السبت، 23 أبريل 2016

قصة قصيرة / للقاص الاستاذ هادي المياح / العراق

واتصلت به فعلاً
انتهيت من يوم عمل شاق، ومضْنٍ . صرت نهباً للخدر والخمول. ساقني الوهن الى قيلولة مباغتة. لا ادري كيف نسيت جهاز الموبايل وقد سرح مني تحت السرير ، انتبهت في لحظة ، مددت عليه يدي حتى مسّته أصابعي. وانتهت تلك اللحظة . لاحقاً ، تذكرته ، ولكن كيف ؟ لا ادري. كنت أحس بانني أفيض بكل مكوناتي في ما جاورني من أشياء ، أدركت نفسي من خلالها. حقيقة، في تلك اللحظة بالذات ، لست ادري كيف تذكرته. بل متى نسيته؟ ثمة أشياء قد تعجبنا في حين من الزمن، ثم ينسحق إعجابنا بها ويتلاشى ،عندما نرغب من جديد بشيئ اخر. كانت رغبتي له قد استبدت بي . فتحته، وأنرتُ ُشاشته العريضة، وقد رأيتها اكبر مما كانت، فيها أيقونات جديدة لم افهم لغتها. بحثت في سجل المكالمات، لا شيئ يذكر في سجل المكالمات. بحثت في قائمة الأسماء، كنت أفكر في إنصاف ألبعض ممن لم أتذكرهم منذ فترة طويلة، برسالة او مكالمة او بطاقة ما.
وعثرت على احدهم وانا ابحث ، ولكنَّ صديقي هذا للأسف، كنت قد افتقدته منذ فترة . لقد غاب عني طويلاً . لقد مات. مات ولم يبق سوى اسمه بين الأحياء . تأسفت له كثيراً، كانت الذكريات قد بدأت تنهال علي ،وانا انظر الى إسمه ورقمه ، فكرت اننا جميعاً عبارة عن اسماء نطوف في الكون طوال فترة وجودنا. وتظل أسماؤنا في الفضاء لا احد يجرؤ على محوها. كان رائعا ،ومغموراً في حب الآخرين . ولم يفكر للحظة انه سيغادر. وقد أحببته كثيراً !
فكرت ،وانا اتمعن في الرقم ، كيف حاله الان؟ ثم خطرت ببالي فكرة ، ِلمَ لا اتصل به! حتى لو كان هذا الامر جنونياً ..وترددت كثيراً قبل ان اتصل! كانت بداخلي رغبة أخذت تدفعني أكثر لذلك. يعاونها عقلي الباطن، محاورات استمرت فترة غير محددة، توهمت أني توصلت الى شيئ ، بعد هذه الجولة من المحاورات. كنت قد اتخذت قراري "ها ها ها" ولست ادري هل أنا جننت؟ ماذا يعني ذلك بالنسبة لي ؟ سأجرب ، الحياة كلها ... وسوف لن اخسر شيئاً."
ضغطت بأصبعي على مفتاح الاتصال بجرأة. لكني اغلقته قبل ان يرنّ..حاصرتني رغبة في معاودة ذلك..فعدت أضغط من جديد، ودق الهاتف بنجاح..اضطربتُ ..اهتزتْ إصابع كفي..ارتعدتْ جميع أطرافي..غمرتني حيرة مفاجئة..زاغ بصري..شعرتُ كأن إصبعي قد تجمد.. وزاد اضطرابي.. الهاتف يرن ، الهاتف يدق! بأذني أسمع النغمة! يا للغرابة ! 
لم يمر وقتاً طويلاًعلى ذلك ، توقف الرنين ..صوت ضعيف هادئ يأتيني من بعيد، من خلف أكوام وحواجز وغبار.
" نعم، تفضل"
لم اصدق ما سمعته! تلفّتُ عند كل ناحية وصوب وقلت:
"لم أسمعك جيدا " فرد عليّ :
"تفضل ، من يتصل بي ! "
كان صوته هو تماماً..لذا أحسست بروحي تفيض ..هناك مادة أثيرية تداخلت بين عظامي ولحمي..صوت انفصال صعب ومعقد بين مادتين لزجتين ومتلاصقتين..كصوت أقدامي وانا احاول الخروج من الوحل..بقيت عالقاً في مكاني نفسه . .وظلّ الصوت يتكرر علي وانا في ردهة المستشفى..وسط دهشة الجميع..ورأيت احدهم قادماً من بعيد، كان قريب الشبه له. وحينما اقترب اكثر ، تأكدت انه هو، لم أتحمل النظر في ملامح وجهه، صرخت بأعلى صوتي، وانا اقفز من السرير ، وكانت أصابعي لا تزال تلتمس طريقها لتمسك بجهاز الموبايل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق