الاثنين، 25 يوليو 2016

ملف خاص بموسوعة المبدعين العرب والانسانية جمعاء // للاديبة المبدعة فاطمة سعد الله // تونس

فاطمة سعد الله

السيرة الذاتية
****
الاسم فاطمة محمود سعدالله
****
الشهادات العلمية :
الأستاذية في اللغة والآداب العربية ــمن كلية الآداب والعلوم الانسانية {الجامعة التونسية }
ومعها شهادة تكميلية في اللغة الفرنسية المعاصرة ولغة الصحافة
المهنة أستاذة لغة وأداب عربية بدرجة أستاذة أولى فوق الرتبة ..
أم لأربعة أبناء وجدة فخورة بحفيديْن رائعيْن ..
المنشأ والدراسة ..
أنا ابنة الجنوب التونسي ..ابنة مدينة واحات النخيل "قبلي" الشهيرة بدقلة النور ..من هناك بدأت رحلتي..تغذيْت بحب الطبيعة والحج الى ظلالها الوارفة في أوقات فراغي ..عشقت النخيل الباسقة والظلال والسواقي وعطور الرياحين ..عشقت المساحات الشاسعة المفتوحة وخاصة اذا كانت حقول قمح في فصل الحصاد ..بهذا الموطن وبدأت أنصت الى موسيقى الوجود ..عشقت التأمل والكتابة والبحث والرسم بالكلمات ..بمدينة قبلي فككت طلاسم الحرف وبدأت رحلة الكتابة والمعرفة ..أنهيْت بمدينتي مرحلة التعليم الابتدائي وانتقلت الى مدينة قابس لمواصلة التعليم الثانوي فعرفت السفر لأول مرة ..ولأول مرة جربت الغربة والبعد عن الأهل ..لكني شددت العزم وعلقت همتي بشهادة الباكالوريا شعبة الاداب الكلاسيكية {الثانوية العامة} وتحصلت عليها من المعهد الثانوي بقابس الذي مازال شامخا حتى اليوم .
الرحلة مع الكتابة ..
بدأت رحلتي مع الكتابة متواضعة ككل المغرمين بالمطالعة من الأطفال منذ المرحلة الابتدائية
كنت أطالع وألخص القصص بإسهاب مبدية إعجابي بل أكتب أحيانا مثلها ولكن في المرحلة الثانوية حدث المنعرج الهام في حياتي الأدبية ..درست على يد أستاذ لغة عربية جعلنا كلنا وقتها نعشق اللغة ونمارس الكتابة كان الأستاذ محمود بوفيف ــباركه الله ان كان على قيد الحياة بعد ــ كان يقول لي :"أتنبأ لك بمستقبل زاهر في عالم القصة والادب "" ولكني تأخرت في تحقيق نبوءته ..رغم أني بدأت في تلك الفترة بكتابة محاولات متنوعة بين الخاطرة والقصة القصيرة والشعر ...
وبعد حصولي على شهادة الباكالوريا انتميت الى كلية الآداب بالجامعة التونسية واخترت شعبة الآداب وهناك انطلقت مرحلة التكوين الحقيقي فانغمست أنهل من أدبنا العربي قديمه وحديثه وحرصت على إثراء لغتي وتشذيبها بالاطلاع على أمهات الكتب في اللغة والأدب كالأغاني لأبي الفرج الاصفهاني والشعر والشعراء لابن قتيبة والخصائص لابن جني وغيرهم كثير كما أني حاولت الاستفادة من أساليب النقد المختلفة لدى كتابنا العرب وغيرهم من الغربيين ...
وانتهت مرحلة الدراسة لتحل بعدها مباشرة مرحلة الصمت والسكون ..اذ دخلت بعد التخرج مباشرة معترك الحياة العملية كمدرسة لغة واداب عربية في مختلف معاهدنا الثانوية وعرفت ايضا تجربة التدريس بالبلد العربي الكويت كما أن الحياة الأسرية من زواج وأبناء أخذت كل وقتي واهتماماتي ..انكببت على أطفالي الأربعة رعاية وتأطيرا ولكن عشقي للكتابة لم يفتر وحلمي باقتحام عالم الأدب والثقافة ظل هاجسي ..فكنت أكتب وأخفي ما كتبت في أدراجي
وأحيانا أنسى ما خط قلمي ولاأعثر عليه الا عند ترتيب درج أو خزانة ..
تعرفت على كاتبة تونسية تكتب للأطفال باللغة الفرنسية فاقترحت علي أن أترجم ماتكتبه وأنقله الى اللغة العربية ,,وأعجبتني الفكرة وخاصة مكتبة أدب الطفل ليست ثرية فوافقتها على ذلك وانطلقنا معا ..شجعتني على نشر كتاباتي عندما اطلعت عليها ..آمنت بحرفي ولامتني على ترددي وخوفي ..فتشجعت
..وكان ميلاد مجموعتي القصصية الأولى "الزواج الأبيض" سنة 2006
وتلتها مجموعتي الثانية "الصعود الى الأعماق " سنة 2008
أما تجربتي الشعرية
فقد تأخرت بعض الشيء
..بدأت بالنشر أولا على شبكة التواصل الاجتماعي ..فشجعني الكثيرون من الأصدقاء على النشر ولهم الفضل في ذلك لأنهم آمنوا بحرفي ودعموني
..وهكذا كان ميلاد ديواني الأول "أمواج وشظايا " سنة 2015 ويتكون من 55 قصيدة نثرية توزعت على 181 صفحة منها المقدمة الرائعة التي خصني بها الأستاذ الشاعر شكري المسعي ..
تنوعت قصائد هذا الديوان بين وجدانية ووطنية وانسانية ورمزية وتأملات فكرية وظفت فيها التراث والتاريخ والأسطورة وغيرها من منابع المعرفة الانسانية ..
منها ما يلي :
وطني أخضر ..
وحبي له غصن أثمر
قبل أن يزهر ..
حبي له نديّ
غض طريّ
سامق ..ممتد وفي الأعماق ..
تجذر ..
كما أنني لم أنسَ وطننا الأوسع فلسطين خصصته بحرفي في مناسبات عديدة
..فلسطين جرحنا الذي لن يشفى الا بالتحرير والعودة شامخا كما كان وسيظل ..
يا قدسُ ..يا قِبلة العطاشى
يا أرضَ البرتقال الحزين ..
حلمنا بالتحرير ..يرحل اليْك
وقسما بعيْنيْك ..
بأجدادك ..
بأحفادك ..
بكل شيء لديْك
أن النصر قادم
وأن ريش الأجنحة والقوادم ..
سيحلق في سمائك ..
{من قصيدتي :فلسطين "}
كما أن لعناصر الطبيعة مساحة في هذا الديوان بين بحر ونخيل ومطر فأنا أعشق المطر ..
ومن قصيدة بهذا العنوان أنتقي ...
آهٍ أيها الليل لمَ ابتلعت النجوم ..؟
وأنت أيها القمر المتواطىء ..
أكمل المسير ..
نحو دورتك المحتومة
فأنا ..لن أخشى العتمة الجاثمة على صدرك ..
أنا أطرّز النجوم ..
وأنسج الغيوم ..
ليولد المطر ..
مطر ..مطر ..
كما تشرفت بتقديم أعمال مختلفة لبعض الأصدقاء كتاب وشعراء العرب { من العراق والمغرب الأقصى وليبيا } ومنهم أبناء وطني تونس ..قدمت دوواوين شعرية ومجموعات قصصية بدراسات تحليلية نقدية ..
أما الترجمة فكانت لي بعض المساهمات في نقل ما كتب باللغة الفرنسية الى اللغة العربية ككتابات لطيفة ربانة الكاتبة التونسية منها ..تونس متحفي سنة 2003 وتونس واحتي 2005
كما ترجمت بعض أعمال شعرية لمجموعة من الأصدقاء
..من فلسطين :الشاعر يعقوب أحمد يعقوب
والشاعرة ايمان مصاروة
والشاعر فريد قاسم غانم
ومن اليمن الشاعر عبدة الزراعي
ومن العراق الشاعر محمد الوسيم وغيرهم ..
غايتي من الترجمة الى الفرنسية تتمثل في كسر الحاجز الذي يُعيق أدبنا العربي من الانتشار ..ومازلت احاول تحقيق هذه الغاية وعلى الله الاتكال ...
أما بالنسبة للحراك الثقافي فأنا ليست لي نشاطات كثيرة ..لكني أشارك من حين لاخر في بعض الأمسيات الشعرية أو الملتقيات الأدبية ..
شاركت في تحكيم ملتقى القصة القصيرة جدا بالمكنين المدينة الساحلية النشيطة ..وحصلت على شهادت تقديرية من دار الثقافة هناك ...
وأشارك حاليا في تحكيم الكثير من المسابقات بمجموعات كثيرة على الفيسبوك أذكر منها واحات الشعر وجمعية الابداع الثقافية والديوان ملتقى الأدباء ومجلة نجوم الأدب والشعر ..
وحصلت منها جميعا على الكثير من شهادات التكريم ..
أنا عضوة باتحاد الكتاب التونسيين منذ سنة 2009 وكذلك حصلت على عضوية بعض المجموعات الأدبية الهامة منها البيت الثقافي العراقي التونسي وجمعية ابداع الثقافية ورابطة المرفأ الأخير والميدان ملتقى الأدباء وغيرها من المجموعات ..
والله المستعان ...
تونس 26 1 2

8 قصائد



ـــــــ غثيان ــــ

في الطريق المعبّد ..بالجماجم
يرقصُ السّرابُ حول نفْسه ..
كنتُ أبحث عن جمجمتي ..بيْن قهقهاتِ أفواهٍ درْداء..
هل وجدتـــُني ؟
لاأدري ..ربّما ..
امرأة تحمل أكياس رمادٍ ..أرى
لم أعرفْني ..
يزغردُ رأسها شيْبـــًا ..هربتْ منه كثيرا ..
بعيدا
لاحقها ..
قهرها ..استقرّ
هي ذي ..تبحثُ عن أسنان ..نظمتها
بعناية ..
حفظتها من ألصّدإ
لكنها ..ضاعت ..
تركتُ جمجمتي ..ركضتُ
فزعتُ مني..إليّ ..
تسلّقتُ ظل نخلة عجوز
تمنّتِ الإنجاب..
سالت دموعُ الشمس ..خيوطَ دهشة وفزع ..
تأرجحْتُ ..
توكّأتُ على عصا موسى ..
انفلقتْ كلّ الجماجم ..
ضاعت الألوانُ والمعالم ..
سرْتُ على ظهر غبارٍ فضّيِّ القذا ..
من شجرة الموْز العقيمة ..تدلّتْ أذرعٌ مقطوعة
جروحها ..
مثخنةٌ ..حليبا مرّا
يسيل لعاب حتــْفٍ حدّده الفناء..
قبل البدْء بأميالٍ
أدور حول عيْنيّ "البصيرتيْن "
لا أجد لساني ..
حزن الجدارُ المكدّسُ في ظلّ المساء ..
لم ألمْلمْ أشلاء كينونتي ..
لا ساعدَ يشدّني ..
يتحرّك سريرُ الرّعْب ...تحتي ..
أفقْتُ ..
لم أنمْ بعدها أبدًا ...
فاطمة سعدالله ..تونس ـــــ
Haut du formulaire






غربان وطواويس
****
شعر / فاطمة سعد الله / تونس
****
في عمق البكاء ...
في قلب النحيب ..تنبت زهرة البنفسج..
تورق نبتة الحزن ..تمتد جذور الدهشة ...
تتسلق جدران الوجوه والزمن ...
تتماهى الوجوه والأقنعة ..
ترتدي الأقنعة الأ لوان ..
وينسلخ الحياء ..
تحترق الوعود والصدق والحقيقة ..
تحترق الأجنحة..
يرتدي الغربان أذيالا قزحية ..
يختال الغربان ...طواويس أعجمية ..
شيوخ قبائل جاهلية ..
يتهادى الخداع ..
واللغة خرساء ..
والحلم ودّع الفضاءات الممطرة ..
ليعتنق قرن الشمس ...
تمتد عقارب الوداع ...ثعابين ..ألسنة نارية ..
براكين فوارة ..
حمما تتقن الدوران..
رمادا ..لا طائر ينتفض نحو الانبعاث ..
من جديد..
العنقاء ..لن تعيد ..
رقصت رقصتها الأخيرة ..
وذرّت رماد الفينيق على قمم الزيف ..
سقطت الأقنعة..
وانبلج الانسان مكشرا أنياب السباع ..
وسكن فحيحه كل البقاع ..
وللإنسانية فينا ..وداع الوداع ..
عث فراغا فينا أيها الغدر ..
عش سوادا فينا أيها العمر..
فلاحياة ستنادي ..
حناجرنا سترتج..
وأصواتنا لن تحتج..
أصواتنا راهنا عليها ..ذات احتفال جنائزي ..
****
.
فاطمة سعدالله ــــ تونس ــــ
01 /01/ 2015








قُـــــداسُ   الوجـــع
  حيّز  الشمس ...
يؤنْسنُ التراث والحضارة ..
يدْفِىء التاريخ
وزوايا الذاكرة
وعلى سطح الحرف ..يطفو زبد الرجاء ..
جفاء ..
لا يبقى على الشفاه...
سوى البريق ..
أملا ينبت في تجاعيد الحشا ..
وشْما محفورا ...
ممهورا ..بالسلام ..
وُريْقات الصبر تتراقص ..
في قلب الياسمين ..
تعْبق بالصد ق الواقف
في وجه الترّهات ..
وشفافيّة الخفقات ..
تُحْصي الوميض خفقة .خفقة ..
في شرايين الوجد والوجدان ...
تسابق الأرق ..
تعانق حرارة الأنفاس ..
ويهمس البقاء..
في عيون الوجل ..
وعلى ثغر المسْك ..
يضوعُ  الغفران ..
والنّيلوفر يهمس في
أذن الّليْلك والبيْلسان ..
ينشُد الأمان
يوقظ الإنسان في الإنسان ..
والقمرُ جاثمٌ على ..تلّة الانتظار ..
يصافح شطآن الألم ..
يمسح بقايا دموع ..
تُحشْرجُ على خدّ الوجع ..
والشموع ...
تراتيل بيْن الضلوع ..
وقُداس الأصيل يدق النواقيس ..
في محراب التراب ..
وتبْر الالتقاء
في صدر النهاية ...
فاطمة سعدالله   ــ تونس  ــ






  و تمرّد القمر

القمر معتقل في متاهات الشوك ..
وهناك ...تشهق النجوم ..
تتصادم المجرّات والغيوم..
وعند برزخ الكلام ..
بين الحرف والحرف ..
تتأرجح الخرافة على حبل الوجع ..
تتكدّس الدقائق ..
على عتبة تاريخ ثاكل ..
السماء خرساء..
والقمر مقيّد بالأصفاد ..
تتكدّس الثلوج ..في أنساغ الفصول ...
تتهادى شمس السنين ..
تجرّ أذيال الانتصار ..حارقة
تتساقط الأوراق ..
تتعرّى شجرة الذكرى المريضة ..
أمام المرآة ..
الزجاج المشروخ ..
يبحث عن الشفافية ..
والقمر الأحمر موجوع ..
يتأرجح بين الفراغ والفراغ ..
أسارير الفجر ..نسيت الانفراج ..
هرمت البسمة ..
تساقطت أسنان الهمس ..
واحدة واحدة ..
فم الحياة أدْرد ..
يصفّر بين فكيه الفراغ ..
والقمر هناك..في انتظار ..
ضربة البداية ..
أو صفّارة النهاية ..
لكنه لن يرث هوان بروميثيوس ..
ولن ينهش الرخّ كبده...
سيتمرّد القمر ..
على الأغلال والانحدار ..
فاطمة سعدالله ــــ  تونس ـــ






ـــ منذ ألف لهفة ولهفة ــــــــ

نوافذي ...مشرّعة
تصغي لهمسات الريح ..
من وراء زجاجة مشروخة ..
تتراقص أطياف المنى ..منذ ألف حلم
وحلم ...
أنتظرت مدينتي أن يغسلها المطر ..
واشرأبت أعناق السبات ..
في خفر ..
تتلمّس الرحيق ..
والطريق ...
تراودها اليقظة منذ ألف أسطورة ..
والظلام يسكن الكهوف ..
والحروف ..
تتوسّد الصمت ..
والليل بالوصيد ..
ينتظر انبلاج القصيد ..
والشمس تزّاور ذات شمال
وذات حياء ..
والأرض تنزف وهما ..وهذيانْ
وأحلام الصبايا ..
ومراكب الدخانْ
تحشو جراح الذاكرة بالوجع والأنين ..
ومتاهة السنين ..
تركض في جزر اللهفة ..مالحة ..عطشى ..
تعكس المشتهى ..والوعود
تلوّح عند سدرة المنتهى ..
بألاّ فراق ..
وألاّ لقاء ..
ووجهك الملوّن ورقات متساقطة ..
ورؤى سرابية الهُلام
والكلام ..
حروف متناثرة ..
عاقرها العقم ..وسُوس النخاع ..
وأنت صدق أجوف ..
ووجهك الآخر ..عملة مزيفة
رصيدها كلام ..
وهجهها جليد وأوهام ..
وريح تولول ..منذ ألف لهفة
ولهفة ...
فاطمة سعدالله ــ تونس ـــ

22Fatma Saadallah
ـ






ـــ سِفْرُ الليْلِ ـــــــ

منذ خمسين ظمأ إ لا قطرة ..
شابت الأحلامُ
حسرة ..حسرة ..
تشابكت الأوهام ..
تدفقت الأيام ..
ظللتُ أركض ..عشرة ..عشرة ..
ظلت الأرض في دورانها المعهود ..
كادت القيود ..
تكسّر قرنيْ الثور ..
تفرش درب التبانة بقشور الانزلاق ..
والرمالُ الفوّارةُ ثملى
بلا عنب ..
ستائر الليل المثقوبة ..
يطلّ منها الشتاء ..
يرقِصُ الثلج في النخاع ..
وتلك الذراع ..
مبتورة الأحلام ..
تطل من شقوق ذاكرة صدئة
تخونها الأنفاس النحاسية التردد
على جنباتها ألوان الربيع
ترتق خجل الخريف ..
تستر سوأته ..
تلك التي عجز الدمع ..
عن غسلها ..
تلك التي لم يؤبّنْها الهذيان
انعقد لسانه ..
دقت ساعة الرحيل ..
رقص ال"الباندول" يمنة ويسرة ..
ليتكىء الصمت ..
على ظهر العزلة ..
في مضمار الوهم
تركض النجوم ..فزعة ..
تركض ..تركض ..
نحو انبلاج الحياة ..إلا نبضة .
ينسدل الفناء
تصمت السحابة العقيمة
فلا قمر ...لا نجوم
لامطر .....لاغيوم
لا أنت ..لا أنا ..
سوى وسادة الأشواك
تتلو سِفْر الليل ..
تسطّر الوجع ..
يقف الشجن وأنا ..
وعند منعرج الزمن ..تقف أنت ..
قبل مفترق الضياع ...
إلا غفْوة ...
فاطمة سعدالله ــــــ تونس ـــ






ــــــــ الصمت ــــــــ

كم أنتَ بارع ..أيها الليل ....
تسكب الصمت على
شفاه البوح ..
ترسم الصمت وشاحا للشمس
تلبس النجوم عباءة
الكتمان ..
التجهم
الوجوم ..
جادة رسمتها باقتدار ..
ممّ تستحي أيها القمر ؟
الصباح مقيّد ..
على ناصية الشروق ..
طائر اللقيا فقَدَ المنقار والحنجرة
صامتٌ هو ..
طوى جناحيْه
تسبيحا لجلال الصمت والرحيل ..
عند شرفة الانتظار ..
يهمس الحنين
يتوسل الفجر حافة الغيمات
يعانق الظل بقايا دفء ..
يركض الظل الى الخلف ..
يلامس شطآن الريح البعيدة
والقصيدة ..
تفقد الأصوات ..
والحركات ..
يرتعش القلم..بوجع الغياب
أوتار الحنين تدندن بصمت ..
موسيقى العتاب
الحضور يتنفس الصمت ..
يرسم الطريق الملتوية ..
جسر الريح نحو العبور ..ينحني بصمت
بلا ضجيج
فاطمة سعدالله ــ تونس











ـــــــــ بذور الصمت ...جذور الحرف ـــــــ

أرغفة الشوق ..تستوي ..
قصيدة مورقة ...
تتشرنق أهداب الشبع على ..
موقد النبض المتلاحق ..
يفوح عبير الحروف الشقراء ..
يمتطي صهوة حرب فصيحة ..
تركض في مضمارها ..جياد الكلمات 
الأصيلة ..
تطوي مسافات العشق ..
وأمواج الغموض ..
الساكن في 
شرايين الوجدان والوجود 
الهارب من كهف السنين ..
نسيج الذكريات عنكبوتيّ الشرانق ..
غائر المسامات ..
عميق الهواجس .
مسافات السبق تلاحق شلالات القول المتكسرة 
رويدك ..أيها البحر ..
تمهل أيها القلم ..
لا تلملم شظايا القصيدة..
دع جذور الحرف تنمو بلا غرق 
دع بذور الصمت ..تورق بلا خوف ..
فاطمة سعدالله ـــــــ تونس ـــــ





دراستان مما كتب عني :

أولا :

المسكوت عنه
في قصيدة :ـــ الأمّ / عروس ــــ لفاطمة سعدالله /
قراءة في نزاع" الأم "و"الأنثى"
*****
بقلم / أخوكم شاهين / الجزائر
*****
ــــ الأمّ / عروس ــــ
أمّي
بل أيّتها العروسُ ..
هل الفرحُ قاتل...؟ ..تبتسمُ مربّبتةًً على وجنة ٍدامعةٍ ..
- لا يا بنيّ ...العُرْسُ مجرد رحلة من هنا ..إلى هناك..
- لماذا اذن يا أمّي ..بل أيّتها العروس... يشتعل الوجع بداخلي ..يحرقني ..
يأكُلُني..يقتُلني ..؟؟؟
تنفُرُ الدمعةُ المخنوقةُ ..يركض الطفلُ بعيدا..
وبقلبٍ من حديد ..تخلعُ العروسُ ثوب الفرحِ ..
لترتديَ الأمومةَ من جديد ....
فاطمة سعدالله ــــ تونس ــــ
- منذ أن عرفت هذه الأنثى وأنا أتساءل عن سر بريقها ..؟؟؟ فلقد خشيت أن يكون ودي لها سببا في انحرافي عن لغة العلم اتجاهها وهي أبعد الناس عن قبول المجاملة بل ربما رددت لها نصا فقهقهة قهقهة من يعرف أن منحنى الأبداع مثل الأيمان يزيد وينقص ... فقلت في خلدي : الق هذه التونسية هل هومن اعتنائها بالحرف ؟ هل هومن "مكرها" في تركها للدلالات مفتوحة بحيث يتوه كل من دخل دهاليز نصها ؟ هل هومن ذلك الرصف الجميل للعلامات الذي تبرره لها سيمياء النص ؟ ... أخير أقنعت نفسي أن مجموع هذا هو السبب في بريقها ... وبقي في النفس شيء لم أجد له تفسيرا ....
- أما اليوم فقد وجدت علة تميز هذه السيدة المبدعة وهو ما سأبين عنه بعد قليل :
- النص الذي بين أيدينا قصة قصيرة جدا عادية أحداثها . بحيث يمكن أن تكون أي عائلة مسرحا لها ... طفل تنتوي أمه ابتداء حياتها من جديد بعد حدث حدث بينها وبين زوجها أو فقيدها ... والظاهر أن هذا الطفل يعارض تصرف أمه كما يفعل جل الأطفال الذين يخشون أن تخطف أمهاتهم .... بدافع الغيرة الطفولية والحتجة الماسة الى حضن الأم ...
- الى هنا الأمر عادي ..... يلح هنا سؤال و أسئلة : كيف عبرت الأديبة عن هذا ؟ هل تقصد الأدييبة فعلا حرفية القصة ؟ ماحظ الفلسفة في هذا التشكيل ؟ ما تأويل الرمز في هذا التشكيل ؟؟؟....
- يبدأ النص بنداء مر يتسم بالعبثية اليائسة من طفل نحو أمه التي يعتقد أنها ستغير جلدها على الأقل تجاهه :
أمي ...
- ثم يستدرك هذا الطفل أنه لابد أن "يعبث " فالحياة عنده عبث ... وكيف لا تكون عبثا حين تتخلى نصف المجتمع عن مبادئها وتتصابى كما تتصابى الغيد :
بل أيّتها العروسُ
- هي سخرية مرة من شفاه البراءة حين تحس أن الخطر يداهم عشها الصغير لا محالة .... ويأتي السؤال الذي تختزنه البراءة ... ستقول البراءة كلمتها ... لا شيء يستحق ان تخاف فقدانه وقد خسرت أهم قلاعها :" الأم ":
هل الفرحُ قاتل...؟
- نعم ... يمكن أن يكون الفرح قاتلا ... فهناك عرس وهناك عروس لكن كبد البراءة تذوب كمدا ... البراءة تحس الخطر على كينونتها ....
- ..... وصلت رسالةالبراءة الى العروس التعيسة . .. تحاول أن تداري حزنها .. وأن تدس حزن البراءة في بيدر ابتسامتها ... تريد أن تجد حلا يرضي البراءة ... ويرضي " الأنوثة" الضائعة .... تحاول أن تجد ذاتها وهي تري السنين تخرج من بين أصابعها ... والزمن جبار ...:
..تبتسمُ مربّبتةً... على وجنة ٍدامعةٍ
لا يا بنيّ ...العُرْسُ مجرد رحلة من هنا ..إلى هناك...
- من هنا الى هناك ... من وحدة قاتلة وسنين تمضي من العمر الى هناك حيث أحاول أن أجد ذاتي قبل أن أفقدها الى الأبد وأموت " موتتين "..
لماذا اذن يا أمّي ..بل أيّتها العروس... يشتعل الوجع بداخلي ..يحرقني ..
يأكُلُني..يقتُلني ..؟؟؟...
- البراءة لا تقتنع .. لابد أن تدافع عن عرشها الى آخر رمق ... تعيد هذه البراءة أسئلتها الملونة بلون الدم والنار وتستعين "بالمنطق " منطق الأنسانية .. منطق الطبيعة الأولى ... منطق الفطرة الشفافة : البراءة تتوجع .. ويقتلها الحزن والخطر ...لا تنسى البراءة أن تنادي هذه الأنثى " الأم " بالعروس كأن لسان حالها يقول : ثوب العروس لا يليق بك ... لا يليق بالأمومة .. لايليق بالأمومة التي تحوط البراءة .... تبا للأمومة إذاكانت لا تحترق في نار الحرمان من أجل البراءة ....
- ما أقسى دمع الطفولة ..
- ما أقسى دمع الطفولة .. إنه أبلغ كلام في الوجود ... يسقط هذا الدمع الطفولي صاعقة على الأم .... فتفهم الرسالة :
وبقلبٍ من حديد ..تخلعُ العروسُ ثوب الفرحِ ..
لترتديَ الأمومةَ من جديد
- أيتها الأم .. مكانك هنا لا هناك اخلعي ثوب" النزوة " والبسي ثوب الأمومة .. احرقي داعي النزوة في نار العفاف في نار التضحية واجتري وجع الفقد لتجدي أمل البراءة تحت قدمك ...
- حاولت منذ قليل أن أقبض على أحد معاني هذا النص الماتع رغبة في أن اسهل الدخول اليه لكن بقيت بعض الأسئلة القلقة لم أجب عنها فأقول :
- النص كما قلت قصة قصيرة جدا مكثفة لحد التطرف هي حوار بين ذاتين : بين براءة تريد تملك " الأم " التي لازالت بحاجة الى دفئها . .. براءة تحس بالخطر الداهم فتعلن عن قلقها الوجودي .... وبين " أم " هي أولا وأخيرا " أنثى " تريد ممارسة الأنوثة التي حرمتها الأقدار من ممارستها ... أنثى تبحث عن ذاتها في أتون الوجود ..
- أذن فهذا النص بحث "سوسيولوجي " تطرح فيه الأديبة إشكالات فلسفية عميقة هي : هل يحق للأمومة أن تمارس الأنوثة ..؟؟ هل الأمومة شيء غير الأنوثة ؟؟؟ هل تظلم الطفولة حين تمارس الأمومة أنوثتها ؟؟ وغيرذلك من الأسئلة القلقة ...
- ما يسقط القلم من يدي ويجعلني أجل هذه التونسية الجميلة هو حسن المخرج من نصها هذا : إذ رسمت لنا مشهدا " سينيمائيا" بامتياز حين انتصرت الأمومة على الانوثة في مشهد حزين .... تحزن فيه الامومة على الضياع وتضحي " بثوب الفرح " وهنا رسالة من الأديبة رسالة ماكرة شفيفة لا يفهمها الا الحذاق . .. تريد فاطمة "الأنسانة " أن تعلن للعلم نضجها الأنساني وأنها وصلت ألى مرحلة العرفان والحكمة حين اختارت لعروسها الأعتكاف في محراب الأمومةوالأطياف على الجري وراء نزوات الكثائف وهذا نفس صوفي بامتياز نجحت الأديبة في ايصاله بذكاء بارع الى محبيها .
- لغة النص تعتمد على معجم ذكي مناسب للموقف وللحظة الشعورية فهنا الأديبة تختار بعناية فائقة مفرداتها - والحق أنها شعلة ذكاء في هذا- انظر الى معجمها : قاتل - الدمع يقتلني - يأكلني - الوجع ... وهذا كثير بالنسبة لحجم النص والأروع في معجم النص ان الأديبة لم تهدف الى أشاعة لون السواد على النص فحسب إنما هدفت الى خلق مساحات شاسعة من " الدلالات المسكوت عنها " وهنا محور جمال هذا النص وتأشيرتها الى الإلتحاق بعالم الكبار.
- لا يمكن أن أخرج من هذا النص دون أن أقرر شيئا هاما هو أن النص تشكيل مفتوح بتطرف على دلالات متعددة فهذا النص وشاح يمكن ان نأوله ونجري فيه إسقاطا على ما تعيشه تونس الخضراء التي اختارت أبناءها بعد أن تجاذبتها عدة أطياف ايديولوجية وأغراها –بنزوات الأنثى من من يجيد اللعب على وتر العشق والسياسة .
- اذن فليس شيء في هذا النص بريء يروي غليل القراء انما هي علامات سابحة اعتباطية الوجود والمنزع بعد أن حطمت الأديبة تلك الرايطة المنطقية بين الدال والمدلول وفق المنهج التفكيكي .
- أخير أقرر أن النص جدير بالقراءة والبحث فلا زال فيه من المسكوت عنه الكثير.
- شكرا لهاته الأم المبدعة .
ـــــ مع تحيات أخوكم شاهين / الجزائرــــــ


ثانيا: دراسة بقلم الأخت الشاعرة الليبية "سعاد نصر الغرياني "
أمواج وشظايا
ديوان بين أمواجه نَبْضُ حلم ، وبين شظايا حرفه ملامح ألم .. لا أملك أدوات النقد الأدبي .. لكن أملك الإحساس بالحرف وهو ينبض بين السطور في رحلة نحو الميلاد تبدأ في أعماق الشاعر بنبضة وجع .. بلحظة احتضار .. إعلانا ببدء طقوس ولادة القصيد ومراسم الاحتفال بالبوح.
أمواج وشظايا .. بستان بتشكيلة رائعة من الزهور الجمالية والصور البديعة قدّمت فيه الشاعرة ذات الأنثى مرتدية كل ألوان البوح .. عشق .. انتظار .. ثورة .. صبر .. ليل .. سفر .. أسطورة .. تاريخ .. آلهة .. فرسمت بكلماتها وقصائدها لوحات لمهرجان شعري بألوان الطيف التي لا يجيد الرسم بها إلا شاعر متمكن من أدوات نبضه وبوصلة احساسه الواثق من اتجاهاتها أو إنسان يملك من الإنسانية ما يجعل نبض حرفه يتوافق مع نبض قلبه وجعا وحبا وجمالا وإنسانية وصفاء بدون زيف ولا تظاهر ولا إدعاء بما لا يملك.
أمواج وشظايا .. ديوان للشاعرة التونسية فاطمة سعدالله
وصلني بعد جولة طويلة بين تونس وألمانيا وطرابلس لأحظى معه وبرفقته بساعات من الجمال توّجتها صديقتي الشاعرة بأروع (أمواج وشظايا).
Fatma Saadallah.. أستاذة في اللغة والآداب العربية
صدر لها ..
مجموعة قصصية 2006 (الزواج الأبيض)
مجموعة قصصية 2008 (الصعود إلى الأعماق)

دراستان بقلمي : فاطمة سعدالله

تحليل قصيدة "الجفن الأخضر للشاعر التونسي  لطفي عيادي "
بقلم فاطمة سعدالله ـــ تونس ـــ
2016
تحليل قصيد ـــ وداعا أيها الجفن الأخضر " ـــ 

للشاعر التونسي لطفي عيّادي

بقلم فاطمة سعدالله ـــ تونس ــــ


العنوان كما هو متفق عليه عتبة النص وبوّابته التي يمكن الولوج من خلالها إلى مفاصل المتن ومحتواه ..بل يمكن اعتباره البوصلة التي توجّه القارئ إلى النص سرديا كان أو شعريا وهو النواة المكثّفَة التي يمكن للنص أن يتمدد وينتشر من خلالها ويفتح بوابة التأويل وتلقي الدلالات والإشارات التي تسبق النص ..إشارات تستفز الفضول وتضيء الطريق أمام المتلقّي ..
إن أول ما شدني إلى هذا القصيد هو هذه التركيبة الجديدة المحفزة التي ورد عليها العنوان .."وداعا أيها الجفن الأخضر " ..الجفن في أحسن أحواله وسلامته لايختلف إثنان في لونه الوردي الصافي .. وأما في أسوإ حالاته فيتقرح ويتحول لونه إلى الحمرة ..
ولكن هذا الجفن أخضر ..فماذا أراد شاعرنا لطفي عيادي بهذه الصورة المبتكرة ؟ هل نحن أمام لوحة فنية أرضيتها "هلال خصب" يكسوه الدمقس بسخاء وفخارأم هو يعرض علينا مشهدا سرياليا يرسم عيْنا مكتظة بدموع خضراء وكونا تبادلت فيه الكائنات وظائفها وألوانها وأصواتها؟ قد يفاجئنا النص بالمزيد.
 
بدأْتُ الرحلة عبر هذا النص فلاحظت منذ أول وهلة أن الشاعر حبا كل حرف وكل صورة بنسيج جمع بين التلميح والتصريح بين الإيماء والإفصاح ..أسدل عليها وشاحا يشفّ فيريك ما خلفه في وميضٍ خاطف ويغريك بالقبض على الفكرة ويتكثّف ويسْمُك فيحجب عنك المعنى ويدعوك إلى المزيد من الفراسة لتكتشف المخفيّ بين ثنايا القصيد .بذلك جعل الشاعر لطفي عيادي القارئ يتأرجح بين القبض على الصورة/ اللحظة وبين الركض وراء المعنى/المراوغة فالعنوان الذي فاجأنا به الشاعر سيجعلنا أمام النص "الخلطة" ..النص الحزمة الطريفة من الصور الشعرية المدهشة والرموز والإيقاعات والتداعيات كل ذلك سيكسب القصيدة مذاقا مميزا مذاقا بنكهة الظهور والتخفي بنكهة البيان والتقية ..نكهة المراوغة ..
الجفن أخضر ..صورة جديدة ومستفزة ..مجاز واعٍ ومحرك للتساؤل ومثير للدهشة هكذا رآه الشاعر ..أخضر ..هكذا تنفتح القصيدة بصورة مبهرة مختارة بكل ذكاء رسمها الشاعر رسما انطباعيا يلتصق بالذات المبدعة بكل صدق ..هذا مايذكرني بأحد الرسامين عندما سأله صديق له "لماذا رسمت الأشجار بنفسجية ؟ فرد قائلا :"هكذا بدت لي الطبيعة هذا المساء " رسمها كما أحسها ..هكذا يرى الفنانون الأشياء بالعين الباطنة فيرسمونها بصدق حروفهم أو ألوانهم ..وهكذا تكون السنابل في "الهلال الخصب " خضراء المولد قبل أن تتوهج سبائك ذهبية ناضجة هكذا تكون البداية اخضرار ا ...
أما الوداع فهو إحالة لطيفة على النهاية ..لكن نهاية ماذا ؟أهي قصة بدأت غضة طرية وهي تشارف على النهاية ..حصادا هشيما ؟أهي نهاية حياة نبضت ولكن بدأ معينها ينضب أم نهايات بدايات كثيرة ؟
المربك جدا للقارىء في هذا العنوان هو التزاوج بين البداية/الأخضر والنهاية/الوداع ..
وداعا أيها الجفن الأخضر
 
من خلفك
بقايا عطر
ورذاذ شفاه
 
يختال في صمت المغاوير المنسية
يرسل القهقهات المدوية
 
بقايا عطر ..شفاه ..صمت وقهقهات مدوية ..كثف الشاعر الصور والرموز كدعوة إلى فتح شهية العقل ليجوس بين ربوع القصيدة متحسسا مفاصلها ليفك شفراتها وطلاسمها فترتسم اللوحة واضحة المعالم بيّنة الأبعاد .إن الذات المتكلمة في هذا النص تبثّ الرسائل إشارات برقية بكل وعي وإدراك ..تستبطن ..ترسما وشما على ستارة مخملية ..تكشف ثم تنتقل من الوجدان إلى الفكر ..إلى ذات الآخر ..ذات متلقية ..إلى مخاطب تستفزه وتدعوه إلى اليقظة ..تعرض المعادلات وتتحدى وتنتظر النتائج ..اختار الشاعر لطفي عيادي إستراتيجية مميزة في منطق اختيار الكلمات المتآلفة طورا والمتخالفة طورا آخر ليقود القارئ إلى توليد "حالة الدهشة" ينساب الحدث من خلالها محيرا مستفزا وتتجلى الصورة وتتشكل مكتظة بالرمز لتستولي على اللب تشده بل تجبره على الغوص أكثر ليقتنص درر النص المكنونة .
هاهنا ..
منْبتُ الضفائر المُرْسلَة
 
هاهنا أتزيّن للموْعد
وأسكبُ في تخوم المدينة
وفي مفْرق السنبلة
رحيق وجع مقطّر
وينفتح المكان ليسعَ القصيدة..
هاهنا افتتاحية لمفصل آخر من مفاصل القصيدة ..تنبيه فيه دعوة إلى الإصغاء ..هناك بوْح يستوجب الانتباه ..هناك اعترافات صادقة ..ناضجة ..طازجة تنادي المتلقي ..اعترافات انتقلت من طور الاخضرار والبدْء إلى طور الارتقاء والسمو :سنابل صفراء ذهبية الجدائل ..تتمايل امتلاء وغنجا ..وينفتح المكان ليرسم اللقاء ..ليحتضن رذاذ العطر المُشتهى..لتكتمل الزينة في انتظار موعد منشود ..موعد براحه مدينة بكل تخومها ومداه اللحظة اللامحدودة .."وهي " تهزّ ضفائرها المنسابة على الكتفيْن سنبلة ناضجة حين قطاف ..تنبض دلالا واشتهاء ..ليكتحل ذاك الجفن الأخضر بمرْود الوجع المعتق قطرة قطرة ..هاهنا تكون الدهشة ..تولد القصيدة ولادة قيصرية ..وهاهنا يرسم الشاعر طريقا تعبد للإبهار مساره كما يراه في قصيدة النثر وللتكثيف مداه كما نسجه قلمه .
هذا المقطع اكتظ صورا شعرية مميزة تمازجت فيها الألوان على درجاتها بالأصوات بطبقاتها والحركات بدايات ونهايات ..إنها طقوس اللقاء ..يتهيّأ له الباث والمتلقي على حد السواء بما يليق به من زينة رغم نهاية حبلى بالوجع المقطر الذي يغرق أحراش المدينة وتخومها ..وهي هاهنا بعطرها تداعب الروح وبجدائلها تغري بالانعتاق "قصيدة غجرية" بحجم المكان وحلم اللامكان ..قصيدة تكتظ بها مدينة المثل لتنسكب رحيق وجع بمساحة وطن ..بنبض ذات ..بحلم انسان ..
هاهنا هدير آتٍ
 
لاشيء يستقر في مكانه
عند وقع خطاك المربكة
يهتز كل شيء طربا
 
نغما للعشق الدفين
وللهدب الأخضر
طقوس حنين
تترقرق الكلمات من جديد سلسبيلا بمذاق "الصنوبر" ..ترفّ الكلمات عارية من الزيف ..نابضة بالجمال والتوهج لأن الشاعر آلى على نفسه أن يؤثث قصيده بهواجس الذات الشاعرة وهموم الوطن المتألم والانسان المنتظر للتغيير ..هاجسه إرساء الكلمة الأصيلة بعيدة عن الزيف محملة بأجمل الرؤى والأخيلة تنسجها أبجدية جديدة مبهرة مغرية بالغوص والتنقيب ..
يرفّ الهدْبُ الأخضر مؤديا طقوس صلاة الشوق والحنين فيسحب البساط من تحت السكون الذي فرضه الوصف السابق وأتاح من خلاله للقارئ استراحة للتأمل والقبض على تلك الصور المتلاحقة ..يثور النص في هذا المقطع حركة دوامة بركانا حركة لاتعرف الاستقرار "هدير آت" أصواتا هادرة هائجة ووقع خطوات تهز الوجدان وتربك سكون النص وتلغي هدوء المتلقي وسلبيته فتخرج بالنص إلى الحركة وبالقارئ إلى الركض وراء الطريدة ..انقلب السكون اهتزازا مطربا تنتشي به الذاكرة ..انه العشق القادم من وراء السنين مختمرا بتجارب العمر وخيبته مسترجعا ذكرى صولاته وجولاته ..انه الذكريات المنقوشة على أغشية الوجدان ونبتة خضراء على جبين الوجود عصارة ماضٍ تبشّر بالبدْء ..بالحياة ..من جديد ..
 
هاهنا
 
نقيشة قديمة
 
ودوائر طين
وأهلة وشمس وتين
على أطرافها
 
ميْسمٌ وجبينْ
تراتيلها القدسية
 
أيتها الآتية من وراء السنين
شكوتك للنخل الذي لا يلين ..
المربك للقارئ هو هذا الانفتاح على كل الاحتمالات ..هل نقل الشاعر تجربة الذات الشاعر أم وحد النص بين أزمة الذات الواعية ومعاناة الآخر الساكن فينا وطنا وإنسانا مطلقا ؟ ماذا أراد من خلال اللازمة الإيقاعية "هاهنا" أن يبلغه للأذن المتذوقة لهذا التناغم الحداثي الجديد؟ وهذا الطين..ما أرضيته ومامداه ؟
إنه "الطين / الأصل ..الطين الجذر المتحرك /الساكن فينا ..مهما تلون ومهما تشكل فهو كان وسيظل المبتدأ والمنتهى .."منه خلقنا وإليه نعود" يذكرنا الشاعر بالفناء وباللاجدوى طورا وبالرحيل والقدوم طورا آخر ذاك الآتي الهادر وتلك الخطى التي هزت السكون وأثارت الهدوء فحولته إلى بركان ..هكذا تنبت اللوعة في ذواتنا وترقص على وقع تراتيل قدسية في مضمار ينادي بالحياة بكل إلحاح ..فالنص مفتوح على الحياة بدأ جفنا أخضر وانتهى هدبا أخضر ..العين ومحيطها رؤيا تفاؤلية تتوهج بشمس حاضرة فاعلة بدونها تنعدم الحياة لذلك جعل الشاعر المقطع الأخير مشرقا منير ليلا "أهلة " ويومها مضيء دافئ شمس أنضجت التين وكل الثمرات تلك الثمرة المقدسة التي أقسم بها الله عز وجل في كتابه العظيم بقوله تعالى "والتين والزيتون" ..وبين أهلة الإشراق في بدايته وسطوع الشمس مكتملة الإضاءة رحلة نبض وانصهار ..ضياء يمسح الكون ويوقظ الكائنات لأداء صلاة شكر ورضا ..صلاة استشراقية تملأ الحاضر ضياء وحياة صلاة استشرافية تبشر بمستقبل رغم امتداد جذوره في "الطين" ففروعه تعانق الآتي ابتهالات وتراتيل ..شمسه تنضج الثمرات وتؤمّن البقاء سنابل ناضجة وقصائد ترفع تسابيحها ضراعة وشكواها بين يديْ النخيل /الهوية والانتماء ..النخيل الذي قاوم ومازال يناضل قسوة الطبيعة والبشر ..النخيل الذي لاتلين عريكته الذي كان وسيظل شامخا يرنو الى السماء ..
وفي الختام ... هذا القصيد نبتة عميقة الجذور في تربة الأصالة بلغته المتينة ومفاصله المتلاحمة البناء وفروعها ممتدة في سماء الحداثة على مستوى الصور الشعرية والمجازات والاستعارات اللطيفة والرموز والأخيلة والإدهاش ..نلمس فيه النبرة الواقعية معطرة بشذا المنشود المستقبلي ..لقد نجح الشاعر في توظيف كل تقنيات القصيدة الحداثية وخاصة الرمز الذي غرف من معينه بذكاء فجعل القصيد رحلة بحث عن الكنوز الجمالية المخبأة بين ثنايا المعاني دون أن ننسى لعبة الإيقاع التي وزعها بكل اقتدار على مدى النص سواء على مستوى التناغم الداخلي أو اللازمة المموْسقة للمفاصل البنائية أو تلك النغمات الشجية التي تكثفت في آخر القصيد أنينا وحنينا تردد صداهما بين طيات الشجن برق أمل شامخ وقرار لايلين ...
هذه مجرد محاولة لاستقراء هذا النص وتسليط بعض الإضاءة على مافيه من جماليات متعددة والتمسوا لي العذر ان كانت هذه الدراسة متعجلة أو لم تعطِ القصيد حقه وافيا وأرجو أن أكون ساهمت ولو قليلا في تحريك فضول غيري من القراء ولمَ لا؟ من النقاد أيضا كي يأخذوا المشعل ويحققوا المبتغى ./ انتهى
وداعا أيها الجفن الأخضر
من خلفك
 
بقايا عطر
ورذاذ من شفاه
يختال في صمت المغاوير المنسية...
 
يرسل القهقهات المدوية ...
هاهنا ...
منبت الضفائر المرسلة...
هاهنا أتزين للموعد ...
وأسكب في تخوم المدينة
 
وفي مفرق السنبلة
 
رحيق وجع مقطر...
هاهنا هدير آت...
لا شيء يستقر في مكانه
عند وقع خطاك المربكة
يهتز كل شيء طربا
 
نغما للعشق الدفين ...
وللهدب الأخضر
طقوس الحنين
هاهنا...
نقيشة قديمة
ودوائر من طين
 
وأهلة وشمس وتين
على أطرافها
 
مبسم وجبين
تراتيلها القدسية :
أيتها الآتية من وراء السنين
شكوتك للنخل الذي لا يلين
لطفي العيادي - تونس

الدراسة الثانية
تحليل قصيدة "الجفن الأخضر للشاعر التونسي  لطفي عيادي "
بقلم فاطمة سعدالله ـــ تونس ـــ
2016
تحليل قصيد ـــ وداعا أيها الجفن الأخضر " ـــ 

للشاعر التونسي لطفي عيّادي

بقلم فاطمة سعدالله ـــ تونس ــــ


العنوان كما هو متفق عليه عتبة النص وبوّابته التي يمكن الولوج من خلالها إلى مفاصل المتن ومحتواه ..بل يمكن اعتباره البوصلة التي توجّه القارئ إلى النص سرديا كان أو شعريا وهو النواة المكثّفَة التي يمكن للنص أن يتمدد وينتشر من خلالها ويفتح بوابة التأويل وتلقي الدلالات والإشارات التي تسبق النص ..إشارات تستفز الفضول وتضيء الطريق أمام المتلقّي ..
إن أول ما شدني إلى هذا القصيد هو هذه التركيبة الجديدة المحفزة التي ورد عليها العنوان .."وداعا أيها الجفن الأخضر " ..الجفن في أحسن أحواله وسلامته لايختلف إثنان في لونه الوردي الصافي .. وأما في أسوإ حالاته فيتقرح ويتحول لونه إلى الحمرة ..
ولكن هذا الجفن أخضر ..فماذا أراد شاعرنا لطفي عيادي بهذه الصورة المبتكرة ؟ هل نحن أمام لوحة فنية أرضيتها "هلال خصب" يكسوه الدمقس بسخاء وفخارأم هو يعرض علينا مشهدا سرياليا يرسم عيْنا مكتظة بدموع خضراء وكونا تبادلت فيه الكائنات وظائفها وألوانها وأصواتها؟ قد يفاجئنا النص بالمزيد.
 
بدأْتُ الرحلة عبر هذا النص فلاحظت منذ أول وهلة أن الشاعر حبا كل حرف وكل صورة بنسيج جمع بين التلميح والتصريح بين الإيماء والإفصاح ..أسدل عليها وشاحا يشفّ فيريك ما خلفه في وميضٍ خاطف ويغريك بالقبض على الفكرة ويتكثّف ويسْمُك فيحجب عنك المعنى ويدعوك إلى المزيد من الفراسة لتكتشف المخفيّ بين ثنايا القصيد .بذلك جعل الشاعر لطفي عيادي القارئ يتأرجح بين القبض على الصورة/ اللحظة وبين الركض وراء المعنى/المراوغة فالعنوان الذي فاجأنا به الشاعر سيجعلنا أمام النص "الخلطة" ..النص الحزمة الطريفة من الصور الشعرية المدهشة والرموز والإيقاعات والتداعيات كل ذلك سيكسب القصيدة مذاقا مميزا مذاقا بنكهة الظهور والتخفي بنكهة البيان والتقية ..نكهة المراوغة ..
الجفن أخضر ..صورة جديدة ومستفزة ..مجاز واعٍ ومحرك للتساؤل ومثير للدهشة هكذا رآه الشاعر ..أخضر ..هكذا تنفتح القصيدة بصورة مبهرة مختارة بكل ذكاء رسمها الشاعر رسما انطباعيا يلتصق بالذات المبدعة بكل صدق ..هذا مايذكرني بأحد الرسامين عندما سأله صديق له "لماذا رسمت الأشجار بنفسجية ؟ فرد قائلا :"هكذا بدت لي الطبيعة هذا المساء " رسمها كما أحسها ..هكذا يرى الفنانون الأشياء بالعين الباطنة فيرسمونها بصدق حروفهم أو ألوانهم ..وهكذا تكون السنابل في "الهلال الخصب " خضراء المولد قبل أن تتوهج سبائك ذهبية ناضجة هكذا تكون البداية اخضرار ا ...
أما الوداع فهو إحالة لطيفة على النهاية ..لكن نهاية ماذا ؟أهي قصة بدأت غضة طرية وهي تشارف على النهاية ..حصادا هشيما ؟أهي نهاية حياة نبضت ولكن بدأ معينها ينضب أم نهايات بدايات كثيرة ؟
المربك جدا للقارىء في هذا العنوان هو التزاوج بين البداية/الأخضر والنهاية/الوداع ..
وداعا أيها الجفن الأخضر
 
من خلفك
بقايا عطر
ورذاذ شفاه
 
يختال في صمت المغاوير المنسية
يرسل القهقهات المدوية
 
بقايا عطر ..شفاه ..صمت وقهقهات مدوية ..كثف الشاعر الصور والرموز كدعوة إلى فتح شهية العقل ليجوس بين ربوع القصيدة متحسسا مفاصلها ليفك شفراتها وطلاسمها فترتسم اللوحة واضحة المعالم بيّنة الأبعاد .إن الذات المتكلمة في هذا النص تبثّ الرسائل إشارات برقية بكل وعي وإدراك ..تستبطن ..ترسما وشما على ستارة مخملية ..تكشف ثم تنتقل من الوجدان إلى الفكر ..إلى ذات الآخر ..ذات متلقية ..إلى مخاطب تستفزه وتدعوه إلى اليقظة ..تعرض المعادلات وتتحدى وتنتظر النتائج ..اختار الشاعر لطفي عيادي إستراتيجية مميزة في منطق اختيار الكلمات المتآلفة طورا والمتخالفة طورا آخر ليقود القارئ إلى توليد "حالة الدهشة" ينساب الحدث من خلالها محيرا مستفزا وتتجلى الصورة وتتشكل مكتظة بالرمز لتستولي على اللب تشده بل تجبره على الغوص أكثر ليقتنص درر النص المكنونة .
هاهنا ..
منْبتُ الضفائر المُرْسلَة
 
هاهنا أتزيّن للموْعد
وأسكبُ في تخوم المدينة
وفي مفْرق السنبلة
رحيق وجع مقطّر
وينفتح المكان ليسعَ القصيدة..
هاهنا افتتاحية لمفصل آخر من مفاصل القصيدة ..تنبيه فيه دعوة إلى الإصغاء ..هناك بوْح يستوجب الانتباه ..هناك اعترافات صادقة ..ناضجة ..طازجة تنادي المتلقي ..اعترافات انتقلت من طور الاخضرار والبدْء إلى طور الارتقاء والسمو :سنابل صفراء ذهبية الجدائل ..تتمايل امتلاء وغنجا ..وينفتح المكان ليرسم اللقاء ..ليحتضن رذاذ العطر المُشتهى..لتكتمل الزينة في انتظار موعد منشود ..موعد براحه مدينة بكل تخومها ومداه اللحظة اللامحدودة .."وهي " تهزّ ضفائرها المنسابة على الكتفيْن سنبلة ناضجة حين قطاف ..تنبض دلالا واشتهاء ..ليكتحل ذاك الجفن الأخضر بمرْود الوجع المعتق قطرة قطرة ..هاهنا تكون الدهشة ..تولد القصيدة ولادة قيصرية ..وهاهنا يرسم الشاعر طريقا تعبد للإبهار مساره كما يراه في قصيدة النثر وللتكثيف مداه كما نسجه قلمه .
هذا المقطع اكتظ صورا شعرية مميزة تمازجت فيها الألوان على درجاتها بالأصوات بطبقاتها والحركات بدايات ونهايات ..إنها طقوس اللقاء ..يتهيّأ له الباث والمتلقي على حد السواء بما يليق به من زينة رغم نهاية حبلى بالوجع المقطر الذي يغرق أحراش المدينة وتخومها ..وهي هاهنا بعطرها تداعب الروح وبجدائلها تغري بالانعتاق "قصيدة غجرية" بحجم المكان وحلم اللامكان ..قصيدة تكتظ بها مدينة المثل لتنسكب رحيق وجع بمساحة وطن ..بنبض ذات ..بحلم انسان ..
هاهنا هدير آتٍ
 
لاشيء يستقر في مكانه
عند وقع خطاك المربكة
يهتز كل شيء طربا
 
نغما للعشق الدفين
وللهدب الأخضر
طقوس حنين
تترقرق الكلمات من جديد سلسبيلا بمذاق "الصنوبر" ..ترفّ الكلمات عارية من الزيف ..نابضة بالجمال والتوهج لأن الشاعر آلى على نفسه أن يؤثث قصيده بهواجس الذات الشاعرة وهموم الوطن المتألم والانسان المنتظر للتغيير ..هاجسه إرساء الكلمة الأصيلة بعيدة عن الزيف محملة بأجمل الرؤى والأخيلة تنسجها أبجدية جديدة مبهرة مغرية بالغوص والتنقيب ..
يرفّ الهدْبُ الأخضر مؤديا طقوس صلاة الشوق والحنين فيسحب البساط من تحت السكون الذي فرضه الوصف السابق وأتاح من خلاله للقارئ استراحة للتأمل والقبض على تلك الصور المتلاحقة ..يثور النص في هذا المقطع حركة دوامة بركانا حركة لاتعرف الاستقرار "هدير آت" أصواتا هادرة هائجة ووقع خطوات تهز الوجدان وتربك سكون النص وتلغي هدوء المتلقي وسلبيته فتخرج بالنص إلى الحركة وبالقارئ إلى الركض وراء الطريدة ..انقلب السكون اهتزازا مطربا تنتشي به الذاكرة ..انه العشق القادم من وراء السنين مختمرا بتجارب العمر وخيبته مسترجعا ذكرى صولاته وجولاته ..انه الذكريات المنقوشة على أغشية الوجدان ونبتة خضراء على جبين الوجود عصارة ماضٍ تبشّر بالبدْء ..بالحياة ..من جديد ..
 
هاهنا
 
نقيشة قديمة
 
ودوائر طين
وأهلة وشمس وتين
على أطرافها
 
ميْسمٌ وجبينْ
تراتيلها القدسية
 
أيتها الآتية من وراء السنين
شكوتك للنخل الذي لا يلين ..
المربك للقارئ هو هذا الانفتاح على كل الاحتمالات ..هل نقل الشاعر تجربة الذات الشاعر أم وحد النص بين أزمة الذات الواعية ومعاناة الآخر الساكن فينا وطنا وإنسانا مطلقا ؟ ماذا أراد من خلال اللازمة الإيقاعية "هاهنا" أن يبلغه للأذن المتذوقة لهذا التناغم الحداثي الجديد؟ وهذا الطين..ما أرضيته ومامداه ؟
إنه "الطين / الأصل ..الطين الجذر المتحرك /الساكن فينا ..مهما تلون ومهما تشكل فهو كان وسيظل المبتدأ والمنتهى .."منه خلقنا وإليه نعود" يذكرنا الشاعر بالفناء وباللاجدوى طورا وبالرحيل والقدوم طورا آخر ذاك الآتي الهادر وتلك الخطى التي هزت السكون وأثارت الهدوء فحولته إلى بركان ..هكذا تنبت اللوعة في ذواتنا وترقص على وقع تراتيل قدسية في مضمار ينادي بالحياة بكل إلحاح ..فالنص مفتوح على الحياة بدأ جفنا أخضر وانتهى هدبا أخضر ..العين ومحيطها رؤيا تفاؤلية تتوهج بشمس حاضرة فاعلة بدونها تنعدم الحياة لذلك جعل الشاعر المقطع الأخير مشرقا منير ليلا "أهلة " ويومها مضيء دافئ شمس أنضجت التين وكل الثمرات تلك الثمرة المقدسة التي أقسم بها الله عز وجل في كتابه العظيم بقوله تعالى "والتين والزيتون" ..وبين أهلة الإشراق في بدايته وسطوع الشمس مكتملة الإضاءة رحلة نبض وانصهار ..ضياء يمسح الكون ويوقظ الكائنات لأداء صلاة شكر ورضا ..صلاة استشراقية تملأ الحاضر ضياء وحياة صلاة استشرافية تبشر بمستقبل رغم امتداد جذوره في "الطين" ففروعه تعانق الآتي ابتهالات وتراتيل ..شمسه تنضج الثمرات وتؤمّن البقاء سنابل ناضجة وقصائد ترفع تسابيحها ضراعة وشكواها بين يديْ النخيل /الهوية والانتماء ..النخيل الذي قاوم ومازال يناضل قسوة الطبيعة والبشر ..النخيل الذي لاتلين عريكته الذي كان وسيظل شامخا يرنو الى السماء ..
وفي الختام ... هذا القصيد نبتة عميقة الجذور في تربة الأصالة بلغته المتينة ومفاصله المتلاحمة البناء وفروعها ممتدة في سماء الحداثة على مستوى الصور الشعرية والمجازات والاستعارات اللطيفة والرموز والأخيلة والإدهاش ..نلمس فيه النبرة الواقعية معطرة بشذا المنشود المستقبلي ..لقد نجح الشاعر في توظيف كل تقنيات القصيدة الحداثية وخاصة الرمز الذي غرف من معينه بذكاء فجعل القصيد رحلة بحث عن الكنوز الجمالية المخبأة بين ثنايا المعاني دون أن ننسى لعبة الإيقاع التي وزعها بكل اقتدار على مدى النص سواء على مستوى التناغم الداخلي أو اللازمة المموْسقة للمفاصل البنائية أو تلك النغمات الشجية التي تكثفت في آخر القصيد أنينا وحنينا تردد صداهما بين طيات الشجن برق أمل شامخ وقرار لايلين ...
هذه مجرد محاولة لاستقراء هذا النص وتسليط بعض الإضاءة على مافيه من جماليات متعددة والتمسوا لي العذر ان كانت هذه الدراسة متعجلة أو لم تعطِ القصيد حقه وافيا وأرجو أن أكون ساهمت ولو قليلا في تحريك فضول غيري من القراء ولمَ لا؟ من النقاد أيضا كي يأخذوا المشعل ويحققوا المبتغى ./ انتهى
وداعا أيها الجفن الأخضر
من خلفك
 
بقايا عطر
ورذاذ من شفاه
يختال في صمت المغاوير المنسية...
 
يرسل القهقهات المدوية ...
هاهنا ...
منبت الضفائر المرسلة...
هاهنا أتزين للموعد ...
وأسكب في تخوم المدينة
 
وفي مفرق السنبلة
 
رحيق وجع مقطر...
هاهنا هدير آت...
لا شيء يستقر في مكانه
عند وقع خطاك المربكة
يهتز كل شيء طربا
 
نغما للعشق الدفين ...
وللهدب الأخضر
طقوس الحنين
هاهنا...
نقيشة قديمة
ودوائر من طين
 
وأهلة وشمس وتين
على أطرافها
 
مبسم وجبين
تراتيلها القدسية :
أيتها الآتية من وراء السنين
شكوتك للنخل الذي لا يلين
لطفي العيادي - تونس

القصة :
قصة مختلفة ..تتكون من ثلاثة أجزاء
1  الفصل الأول
التقيا  ذات صدفة ..وعند منعرج المصير توقفا ينظر كل منهما إلى الآخر ..في أول مصافحة لهما أطلّ من نافذة الحروف وقال لها : "قرأتك بهدوء..رفّ جناحها ..اطمأنّتْ .
هي تعرف أن القراءات كثيرة وتدرك جيّدا أن أفضلها قراءة العقل للوجدان ..عناق الفكر للشعور ..ابتسمت ..تمتمتْ شفتاها ..ربما ..
نسجت اللقاءات بينهما بساطا سحريا فيه من الخيال سَدًى ومن الواقع لُحْمةً ..طرّزت الكلمات كل المسافات بتفاصيل الحلم العطر ..قال لها ذات بوْحٍ : "أحبك ..أفرح لوجودك وبوجودك ..ودون تردد قالت : لماذا أنا؟؟ قال : لأنك مخلوط من روح أعرفها وملامح سكنتني قبل اللقاء بك ..أنتِ حرف أعرف منبعه وأعرف كل ملامح أنوثتك ومشاعرك ومكامن أسرارك/ أنثى ..ثقي عرفتك روحا وحرفا قبل كل شيء آخر ..أنتِ تهمينني أكثر من أي شيء وتأكدي أريد ـ فعلا ـ أن أعيش معك حالة حب صادقة ونقية وكفى " ...توارت خلف أسوار الصمت ..لم تفرح ..لم تحزن ..ظلت تتلمّس نبضاته في شرايين الانتظار ..تخشى إيقاع العذاب عندما يتفجّر مع كل نبضة ..دارت في فلك فراغها  وغاصت في عمق عمقها  ..همست : "لكنك جئت في الزمن الغلط " أمسك أطراف راحتها  وغرّد : قد تتسرّب نضارتك رملا بين أناملك ..قد تنطفئ شعلة التوهج في مقلتيْك ..قد ..وقد ..ولكنني أهواك يقوّة ..ضمة واحدة منك تكفيني ..لا تتردّدي  ..حسّسيني بدفء مشاعرك ..لا تخافي المرآة غاليتي ..أسندي مشاعرك على صدْقي ..لا تتحسّري على ما مضى ..كل ثانية لنا معًا ستكون صبًا ونبضا وبريقا ..ثقي سأظل أحبك ..لا غاية من وجودي إلا أنتِ ..أشرقي بين أضلعي قصيدة عشقٍ ..توهّجي شمسًا في مداري ..كوني أنا ..
ضفرت جدائل الضياء بين سمائهما والأرض ..هطلت الحروف زخّات تمطر سنوات الجدب ..أزهرت حقول الوعود..تحدّت السنابل عقم الوجع ..بدأت مواسم الضباب تلملم عباءة الغسق ..
ركض نبض الحياة بين الصخور دون تعثّر ..مدّت راحتيْها تلتقط حبات القطر رذاذ حب ستخضر له أعواد الكبريت الساكنة في موقد الانتظار ..موسم الحصاد هلت بشائره ...
أحرق اخضرار الحلم وأسدل الستار ورحل ....{ يتبع }

2 ..قصة مختلفة ـــ  الفصل الثاني  ـــ
غاب ..كانت بعده تعدّ الأيام ..انتظرت ..ثم أصبحت تنضّد حِزَم السنين بعضها فوق بعض ..توقفت عن الانتظار وتحولت إلى رصد قطيع الشيب الذي هاجمها مدججا بالبياض والفتور ..استكانت وانتظمت في سلك العنوسة ..
عصفت به رياح الحنين ..هزّ الشوق حروفه فاشتعلت من جديد ..ترسّم المسار ..ومن رماد السديم انبثق عصفور الودّ ورديّ الأنغام ..
وذات ميلاد ..عاد ..
استقبلته خزانة فساتينها ..تعطرت مسام الانتظار ..توالد النرجس والياسمين بين خصلات الشِّعْر واللقاء ..راحت تلتقية مراهقةً في أول موعد ..
كان ذلك ذات مساء ..جلسا في الصفّ الأول بمسرح المدينة ..كان المسرح دائريّ الشكل
رومانيّ الهندسة ..طوابقه تعجّ بالمتفرّجين والستارة الحمراء منسدلة بكل وقار ..في انتظار الضربات الثلاث موسيقى حالمة كانت تدفىء المكان والأضواء خافتة ..
كان يتسليان بحبات الحلم والعتاب قبل العرض ..قالت سامحتك ..يكفيني من الكون وجودك معي ..أنتَ هنا ..
انطلق العرض وهما يسبحان في دفء راحتيْهما تهدهدهما رقصات الأضواء الخافتة ورعشة الستارة بين فصل ومشهد ..
أفلت الزمن أثناء تلك الجلسة فلم يحصيا له الدقائق ولا الساعات ..
خرجا   بعد ذلك  إلى شارع كبير كان يستحم بأمطار قويّة ..رقص قلبها طربا ..إنها تعشق المطر ..لم تحتمِ بمطريتها ..بل ركضت كالطفلة تدفعها سعادة غامرة ..دارت حول نفسها مرات ومرات ..فراشة حول شمعة مضاءة ..لحقها ..أمسكها ..أخمد جنونها بضمة انتظرتها طويلا ..استكانت ..ظلت ترتجف ..عصفورة مبلّلة  في ليلة شتائيّة ..
قال ــ كأنما ليوقظها من غفوتها ــ والآن؟
قالت:  أنا جائعة ..أحس أن لديّ القابلية لأكل خروف محشوّ بأكمله ..وضحكت بكل الفرح وكل النقاء ..
الشارع طويل ومضاء ..تتوسطه الأشجار الصامتة ..جوقة العصافير ساكنة في هدْأة المساء
تلك الأشجار تنبعث منها موسيقى الحناجر المزقزقة والمناقير التي تلتقط حبات الحياة طيلة النهار ..سيمفونية العصافير تتوقف بعد يوم من الكدّ ..
المطاعم الفاخرة  والفنادق في انتظار الزبائن ..إنها ليلة الأحد ..ليلة عطلة  والناس في هذا البلد لا يبخلون على أنفسهم ببعض الرفاهة يوما في الأسبوع يتحررون أثناءه من ثقل أسبوع بأكمله ..إنها ليلة من ألف ليلة وليلة ..
أخبرها باسم الفندق الذي نزل به حال وصوله هذا الصباح ..قادتهما الخطوات اليه ..توجّها مباشرة إلى المطعم ..كان شعرها مبللا ..تخففت من المعطف ..اتخذت مجلسها قبالته ..كانت تودّ أن تطبع صورته بين جوانحها ..أخذت قائمة الأطعمة وبدأت تصعّد بصرها وتصوّبه بحثا عما يحرك شهيتها رغم الجوع الذي كان يعتصر أمعاءها ..هي صعبة الرضا على المائدة ..غاب قليلا ثم عاد ..غيّر ملابسه ثم جلس ..كان يبادلها نظرات تحترق شوقا ..غيّر مجلسه ..خاصرها بذراعه الوارفة ثم وشوش في أذنها : أحبك ..أشتاق إليك بقوّة ..كانت نبرته الخافتة مغرية حدّ الذوبان ..واصل الهمس..ماذا لو أكملنا سهرتنا في الغرفة
فنرتاح أكثر ..بكلّ وضوح كانت الدعوة ..بكل توهّج كان النداء ..
انتفضت العصفورة المبللة مصعوقة بالوجه الآخر الذي سقط عنه القناع .
انتصبت نخلة سامقة ..وبكل شموخ وضعت ورقات نقدية حذو قائمة الأطعمة وانطلقت ..دون التفات ..ظل في مقعده واجما ..وقد أحرق اليابس بعد الأخضر ..
أغرق ما جف من دمع ..حزم حقائبه ورحل ..{ يتبع }

3   قصة مختلفة ...الفصل الثالث
 

ـــــ قصة مختلفة ـــــــ

الفصل الثالث

رممت ما تشظى في حديقتها من شجر وظلال وزهر ..جعلت حولها أقواسا ودوائر ..
شموسا وأقمارا .. أغمارا من الدفء والضياء ..
لملمت ما تفلّت في فضاء السنين من فراشات الحلم ..لوّنتها بكل الألوان ..ما عدا الأسود ..لقد اقتلعته من الجذور ..
بات فضاؤها بلا كدمات ..بلا عثرات ...بلا حسرة ..لا شيء غير النجوم ترصعه ..في انتظار انبلاج الفجر 
كانت تستيقظ صباحا على شذا تلك الليمونة المغروسة عند نافذتها ..تسارع اليها ..تسقيها ..
تنقي ماسقط عند قدميها من أوراق جافة ..تنتظر نضوج حباتها على موقد الشوق واللهفة ..
تذكرها تلك الحبات الذهبية بأكواب العصير المثلجة التي كانا يتناولانها معا في الأماسي الصيفيّة ..
تنتفض كلما خطر ببالها ..تركض الى غرفتها تسدل الستائر خشية أن تتسلّل ملامحه اليها ليلا وتسلمها الى الأرق ...عندما يثقلها غيابه بالحضور يختنق النبض في أوردتها وتضيق فسحة الانتظار ..
تركض نحو حديقة الحيوانات القريبة من مقر اقامتها ...ورغم إحساسها بالوحدة يكتظ فراغها بمشاهد متنوعة ..الفيلة تتحاور بصمت ...الطيور السجينة ترفّ كي لاتنسى أجنحتها الطيران ..تتحسّس حقيبة يدها ..تخرج ما جلبته من طعام تزق به بجعات ما تتوقف عن عزف سمفونيتها في البحيرة التي تتوسط الحديقة ..تبتسم شفتاها ..تتلاحق خفقات فؤادها لمشهد مراهقيْن في حالة دوار عشقي ..تتلمّس ملامح وجهها المنعكسة على صفحة الماء ولا تجرؤ على التساؤل ..تمرر أناملها على خصلة ثائرة خشية أن تفضحها شعيْرات بيضاء أطلت بخفر ..هذه اللوحة المتناسقة :الخضرة ..الايقلعات المتناغمة والحيوانات الجميلة تجعلها تحس أنها نشاز فتعود أدراجها الى البيت مشيا ...وما صفع خطواتها لوجه الأرض الا نوع من الجلد لتفكيرها الذي لا يتوقف عن التساؤلات ..
لماذا تسكنها ذكراه ؟ لماذا يثقل الصمت وتتسع براحات الهجر ويجف حلق الاصطبار ؟لماذا لاتحدث تغييرات جذرية في بيتها تمحو معالم الماضي وترسم لوحة آتٍٍ مونق ..؟ لماذا؟ولماذا لا تسكت هذه الآلة 
عن الجرش والدوران ؟
وذات إشراقة ..كانت تجلس في حديقة بيتها ..شاقها الحنين إلى الفرشاة والألوان ..بادرت بإحضار عدّة 
الرسم ..انهمكت تنتقي الألوان وبدأت بالأبيض ..داعبتها ابتسامة خفيفة ..الأبيض فأل خير ورمز للنقاء وهذا 
الأخضر العشبي المنعش سيملأ فضاء اللوحة خصوبة سندسية وحياة دافئة ..أما أنتَ أيها الأزرق ..أيها الأمل الدائم الرفيفِ بين جوانحي ..كم تذكرني ببدلة العمال الكادحين ! 
ترى أي لوحة ستلملم هذه الشظايا؟
كم ستكون جميلة لو أثّثتها بركض الأطفال خلف فراشات ذهبيّة..!كم ستكون متوهّجة لو توسّطتها شمس تموز!..كم ستكون نضرة مورقة لو امتلأت زواياها مطامير قمح وخير !
كانت فرشاتها تأبى أن ترسم إلا الحضورمتشحا بمئزر اللقاء المخملي ..خامرتها خفقة خاطفة ..ماذا لو مر الآن من هنا؟ هل سيستمرىء هذا الجمال؟ 
طردت هذه الهواجس وجمعت ألوانها ورموزها وفرّت من ذاتها الى ذاتها ..
خبّأت وجهها عن المرآة المنتصبة في البهو كالقناص تترصد كل حركة وكل لمحة والتماعة تصدر عنها ..
تتجسس عليها حتى من وراء قضبان أضلاعها ..تحاصر كل نبضة قد تنبت في وجدانها المتيبّبس عطشا الى إيقاف الزمن ..فيتحرر الحاضر من الماضي وتمتدّ جسور الوصل نحو نهر العودة واللقاء ..
تمتمتْ كم أحببته !
ليتني أغرقته في بركة النسيان الآسنة ..
عادت من العمل مرهقة ذات مساء ..استلقت على فراشها تستدعي النوم وتتوسل اليه بالإسراع ..وبين غفوة واستفاقة سمعت خطاه تطرق دهاليز وجدانها بإلحاح ..فاجأها صوته يخترق براحات الفكر ويطوي منعرجات الزمن ..انتفضت ...بسملت ..حوقلت ..لكنه هنا ..ككل مرة يفاجئها بإطلالته ثم يباغتها بالغياب والصمت ..قال : اشتقت ..أحتاجك ..أدمنتك ولا أريد منك برْءا ..تجمدت ..احمرّت وجنتاها ..ارتفعت حرارتها ..ثم غسلها العرق ..ودّت لو يهز الكون اعطافه احتفاء بهذه اللحظة ..أرادت أن تركض نحوه 
وتحضن هامته المنتصبة امامها ..قدماها متسمرتان ..تغوصان وتغوصان ..هدّتها محاولة اقتلاعهما فتهالكت على رمل بارد كالصقيع ..وقبل أن تفترّ شفتاها ..رأت هامته تتلاشى
غبارا شفيفا ..يغطي فضاء الغرفة ..لم تصدق ما سمعت و رأت ..لماذا جاء؟ وكيف تلاشى ؟
أغمضت عينيْها ودست وجهها في وسادة أحلامها تبحث عن ذاك النجم ..البعيد ...../ انتهت
فاطمة سعدالله ــتونس ــ






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق