الخميس، 28 يوليو 2016

قصة قصيرة // ما حدث الليلة // للاستاذ اظم مجبل الخطيب // العراق

قصة قصيرة 
[ما حدث تلك الليلة]
لم يخطر ببالها يوماً ان ينادى عليها بالممرضة سعاد تلك الطالبة الجميلة المجتهدة التي حصلت على درجة تؤهلها لدخول كلية الهندسة لكنها مجبرة على اختصار زمنها بعامين في معهد الطب الفني لضمان التعيين المركزي حين تخرجها بعد وفاة ابيها اثر نوبة قلبية حادة مفاجئة ولم يترك وراءهُ غير دار مؤجرة تمِلؤها الاحزان والهموم واخوين صغيرين وحضن امٍ هدّهُ العوز والفقر 
لم تعش سعاد عمر الفتيات ليبيت جسدها مقدساً بقرار اتخذته
الاحلام تركزت بأن تغيّر حال اهلها اضمحلت الانانية وتغافلت عن رغباتها وهي تكتم هذا الهدير بداخلها فلم تشأ تسمعهُ لأحدٍ، حكايا العشق لا تغادر مسامعها من ايام الاعدادية مروراً بالمعهد بقيت محصّنة لا تخترقها استفزازات زميلاتها وما حرّك جفنها غزل الاخرين ولا توسلهم للوصول اليها ،هي على دراية كاملة بانها ما جاءت لقضاء ترف او رغدٍ او للانشغال بعلاقات سواء عابرة او ما جاءتها تلميحاً بجديتها .هي هنا لتتخرج باسرعٍ وقت ممكن بعد ما داست على احلامها لتبقى غصّةً عميقةً ودفينة ً لا تخرجها .
مرة خاطبها الاستاذ مع بدء العام الدراسي :
-سعاد انت حصلت على معدل عالٍ ما الذي جاء بك هنا؟
اجابته بقوة لكي لا تسمعها من احد غيره :
-هي رغبتي استاذ لم اكن مؤهلة للطب وهنا جزء منه ُ 
انقضى العامان ولم تنقضِ اوجاع ما قبلهما لتبدأ رحلتها مع الوظيفة التي انتظرتها براتبها البسيط الذي تحاول من خلاله ترتيب وضع اسرتها المتعبة 
الوقت لديها صار ينتهي بين صالة الطوارئ والعمليات والردهات وهي متمكنة من اداء عملها بكل تفاصيله متمرسة عليه بتراكم الخبرة لتفرض وجودها الحقيقي حتى على الاطباء وكثيراً ما اشادوا بمهارتها وخفة يدها وانهاحين تلامس جراح المرضى تغدق خلقاً طيباً عليهم قبلما تباشر مداواتهم بالمشرط والضمادات لكن في نفسها جرح كبير من الصعب التئامه ُ فهي مهما بلغت واجتهدت في عملها تبقى تلك الممرضة التي ليس لها مكان ومكتب خاص بها .جميع الكادر الوسطي هنا مهمل ينظر اليهِ بالهامشية والتكميلية وليست بالضرورية والاساسية فصاحب المكتب والقرار والامر والنهي هو الطبيب وان تدنّت خبرته وكثرت اسئلتهُ عن اشياء يجهلها سوى انها مرت عليه في حصص الدروس ايام كليته.
سعاد اصبحت شاغلة الناس ليس لجمالها فحسب ولكن لشخصيتها القوية وحضورها مما دعا الاخرين في توقف واعجاب دائم عندها .كما رصدتها النفوس الدنيئة واللئيمة الحاسدة والحاقدة لتشن عليها حملة دعائية شرسة من قبل احداهن يساعدها بالخفاء طبيب لطالما التمس غراما وهياما كاذبا خادعا منها وهو لم يصرح لها رغبة واضحة بالزواج،فهو مازال يعيش في بيئة ارستقراطية تنظر بعين متدنية لمن هو أقلّ منها شأنا وجاها ومالا ويحسب الفقراء دمىً للّهو واللعب عليها حتى اضطرت بسبب ملاحقتهِ أن تواجههُ:
-ماذا تريد مني دكتور سامي؟
-وماذا اريد منكِ غير الذي في بالي ؟
-ومالذي في بالكَ؟
-ان تكوني لي 
-زواج تقصد؟
-ايّ زواج ؟انا طبيب ،ما بكِ انتِ؟
-اذهب الى غيري جئتَ المكان الخطأ،وان لم تتوقف عن مطاردتي سأخبر مدير المستشفى .
بعد سماعهِ خطابها الاخير تركها كمن كُسر كبرياؤهُ وجبروتهُ وغرورهُ وراح يعدُّ الدسائس والمكائد مع التي ارتضت لنفسها سوء الخلق وباعتها للشيطان حقدا وحسدا على سعاد ،تلك هي الخائنة عهود .
في ليلة خافرة جمعت الثلاثة سوية وبعد تمام مرور سعاد على مرضاها الراقدين وخلودها للنوم تدخل عليها عهود بتوجيهٍ و وتدبير من سامي وبيدها حاوية صغيرة من مادة التخدير تمررها على انف سعاد الجميل لتجلبها بعد ساعة الى غرفة الطبيب ودون وعي منها ، تضعها على السرير لتشهد عديمة الخلق وهي خلف الباب على أنّات الجريمة وهمهمات الرغبات المجنونة للاعتداء على جسد سعاد الطاهر دون شعور وحراك منها ليفتح بعد حين الباب بأشارة منهُ ولتقوم اقبح خلق الله بأعادتها الى مكان نومها وقد تركت خلفها بصمات قطرات الدم التي اسقطت منها والتي لا يمكن ازالة آثارها لو استحمت صباحا .
استيقظت سعاد صباحا لتدرك ما حلَّ بجسدها دون ان تعلم كيف ومتى واين ومن فعلها .تمرُّ الايام ثقيلة عليها ،غابت ابتسامتها ،لا تستطيع البوح لاقرب الناس فهي كمن يمشي بلا دليل وما تقولهُ يصبح ادعاءا فلا شاهد على ما جرى عليها ولو كشفتهُ فهي الفضيحة التي تخشاها ،لكن شكوكها تحوم حول الطبيب ولا وسيلة لاتهامها لهُ بغير برهان وهو لم يترك أثراُ لجريمتهِ تلك الليلة حتى انها ليست على يقين تام بأنهُ هو الفاعل وهل تمكن منها وهي في فراشها ام في غيرهِ لانها مخدرةٌ تذكر فقط انها خلدت للنوم ساعتها حينما غلبها النعاس .
بدأ الحزن على سعاد يتّضح على ملامحها وابواب الحلول امامها مغلقة تماما ،الايام تمضي ،يزداد ما يترتّب على تلك الحادثة بما تشعر فيه بين احشائها ولسان حالها يقول :
-ماهو الحل؟
-اين اذهب؟
-من يصدّقني ؟
-من يخلّصني ؟
أغلقت جميع المنافذ بوجهها وكم صعب ومؤلم حين يفكر الانسان لوحده ،قالت في نفسها :
-مادام كل الظن بانهُ هو من فعلها فلماذا لا اتقرب منهُ متوددةً ولا بأس لو تأكدتُ بأنهُ هو من اغتصبني
الصراعات في داخلها تغلي ثم قالت في نفسها :
-هل تبقّى لديّ شيء اخشى عليه بعد ان فقدتُ عفّتي وشرفي ؟
لم يكن امامها بعد تفكير طويل غير باب مدير المستشفى لتخبرهُ بالتفاصيل عن بدايات تحرّشهِ بها المتكررة ومحاولاتهِ الكثيرة وان شكوكها وظنونها لاتبتعد عنهُ ،قالت للمدير:
-دكتور تساعدني بأن تكون مستمعا وشاهدا لما سيدور بيننا مع تسجيل حوارنا حين اوقعهُ بغرامي من جديد 
-سعاد بابا هذه مسؤولية كبيرة ولأنّي أعرفكِ جيداً فأنا أصدّقكِ ومن اجل الوقوف الى جانبكِ وانت بهذه المحنة الكبيرة.
مدير المستشفى اشركَ معهُ من يثق بهِ وهو ضابط امن المستشفى .
تدخل سعاد الى غرفة الطبيب وفي حقيبتها جهاز التسجيل دون علمٍ منهُ بما يخطّط لانتزاع الاعتراف بجريمتهِ وابتدت سعاد حديثها :
-كنتُ موهومةً انا الان لك جسداً ويمكنكَ ان تأخذ منّي رغباتك المكبوتة 
-سعاد ،لا أصدّق انت هنا 
-لا ،صدّقْ ولكن لا تؤلمني كما فعلتها في المرة السابقة 
-كنتِ فاقدةً للوعي فكيف وصلكِ الالم ؟
-يا سامي الالم وصل اعماق نفسي 
استمرّ الحديث بينهما ليسرد لها تفاصيل تلك الليلة وانها تمّت بمساعدة عهود .
سعاد اتفقت مع مديرها على وقت محدد للدخول عليهما وتمَّ لها ذلك ليواجه الطبيب بجريمته ِ متهماً صريحاً وبوجود ضابط الامن ليذهب مخفوراً ومعهُ عهود في صباح اليوم التالي الى مركز الشرطة .
بعد ثلاثة اشهر يقف سامي وشريكته بالجريمة ليجيب على سؤال المحكمة :
-اجبْ المحكمة هل اغتصبت سعاد الباكر ؟
-نعم سيدي 
-وهل تقبلها زوجة لكَ بعد موافقتها ؟
-نعم سيدي اقبلها 
القاضي ينادي على سعاد الجالسة امامهُ لسؤالها :
-بابا سعاد هل تقبلينهُ زوجاً لكِ
-لا سيدي لا اقبلهُ لانهُ عديم الاخلاق والشرف والغيرة والضمير فكيف اقضي حياتي القادمة معهُ؟
بعد فراغ القاضي منهما يتوجهُ بالسؤال الى المتهمة عهود وهي واقفة في قفص آخر مجاور:
-طيب وانتِ لماذا فعلتِ كل ذلك بسعاد ؟
-نعم لاني حاقدة عليها فهي جميلة وتمتلك محبة الجميع وناجحة في عملها وحديث المنتسبين بأخلاقها مما غاضني فصرت اكرهها وأغار منها ولو تمكنتُ لقتلتها .
استمع القاضي لاعترافات المتهمين وثبوت الادلة عليهما وكذلك سماعهِ للمجني عليها فيرفع الجلسة للتداول ثمّ يصدر حكمهُ حضوريا وعلناً باعدام سامي وبالسجن عشرين عاماً على عهود .
سعاد غادرت المستشفى لتبدأ مرحلة اخرى من حياتها بالعمل مساءً في مختبر للتحليلات المرضية وصباحا تلتحق بكلية الهندسة الاهلية لعلها تجد ما ينسيها تلك الليلة .
.................................................................................................
كاظم مجبل الخطيب -العراق=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق