعب بالكلاب والفهود ، ونحن بقية آل الرسول ، لا ، والله ، لا يكون ذلك أبدا.
فقال له ابن الزبير :جعلت فداك ! إني خائف عليك أن يحبسوك عندهم ، فلا يفارقونك أبدا ، دون أن تبايع أو تقتل .
فقال الحسين : اني لست ادخل عليه وحدي ، ولكني أجمع إلي اصحابي وخدمي وأنصاري وأهل الحق من شيعتي ، ثم آمرهم أن يأخذ كل واحد منهم سيفه ، مسلولا تحت ثيابه ، ثم يصيروا بإزائي ، فإذا أنا أومأت اليهم ، وقلت : يا آل الرسول ! ادخلوا ،فعلوا ما أمرتهم به فأكون على الامتناع دون المقادة والمذلة في نفسي .
خرج الحسين من منزله وهو في ثلاثين رجلا من أهل بيته ومواليه وشيعته ، فوقفهم على باب الوليد ، ثم قال انظروا ما أوصيتكم به ، فلا تعدوه ، وأنا ارجو أن اخرج اليكم سالما إن شاء الله .ثم دخل على الوليد فسلم عليه بالإمرة ، فأخبره الوليد بموت معاوية ، فسأله الحسين : لماذا دعوتني ؟ فقال دعوتك للبيعة التي قد اجتمع الناس عليها ، فقال الحسين : أيها الامير ! إن مثلي لا يعطي البيعة سرا ، وإنما يجب أن تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة ، فإذا دعوت الناس غدا الى البيعة دعوتنا معهم ، فيكون الأمر واحدا .
فخرج الحسين فأمر اصحابه بالانصراف الى منازلهم وذهب الى منزله ، ويقول الراوي ان الحسين خرج من منزله وأتى قبر جده فقال: السلام عليك يا رسول الله ! انا الحسين بن فاطمة ، فرخك وابن فرخك ، وسبطك والثقل الذي خلفته في أمتك ، فاشهد عليهم ، يا نبي الله ! إنهم قد خذلوني ، وضيعوني ، ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتى ألقاك – صلى الله عليك .
ثم عزم الحسين التوجه الى مكة ، وكتب وصية الى أخيه محمد بن الحنفية قال فيها : " هذا ما أوصى به – الحسين بن علي بن أبي طالب – الى أخيه – محمد بن علي – المعروف بإبن الحنفية – إن الحسين بن علي يشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ن وأن محمدا عبده ورسوله ، جاء بالحق من عند الحق ، وأن الجنة حق والنار حق ، وأن الساعة آتیة لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور .
إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت أطلب الاصلاح في أمة جدي محمد (ص) ، أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمد ، وسيرة على بن أبي طالب ، وسيرة الخلفاء الراشدين.
فمن قبلني بقبول الحق ، فالله أولى بالحق ، ومن رد علي هذا ، صبرت حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، ويحكم بيني وبينهم ، وهو خير الحاكمين .هذه وصيتي اليك ، يأخي ! وما توفيقي الا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، والسلام عليك ، وعلى من إتبع الهدى ، ولا قوة الا بالله العلي العظيم".
ثم طوى الحسين كتابه هذا ، وختمه بخاتمه ، ودفعه الى اخيه محمد ، ثم ودعه وخرج في جوف الليل يريد مكة في جميع أهل بيته ، وذلك لثلاث مضين من شهر شعبان سنة ستين ، فلزم الطريق فجعل يسير وهو يتلو هذه الآية : ( فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ) القصص - 21).
وسار حتى وافى مكة فلما نظر إلى جبالها من بعيد ، جعل يتلو هذه الآية : (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) القصص -22.
فثورة الإمام الحسين عليه السلام تحمل الكثير من المعاني والأبعاد والدلالات، فهي ليست تلك الثورة والحركة التي حصلت أحداثها قبل ما يقرب من 1400 عام وانتهت بشكل طبيعي كما تنتهي المعارك التي يقوم بها الإنسان فلا بد من التوقف طويلا عند النتائج والآثار التي حملتها والتي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا ومتجذرة في نفوس وضمائر الملايين، عاما بعد اخر لذلك فان نهضة الحسين عليه السلام لم تكن مذهبية ولن تكون كذلك وشعار تلك النهضة لا زال مدوّياً يجسدها مقولته المشهورة (إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله وسلم) إنّ إحياء ذكرى عاشوراء هو للعبرة والإتّعاظ وتوضيح الدرس العملية والتطبيق لآيات كتاب الله الآمرة بالثورة على الحاكم الظالم ولو من موقع إسلامه العام، فمجرد كون الحاكم مسلماً لا يمنع من القيام ضدّه لتصحيح مسار الأمور عندما ينحرف بها عن جادة الإستقامة والهداية والعدل والحق ولذلك نرى القرآن يصرّح بأن من لم يحكم بما أنزل الله فهو الكافر والفاسق والظالم. وعليه فالحسين (عليه السلام) أراد بنهضته أن يسنّ سنة حسنة في الإسلام ليقتدي به كلّ المسلمين في العصور اللاحقة عندما يعيشون أوضاعاً كالتي كانت موجودة في عصره حيث انتشر الظلم وعمّ الفساد الأمة الإسلامية بسبب فساد الحاكم وانحرافه وكلمات الحسين (عليه السلام) ان على الإسلام السلام إذا ابتليت الأمة براعٍ فاسد الذي وصفه سيد الشهداء من ان الحاكم الفاسد رجل فاسق شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة معلن بالفسق والفجور ومثلي لا يبايع مثله .ان هذه عبارات جسدت حكمة كبير المعنى والدلالات وكانها قيلت اليوم ازاء الجموع من العراقيين وهي كانت تنطلق كل جمعة تطالب بالاصلاح ومحاسبة المفسدين وسراق المال العام مستمدين من مسيرة سيد الشهداء ومن ثورته القوة والعزم من ان الامة لاتستقيم امورها بوجود الفاسدين وتحت اي مسميات رسمية كانت ام برلمانية بعد ان عاث البعض في الارض فسادا منذ 2003 والاوضاع تسير من سيء الى اسوأ وغدا العراقيون وكما وصف ذلك رجل ستيني من المتظاهرين في ساحة التحرير بقوله (اين منجزات من كان في موقع المسؤولية الرسمية ام البرلمانية من السابقين والحاليين اليس من تلك الانجازات ضياع الف مليار دولار من اموال الشعب وتشريد ثلاثة ملايين عراقي مهجرين وبقدرهم هربوا الى دول اوربية وكذا مليون من الايتام والارامل والعاطلين).ونحن نعيش الذكرى العطرة وهناك من يحاول ان يقتطع اجزاء من جسد العراق الطاهر لاغراض وزعامات شخصية قبلية تحت مسميات وذرائع مرفوضة تتقاطع من وحدة الوطن واواصر الاخوة بين جميع مكوناته منذ الاف السنين ..ونحن نعيش هذه الذكرى العطرة مناسبة عاشوراء كل عام والتي جسدتها ثورة الحسين عليه السلام كانت من أجل الإسلام وإصلاح مسيرة الأمة إلى ما كانت عليه في زمن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ولابد ان ينهل المستذكرون في ايام عاشوراء من نبع قيم البطولة والتضحية والثبات سيد الشهداء صاحب الذكرى العطرة وال بيته الكرام وصحبه الابرار لكي يتحقق السلم والاصلاح في هذا البلد وان ينال الفاسدون جزاءهم والقصاص القضائي العادل النزيه جراء افعالهم .. لان هذه الثورة أعطت الدروس المشرقة عن التضحية في سبيل القيم الإسلامية والإنسانية، وقد تأثر عظماء البشرية ومفكريها وسياسيها بشخصية الإمام الحسين عليه السلام وسيرته العطرة، لأنهم وجدوا في ثورته الرفض المطلق للظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعرقي والقبلي والمناطقي، ولمسوا في حركته التحررية الكرامة الإنسانية، والحرية الفكرية، والعدالة الاجتماعية، والتسامح الديني، والوفاء للقيم الإنسانية.
الدروس التي علمنها اياها الحسين عليه السلام من ثورة كربلاء ما يلي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدرس الأول:
ــــــــــــــــ عدم الرضوخ إلى الذلة والمهانة، ذلك أن الله كتب العزة للمؤمن،وفوض إليه أموره كلها إلا أن يذل نفسه، وقد عبر الإمام الحسين (عليه السلام) عن هذا المبدأ بقوله: (هيهات منا الذلة)
الدرس الثاني:
ـــــــــــــــــــ الحرية، قال عنها الإمام الحسين (عليهالسلام): (يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين.. فكونوا أحراراً في دنياكم)
الدرس الثالث:
ــــــــــــــــــ تصوير أدق عن الموت. هناك القليل من الناس من لا يخاف الموت،
وإلا فالغالبية تحمل قلقاً شديداً يساورها تجاه هذا المجهول المسمى بالموت.
بينما يأتي الإمام الحسين عليه السلام ليشبه (الموت) بـ(القلادة على جيد الفتاة)
وليقول: (فإني لا أرى الموت إلا سعادة)
الدرس الرابع:
ـــــــــــــــــ مناصرة الحق في جميع الأحوال. وفي ذلك يقول: (ألا ترون إلى الحق لا يعمل به والباطل لا يُتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله حقاً.. حقاً..)
وهذا ولده وتلميذ مدرسته الغراء يسأل أباه (أولسنا على الحق؟) وحيث يسمع تأكيد الإمام (عليه السلام) على تلك الحقيقة يقول: (إذن لا نبالي أوَقَعنا على الموت أو وقع الموت علينا)
الدرس الخامس:
ــــــــــــــــــ باب التوبة مفتوح حتى آخر لحظة، وقد تجلى ذلك في تعامله مع الحر بن يزيدالرياحي.
الدرس السادس:
ـــــــــــــــــــــ الوفاء. هذا الدرس نتعلمه من كل أصحاب الحسين (عليه السلام)،
ولكن المثال البارز فيه هو جون مولى أبي ذر الغفاري حيث قال لإمامه:
(أنافي الرخاء الحس قصاعكم، وفي الشدة أخذلكم؟! والله لا يكون ذلك أبداً)
الدرس السابع:
ـــــــــــــــــ الإيثار. وقد ضرب أبو الفضل العباس (عليه السلام) أروع الأمثال في ذلك.
الدرس الثامن:
ــــــــــــــ أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد أعلن الإمام (عليه السلام) عن ذلك في خطابه المشهور (ألا وإني لم اخرج أشراً ولا بطراً، ولكن خرجت لطلب الصلاح في أمة جدي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)
الدرس التاسع:
ــــــــــــــــ الغاية لا تبرر الوسيلة. وهذا ما أكده الإمام الحسين عليه السلام
لعمر بن سعد الذي وعد بإمارة الري فقال له: (من رام أمراً بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لما يحذر)
الدرس العاشر:
ـــــــــــــــــــــــ أهمية إشراك العنصرالنسوي في النهضة، وقد تمثل بأجلى
صوره في الدور الذي قامت به عقيلة بني هاشم وسائرالهاشميات في فضح خطط يزيد، وتفنيد مزاعمه، وتوعية أبناء الأمة وإيقاظها من سباتهاالعميق.
ودحضاً للباطل
"د.صالح العطوان الحيالي"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 13-9-2018
نستذكر هذه الايام ثورة الامام الحسين عليه السلام التي جسدت الاصلاح والهداية لكل البشرية دون استثناء، حيث سعى سيد الشهداء وصحبه الابرار بتضحياتهم السخية الى بناء مجتمع إسلامي وإنساني متكامل، تسود فيه الاخلاق الفاضلة والقيم النبيلة وتتحقق فيه العدالة والاخوة والحرية والمساواة وباقي القيم الانسانية التي تحفظ حقوق وكرامة الإنسان،ان ثورة سيد الشهداء وصحبه الابرار لثورة تعد مدرسة حقيقية تستقي منها الأجيال اللاحقة كل معاني العز والشرف والكرامة الإنسانية وإنقاذ الدين وإحياء الشريعة ورفع البشرية من أدنى ما وصلت إليه إلى عالم النور والضياء
ثورة الحسين بن علي على يزيد بن معاوية ، لها دلالات وعبر كثيرة ، لا يمكن للمسلم أن يمر عليها ، دون اخذ الدروس منها ، لأن الحسين أراد بامتناعه عن بيعة يزيد بن معاوية وخروجه من المدينة الى مكة ، ان يظهر للمسلمين بان حكم يزيد هو حكم غير مشروع وان معاوية اراد ان يأخذ البيعة لابنه ، وان يجعل الخلافة وراثية في اولاده ، وانه نكث وعده الذي قطعه للحسن بن علي .
فلما مات معاوية ، كتب يزيد الى واليه في المدينة الوليد بن عتبة بأن يأخذ البيعة من الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن ابي بكروعبد الله بن الزبير أخذا عنيفا ليست فيه رخصة ، وقال في رسالته : فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث برأسه .
فبعث الوليد بن عتبة رسولا الى الحسين بن علي وعبد الرحمن بن ابي بكر وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير فلم يصبهم في منازلهم ، فمضى نحو المسجد فإذا هم عند قبر الرسول فسلم عليهم ثم قال : الامير يدعوكم فصيروا اليه.
فقال الحسين : نفعل ذلك ونحن إذا فرغنا من مجلسنا إن شاء الله. فانصرف الرسول الى الوليد فأخبره بذلك . فأقبل عبد الله بن الزبير على الحسين فقال : يا أبا عبد الله إن هذه ساعة لم يكن الوليد بن عتبة يجلس فيها للناس ، واني انكرت بعثه الينا ودعاءه إيانا في مثل هذا الوقت ، أفترى لماذا بعث إلينا؟
فقال له الحسين : أنا أخبرك :أظن أن معاوية قد مات ، وذلك إني رأيت البارحة في منامي كأن معاوية منكوس ، ورأيت النار تشتعل في داره ، فتأولت ذلك في نفسي أن قد مات معاوية .فقال ابن الزبير : فأعلم ان ذلك كذلك ، فما ترى نصنع يا أبا عبد الله ! إن دعينا الى بيعة يزيد؟ .
فقال الحسين : أما أنا فلا أبايع أبدا ، لان الامر كان لي بعد أخي الحسن ، فصنع معاوية ما صنع ، وكان حلف لاخي الحسن : أن لا يجعل الخلافة لاحد من ولده ، وأن يردها عليّ ان كنتُ حيا ، فإن كان معاوية خرج من دنياه ولم يف لي ، ولا لاخي بما ضمن ، فقد جاءنا ما لا قرار لنا به ، أتظن أبا بكر ! اني ابابع ليزيد ، ويزيد رجل فاسق ، معلن بالفسق ، يشرب الخمر ، ويلعب بالكلاب والفهود ، ونحن بقية آل الرسول ، لا ، والله ، لا يكون ذلك أبدا.
فقال له ابن الزبير :جعلت فداك ! إني خائف عليك أن يحبسوك عندهم ، فلا يفارقونك أبدا ، دون أن تبايع أو تقتل .
فقال الحسين : اني لست ادخل عليه وحدي ، ولكني أجمع إلي اصحابي وخدمي وأنصاري وأهل الحق من شيعتي ، ثم آمرهم أن يأخذ كل واحد منهم سيفه ، مسلولا تحت ثيابه ، ثم يصيروا بإزائي ، فإذا أنا أومأت اليهم ، وقلت : يا آل الرسول ! ادخلوا ،فعلوا ما أمرتهم به فأكون على الامتناع دون المقادة والمذلة في نفسي .
خرج الحسين من منزله وهو في ثلاثين رجلا من أهل بيته ومواليه وشيعته ، فوقفهم على باب الوليد ، ثم قال انظروا ما أوصيتكم به ، فلا تعدوه ، وأنا ارجو أن اخرج اليكم سالما إن شاء الله .ثم دخل على الوليد فسلم عليه بالإمرة ، فأخبره الوليد بموت معاوية ، فسأله الحسين : لماذا دعوتني ؟ فقال دعوتك للبيعة التي قد اجتمع الناس عليها ، فقال الحسين : أيها الامير ! إن مثلي لا يعطي البيعة سرا ، وإنما يجب أن تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة ، فإذا دعوت الناس غدا الى البيعة دعوتنا معهم ، فيكون الأمر واحدا .
فخرج الحسين فأمر اصحابه بالانصراف الى منازلهم وذهب الى منزله ، ويقول الراوي ان الحسين خرج من منزله وأتى قبر جده فقال: السلام عليك يا رسول الله ! انا الحسين بن فاطمة ، فرخك وابن فرخك ، وسبطك والثقل الذي خلفته في أمتك ، فاشهد عليهم ، يا نبي الله ! إنهم قد خذلوني ، وضيعوني ، ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتى ألقاك – صلى الله عليك .
ثم عزم الحسين التوجه الى مكة ، وكتب وصية الى أخيه محمد بن الحنفية قال فيها : " هذا ما أوصى به – الحسين بن علي بن أبي طالب – الى أخيه – محمد بن علي – المعروف بإبن الحنفية – إن الحسين بن علي يشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ن وأن محمدا عبده ورسوله ، جاء بالحق من عند الحق ، وأن الجنة حق والنار حق ، وأن الساعة آتیة لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور .
إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت أطلب الاصلاح في أمة جدي محمد (ص) ، أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمد ، وسيرة على بن أبي طالب ، وسيرة الخلفاء الراشدين.
فمن قبلني بقبول الحق ، فالله أولى بالحق ، ومن رد علي هذا ، صبرت حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، ويحكم بيني وبينهم ، وهو خير الحاكمين .هذه وصيتي اليك ، يأخي ! وما توفيقي الا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، والسلام عليك ، وعلى من إتبع الهدى ، ولا قوة الا بالله العلي العظيم".
ثم طوى الحسين كتابه هذا ، وختمه بخاتمه ، ودفعه الى اخيه محمد ، ثم ودعه وخرج في جوف الليل يريد مكة في جميع أهل بيته ، وذلك لثلاث مضين من شهر شعبان سنة ستين ، فلزم الطريق فجعل يسير وهو يتلو هذه الآية : ( فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ) القصص - 21).
وسار حتى وافى مكة فلما نظر إلى جبالها من بعيد ، جعل يتلو هذه الآية : (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) القصص -22.
فثورة الإمام الحسين عليه السلام تحمل الكثير من المعاني والأبعاد والدلالات، فهي ليست تلك الثورة والحركة التي حصلت أحداثها قبل ما يقرب من 1400 عام وانتهت بشكل طبيعي كما تنتهي المعارك التي يقوم بها الإنسان فلا بد من التوقف طويلا عند النتائج والآثار التي حملتها والتي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا ومتجذرة في نفوس وضمائر الملايين، عاما بعد اخر لذلك فان نهضة الحسين عليه السلام لم تكن مذهبية ولن تكون كذلك وشعار تلك النهضة لا زال مدوّياً يجسدها مقولته المشهورة (إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله وسلم) إنّ إحياء ذكرى عاشوراء هو للعبرة والإتّعاظ وتوضيح الدرس العملية والتطبيق لآيات كتاب الله الآمرة بالثورة على الحاكم الظالم ولو من موقع إسلامه العام، فمجرد كون الحاكم مسلماً لا يمنع من القيام ضدّه لتصحيح مسار الأمور عندما ينحرف بها عن جادة الإستقامة والهداية والعدل والحق ولذلك نرى القرآن يصرّح بأن من لم يحكم بما أنزل الله فهو الكافر والفاسق والظالم. وعليه فالحسين (عليه السلام) أراد بنهضته أن يسنّ سنة حسنة في الإسلام ليقتدي به كلّ المسلمين في العصور اللاحقة عندما يعيشون أوضاعاً كالتي كانت موجودة في عصره حيث انتشر الظلم وعمّ الفساد الأمة الإسلامية بسبب فساد الحاكم وانحرافه وكلمات الحسين (عليه السلام) ان على الإسلام السلام إذا ابتليت الأمة براعٍ فاسد الذي وصفه سيد الشهداء من ان الحاكم الفاسد رجل فاسق شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة معلن بالفسق والفجور ومثلي لا يبايع مثله .ان هذه عبارات جسدت حكمة كبير المعنى والدلالات وكانها قيلت اليوم ازاء الجموع من العراقيين وهي كانت تنطلق كل جمعة تطالب بالاصلاح ومحاسبة المفسدين وسراق المال العام مستمدين من مسيرة سيد الشهداء ومن ثورته القوة والعزم من ان الامة لاتستقيم امورها بوجود الفاسدين وتحت اي مسميات رسمية كانت ام برلمانية بعد ان عاث البعض في الارض فسادا منذ 2003 والاوضاع تسير من سيء الى اسوأ وغدا العراقيون وكما وصف ذلك رجل ستيني من المتظاهرين في ساحة التحرير بقوله (اين منجزات من كان في موقع المسؤولية الرسمية ام البرلمانية من السابقين والحاليين اليس من تلك الانجازات ضياع الف مليار دولار من اموال الشعب وتشريد ثلاثة ملايين عراقي مهجرين وبقدرهم هربوا الى دول اوربية وكذا مليون من الايتام والارامل والعاطلين).ونحن نعيش الذكرى العطرة وهناك من يحاول ان يقتطع اجزاء من جسد العراق الطاهر لاغراض وزعامات شخصية قبلية تحت مسميات وذرائع مرفوضة تتقاطع من وحدة الوطن واواصر الاخوة بين جميع مكوناته منذ الاف السنين ..ونحن نعيش هذه الذكرى العطرة مناسبة عاشوراء كل عام والتي جسدتها ثورة الحسين عليه السلام كانت من أجل الإسلام وإصلاح مسيرة الأمة إلى ما كانت عليه في زمن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ولابد ان ينهل المستذكرون في ايام عاشوراء من نبع قيم البطولة والتضحية والثبات سيد الشهداء صاحب الذكرى العطرة وال بيته الكرام وصحبه الابرار لكي يتحقق السلم والاصلاح في هذا البلد وان ينال الفاسدون جزاءهم والقصاص القضائي العادل النزيه جراء افعالهم .. لان هذه الثورة أعطت الدروس المشرقة عن التضحية في سبيل القيم الإسلامية والإنسانية، وقد تأثر عظماء البشرية ومفكريها وسياسيها بشخصية الإمام الحسين عليه السلام وسيرته العطرة، لأنهم وجدوا في ثورته الرفض المطلق للظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعرقي والقبلي والمناطقي، ولمسوا في حركته التحررية الكرامة الإنسانية، والحرية الفكرية، والعدالة الاجتماعية، والتسامح الديني، والوفاء للقيم الإنسانية.
الدروس التي علمنها اياها الحسين عليه السلام من ثورة كربلاء ما يلي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدرس الأول:
ــــــــــــــــ عدم الرضوخ إلى الذلة والمهانة، ذلك أن الله كتب العزة للمؤمن،وفوض إليه أموره كلها إلا أن يذل نفسه، وقد عبر الإمام الحسين (عليه السلام) عن هذا المبدأ بقوله: (هيهات منا الذلة)
الدرس الثاني:
ـــــــــــــــــــ الحرية، قال عنها الإمام الحسين (عليهالسلام): (يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين.. فكونوا أحراراً في دنياكم)
الدرس الثالث:
ــــــــــــــــــ تصوير أدق عن الموت. هناك القليل من الناس من لا يخاف الموت،
وإلا فالغالبية تحمل قلقاً شديداً يساورها تجاه هذا المجهول المسمى بالموت.
بينما يأتي الإمام الحسين عليه السلام ليشبه (الموت) بـ(القلادة على جيد الفتاة)
وليقول: (فإني لا أرى الموت إلا سعادة)
الدرس الرابع:
ـــــــــــــــــ مناصرة الحق في جميع الأحوال. وفي ذلك يقول: (ألا ترون إلى الحق لا يعمل به والباطل لا يُتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله حقاً.. حقاً..)
وهذا ولده وتلميذ مدرسته الغراء يسأل أباه (أولسنا على الحق؟) وحيث يسمع تأكيد الإمام (عليه السلام) على تلك الحقيقة يقول: (إذن لا نبالي أوَقَعنا على الموت أو وقع الموت علينا)
الدرس الخامس:
ــــــــــــــــــ باب التوبة مفتوح حتى آخر لحظة، وقد تجلى ذلك في تعامله مع الحر بن يزيدالرياحي.
الدرس السادس:
ـــــــــــــــــــــ الوفاء. هذا الدرس نتعلمه من كل أصحاب الحسين (عليه السلام)،
ولكن المثال البارز فيه هو جون مولى أبي ذر الغفاري حيث قال لإمامه:
(أنافي الرخاء الحس قصاعكم، وفي الشدة أخذلكم؟! والله لا يكون ذلك أبداً)
الدرس السابع:
ـــــــــــــــــ الإيثار. وقد ضرب أبو الفضل العباس (عليه السلام) أروع الأمثال في ذلك.
الدرس الثامن:
ــــــــــــــ أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد أعلن الإمام (عليه السلام) عن ذلك في خطابه المشهور (ألا وإني لم اخرج أشراً ولا بطراً، ولكن خرجت لطلب الصلاح في أمة جدي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)
الدرس التاسع:
ــــــــــــــــ الغاية لا تبرر الوسيلة. وهذا ما أكده الإمام الحسين عليه السلام
لعمر بن سعد الذي وعد بإمارة الري فقال له: (من رام أمراً بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لما يحذر)
الدرس العاشر:
ـــــــــــــــــــــــ أهمية إشراك العنصرالنسوي في النهضة، وقد تمثل بأجلى
صوره في الدور الذي قامت به عقيلة بني هاشم وسائرالهاشميات في فضح خطط يزيد، وتفنيد مزاعمه، وتوعية أبناء الأمة وإيقاظها من سباتهاالعميق.
ودحضاً للباطل
"د.صالح العطوان الحيالي"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق