الأربعاء، 27 أبريل 2016

صارت ركاما محترقا / الاستاذة رفاه زاير جونة / العراق

صارت ركاما محترقا
بقلمي: رفاه زاير جونه
بغداد:العراق
جلس تحت ظل شجرة النخيل الوارف يرقب طريقها التي تسلكه اليه بين الأشجار المتشابكة يتصفح كتابه هامساً في مسامع الأثير أبيات شعر تستهوي القلب برشاقة تراكيبها ورنة أوزانها تثير في روحه الآمال والأميال ثم توارى وراء حجب الدهر ،الدمع في أجفانه ،الحسرة في كبده.لما دنت حبيبته،جلست بقربه. شعر بما يجول في خاطرها فلم يشأ أن يطول الصراع بين ظنونه وهواجسه وضع يده على شعرها كأنه شعر بأن ساعة الفراق قد دنت منهما للآبد. فهمست له بصوت خافت قائلة:القوة الخرساء التي تتخذ الشريعة البشرية ترجماناً عنها قد بنت بأيدي عبيد الحياة حاجزاً منيعاً بيني وبينك روحي لم تطلب فراقك لأنك شطرها الثاني لم تمل عيني النظر إليك لأنك نورهما. القضاء قد حكم عليّ أن أسير على عقبات الحياة مثقلة بالقيود والسلاسل،لا أقدر أن أقول كل شيء لأن اللسان الذي أخرسته الأوجاع لا يتكلم،الشفاه التي ختم عليها اليأس لا تتحرك،كل ما أستطيع أن أقوله لك هو أني أخاف عليك من الوقوع في شرك الذين نصبوا لي الحبائل واصطادوني. تأوهت ملتاعة والظنون تلاعب أفكارها. ثم همس لها بصوت مرتبك ما ألأمر قالت:والدمع ينسكب على وجنتيها، خطبت لابن عمي كأنها أفرغت سهام الدهر بصدره. لم يبقى غير الوداع والتفرق. قال لها:أحببتك منذ الصغر إلى حيث الراحة والطمأنينة. تعالي نذهب إلى بلاد الغرب مستترين بوشاح الليل. هناك نحيا حياة مكتنفة،فلا تنفثنا الثعابين بأنفاسها ولا تدوسنا الطوارئ بأقدامها. فهذه الدقائق أثمن من تيجان الملوك ،أسمى من سرائر الملائكة. هيا بنا نتبع عمود النور فيقودنا من هذه الصحراء القاحلة إلى حقول تنبت الأزاهرة والرياحين”.فهزت رأسها وقد شخصت عيناها بشيء غير منظور تعلن ما في داخل نفسها من الشدة والألم ثم قالت بهدوء “لا لا يا حبيبي،أن الطائر المكسور الجناحين يدب متنقلاً بين الصخور ،لكنه لا يستطيع أن يسبح محلقاً في الفضاء،العيون الرمداء تحدق بالأشياء الضئيلة،لكنها لا تقوى على النظر إلى الأنوار ألساطعة فلا تحدثني عن السعادة لأن ذكرها يؤلمني كالتعاسة،لا تصور لي الهناء لأن ظله يخيفني كالشقاء. أنت تعلم بأنني أحبك محبة لا توقفني الآن عن اتباعك إلى أقاصي الأرض،تجعلني أن أميت عواطفي ،أميالي لكي تحبا أنت حراً نزيهاً وتظل في مأمن من لوم الناس ،تقولاتهم الفاسدة. نفسي عائشة بقربك محاطة بخيالات روجك مغمورة بانعطافك،الأحلام التي تنير صدور النساء المظلومات ،تجعلهن يتمردن على التقاليد الباطلة ليعشن في ظل الحرية لم تمر في خاطري حتى جعلتني أستصغر نفسي،أستضعفها ،أرى محبتنا واهية محددة لا تستطيع الوقوف أمام وجه الشمس. فبكيت بكاء غنيا فقد كنزه.واصلت حديثها مستطردة،حبنا عميقاً كالبحر،عالياً كالنجوم،متسعاً كالفضاء،جئت إليك وفي نفسي المتوجعة المنهوكة قوة جديدة وهي المقدرة على الأمر العظيم للحصول على أمر أعظم ــ تضحية سعادتي بقربك لكي تبقى أنت شريفاً بعرف الناس بعيداً عن غدرهم ،اضطهادهم.أنا شجرة نابتة في الظل،قد مددت أغصاني اليوم لكي تنتعش ساعة النهار.جئت لأودعك.لم تترك له مجالاً للكلام والاحتجاج بل نظرت إليّه وقد أبرقت عيناها فأحاطت أشعتها بوجدانه واتشحت ملامح وجهها بنقاب من الهيبة والإجلال فبانت كناسكة توحي الصمت والتخشع.لما غربت الشمس لمحت أشعتها الأخيرة تبعد عن تلك الحدائق والبساتين انتفضت،نظرت اليه طويلاً تسكب نور عينيها بالدمع ثم تقدمت قليلاً نحوه همست،سأعود الآن فرحة إلى الكهف المظلم حيث تتراكض الأشباح المخيفة فلا تشفق عليّ يا حبيبي ولا تحزن من اجلي لأن النفس التي ترى ظل الله مرة لا تخشى بعد ذلك أشباح الشياطين. سارت للمنزل تحث الخطى مسرعةُ تركته حائراً ضائعاً مفكراً مجذوباً بأناشيد الحب والحزن والخلود. لما صحى من هذه السكرة كان الليل قد غمر الوجود بأمواجه الحالكة،هام بين تلك البساتين مسترجعاً إلى حافظتها صدى كل كلمة لفظتها حبيبته،معيداً إلى نفسه حركاتها،سكناتها ،ملامح وجهها ،ملامس يديها،حتى إذا ما اتضحت له حقيقة الوداع وما سيجيء من ألم الوحشة ،مرارة الشوق جمدت فكرته تراخت خيوط قلبه،علمت للمرة الأولى بأن الإنسان وإن ولد حراً يظل عبداً لقسوة الشرائع التي سنها آباؤه وأجداده،أن القضاء الذي نوهمه سراً علوياً لهو استسلام اليوم إلى مأتي الأمس،خضوع الغد إلى أميال اليوم. فكر بالضغوط النفسية التي جعلت حبيبته تختار الموت بدل من الحياة. زفت لابن عمها وأشعلت بثيابها النار،صارت ركاما محترقا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق