مقالة نقدية : بقلم الاستاذ صالح هشام
~~القراءة و أسباب اختيار النص ~~
أعزائي الكرام قراء ومبدعين ونقادا ، في بعض الأحيان تتجول في الحديقة ، فتحاصرك الزهور من جميع الأنواع والأصناف ، وبمخلتف الألوان فتسلب منك البصر والبصيرة ، فيكاد المخ ينط من تجويفه والقلب يخرج من بين الضلوع ، حبا وإعجابا بكل هذه الورود ، لكن لا هذه الوردة ولا تلك تستقر عليها ذائقتك الذواقية التي ستحدد أي زهرة ستقطف ، بطبيعة الحال لن تقطف جميع أزهارهذه الحديقة رغم أنها كلها تتميز بهذا الجمال الفتان ،في آخر المطاف تختار الزهرة التي تملأ منك العين وتستحوذ على العقل ،وتستوطن القلب ، وتسكن تلافيف الدماغ !
القاريء لن يقل أهمية عن هذا المتجول في الحديقة لأنه هو أيضا يجول في عالم المعرفة والإبداع بمختلف أجناسه بما فيه الغث والسمين ، الحسن والقبيح ،فيقرأ هذا النص ويدم ذاك ويسب ويمدح ويستحسن ، تصدر عنه كل هذه الأفعال قبيحها وحسنها ، وهذا ينطبق أيضا على القاريء المدون ، وأقصد به الناقد الذي لا تدرو الرياح أفكاره ومواقفه من مقروؤاته ، فالنقد عملية قراءة موثقة لا أقل ولا أكثر ، هذا القاريء يقتنص نصا من بين مئات النصوص ، كالنسر يحوم في الفراغ وتربص بالطريدة ، وعندما يستقر اختياره على الهدف لا يتوانى في معانقة الأرض ، والانقضاض على (الطريدة / النص ) ، كذلك القاريء لا يشرح ( بتضعيف الراء ) إلا ما يعجبه ولا يختار إلا ما ترتاح له نفسه ، هي عملية ذوق واختيار إذن ، وقس على ذلك بالنسبة لهذه الميزة اي الاختيار الذي يختلف حسب الأذواق ،وتباين الرؤى والتصورات الخاصة في الحياة ، فالمبدع أيضا يخضع لعملية الذوق والاختيار ، ﻷنه عندما يدخل يريد أن يكتب يدخل عالم اللغة، يجده يعج بالمقولات والكلمات والعناصر اللغوية على اختلاف أنواعها ،عالم فوضوي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ،لأنه لم يخضع لعملية التشكيل بعد إلا بتدخل المتكلم ،فيختار هذه الكلمة ويترك تلك ،يستحسن هذه ولا يستسيغ تلك ، كالبناء لا يختار إلا الآجرة التي تناسب جغرافية الحائط ،وبعد الاختيار يمر إلى عملية البناء ، وهو أشبه بالمهندس ، يصمم إبداعه ، ويبنيه كلمة كلمة كالطائر يبني عشه قشة قشة ، إلى أن يستقيم على أحسن حال وأجمل صورة ،ويصبح قابلا لان يهدى عقودا رائعة القلائد للقاريء الذي هو أيضا يمارس عملية الاختيار والرفض والاستحسان ،وغير ها من الأفعال التي ستصدر عنه وهو يغوص في تلافيف النص !
عملية الاختيار كانت تعرض المبدعين إلى الانتقاد ، من طرف النقاد القدماء ، فيستحسنون اختيار كلمات تناسب سياقا معينا ويعتبرون أخرى من العيوب في الشعر ، وأعجب العجاب أن يفرض عليك في بعض الأحيان قراءة بعض النصوص نقديا فتفشل العملية لانعدام الرابط بين الناقد والنص ولم يخضع النص للاختيار الشخصي !
أنا أيضا لا أقل أهمية عن كل هؤلاء الذين ينساقون وراء أذواقهم من أجل اختيار نصوصهم وقراءتها ، أنا أيضا كقاريء / ناقد أعجب حد الغرام بقصيدة ماء يثيرني فيها شيء من لفظها أو معناها أو صورة من صورها اذ لا بد من توفر أسباب القراءة النقدية في حالة عدم توفر سبب من هذه الأساب، تبوء عملية القراءة بالفشل في خضم الإصرار ،فيدمر النص ! وأعتقد أن هذه القراءة لا تتم وفق ما تمليه المناهج ومدارس النقد على الناقد وإنما مما تمليه عليه ذائقته وذوقه كقاريء ،يتموقف مما يقرأ ،فيعبر عن رأيه في هذه القصيدة أو تلك ! واعتمادا على مخزونه المعرفي في استجلاء طبيعة النصوص الغائبة في مقروئه وإن استقل ببنيته الخاصة ، وفي تفكيك الرموز والإحالات التي تستوجب التفكيك و التحليل والتفسير والتأويل ، وفق ادوات ناجعة وفعالة لخدمة النص ، كالمعول للحفر في الطبقات النصية الرسوبية التي تكون لحمته ، والمجذاف والمركب للابحار في مجاهيل القصيدة باعتبارها بحرا بلا شطآن وربعا بلا حدود ، وكالمبرد والازميل ، للنحت على جسد النص من أجل إبداع لغة ثانية أو ما يسميه النقاد بلغة اللغة أو المتالغة أو خطاب على خطاب أو ميتاخطاب بتعبير المناطقة ، وكالمشرط الذي يشرح جماليات النص دون أن يترك عليه ندوبا أو كدمات !!!
بقلم الاستاذ : صالح هشام *
الاثنين ٢٥ ابريل ٢٠١٦
~~القراءة و أسباب اختيار النص ~~
أعزائي الكرام قراء ومبدعين ونقادا ، في بعض الأحيان تتجول في الحديقة ، فتحاصرك الزهور من جميع الأنواع والأصناف ، وبمخلتف الألوان فتسلب منك البصر والبصيرة ، فيكاد المخ ينط من تجويفه والقلب يخرج من بين الضلوع ، حبا وإعجابا بكل هذه الورود ، لكن لا هذه الوردة ولا تلك تستقر عليها ذائقتك الذواقية التي ستحدد أي زهرة ستقطف ، بطبيعة الحال لن تقطف جميع أزهارهذه الحديقة رغم أنها كلها تتميز بهذا الجمال الفتان ،في آخر المطاف تختار الزهرة التي تملأ منك العين وتستحوذ على العقل ،وتستوطن القلب ، وتسكن تلافيف الدماغ !
القاريء لن يقل أهمية عن هذا المتجول في الحديقة لأنه هو أيضا يجول في عالم المعرفة والإبداع بمختلف أجناسه بما فيه الغث والسمين ، الحسن والقبيح ،فيقرأ هذا النص ويدم ذاك ويسب ويمدح ويستحسن ، تصدر عنه كل هذه الأفعال قبيحها وحسنها ، وهذا ينطبق أيضا على القاريء المدون ، وأقصد به الناقد الذي لا تدرو الرياح أفكاره ومواقفه من مقروؤاته ، فالنقد عملية قراءة موثقة لا أقل ولا أكثر ، هذا القاريء يقتنص نصا من بين مئات النصوص ، كالنسر يحوم في الفراغ وتربص بالطريدة ، وعندما يستقر اختياره على الهدف لا يتوانى في معانقة الأرض ، والانقضاض على (الطريدة / النص ) ، كذلك القاريء لا يشرح ( بتضعيف الراء ) إلا ما يعجبه ولا يختار إلا ما ترتاح له نفسه ، هي عملية ذوق واختيار إذن ، وقس على ذلك بالنسبة لهذه الميزة اي الاختيار الذي يختلف حسب الأذواق ،وتباين الرؤى والتصورات الخاصة في الحياة ، فالمبدع أيضا يخضع لعملية الذوق والاختيار ، ﻷنه عندما يدخل يريد أن يكتب يدخل عالم اللغة، يجده يعج بالمقولات والكلمات والعناصر اللغوية على اختلاف أنواعها ،عالم فوضوي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ،لأنه لم يخضع لعملية التشكيل بعد إلا بتدخل المتكلم ،فيختار هذه الكلمة ويترك تلك ،يستحسن هذه ولا يستسيغ تلك ، كالبناء لا يختار إلا الآجرة التي تناسب جغرافية الحائط ،وبعد الاختيار يمر إلى عملية البناء ، وهو أشبه بالمهندس ، يصمم إبداعه ، ويبنيه كلمة كلمة كالطائر يبني عشه قشة قشة ، إلى أن يستقيم على أحسن حال وأجمل صورة ،ويصبح قابلا لان يهدى عقودا رائعة القلائد للقاريء الذي هو أيضا يمارس عملية الاختيار والرفض والاستحسان ،وغير ها من الأفعال التي ستصدر عنه وهو يغوص في تلافيف النص !
عملية الاختيار كانت تعرض المبدعين إلى الانتقاد ، من طرف النقاد القدماء ، فيستحسنون اختيار كلمات تناسب سياقا معينا ويعتبرون أخرى من العيوب في الشعر ، وأعجب العجاب أن يفرض عليك في بعض الأحيان قراءة بعض النصوص نقديا فتفشل العملية لانعدام الرابط بين الناقد والنص ولم يخضع النص للاختيار الشخصي !
أنا أيضا لا أقل أهمية عن كل هؤلاء الذين ينساقون وراء أذواقهم من أجل اختيار نصوصهم وقراءتها ، أنا أيضا كقاريء / ناقد أعجب حد الغرام بقصيدة ماء يثيرني فيها شيء من لفظها أو معناها أو صورة من صورها اذ لا بد من توفر أسباب القراءة النقدية في حالة عدم توفر سبب من هذه الأساب، تبوء عملية القراءة بالفشل في خضم الإصرار ،فيدمر النص ! وأعتقد أن هذه القراءة لا تتم وفق ما تمليه المناهج ومدارس النقد على الناقد وإنما مما تمليه عليه ذائقته وذوقه كقاريء ،يتموقف مما يقرأ ،فيعبر عن رأيه في هذه القصيدة أو تلك ! واعتمادا على مخزونه المعرفي في استجلاء طبيعة النصوص الغائبة في مقروئه وإن استقل ببنيته الخاصة ، وفي تفكيك الرموز والإحالات التي تستوجب التفكيك و التحليل والتفسير والتأويل ، وفق ادوات ناجعة وفعالة لخدمة النص ، كالمعول للحفر في الطبقات النصية الرسوبية التي تكون لحمته ، والمجذاف والمركب للابحار في مجاهيل القصيدة باعتبارها بحرا بلا شطآن وربعا بلا حدود ، وكالمبرد والازميل ، للنحت على جسد النص من أجل إبداع لغة ثانية أو ما يسميه النقاد بلغة اللغة أو المتالغة أو خطاب على خطاب أو ميتاخطاب بتعبير المناطقة ، وكالمشرط الذي يشرح جماليات النص دون أن يترك عليه ندوبا أو كدمات !!!
بقلم الاستاذ : صالح هشام *
الاثنين ٢٥ ابريل ٢٠١٦
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق