الاثنين، 14 نوفمبر 2016

زهرة عباد الشمس * قصة قصيرة / للاستاذ صالح هشام / المغرب

زهرة عباد الشمس♡ قصة قصيرة !
بقلم الاستاذ صالح هشام / المغرب !
في خفر العروس تلصق عينها بالأرض ،تقتفي شعاع الشمس الذهبي ،المتكسر على السفوح والروابي ، تتلاشى الخيوط وراء الشفق الأحمر البعيد ، تكتئب الزهرة ٠٠٠ تبتئس ، يصيبها الشحوب وتنكمس حزينة ، تتكوم على نفسها ، تنتظر قدوما جديدا بلا غيوم !
يحز في نفسك مآلها ٠٠ يلفظ مخك حمم أسئلة تتطاير تتحجر حائرة على شفتيك ٠٠ تتشظى على جدار ذاكرتك حكمة العصور التي تسري فيك : 
- ما سر هذه الزهرة العجيبة ، الغريبة ؟؟ 
تقتحم مغارة ساحرة ، تبحر في متاهات مكتبة الموتى ، تطلبها : تدوس الجماجم : جماجم، ضخمة ،مسطحة ،مفلطحة ، لعاد وتمود ٠٠ جماجم صغيرة كحبات الرمان لأبلد بلداء تاريخ البشرية ، جماجم لا تفيدك في شيء !
تتيه بين أكوامها المتراصة كحبيبات العنب في عناقيدها ، تبتغي سرها ومستورها ، تضيع في سراديب أرشيفات ذاكرة الماضي : 
- زهرة ، عشاقة ، تعشق عشقا مستحيلا ،معشوقها وهم قاتل :
رقص على ضباب ، تمسك بسراب :
"أبولو "إله الشمس بعربته يجرها جياده الأربعة يمخر مساحات السماء اللامتناهية ،ويسابق الفراغ ٠٠تضيع أحلام "المسكينة" العاشقة في ربوع الأرض لا السماء !
كل يوم يغيب "أبولو " في المغيب ٠٠
تدبل وتروح بصمت في نوبة نحيب ٠٠ 
كل يوم يخترق متاهات فراغ الفراغ ! 
بين أوراقها تتقد نار الصرع والصراع !
زهرة خجولة ، بائسة لم تيأس ٠٠ تقتفي أثر "أبولو " كل يوم من مشرق الشمس إلى مغربها طيلة الزمن ! 
زهرة رائعة ليس لها خلاص من الإخلاص !
عين كبيرة ترى كل شيء ، وحدك تراها ، تحميها ضفائر الشمس العسجدية !
تتيه في مكتبة الموتى ، تمارس إحياء هذه الجماجم القديمة : تختلس منها سرا من أسرار زهرة الزهرات، ملكة الألوان ، وطيف الشمس الأبدي ، عبادتها اتحاد وحلول !
ها هي زهرتك ماثلة أمامك ،تعرف عليها عن كثب ، تملى بسوالفها الصفراء الذهبية وغص في بحر أسرارها فما تراه عينك ليس كما تحكيه لك جماجم الماضي وكتبه الصفراء الباهتة ! 
اترك جماجم الموتى تنعم بالسلم و السلام، واحترس فقد تكون الضحية المائة أو الواحد بعدها،لشظايا جمجمة الشنفرى الملعونة ! 
آه ٠٠٠أنت بليد مخبول !
آه ٠٠٠أنت ابله مهبول !
فأنت لا تحسن السؤال !
هؤلاء الأموات سيخبرونك عنها : 
- زهرة عباد / دوار الشمس :
عين" حورس " فقدها في إحدى معاركه مع "ست" ، لكن أين هي خصية" ست " هذا ؟ فقد أخبرنا هؤلاء بأنه هو أيضا فقد خصيتة ؟
كانت المعركة متكافئة : العين بالعين أو الخصية بالعين ! 
هي بوصلة معتوهة ، لا تغير مسار الشمس ، تمتص منها الضوء وتتمسك بتلابيبها أينما تحل وترتحل ، وتميل حيث تميل!
مسلوب الإرادة ، تتملى بجمال زهرتك ، تتلمظ روائحها الزكية : 
- ز٠٠٠ز٠٠٠٠زز٠٠زز٠٠٠ززز٠٠٠ززز٠٠٠٠زززز ٠٠٠! 
أزيز حوامة قديمة نازية الصنع ، يخترق تلافيف دماغك ،تمتصه طبلة أذنك المثقوبة ، يقترب منك ، يتضح شيئا فشيئا تتبينه :
كان أزيز ذبابة كبيرة خضراء ، مستكرشة ، قادمة من معلقة عنترة : قزحية العينين ، زجاجية الجناحين ،سوداء البطن كخافية غراب أسحم ، ، مركبة ترسو فوق أسود بؤبؤ عين "حورس" ، ذكية ، محنكة ، تعشق التألق ، تحب الأمن والأمان ، تكره قمع الأنظمة الفاسدة ! 
أسود العين جمالها ، فتنتها في سوادها :
لونها يمتص كل ألوان الطيف ، الخضراء ذواقة ألوان ، عاشقة موضة
أما رموشها الصفراء ، فهالة تفاؤل وانشراح : 
في مساحة عين الزهرة ، تمارس هذه الذبابة طقوسها الخاصة ، تزيل ما علق بجناحيها والأرجل من روائح الأموات :
تمطط جناحيها تحت رجليها الخلفيتين ٠٠ تحك بذراعيها عينيها الكبيرتين البراقتين : هزجة ، فرحانة ، نشوى ، سكرانة وما هي بسكرانة ، تتغنى بصولات وجولات الذباب و لسان حالها يقول : 
وخلا الذباب بها فليس ببارح ٠٠٠٠٠غردا كفعل الشارب المترنم !
هزجا يحك ذراعه بذراعه ٠٠٠٠٠٠قدح المكب على الزناد الأجذم !
وأنت ترقبها، تتسمر في مكانك كمومياء محنطة ، جسد جمده الصقيع ، بها تلتصق عيناك ، لا تريد أن تفسد عليها راحتها واستراحتها ، تتملى بطقوسها الغريبة ، و من داخلك يفترسك تطفلك الطفولي !
فجأة من خلوته، يطل برأسه المثلثة المخيفة خارج مخبئه ، الناسك/ المتعبد / فرس النبي : دورة كاملة ، استدارة حربائية ، يستطلع الحال والأحوال براداره اللعين في محيط الزهرة ، ينفض عنه غبار النسك و التعبد ، يتحول مصاص دماء ، قطاع رؤوس ، يرمي لباس الورع والوقار ، يغير لون برنوسه الأخضر ، ما يخفي صدره نية مبيتة ٠٠يستعد للقتل والفتك٠٠ وجز الرؤوس٠٠ وتقطيع الاوصال بمناشيره الخرافية المسننة :
بحدر شديد يتلمس سويق زهرة عباد الشمس ، يحكم قبضته عليها ، يصعد بتؤدة و بطء : كله عزم على ارتكاب جرمه العظيم ، فهو ليس الأول والأخير بعد قابيل ، يتحد بلون الساق الخضراء والرموش الصفراء ، تمويه شيطاني خداع ، يقترب شيئا فشيئا من الذبابة : المسكينة منشغلة ، بمساحيقها وعقاقيرها ، كانت تتبرج فرحة بنفسها ،كيف و هو الناسك المتعبد ؟ : يمقت التبرج ، ينشر الفساد بين العباد في البلاد ، تحجب رؤية ما حولها بذراعيها ، فرصته ذهبية ، يقترب منها ، يهوي عليها بمنشاره المسنن ، يدق عنقها ٠٠ يفصل رأسها عن جسدها : مقصلة النسك والناسك ٠٠يتلمظ دمها٠٠ يرقص رقصة انتصاره على جثة ضحيته المتبرجة ٠٠يشرع في افتراسها !
غير بعيد من مسرح الجريمة ، يقبع جدع شجرة يابس يرقص رقصة المغلوب ، المرعوب ، على إيقاع ضربات منقار نقار الخشب، يدمر خلاياه المدمرة ، يبتغي هندسة بناء بيته !
بمنظاره الثاقب ، يرصد السرعوف ينتشي بلحم الفريسة ، ويتبول ويتغوط على جثتها المدمرة ٠٠ يوقف النقر مؤقتا ، يحوم حول زهرة عباد الشمس ، ينقض على الناسك / المتعبد ،يهوي عليه بضربة من منقاره الثقيل ، يدمره ويبتلعه في جرعة ماء ، ينتقم للخضراء المتبرجة ، يتعجل العودة إلى نقر جدع الشجرة ٠
على ارتفاع شاهق يرصد الشاهين ، نقار الخشب متلبسا بالجريمة ، كقديفة طائشة ينقض عليه ، يخرم جسده بمخالبه ، يطير عاليا طالبا رؤوس الجبال ! 
حجرة طائشة شاردة من مقذاف مطاطي ،تردي الشاهين قتيلا ! 
نقار الخشب عالق بمخالب الشاهين ، والناسك لم يصل حوصلة النقار بعد ، الذبابة متشظية بين فكي الناسك :
هذه زهرة عباد الشمس : لا هي عين حورس ، ولا هي عين القمر ولا هي عين رع ، ولا هي معبودة أبولو إله الشمس !
زهرة عباد الشمس مسرح كوني :
للقاتل والمقتول !
للظالم والمظلوم !
للحاكم والمحكوم !
للجلاد والمجلود !
مسرح مفارقات بين ما يراه الأحياء ، وما يقوله الأموات !
زهرة عباد الشمس سر مخفي وحكاية عجيبة ، غريبة ٠٠ لا تختزل في قنينة زيت تزين مطابخنا ! 
بقلم الاستاذ:صالح هشام 
السبت ١٢ نونبر ٢٠١٦

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق