الخميس، 11 أكتوبر 2018

مجلة أنكمدو العربي للثقافة والأدب // تكافل الطريق // بقلم : عبد الزهرة خالد // العراق

تكافل الطريق
—————
في كل عام يجري صفرٌ مع هرولة الأقدام نحو الشمال مُتَّخِذ بوصلة الولاء دليل علامات الطريق ويحسب للهلال ألف حساب عندما يبات مع الراحلين تحت سقف السرادق وصوت الاهازيج لا يعرف شعاع الشمس ولا لعتمة الليل وجود وعبارات الحناجر التي تنسيك ألمك وساقيك المتورمتين.
لا يحتاج المغادر منزله إلى حقيبة أو جواز سفر ، بل قلب يعكتز على قدمين لا يحسب للأميال حساب ، عرق الجبين هو وقود الطاقة البدنية تأكل لون الشارع وغبار العبور..
هناك من ينطلق بمفرده ومن ينطلق مع عياله الصغار والكبار عبر قناطر الوجدانية نحو مكان مكتظ بالإيمان ، أناس ثابتون مع أوتاد الوقوف ينتظر جلوس الضيوف على وسادة الدلال ويمرّ النسيم يقبل الوجنات علناً أمام الجموع .
تقف الطيور على أسلاك الطاقة ، والهدهد الغائب يعود ليعد الغائبين ويذكر أسماء الحضور ، بلقيس لم تعد ملكة بل كشفت عن ساقيها قرب سكة الحديد لتبرهن للعالم بإن هناك شيء سيكون .
لم تكن عادة أو تقليد بل هي شعيرة تثبت قوة الإيمان بعد أن يجتمع الجميع في أداء الأدوار الموكلة لهم قبل أن تتدخل الحكومة في بعض الأمور أو يسيسها بعض المتحزبين.
لا تعجب حينما يأتيك المسافر من خارج الحدود بعد ختم الجواز بالدخول يعتمد إعتماداً كلياً على كلمات الترحيب والصدق في معانقة الضيوف ، تجد في الطريق كلما تتمناه النفس وما أدري هل هي تلبية ربانية حينما تشتهي سمكاً أو دجاجاً مشوياً أو قطعة لحم فوق رزٍ ، ثقافة الكرم تجاوزت التفاسير والتحليل ، ربما يقول قائل ستنتهي في عام أو عامين والغريب أن ذلك تضاعف ولم يحسب لقياسها أي معيار أو ميزان .
قطعة متكاملة كبناء الجسد في الإنسان ، دورة الحياة الطبيعية وما عليك إلا أن تسلك الطريق وتجد من يداويك من حالات نفسية مستعصية على أطباء المدينة ، عادة ما تكون بين الأشواط فرص للراحة أما في الشوط الواحد يلاقيك اللاعب بكل سرور وحيوية يواصل المسير بعد الخطوة الأولى شرعت نحو الشمال أو الجنوب ، من يطهر الحديث عن هذا الموضوع غير التطبيق العملي وتتخذ من الليل أو النهار جملاً يسافر بك عبر تضاريس تنوعت حسب ارتفاع وانخفاض الأرض عن مستوى البحر.
في المدن تقلصت نسبة الحوادث الاجرامية إلى الصفر وازدادت نسب الفضيلة في الطريق على عكس التنافس الشديد أوقات إزدحام الطريق الخانق بالعجلات وتختلف النيات بين البشر حتى أمام الكعبة تتهاوى القلوب وفي المساجد تتنوع السجود والركعات حسب نية العابد للمعبود فالتقوى والورع هو المقصود .
تتوزع المواكب على جانبي الطريق من وإلى كربلاء تتنافس فيما بينها على تقديم أفضل الخدمات للمارين إلى القبة الذهبية وتسمع مكبرات الصوت فيها تلاوة الأناشيد ويشد العزم صوت وتوسل المضيف ، فلا عجب عما تراه من مبادرات وخدمات قد يعجز القلم عن وصفها وتقصر الألسن بشرح تفاصيل الشعور وأنصح الكتاب في النزول للميدان فالتجربة خير دليل . 
جربت ذلك عام ٢٠٠٦ أجهشت بالبكاء على المنظر قل نظيره بين الأمم ولو رأيت ذلك في أحداث تفجيرات ١١ أيلول في أمريكا لكنها ليست نفس العفوية والفطرة التي يتعامل بها العراقيون .
وأدهشني منظراً في أحد الأحياء في محافظة من محافظات الوسط عندما أفترش المضيفون الأرض أمام بيوتاتهم التي لم تكتمل في البناء ألا أنهم ألحوا كثيراً على الجلوس فوق صناديق الفواكه والخضر لتناول الفطور مع أقداح الشاي الكارتونية والزجاجية. كثيرة هي القصص عن الجود والكرم وعليه تجد التفسير الذي جعل الإمام الحسين عليه السلام أختار العراق ليكون مكان مدفنه وكذلك أبوه وأبناؤه أكيد أن الكرم هو السبب الرئيس.
لا يستوفي المقال هذه الأسطورة التي يخطها نماذج فريدة مختلفون عن باقي الشعوب رغم الفقر والعوز وحتى مستوى التعليم يكون الأدنى لكنهم ضربوا المثل الأعلى القيم والتعامل الإنساني لكلا الطريفين السائرون والواقفون على حدٍ سواء في إيجاد فرص الإرتقاء نحو الرقي والمثالية .
قد شجع هذا الموقف الأجانب والعرب من المرور عبر هذه المواكب وصولاً إلى الضريحين لأجل ركعتين أو أكثر قربة إلى الله تعالى يواصلون الليل بالنهار وكأن اليوم محسوب للأربعين.
الغريب في الأمر أن في تدخل الحكومة سيؤدي إلى الإرباك والفوضى في تنظيم مسير عشرات الملايين من البشر خلال أيام معدودة قد تصل إلى أكثر من عشرين يوماً فالنقل المجاني والمبيت وتقديم الخدمات الطبية وترتيب الممرات الطبيعية الأمنة والسالكة إلى محافظة كربلاء وتشعر بأمان كاف من كل النواحي ويشجع ذلك على تكرار الزيارة والمسير رغم معاناة حرارة الجو وأشعة الشمس اللاهبة لكن لطف الرحمن قد يصل إلى نزول الغيث بكل كرم وعناية ربانية .
وفي هذه الأيام هناك بعض النسوة في حيّنا يأجرنّ سيارة تقلهنّ إلى صحراء السماوة بعد التحضير ( تمن بقلاء ) والسمك الطازج مع كافة المقبلات لتقديم وجبة غداء لمن يحالفه الحظ في هذه الساعة بالمرور.
على مستوى الأخلاق يرتقي الإنسان بسلوكيته ونسيان الأنانية والتقديم التفاني والتضحية في سبيل أخيه المسلم مهما كانت جنسيته أو قوميته ويحس الجميع بإنسانيته محترمة بين الأمم جمعاء . قلما ترى مشاجرةً بين الناس أنما التنافس على الفضيلة والرفعة ليفوز الجميع فوزاً عظيما.
—————————
عبدالزهرة خالد
البصرة / ١٠-١٠-٢٠١٨

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق