السبت، 23 أبريل 2016

ياسمينتي الحبيبة / الاستاذ فراس المصطفى / العراق

اسمينتي الحبيبة
/ فراس المصطفى /
...........................
تُكَلِّمُ الياسمين عما رأتهُ عيناها الودقتان من سهر الليالي ، المتنازع عليها ما بين الفجر الذي يأبى النهوض من السبات قرفاً للواقع المتأين حد الذروة وبين أعواد القصب المبلل ببصاق النهر الحزين ، الذي بقيتْ تجاوره طيلة فترة الهروب من رائحة الرماد والرصاص وأحقاد القنابل التي تُوزِّع حولها سكاكر الموت والهدايا من العدو الحجري ، لتقتل أحلام الأطفال وأمل المحرومين ، وحتى النازفات الدمع في سبل المآقي على سابقي رضاعة لهنَّ قد حظين وذُقنَ منها الموت والعَطَب الذي هو أشد من الموت ، قصب هو كَرُزَم الأقلام التي جمعها أدعياء النهضة خلف قضبان العتمة المدقعة بألوان الخوف والرجاء والتحرر وألم الأصفاد لحفلة الغرق ، مع مقدمات الجلد والتشفي واقتلاع الأسنان والأظافر ، والكرامات المبتورة وبذار الأمل الذي تبقى ، ما عاد هناك شيء ياسمينتي التي ما رأيتُ طاهرة زمانية مثل بياض صدركِ الرؤوم ، ها أنا ذا أمامكِ الآن جلبتُ لكِ القليل من المياه لريِّ تربتكِ الممهورة بالحنان والعاطفة ، أفردي أفنان جسدكِ المُزدان بأصالة الزارع لكِ ، ما زلتُ أشمُّ ريح يديها بكِ ، هُزِّي أوراقكِ فأنا أريد التحافاً بها ، نوماً بطمأنينة لا أجدها إلا في أعماق المعاني التي تتوالد بكِ ، تتبادر إليَّ في صور المكان المختبئة أسفل الأزهار والأبواغ ، لا يراها إلا نحلة العسل ، وها أنا ذا أرى معها رحيق الصور والذكرى الطفولية والشباب ، وجدتي وإخوة التراب الأحمر ، لقد مللْتُ الواقعية واشتقتُ للرؤى في عالم مزركش ببعض البراءة والصدق ، عساني أعانق أحبتي وأجلس في روابي الماضي مع زهرات زمان ولّى ونبضات القلب ، لا عالم التعاسة والإنحدارات الملساء الزلقة نتيجة لرماد الحريق الكبير وحروف أقنعة الرصاص التي تكسرت متبعثرة على شفاه جامدة ، رصاص أتقن فنَّ الموت وباسم الله ، أتى من عوالق الماضي والعصور الحجرية والمبهمة ، ليشرب دماء الأطفال والأبرياء ، فلقد أقسم أمام أمه الرجس بأنه طوع أمرها ، لكن مُهلكَ الشيطان في المقابل عشق حتفه لأجل كرامة الشطآن وعبق الصَّبا المقطر بالندى ، جعل دمه المقدس في كل فوهة حمل جسدها حباً ليروي رمال الوطن وطين الأصالة ، ويروي للأجيال قصة موتٍ حيّ ومَقاتِلٍ استشهادية ، حتى تتمكن الأوتاد من الثبات والشموخ في جسد الخريطة المقدسة ، لتتبرعم عشقاً أخضر وتزهر بسمة ، وتعود الأقلام لترنو نحو سكك البوح البيضاء وتنقش أحرفاً لن تمحى ، ليعود الفجر من سباته الذي طال كثيراً ويروي لنا بذاته رواية مستقبل رُوِيَتْ بدماء الشرفاء ليصبح العشق أعمى ، كما رويتُكِ الآن ياسمينتي الحبيبة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق