(مقطوع من شجرة)
مثلٌ وقصة
بقلم الدكتور محمد القصاص
منذ نعومة أظفاري وأنا أستمع لهذه المقولة ، ولم أستوعب معناها الحقيقي قبل أن أدرك الكثير من الأمثال والمصطلحات اللغوية الشعبية والرسمية .
بعد أن كبرت وبلغت سنا معينة ، أدركت بأن هذا المصطلح له دلالة كبيرة ومهمة ومؤثرة في حياتنا على كافة المستويات . ولقد تبيَّنتُ المعنى وبكل أسف ، وفهمت مَقْصِدَهُ ، وأقول بكل أسف لأن الدلالة محزنة للغاية ، فهي تعني بأنَّ هذا المصطلح يُطلق على الإنسان المفرد ، الذي لا أولاد ولا أخوة ولا عشيرة ولا سند له . فهو يعيش وحيدا لا مكانة له في المجتمع الذي يعيش فيه ، لأنه لا يُعترف بوجوده كإنسان خلقه الله على هذه الأرض ، من والدين ينتسبان لآدم عليه السلام . متجاهلين قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : كلكم لآدم وآدم من تراب .
أدركت أيضا ، بأننا نعيش في مجتمع قريبا إلى حد كبير من مجتمع ما يسمى بمجتمع الكراهية ، جيلٌ تربى على الوحشية والقسوة وعدم احترام إنسانية الإنسان ، ذلك لأن الشعور الغريب الذي ينتاب الكثير من هذا المجتمع ، يخلق منهم نموذجا لا يعترف بمباديء ولا بأخلاق ولا بإنسانية .
قابلت صديقي ذات ليلة بدون سابق تخطيط ، فاضطرني للبقاء معه طوال ليلي ، ورحت أستمع منه بنهم إلى المعاناة والعزلة اللتين يعيشهما ، وأقسم بالله بأغلظ الأيمان وكأنه في محكمة بأنه لن يقول إلا الحق ولا شيء غير الحق . قال : إن لديَّ من الأولاد والبنات عدة أولاد وبنات ، وكل منهم يبقي نفسه على مسافة بعيدة مني ، فهم لا يستمعون لنصحي كأب ناصح لهم ، ولا يفتحون لي قلوبهم ، وكل واحد منهم يحمل مبدأ شاذا متعصبا لرأي يبعده عن والديه ، بل ويقصيه عن كل القيم والأخلاق التي يفترض أن يعيشها معنا .
أضاف صديقي قائلا : عييت منهم وضقت ذرعا بهم ، ولأني لا أريد منهم أي شيء أبدا ولو على مستوى شربةِ ماء . ولكني أريد منهم فقط أن يتخلصوا من طباع اللئام والكراهية الخبيثة ، التي أورثت لهم من عدة جهات ومصادر لا ذنب لي بها ، ويقول : بالرغم من أنني عشت حياة الاغتراب بأبشع صورها وأشكالها وآثارها المؤلمة ، كي أوفر لهم حياة كريمة بعيدا عن الحاجة وذل السؤال ، أدخلتهم المدارس والجامعات ، ولم أبخل على أي منهم بشيء أبدا ، حرمت نفسي من كل متع الحياة وقدمت لهم ما أستطيع ، إلا أن كل ما قدمت لهم ذهب إدراج الرياح ، وكأني لم أصنع شيئا ، والأدهى من كل هذا بأن أحدا منهم لم يحاول أن يسألني عن حالي أبدا وشكواي وعزلتي وآلامي ..
لكن المعاناة التي عايشتها أكثر من عشرين سنة ، أي منذ اللحظة الأولى التي استغنى بعضهم عني وعن خدماتي .
وأردف قائلا ، كنت أحتاج لأكبرهم بمهام بسيطة ، مثل إيصالي بسيارته إلى أي مكان قريب بعضها لا يكاد يبعد سوى بعض كيلو مترات ، إلا أنه كان يرفض وبشدة تلبية حاجتي مهما كانت ، وكان يأتي بحجج واهية وبرد قاسٍ وبغيض .
لكن المطمئنَ الآن ، هو أنني قد رأيت بأم عيني، بعضا من أولادهم والذين ما زالوا بسن السابعة والثانية عشرة ، يتعاملون معهم بنفس الأسلوب والغلظة وبنفس الطريقة التي يتعامل بها آباؤهم معي تماما .
قال لي : بعد قسم غليظ ، قبل أكثر من خمسة عشر عاما ، اضطررت للدعاء على أكبرهم فحقق الله دعوتي ، وقبل ثلاث سنوات ، اضطررت للدعاء عليه مرة أخرى ولم يخيب الله دعوتي ، وهاهو ما زال يعيش لعنة ذلك الدعاء ، ثم أعدت الكرَّة قبل أشهر ، وما زالت الويلات تهبط عليه يوما بعد يوم ، وها هو يعاني ويعاني ويقاسي ، وما زلت أخشى عليه من الله ضربة موجعة . ومن تجاربي بأنني حينما أدعو الله على أحدهم أدعوه بحرارة وصدق ، ووالله لم يردّ الله لي دعوة ، ولم يخيب لي رجاء .
إنَّ من أكبر المشاكل التي تقف الآن في وجوه الأجيال ، هو ذلك العقوق الذي تفشى في مجتمعاتنا ، إنه والله الحالقة التي لا تبقي ولا تذر ، ولا يسلم من أذاه أحد ، فالويل كل الويل لمن عق والديه أحدهما أو كلاهما ، وجعلهما ممن يصدق فيهم المثل القائل (مقطوع من شجرة) .
الإنسان المقطوع من شجرة ، هو كما أسلفت من لم يكن لديه من الأهل والأولاد والعشيرة أي إنسان يحس به أو يشعر بحاله ، ولكن الله سبحانه وتعالى ، يمهل ولا يهمل ، فكل سيذوق طعم الكأس الذي سقى به والديه إن آجلا أم عاجلا ..
ودَّعت صديقي وانصرفتْ ، وأنا أكررُ في قرارة نفسي دعاءً ، اللهم لا تدع لعاقٍّ ذرية ولا ولدا ولا مالا ولا درهم ولا دينارا ، ولا تسعده في الدنيا ولا في الآخرة ، واجعله ممن يمضي عليهم هذا المثل (مقطوع من شجرة ) والله سبحانه وتعالى القادر على ذلك إنه ولينا في الدنيا والآخرة ، وإنه لسميع مجيب ،،،،
مثلٌ وقصة
بقلم الدكتور محمد القصاص
منذ نعومة أظفاري وأنا أستمع لهذه المقولة ، ولم أستوعب معناها الحقيقي قبل أن أدرك الكثير من الأمثال والمصطلحات اللغوية الشعبية والرسمية .
بعد أن كبرت وبلغت سنا معينة ، أدركت بأن هذا المصطلح له دلالة كبيرة ومهمة ومؤثرة في حياتنا على كافة المستويات . ولقد تبيَّنتُ المعنى وبكل أسف ، وفهمت مَقْصِدَهُ ، وأقول بكل أسف لأن الدلالة محزنة للغاية ، فهي تعني بأنَّ هذا المصطلح يُطلق على الإنسان المفرد ، الذي لا أولاد ولا أخوة ولا عشيرة ولا سند له . فهو يعيش وحيدا لا مكانة له في المجتمع الذي يعيش فيه ، لأنه لا يُعترف بوجوده كإنسان خلقه الله على هذه الأرض ، من والدين ينتسبان لآدم عليه السلام . متجاهلين قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : كلكم لآدم وآدم من تراب .
أدركت أيضا ، بأننا نعيش في مجتمع قريبا إلى حد كبير من مجتمع ما يسمى بمجتمع الكراهية ، جيلٌ تربى على الوحشية والقسوة وعدم احترام إنسانية الإنسان ، ذلك لأن الشعور الغريب الذي ينتاب الكثير من هذا المجتمع ، يخلق منهم نموذجا لا يعترف بمباديء ولا بأخلاق ولا بإنسانية .
قابلت صديقي ذات ليلة بدون سابق تخطيط ، فاضطرني للبقاء معه طوال ليلي ، ورحت أستمع منه بنهم إلى المعاناة والعزلة اللتين يعيشهما ، وأقسم بالله بأغلظ الأيمان وكأنه في محكمة بأنه لن يقول إلا الحق ولا شيء غير الحق . قال : إن لديَّ من الأولاد والبنات عدة أولاد وبنات ، وكل منهم يبقي نفسه على مسافة بعيدة مني ، فهم لا يستمعون لنصحي كأب ناصح لهم ، ولا يفتحون لي قلوبهم ، وكل واحد منهم يحمل مبدأ شاذا متعصبا لرأي يبعده عن والديه ، بل ويقصيه عن كل القيم والأخلاق التي يفترض أن يعيشها معنا .
أضاف صديقي قائلا : عييت منهم وضقت ذرعا بهم ، ولأني لا أريد منهم أي شيء أبدا ولو على مستوى شربةِ ماء . ولكني أريد منهم فقط أن يتخلصوا من طباع اللئام والكراهية الخبيثة ، التي أورثت لهم من عدة جهات ومصادر لا ذنب لي بها ، ويقول : بالرغم من أنني عشت حياة الاغتراب بأبشع صورها وأشكالها وآثارها المؤلمة ، كي أوفر لهم حياة كريمة بعيدا عن الحاجة وذل السؤال ، أدخلتهم المدارس والجامعات ، ولم أبخل على أي منهم بشيء أبدا ، حرمت نفسي من كل متع الحياة وقدمت لهم ما أستطيع ، إلا أن كل ما قدمت لهم ذهب إدراج الرياح ، وكأني لم أصنع شيئا ، والأدهى من كل هذا بأن أحدا منهم لم يحاول أن يسألني عن حالي أبدا وشكواي وعزلتي وآلامي ..
لكن المعاناة التي عايشتها أكثر من عشرين سنة ، أي منذ اللحظة الأولى التي استغنى بعضهم عني وعن خدماتي .
وأردف قائلا ، كنت أحتاج لأكبرهم بمهام بسيطة ، مثل إيصالي بسيارته إلى أي مكان قريب بعضها لا يكاد يبعد سوى بعض كيلو مترات ، إلا أنه كان يرفض وبشدة تلبية حاجتي مهما كانت ، وكان يأتي بحجج واهية وبرد قاسٍ وبغيض .
لكن المطمئنَ الآن ، هو أنني قد رأيت بأم عيني، بعضا من أولادهم والذين ما زالوا بسن السابعة والثانية عشرة ، يتعاملون معهم بنفس الأسلوب والغلظة وبنفس الطريقة التي يتعامل بها آباؤهم معي تماما .
قال لي : بعد قسم غليظ ، قبل أكثر من خمسة عشر عاما ، اضطررت للدعاء على أكبرهم فحقق الله دعوتي ، وقبل ثلاث سنوات ، اضطررت للدعاء عليه مرة أخرى ولم يخيب الله دعوتي ، وهاهو ما زال يعيش لعنة ذلك الدعاء ، ثم أعدت الكرَّة قبل أشهر ، وما زالت الويلات تهبط عليه يوما بعد يوم ، وها هو يعاني ويعاني ويقاسي ، وما زلت أخشى عليه من الله ضربة موجعة . ومن تجاربي بأنني حينما أدعو الله على أحدهم أدعوه بحرارة وصدق ، ووالله لم يردّ الله لي دعوة ، ولم يخيب لي رجاء .
إنَّ من أكبر المشاكل التي تقف الآن في وجوه الأجيال ، هو ذلك العقوق الذي تفشى في مجتمعاتنا ، إنه والله الحالقة التي لا تبقي ولا تذر ، ولا يسلم من أذاه أحد ، فالويل كل الويل لمن عق والديه أحدهما أو كلاهما ، وجعلهما ممن يصدق فيهم المثل القائل (مقطوع من شجرة) .
الإنسان المقطوع من شجرة ، هو كما أسلفت من لم يكن لديه من الأهل والأولاد والعشيرة أي إنسان يحس به أو يشعر بحاله ، ولكن الله سبحانه وتعالى ، يمهل ولا يهمل ، فكل سيذوق طعم الكأس الذي سقى به والديه إن آجلا أم عاجلا ..
ودَّعت صديقي وانصرفتْ ، وأنا أكررُ في قرارة نفسي دعاءً ، اللهم لا تدع لعاقٍّ ذرية ولا ولدا ولا مالا ولا درهم ولا دينارا ، ولا تسعده في الدنيا ولا في الآخرة ، واجعله ممن يمضي عليهم هذا المثل (مقطوع من شجرة ) والله سبحانه وتعالى القادر على ذلك إنه ولينا في الدنيا والآخرة ، وإنه لسميع مجيب ،،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق