السبت، 29 سبتمبر 2018

مجلة أنكمدو العربي للثقافة والأدب // حوار مع الشاعر : عادل قاسم // يجريه معه الاستاذ / محمد شنيشل فرع الربيعي / العراق

كان هذا حوارا مع الشاعر العراقي عادل قاسم قد أجريناه وفق منشور كنا قد نوهنا فيه عن ضرورة عمل مثل هكذا حوارات للكشف عن هوية الشاعر الثقافية ، ورأيه بالواقع الأدبي العربي والعالمي .
أجرى الحوار محمد شنيشل فرع الربيعي
........
س / متى يفتح الشاعر حواره مع القصيدة ,
عندما تفتح القصيدة حوارها مع الشاعر، أعتقد إن ثمة عﻻقة وجدانية مابين الذات المبدعة ، متمثلة بالشاعر وبالقصيدة فهي تراه مثلما هو يراها، ويتجلى اﻻبداع بوضوح حين يلتقيان ببعضهما، في أقصى درجات التماهي الوجداني والعاطفي، حيث يتشكﻻن من الدوافع والمحركات التي تمور بها روح الشاعر وهو يستكشف اﻷشياء بمسبراه، حين أقول اﻷشياء للدﻻلة على أن كل شيء متاح للعين التي ترى وتستكشف، إذ يبدأ الحوار من هنا، كبيرا وعميقا كلما اكتملت أدوات الشاعر واتسعت زاوية رؤيته
س / اللغة ما بين البنوية السوسيورية ونظرية البنى النحوية لجومسكي ، والتسارع الكبير في الاستكشافات ، هل غير من نتاج القصيدة ، والقراءة ، وثقافة الناقد ؟
الحقيقة السؤالْ فيه ثﻻث محاور، المحور اﻻول، اللغة البنيويه، والبنوية إتجاه نقدي،وستراتيج قرائي ، في تحليل النصوص الجمالية، وهذا أﻻتجاه أعلن تمرده على سلطة النقد السياقي المتشبث ابدا، في قراءة النص وتحليله، من خلال التوسل بالعلوم المجاورة للمدونات أﻷددبية، كعلوم اﻹجتماع ،والنفس ، وأﻵيديولوجيا، أما البنيوية التي إرتكز منظروها على طروحات الشكﻻنيين الروس ومناداتهم، بأدبية اﻷدب ، والبحث عن معنى النص من خﻻل مﻻقاة دواله وعﻻقته الداخلية وميكانزم تركيبه الجمالي، وﻻأخفيك إن نقاد هذا اﻹتجاه، لفتوا اﻹنتباه لذواتهم، عبر إعﻻنهم عن موت المؤلف، لصالح ميﻻد القاريء، الذي يستنطق المعنى ويسبر اغوار النص، ليستكشف مضمراته، وبهذاأعلن روﻻن بارت، الناقد الفرنسي، بأن الخطاب النقدي، نص إبداعي، موازي للنص المنقود، وليس نسخة ذليلةله، كونه نص يمتلك بﻻغته النقدية ، وجهازه المفاهيمي الثر، ومن ذلك، نقب الباحث المصري الشهير،عبد العزيز حموده، في كتابه الموسوم المرايا المحدبة، ان لغة النقد الحديث، بمافيه النقد البنيوي، بدأت تلفت اﻹنتباه لذاتها، اما المحور الثاني للسؤال والذي يتعلق بالدرس اللغوي لفرنانديز دي سوسير العالم اللغوي السويسري، الذي فتحت محاضراته، في علم اللغة آفاقا واسعة، لنشوء مايعرف ، بعلم العﻻمات، ذلك العلم الذي بشر به، من خﻻل تحليله ، لبنية العﻻقة اللغوية التي اكتشف انها تمثل، إقتران الدال بالمدلول، فالدال هو الشكل والصورة السمعية للصورة، أما المدلول، فهو اﻹتفاقية ، على معنى الدال، داخل منظومة إحتماعية، محددة بمعايير ، إتفاقيةصارمة، أما محور السؤال الثالث والذي يتمثل بنعوم تشومسكي ، المنظر اللغوي والناقد السياسي الشهير ،صاحب الثنائية الشهيرة في الدرس اللغوي، حيث عد النص، مؤلف من بنيتين، سطحيه وعميقة، والسؤال أﻷكثر أهمية، كيف استلهمت الشعرية الحديثة جمالياتها، من كل هذه النظريات، التي نتلمس تجلياتها اﻹجرائية ، في متون الكثير من الشعراء الذين انفتحواعلى، نظريات علم اللغة ، ومناهج النقد الحديثة، التي وسعت مداركهم، أثناء فعل تشييد بناهم الجمالية، قطعا ومما ﻻشك فيه، كان له اﻷثرالبليغ على النتاج اﻹبداعي، شعرا، ونقدا، وقراءة.
س / اين قصيدة النثر العربية من منظومة الشعر المعاصر العالمية ؟
قصيدة النثر العربية، موجودة، كنتاج تلمس الطريق اليه، الشعراء العرب، لكنها بقيت، على الرغم مما حققته من إشراقات كبيرة، تدور في سياقات وأطر تحاكي، اوتجاهدفي اﻹقتراب من منظومة الشعر المعاصر العالمية،على أيدي شعراء، استلهموا التراث العربي وخصوصيته الثره، في نتاجاتهم ، التي كانتذات بنى جمالية وإبداعية، على درجة كبيرة من الرقي والنضج، مما حدا بترجمة اعمالهم الى اللغات العالمية ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الشعراء..عبد الكريم كاصد. .سعد جاسم. .يحيى السماوي..وآخرين.
س / هل أن نظرية ( النقد متطفل على الادب) هي الاقرب الى نفس القاريء ، أم الشاعر ، أم العكس صحيح ، النقد من روافد الارتقاء بالنص الادبي ، وبالشاعر ، وبالتالي الارتقاء بالادب ؟
النقد رافدا من روافد اﻹرتقاء بالنص اﻷدبي، مهمته اﻹرتقاء باﻷدب..هذا السؤال أجبت عليه في السؤال الثاني، النقد عمﻻ إبداعيا مستقﻻ، وليس متطفﻻ اوتابعا ذليﻻ للنص اﻷصلي، كونه قراءة إبداعية، لها خصوصيتها وأدواتها، في استنطاق النص والبحث عن المضمر منه..
س /كيف تُقيمون علاقة المتلق مع الناقد ، ولماذا يُثقل الناقد المتلقي بالمصطلحات الاكاديمية ، وهل هي من وظيفة النقد ، فبدل أن يقرب المحتوى الادبي اليه ، تراه يبعده عنه بل ينفره ، فهل هذا التوجه له علاقة بالازمة النقدية أو بالأزمة الفكرية العربية ؟
اﻷمر كله مرهونا باﻷزمة الفكرية العربية، لذا ترى الناقد، يقطن في برجه العاجي، متمسكا بمنظومته النقدية ومعاييره اﻷكاديميةالصارمة، ليس بمقدور البعض، أن يتخلى عنها، ﻷنها تشكل وحدة القياس لديه، والمعيارية التي يتبين بها ومن خﻻلها الغث من السمين في النتاج المنقود، وﻻيرتقي ذهن القارئ البسيط بل وبعض المتعلمين من فهم مايرمي اليه النقد، ﻷننا نعيش نكوصا ثقافيا ومعرفيا، انتجت لنا أزمة نقدية، هذا ﻻينفي أويتقاطع مع وجود نقاد كبار، هونوا من وطأة المصطلح، وبسطوه، كي ﻻتستمر القطيعة، بين الناقد والمتلقي..
س / التهافت على المصطلح الغربي ،أصبح من ثقافة الفكر العربي، على مستوى الادب والسياسة والفلسفة ،هل أن الناقد العربي يفهم دقائق المصطلحية الغربية وعلاقتها بالتراث العربي والتماييز بين التراثين ، وهل يُدرك خطورة هذه المحاكاة وما هو رأي الشاعر ؟
المصطلح النقدي الغربي تشكل، من اﻹرث المعرفي ذاته، رغم ان التاريخ الكوني لﻹنسان، تأريخا واحدا، غير ان للثقافات اﻻنسانية منظومات متعددة مستقلة،أنتجت المصطلح واعني به الغربي حصرا..!؟ ، وترجمة المصطلح، عملية عسيرة، وربما خيانة ، لذا أرى من الضروري بلورة نظرية نقدية عربية جديدة ، تستلهم المعروف وتتجاوزه، آخذةبعين اﻹعتبار، خصوصية وثراء التراث العربي، إن بعض النقاد، حاولوا جاهدين، من تقريب المصطلح، ومجاراته مع الموروث العربي، والبعض ظل يدور، في فلك المصطلح الغربي، فحدثت القطيعة، لعدم إدراك البعض من النقاد خطورة هذا التجاور، التي ﻻتمييز بين إرثيين مختلفين،
س / تغيرت مفاهيم النقد، وشروط الناقد التقليدية ما زالت تعمل سيما على مستوى النصوص التفاعلية الرقمية ، وما بعد الحداثة وما حصل مجرد تلاعب بالالفاظ ، ما رأيكم بهذا القول ؟
بالتمام انا مع هذا الرأي لم تزل شروط الناقد التقليدية، عاملة ومتوارثة، هي ذات المعايير، وأﻷطرالتقليدية، حتى بعد الثورة البرامجية في التكنلوجيا الرقمية، والطفرة الحداثوية، اذ ان نقد مابعد الحداثة، فيه الكثير من التﻻعب باﻷلفاظ، اﻻ فيما ندر، ﻻسيماإنني ارى تشكل مﻻمح اولية لنقدية عربية تحمل سمات التجديد ، من هنا أي من العراق، بعد التجديد الذي بدأ يتشكل في مجموعة السردية التعبيرية شعرا ونقدا، واﻷيام كفيلة بصحة ماأرى..
س/ التقليلية عربية المنشأ ، قديمة في عمق اسلوبها ، ووجودها في الادب الامريكي منافي للامانة العلمية ، ما الذي وجد عادل قاسم فيها من جديد ، ووفق أي مبدأ من سياق الحداثوية ؟
-التقليلية عربية المنشأ وقديما قالت العرب خير الكﻻم ما (قل ودل) يقول الناقد والشاعرالعراقي الكبير..د أنور غني الموسوي في فهمه للتقليلية(minimalism) في كتاباته (بتصرف)،( هي فلسفة كاملة سعة الحياة والتجربة اﻹنسانية وهي إرتكاز عميق على أقصر الطرق تعبيرا، قوامها اﻹقتصاد وتجنب الزيادة..)..... وهي في اﻻدب اﻷمريكي..اعتمدت السرد التعبيري المكثف هي ليست الومضة وﻻغيرها مستقلة بذاتها.. مما ﻻشك فيه منافيتها لﻷمانة العلمية هي سطوا فﻻوجود لتناص في المصطلح، اماكيف وجدتها فهي تمتاز بعمق الدﻻلة،
في سياق مابعد الحداثة الذي اعتمد السرد التعبيري، وتخلفنا عن مجاراتهم، ناجما من النكوص الحضاري ، وإنهيار منظومة التنوير، التي أحدثت تشوهات في المشروع الثقافي العربي ،
س / السردية التعبيرية ، اصلها من الرواية الباختينية ، هل وجِدتْ في التراث العربي ، كيف وظفت في النص النثري ، وكيف للقاريء ان يميز بها بين الجنسين ؟
يعد ميخائيل باختين، واحدا من كبار الكتاب والنقاد المنقبين في أدب دستو فسكي،ولنا ان نتبين ذلك في كتابه الموسوم (شعرية دستوفسكي) حيث تمكن من خﻻل حفرياته ، في متن دستوفسكي، محللا اﻹنشغال الفكري لهذا المعلم السردي الكبير، باحثا في جماليات تركيب البنية الدرامية، لمتنه الحكائي، الذي ارتكز، علىأركلوجيا التنقيب النفسي ، في أغوار الفرد المعاصر، متلمسا محنته اﻹنسانية الوجودية، حيث عد دستوفسكي السارد العارف بعلم نفس الشخصية، كمادرس تجليات الحداثة، في البنى الفنية لروياته، متمكنا من تلمس آليات تعدد أﻷصوات السردية، وعدها تمردا على كل البنى الكﻻسيكية في زمنه ، ولباختين إجتراحا نقديا هاما، تمكن من إستنطاقه من خﻻل إنفتاحه ، على عدد من اﻹتجاهات الادبية المعاصرة، ومسك آليات الحوار والتداخل، بين تلك اﻹتجاهات ، والحوار الجمالي والفكري، بين النصوص، والذي عرف فيما بعد بالتناص، وهذا مااستلهمه منظروا ، نقد مابعد البنائية، وممارسوا الكتابة الشعرية، استلهموا ، هذا الدرس التحليلي، مشتبكين مع التراث ومتعالقين مع البنى الفنية لﻷجناس اﻷدبية المجاورة للشعر، والسردية التعبيرية متواجدة، منذ بدأ الخليقة، في إسطورةكلكامش، واﻻساطير العربية اﻷخرى، كما في الف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة التي ترجمها بروحه العربية الخالصة وأضاف عليها (عبد الله بن المقفع) البعض من هذه اﻷساطير وظفت في النص النثري الروائي ، في كتابات الروائي الكبيرجمعة الﻻمي، في بواكير الستينيات، في روايته الموسومة (الثﻻثية اﻷولى) حيث كان التماثل جليا مع نص ملحمة كلكامش..كذلك في روايات احمد خلف ..لطيفة الدليمي..وفي الشعر في نثريات ..الشعراء(خزعل الماجدي. .سعد جاسم ..يحيى السماوي..زاهر الحيزاني والقائمة تطول..اما كيف يميز القارئ ، هذا يعتمد على قدراته القرائية، ومدى الفوارق في مابين السردية التعبيرية التي اسهبنا في ذكرها التي تستلهم..كما يقول الدكتور انور غني الموسوي (عمق التوظيفات واأﻹستعارات التي توسع وتفجر طاقة اللغة ) وصوﻻ الى التجريد..وبين قصيدة النثر الخالية من السرد
التعبيري.
س / يقول بعض الشعراء أن النص النثري أصعب تركيبا وأدق تعبيرا ، وأعمق إسلوبا من العمود ومن شعر التفعيلة ، الى أي مدى يصدق هذا القول ؟
بالتاكيد النص النثري أكثر صعوبة، ﻷنه تخطى اﻷنساق المألوفة في العمود الشعري وفي قصيدة التفعيلة، شكﻻ وجوهرا، ﻷن القيود الصارمة، تحد من حرية الشاعر، بينما قصيدة النثر، لهاأدواتها البنائية المفتوحة. إذ ان فيها، طاقة تعبيرية فائقة، وباﻷخص ، في قصيدة السرد التعبيري، التي تحفز الخيال، في التحليق العوالم الغرائبية المدهشة، ﻻسيما وهي تشارك التجريد في مﻻمحه وسماته،
س / تأثير الصفحات الالكترونية على الشاعر والناقد والكاتب ومنظومة الادب عامة تأثير الثقافة على المثقف ، كيف ترون استثمارها من قبل المثقف العربي ؟
مما ﻻشك فيه، ان الصفحات اﻷلكترونيه، لها تأثيراتها اﻹيجابية، فهي الكتاب المستقبلي القريب، ﻷنها وفرت المبدع الحقيقي ، الغير مزيف، مساحة شاسعة للكتابة واﻹنتشار واﻹطﻻع، وبذلك وفرت شرطا من شروط التواصل بين المبدع والمتلقي، فضﻻ عن كونهاخلقت حراكا ثقافيا وثورة معرفية في اﻹكتشاف، واﻹطﻻع والتواصل، غيرإن أزمة الثقافة وانشغال المثقف، وعدم تبلورمشروع ثقافي عربي ترعاه الدول، المنشغلة بنزواتها وحروبها العبثية، اربكت المشهد، والمنظومة الثقافية عامة، فضﻻ عن التعاطي السلبي مع هذه التقنية ، عطل من اﻹفادة منها، واستثمارها بشكلها الصحيح.
س / اين الشاعر العربي من الساحة الوطنية في ظل تلك الظروف المعقدة ، وهل هو موجود يحمل هموم الناس وهموم وطنه ؟
الشاعر العربي موجود وغير موجود فهو لم يزل مهمشا بإرادته، او بارادة غيره،اما شاعرا منظويا، وتابعا للسياسي، وأما مخلصا للشعرحسب ولاشتغالته المعرفية الصرفة، وثمة من يحمل بل ويصدح في همه الوطني، وإن تواجد، فتواجده غير مؤثر، ﻷن الناس حين تكون بحاجة الى الخبز واﻷمن ومتطلبات الحياة الضرورية التي تحفظ لﻹنسان كرامته، تكون الكلمة ليست ذات تأثيركبير، في التأثير والتغيير..!
ـــ وفي نهاية الحوار مع الشاعر العراقي الكبير عادل قاسم تمنينا له طيب الوقت مع صفحة الادب العربي المعاصر وأخواتها على أن نلتقي في حوارات قادمة إن شاء الله .
ـــ شكري وتقديري أخي الشاعر والناقد الكبير استاذ محمد.. امنياتي ان يكون الحوار منتجا ومثمرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق