الاثنين، 25 يوليو 2016

دراسة نقدية بقلم الاستاذ عدنان ابو اندلس // لنص عطر الليمون // للاديب الهانئ بن عقيل // العراق

شكري وتقديري للناقد العراقي الكبير ( عدنان ابو اندلس ) على هذه الدراسة الفريدة في رؤاها وادواتها النقدية لقصديتي ( عطر الليمون )

........................................................................................................................

عدنان أبو أندلس
إن مفردة العطر تحاكي أذواقنا صمتاً ، وتستدرج حواسنا بنغمة منعشة وبهجة أنيقة ، تنعشنا بإستحضارات نفسية حين الإنفعالات التي تطرأ ، إنها تنطوي على أريحية وإنتشاء للنفس ذاتها ، إن دلالة عمقها الروحي هي بث الآمال فينا قبل الإقدام بعملٍ ما ، هذا التجمل له دافع مؤثر كأن يكون – حفلة عرس – موعدٌ – أناقة ، هذا مايلاحظ عند العشاق أولاً ، إضافةً إلى تأثيره بالتهدئة للجهاز العصبي ، فكيف إذا كان العطر مصدرهُ الليمون !… هذه المفردة الضاجة بالشفافية والليونة ؛ من حيث النطق والتحسس اللوني لها ،حتى أن حروفها اللينة الممتلئة نغماً نتحسسها حين النطق بها ، تغزل بها الشعراء وأنشدها المطربون بـ ياليمونة ياحياتي ! لما لها عمق دلالي في التشبيه للعاشقة ،بلونها الأصفر من الذبول والإعتصار والإحتصار – الشحوب – دليل العشق والذوبان ، حتى أزهارها يطغى عليها اللون الأصفر ؛ أما إذا جمعت مع قرينها العطر – فتصبح – عطر الليمون – فيكون عندئذ حسها السحري الناطق بوقع خاص في النفس ، ولها من فصائلها الأخرى – البرتقالة – والتي أفرد لها الشاعر كاظم الحجاج نصاً رائعاً يقول فيه : إني فتىً كالبرتقالة شاحبٌ \ والبرتقالة لاتخاف \ لكنما يصفر وجهُ البرتقالة \ كلما إقترب القِطاف .فالعشق هو تداخل الروحين معاً ببعضهما حتى يصار وحدة متماسكة من حيث الإحساس . إن القصيدة في متنها تحرك فينا الشعور الذاتي بالطعم واللون وذلك بتداخل التشبيه والمقاربة والملامح :
عطر الليمون
————-
————-
على
حدائق اصفهان
ثمة انفٌ يتجول
خلف ليمونةٍ خجلى
فاح عطر ( الجادور)
كقارورة
عاشقةٍ
وشمت على صوتها
شهقات الجبال
ودبكات الخزر
( كيكوش)
انا مقبلة ويحي
( من آمده ام)
نغمٌ آزوردي
تتعرشه
عناقيد من الاحزان
وتأريخ من غزوات
شرفةٍ والهة
لعاشقٍ حزم حقائبه
ليلاً
مخلفاً وراءه
طعنات
من عطر الليمون
على انفٍ
يشهق بالعطاس والنحيب
ثنائية التشبيه :
على
حدائق اصفهان
ثمة انفٌ يتجول
خلف ليمونةٍ خجلى
فاح عطر ( الجادور)
كقارورة
عاشقةٍ
وشمت على صوتها
شهقات الجبال
ودبكات الخزر
قد يبدو من المستهل بأن الشاعر هو سائحٌ بإمتياز ،لقد كتب نصهِ من مشاهدة عيانية بوصف بديع وبإنبهار ربما لم يشاهدهُ في موطنهِ ،فكان حسن الإختيار الموفق ” حدائق أصفهان ” فـ أصفهان \ أصبهان كما يطلق عليها العرب ، هي من أجمل مدن المعمورة ،حتى يصفها ساكنيها بـنصف العالم \الدنيا وكما المثل الرائج بينهم : “أصفهان نصف جهان” وذلك لإمتلاكها إرثاً حضارياً مكتملاً لتأريخ البشرية بعراقتهِ وتنوعهِ وتداخلهِ ، وحين نذكرها يخال إلينا أنها صفراء اللون، ويمكن أن نقول بأن حرف الصاد قد غطى على الحروف الأخرى فأصبغها بلونية العشق ، لذا تراهُ يتابع حركة جمالية وبتشبيهٍ لونيٍ أخاذ ، أنفُ يتجول = سائحٌ يترصد \ ليمونة خجلى = فتاة عاشقة بحياء \ الذي جمعها هو – العطر- خلف ليمونة = وراء فتاة ،إذن يتقبل التشبيه الثنائي المقارب –التناوب التعويضي –التخيير الحسابي – خلف ليمونة – وراء شجرة يترصد ، فكان مشهداً تراسل بهِ حاستين معاً – الشم – وتأثيرهما من قبل العبق الذي يفوح من الشادور – اللباس الذي يلم جسد الأنثى ،وكما هي العباءة عندنا ، كـقارورة عاشقة – القارورة – وعاء لحفظ السوائل كما هي الأنثى بالتشبيه من حيث سهولة الكسر والحفظ معاً ، عاشقة – شاحبة اللون كما هي الليمونة المعتصرة الناضجة حدّ الإستذواق ، فسببها إحتراق روحي \ داخلي من مضاعفات لواعج الحب والإفراط بتعاطيه ، شهقات الجبال = دبكات الخزر \ قد نراهُ إستبطن رؤىً أخرى لاتطاوعهُ إلا في المخيلة كأنزياح خفيف ولوهلةٍ –شهقات الجبال- رؤية بصرية مخيلة ، وهكذا من خلال رصدهِ يلاحظ ذلك من التشبيه – حدائق اصفهان =مسرح الحدث =خفقة قلب = مستلذ لحظوي لـ سائح ،سيحمل حقيبتهِ ويغادر ،فما يبقى عندهُ إلا الذكرى .

كيكوش)
انا مقبلة ويحي
( من آمده ام)
نغمٌ آزوردي
تتعرشه
عناقيد من الاحزان
وتأريخ من غزوات
التحسس اللوني :
إن التحسس اللوني قد يبدو جلياً في شحوب وجه المغنية – كيكوش \ كوكوش – الآذرية – الصفراء ذات الملامح العشقية – الجنس الأصفر – ذبول ، وها هي تنادي “أنا مقبلة ويحي – ماذا سيجري لكَ حينئذ !… كلام في العشق لهائم – متخيل جمالها البرونزي، أما التي – لايدري أن تسير خطاه ، لكن قد أرى توظيف لم أستحسن تأويلها هي مفردة – آزوردي – أراها قد تكون المفردة – لازوردي _ أو ربما نغم آخر لفن الغناء ! حيث من المتعارف عليه هناك لون لازوردي – سمائي لضفاف سواحل البحار والمحيطات، ربما نعود إلى الثنائية ونقارن بأن – عناقيد الأحزان = تأريخ غزوات – لما لهما من أثر نتيجة صراع –فالتعريشة تواكب بكل دقة ،فقد جاء بتوصيف بناء وتشبية مميز للمقاربة .
شرفةٍ واله
لعاشقٍ حزم حقائبه
ليلاً
مخلفاً وراءه
طعنات
من عطر الليمون
على انفٍ
يشهق بالعطاس والنحيب
الملامح العامة :
من الملامح العامة لمتن النص ،نرى بأن المؤثر للصراع هو العشق ربما هو الحتمي ، إن تأثير النغم بإنسيابية العزف من تلك الشرفة ،قد أبدع في سماعهِ للمؤثرات التي جعلتهُ يشدّ الرحال حازماً حقائبةِ ، مودعاً المكان بترنيمة وداع تليق بتجوالهِ وتحسسه اللوني الذي إصطبغ بملامح عشقهِ ، لكن لِمَ رحل ليلاً – متستراً بعتمة ومخلفاً وراءهُ آهاتٍ قد لا يطيق سماع المعشوق فيتبعهُ ، غير أن الطعنات اللذيذة والشفيفة واصلت مداها البعدّي والزمني بتخطي مسافة البعاد ، فـ القارورة والعاشق والعطر تداخلاً بكل قوة في المتن النصي ،فـ الأنف – دلالة وإستدلال حسّي فائق في التميز الجمالي وإستذكارهُ الذي ينمي عن عطاس روحي ونحيب حياتي بشهقة لاتعاد ربما .
المكان الأثيري – حدائق أصفهان – قد لازم النص كاملاً مسايراً صورهِ لقطة بلقطة ، علماً بأنهُ وظف مرة واحدة في المتن ، إن روحية النص تتغذى من جمالية المكان وإلا ما فاضت بصيرة الشاعر بهذا الإسترسال السيال بنغم متواصل من ملامح متقاربة وثنائية متشابهة وتحسس لوني ماوراء الإستبصار العيني ربما يقال هكذا ! …

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق