الاثنين، 25 أبريل 2016

قراءة نقدية / بقلم الاستاذ الناقد الكبير صالح هشام / المغرب / لنص فيزياء / جاسم ال حمد الجياشي

قراءة نقدية :بقلم الأستاذ صالح هشام / المغرب 
في ((فيزياء )) للشاعر جاسم ال حمد الجياشي 
غريب عجيب أمرك يا شاعر ، أتصدني عن قراءة نصك بهذا العنوان فيزياء ؟ فما علاقته بالشعر ؟ وحتى لوكان ذلك ، فأنا لم أتجاوز في الفزياء كعلامة 3 من 20 طيلة مشواري لدراسة المادة ، أقرأ فيزياء ، فأهم بترك قراءة النص ما دام عنوانه عدوي اللذوذ ،لكن سرعان ما أشرت بأصبعك لتلفت انتباهي إلى مصدر من أبرز وأجمل مصادر الجمال في الكون ! فللجمال مصدرن : المرأة والطبيعة ، والزهرة رمز لجمال الطبيعة ، ومن قال بأن الشاعر يقف عند منطوق النص وعند الدلالة التي لا نستشفها إلا من البنية السطحية للنص ، الشاعر يعشق التحليق في عالم الخيال ، لذلك علينا نحن أيضا كقراء أن نحلق معه ، ولا ننتظره أن ينزل عندنا وهذه إشكالية أجاب عنها أبو تمام منذ زمن طويل ، فهو لا يحب جاذبية الأرض، فهذه الزهرة لا تقل أهمية عن المرأة من حيث الجمال والدلالة الرمزبة ! فلماذا لا يكون الشاعر يقصد إخفاء المشبه وإظهار المشبه به على سبيل التشبيه المقلوب ، فهذه الزهرة التي تبعث الحياة في النفوس المهجورة والمقهورة ألم يخلق الله سبحانه لنا منها سكنا نسكن إليه وجمالا نتمتع به وحنانا لا يوجد إلا في حضنها أما وحبيبة وأختا وزوجة وصديقة ، ألا يستحق هذا الكائن الرائع أن يتفوق على هذه الزهرة في الجمال ، فرائحة الزهرة تنعش النفس لكن رائحة المرأة تحيي النفس وتنعش الروح في آن واحد ! 
لكم الحق في أن تقرؤوا هذا النص بطريقتكم الخاصة ، فالشاعر ترك لنا مسافة بيننا وبين النص حتى نتمكن من تفكيك رموزه واستجلاء غموضه ولا اقصد هنا بالغموض : عدم ترتيب اللفظ الذي تحصل من خلاله الدلالة ، فكل يكشف اسراره بطريقته الخاصة وحسب ترسباته المعرفية التي اكتسبها عبر العصور ،و حسب خلفيته الثقافية ورؤيته وفلسفته في الحياة ، فعندما تشعر عزيزي القاريء بلذة كشف المستور أشبه بنشوة الخمرة و وشهوة الغرابة والادهاش ، فتأكد أنك نجحت في تفسير النص وأبحرت في مستغلقاته ومجاهيله ومارست الاختراق والعبور في تلافيف القصيدة أنا لا ألومك ، على معنى توصلت إليه فأنا أصلا لست من هواة المعاني ، لأنها كانت السبب الأساس في طرد الشعراء من جمهورية أفلاطون ، لأن لغتهم المجازية تشوش على المعاني التي لا يرضى العقل إلا بها !
هذه الزهرة البيضاء البرية تنوب عنا حتى في الأحاسيس والمشاعر دوما تلملم فينا الجروح وترتق الذكرى الممزقة في أروقة النفس ، دوما تعيش حياتها وتعيش حياتنا وتعيش فينا ،تلك الزهرة البرية حباها الله تعالى بقدرة فائقة على إدارة قلوب الناس و أحاسيسهم ، وتوجيه دفة القدر فينا ،هي سر من أسرار هذا الكون الذي بقدر ما نبجله وجب أن نبجلها ونعظمها ، تلك الزهرة البرية البيضاء يد بيضاء على الروح منا والنفس والنفس والنفيس ، هي كل شيء ! إقرأ القصيدة بطريقتك وفكك رموزها ولا تخف عتاب معاتب ، فإن النص منفتح على تعدد القراءات والنص الذي لا يقبل بالتعدد أولى به أن يرمى في سلة المهملات ، لأنه لن تربطه بالإبداع روابط أما هذا النص فانزياحاته وبلاغة غموضه تعطيك كل الحق لتستقل بافكارك وبتحليلك وتفسيرك وتأويلك فالغموض يدل على الدقة والطرافة ،ويحفز المتلقي ويستفزه من أجل إمعان النظر من أجل النفاد إلى مجاهيل النص ،لاتخف في الجهر بتأويلك لومة لائم !
وان كنت أعتبر البحث عن المحتويات والمضامين وجودة المعاني من الأمور التي تصد القاريء عن استخلاص ما تتميز به القصيدة من جمال سواء على مستوى التركيب أو على مستوى تكوين فضائها بصريا ! يظهر للوهلة الأولى وبالعين المجردة أن النص يتكون من سطور ،تختلف اختلافا كبيرا من حيث الكم من الكلمات الموظفة في كل سطر من النص ،ونحن نناقش هنا من خلال المعاينة البصرية وليس الفنية ، هذه السطور تختلف ، حتى من حيث توظيفها لخلق معنى معينا ، إذ لا يستقيم هذا المعنى أو ذاك إلا بالحفاظ على السطور كسلسلة متراصة الحلقات ، كل حلقة تمد الأخرى بالحياة والوجود ، أي أن هذه تستمد من الأخرى معناها ، فالسطر الأول تلك الزهرة لا يحقق ما يريد المتلقي سماعه في هذا السطر ولا في الثاني إلا في الثالث حيث يأتي الخبر ، عبق ليكتمل المعنى ، وهكذا يمكن أن لا يتم معنى الجملة على مستوى التركيب النحوي إلا بعد سطرين أو ثلاث وفي بعض الأحيان يتجاوز إلى أربع سطور أو خمسة ، وتغيب وحدة القافية والروي كما ألفنا ذلك في القصيدة العمودية و حتى في القصائد الحديثة ، إذ يحافظ على هذه القافية ،هذا إذا اعتبرناها من عناصر الإيقاع الشعري ، ننطلق في تحليل هذا التكوين البصري للنص من خلال جدلية الصراع الذي ألفناه بين البياض والسواد هذا الصراع الذي يخضع أساسا للدفقة الشعورية للشاعر ، فهناك من الشعراء من يفضل أن يعدل بينهما ، وقد يكون هذا نتيجة تأثر بشكل أو بآخر بالقصيدة العمودية ، التي يحاصر فيها الشاعر الفراغ ، الذي عاشه في الصحراء المترامية الاطراف على مد البصر ، فأثر خوفه منه على تكوين البيت الشعري إذ لم يكن يحترم إلا مسافة تكاد لا تذكر بين الصدر والعجز أي بين المصراعين ، هذا عكس الشاعر الحديث الذي لم يعد يهمه ذلك الفراغ أصلا ،فيختل التوازن بين البياض والسواد في مسألة امتصاصهما بعضهما لبعض ،فيقصر السطر ويطول بغض النظر عن الالتزام بنوع معين من التفعيلات التي تفرض هذا التباين بينهما في القصيدة ، لكن بالنسبة لهذا النص ،نلاحظ أن تبادل المساحات يكاد يكون متوازنا كما المد والجزر عندما يكون البحر هادئا وماؤه صفحة مستوية ، يكتسي الإبداع الأدبي أهميته من خلال اللغة التي توظف للتعبير عنه، فهي ديدن نجاحه ، خصوصا في مجال السرد والشعر ،ولعل اللفظ أهم ما اهتم به النقاد القدماء أما المعاني في نظرهم فهي مطروحة في الطريق ، وأرى أنهم لم يجانبوا الصواب ، لأن المعنى ،اعتبر من عقبات الاختلاف والتعدد في القراءات وبالتالي الحكم على النص بالموت ،وحتى يظل منفتحا على تعدد القراءات يستوجب التحليق بعيدا في عالم الخيال ولتحقيق هذا الهدف يجب الاشتغال على اللغة ،لأنها هي التي تضمن هذه الميزة ، وهذه الفضيلة ، ويتجلى ذلك في التركيب ، فجماليات هذه القصيدة على المستوى اللغوي تنطلق من اختيار الكلمات إلى أن تركب في سياق معين تتمخض عنه صور شعرية غاية في الروعة والجمال تبهر القاريء وتخلق في نفسه لذة الغرابة والإدهاش ، الشاعر هنا اختار ذلك الكم من الكلمات والمقولات اللغوية على اختلاف أنواعها ، واختيار الكلمات ليس بالأمر الهين ، فقد كان عدم نجاح الشاعر في اختيار الكلمة يعتبر من عيوب الشعر ،و لأن تكوين اللغة يعتمد أساسا على ظروف المتكلم اختيارا وتركيبا كما سنرى !
اللغة عبارة عن فضاء لغوي فوضوي ، خليط مختلف من العناصر اللغوية ولا يتشكل هذا الفضاء في قوالب لغوية ، إلا بتدخل من المتكلم تبعا لخلفيته الثقافية والمعرفية وظروفه المتكلمية الخاصة نفسية كانت أو فزيولوجية ، وهذا هو سبب اختلاف الأساليب من شخص إلى آخر ومن شاعر إلى شاعر ،معنى هذا أن الكلمة : (الزهرة ) منفردة لا تخرج عن دلالتها المعجمية ،و لا تحظى باهتمام المتلقي إلا عندما تدخل في تراكيب تكون لحمة السياق في السطور الشعرية ، أي أنها خضعت لعملية تركيب فاستمدت جمالها وقوتها من هذه النعوت التي أسندت إليها ( البرية ،، البيضاء ،،، عبق .) فاصبح معناها يقرأ وفق قدرة التأويل عند المتلقي ، فالكلمة لا تظهر مزيتها إلا من خلال ما سبقها وهنا سبقت باسم إشارة معرفة وبما بعدها من نعوت اصبغت عليها روعة خاصة تدغدغ ذوق القاريء ، و هكذا تبدأ هندسة النص والشاعر كالبناء يضع الآجرة إزاء الآجرة ، أو كطائر السنونو يبني عشه قشة قشة إلى أن يستقيم جماله وتحصل منه المنفعة ، فالتركيب إذن هو الذي يعطي للكلمة دهشة بريقها بدون (غامضة ) تبقى هذه الدهشة لا دهشة فيها ،بمعنى آخر ، الكلمة مثلها مثل الملح لا تعطي طعمها إلا في الطعام ، فمن خلال (إضافة النفس إلى أزقة ) تعريفا وتخصيصا يولد هذا التركيب الذي يكسر منطوق اللغة ويهدم المألوف ، وينحى منحى الغرابة والإدهاش ، في حين يحافظ على القاعدة النحوية سليمة ، فإن الكلمة الأولى اتكأت على ما بعدها والثانية استندت على الأولى فكان هذا الجمال نتيجة هذا التآزر اللغوي الذي قرب بين كلمتين مختلفتين وألف بينهما ، ولعمري هذا هو الكلام الجيد سواء كان شعرا أو نثرا ،يقول عبد القاهر الجرجاني ( أجود الكلام شدة ائتلاف في شدة اختلاف ) فالسياقات الرائعة هي التي تعتمد على اختلاف عناصرها فلولا هذا الاختلاف في عناصر الجملة وموقعها من جغرافية الكلام بصفة عامة لما كان هناك انزياح و لا بلاغة غموض ،ولما كانت هذه اللغة الشعرية المجنونة التي تخاطب نفسها لانها تكون بعيدة عن الابتدال والنمطية ، يقتات صمتها من صمتها خصوصا عندما تنعدم الذائقة الذواقية القارئة ، وعندما يفتقر الشاعر إلى من يمارس إلى جانبه هذا الجنون اللغوي والتحليق في عالم الخيال ، هذه الزهرة البرية البيضاء قادرة على جعل القلب يركض ، والعقل خارج منطقة المألوف ، هذا الكم من الكلمات المتنافرة يقوم الشاعر بجمع اعناقها وخلق التآلف بين هذه المتنافرات في باقة جميلة ، من الحروف توضع في مزهرية القصيدة ، ربما يقول البعض لماذا في تناولي للغة اقتصر على بعض النماذج من التراكيب فقط ، أقول أن الطريقة الأنجع لدراسة النص الشعري تستوجب التركيز على النص باعتباره وحدة متكاملة لا يجوز إطلاقا بثر أعضائها أو تقسيمها أو تجزيئها فهي كجسم الإنسان( إذا بثر عضو تداعت له باقي الأعضاء بالسهر والحمى (في ما معناه )) فالقصيدة الشعرية مثلها مثل الكائن الحي ، تتكامل أعضاؤها وتتآزر في ما بينها يقول الحاتمي frown رمز تعبيري ( إن القصيدة مثلها مثل خلق الإنسان في اتصال بعض أعضائه ببعض ، فمتى انفصل واحد عن الآخر وباينه في صحة التركيب ترك في الجسم عاهة تتخون محاسنه وتعفي معالم جماله )) ونظرا لكون هذا النص الشعري قائم على التكثيف والإيحاء والرمز وتعدد المستويات الدلالية لبلاغة الغموض فيه ، يستوجب الابحار في مجاهيل لغته ، كل حسب قوة مجذافه وفعالية مشرطه للتشريح ومبرده وازميله لنحت لغة اللغة أو الميتالغة على جسد القصيدة ، شريطة عدم ترك اية كدمات يمكن ان تضر بالنص ، فاذا كنت من اصحاب الكلام الظاهر فاقتد بالجاحظ في قوله ( أحسن الكلام ما كان معناه في ظاهر لفظه ) أما اذا كنت جرجاني النزعة فاقتد بقول الجرجاني : 
(من المركوز في الطبع أن الشيء إذا نيل بعد الطلب له والاشتياق له كان نيله أحلى ) ولك في ما تعشق مذاهب ! وفقك الله شاعرنا في مسيرتك الابداعية !! 
بقلم الأستاذ : صالح هشام / المغرب 
الأحد ٢٤ ابريل ٢٠١٦ الرباط ***
الشاعر جاسم ال حمد الجياشي
فيزيااااااااااااااااااااء..؟!
ـــــــــــــــــــــــ
تلك / الزهرة 
البرية البيضاء 
عبق / خطوتها /...يبعث الحياة 
للاماكن..../ المهجورة في النفس !
ذلك العبق / طالما ينشر 
حولها دهشة غامضة
فيغيب / الزمن بحضورها 
هي تبحث دوما 
دون ما وعي 
عن دفتر مفقود 
أو عن ذكرى ممزقة 
دفينه في ازقة النفس 
المليــــــــــــــــــــــــــئة/ بالخوف 
من / المجهووووووول
تلك الزهرة البرية البيضاء 
لها / القدرة.....
على / تحريك الساكن 
من / الاشياء ...دون
جهد أو عناء 
وهي قادرة 
على / جعل القلب 
أن/ يبدو....... راكضااااااااااااا
وعلى/ وضع العقل 
خارج / منطقة المالوف 
هي هكذا !!
تستطيع/ قلب الاشياء 
رأسا .....على عقب 
دون الاضرار/ بجمالها..!!
كل ذلك ..... 
يكمن / بسر قوة عبقها 
والذي يمكنه 
ان/ يحيل الاشياء الصلدة 
الى/ سائله 
مرنه / تطاوع ارادتها 
هي/ هكذا ....
هذا..... هو قانون
حضوووووووووووووور 
تلككككك.....الزهرة 
البرية البيضاء ...!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ -ج - ح - ج -

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق