حين تكون الذات محور الدلالة الموحية بالرموز
المجموعة الشعرية ( أنقذوا أسماكنا من الغرق ) للشاعر رعد زامل
أن الاستناد على الذات كدلالة محورية من أجل كشف المدلول للواقع المتغير حولها، يحول كل رموزها الموحية الى مفاهيم معنوية تحدد طرق هذه الذات في أيجاد الدوال المتقاربة أو المتصادمة معها . لأن الذات هي المفهوم القيمي لاستقراء عناوين المعرفة االسسيولوجية و التي تناظر كل الكيانات المؤثرة بهذه الذات، يحدث هذا من خلال عمق التأثير التطوري لرموز وصور هذه الكيانات، والتي قد تتطابق أو تفترق في لحظة تصادمها أو انعكاسها مع رموز الذات،لأن الارتكاز داخل الذات تحدده صورة اللاوعي في الكثير من انعكاسات الوعي البصري أو السمعي وحتى الفهمي، فالسلوك النفسي العفوي في طريقة الكشف الآني في لحظة تصادم هذه الذات مع جميع هذه الكيانات، تتسع أو تضيق حسب قدرة الذات على تحويلها الى رموز معبرة عنها بدل هذه الكيانات، ونجد كل هذا في مجموعة الشاعر رعد زامل ( أنقذوا أسماكنا من الغرق ) والصادرة من دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد. نجد الرموز المستنده على رمزية الأشياء في كل لحظاتها لحظة التصالح معها، من أجل كشفها أو أعادة صياغتها حسب تقاربها مع رموز الذات، أو لحظة التصادم معها من أجل تعريتها وبيان حجم التضاد بينها وبين رموزها غير الموضوعية وفي حركتها في الحياة حوله. لهذا كانت اللغة لدى الشاعر بقدر ما هي أداة تعبيير تصبح أداة نقل لرموز الكيانات الأخرى الى ذاته، من أجل أتساع الحوار في كينونة الرؤيا عنده . وتصبح هذه اللغة كالمرايا لانعكاس التصور الذهني وفق طاقة التخيل لديه لكي تستمر هذه الرموز بالتمازج أو التشابك الصوري التشعبي مع رموز الذات، حتى تصبح هذه الرموز رموزا ذاتيه معبرة عن باطن الاستنباط الفهمي للفكرة الشعرية عنده .
ص 13في نص هروب
ثلاثة قرروا الهرب / في أقرب صباح طازج / سمكة / لم تشعر بوجودها / تحت المياه / وحمامة/ اكتشفت إنها ترقد / على بيضة موقوتة / وأنا / المدعو رعد زامل سأفتح النافذة / وأتسلل من الحياة )
نجد الشاعر هنا يحاول أن يعطي البعد الوجودي امتدادا دلاليا لكي يبقى محافظا على أسرار الذات كمحور لهذا البعد، لأيجاد المعنى المنعكس من خارج ذاته الى داخلها. لأنها في كل حالات الترميز الوجودي المعنوي، يسقط التأويل الدلالي في بعدها الوجودي من داخلها على كل الأشياء المتقاربة في اكتشاف الرمز المتطابق مع المعنى اللاواعي الذي يحاول الشاعر أن يعيد قيمته وأتساعه وإعادة اكتشافه، لأنه التأويل المتحرك داخل ذهنية التصور المكون لفكرة النص، والتي تحفز لحظة التعبير لديه لكي يعطي البعد الدلالي المعنوي بعدا ذاتيا إنسانيا شاسعا ليعيد قيمته المنفلتة خارج التقييم الدلالي. الشاعر هنا يعيد خلق الزمن النفسي المتراكب والمتراكم داخله اعتمادا على قدرة التحفيز الخيالي لديه، وعلى قدرة ذهنية الإيحائية الموجزة بالفكرة التي يتبناها كرؤيا شعرية ذات بعد دلالي خارج الذات، حيث نجده هنا يبدأ من أول المقطع ليحدد الأعداد التي تعطي المعنى في التأويل المحفز على تقارب المعنى الذاتي مع تلك الأشياء. حيث نجد هنا الزمن الخارجي هو انعكاس الى الزمن الداخلي، في تحديد الأعداد لكي لا تنفلت الفكرة عن محوريتها
وبهذا تصبح الذات عنده مرايا عاكسة على تحريك الزمن وفق قيمة المعنى في فكرة النص داخله. فنجد هنا (سمكة ، حمامة ،وأنا) كل هذه الأشياء تخضع الى زمن ملغوم يتفجر بقدر الرمز الخارجي داخله. لهذا يحاول أن يعيد كل هذه الأشياء الى الحياة ولكن بالزمن الذي يسعى إليه. حيث حدد الهرب من أول المقطع ( ثلاثة قرروا الهرب ) أن هذا فعل إرادي وليس منفلت خارج قناعته الوجودية، لأن سبب الهروب هو عدم شعورها بوجودها، بهذا يكون فعل الحركة لدية هو عدم الشعور بالوجود فيسعى للهرب، لأن كل شيء خارج قدرته على التغيير بسبب فعل التجاهل. والشاعر ربط هنا بين الشعور بالوجود و التسلل خارج الحياة والتلاشي. و هو بهذا يحدد أزمة وجودية في مسعى بأن تكون في مسارها الصحيح خارج القوة المسيطرة العمياء (لم تشعر بوجودها ) ففعل الرؤيا عند الشاعر هي أزمة الذات في وجودها المتطابق مع ما تسعى إليه في حياة ....
ص 27 في نص نشيد رقم -1-
(كانت هنا شجرة / بين أغصانها / تحملني كأم / في الصيف تظللني بأهدابها / وبالعشب تدثرني / في الشتاء / كانت هنا شجرة / وكلما أشتد بي خوف / وانهمر على رأسي الرصاص / كنت بين أعشاشها / أخبئ أناي )
وهذا النص ما هو إلا مسيرة ذات الشاعر في اكتساب القيمة المضافة إليه من محور الأشياء الخارجية، فنجد هنا التدرج في كسب هذه القيمة من خلال انعكاس رموز الشجرة وما توحي إليه من عنصر الحياة.والشاعر هنا جعل الذات هي مركز الأزمة الوجودية، فتتحول رموز الشجرة الى توتر انفعالي داخل اللاوعي، لأن الانفعال هو الزمن المفاجئ من انعكاس المؤثرات الخارجية في تركيب الصورة الذهنية ورموزها، وبهذا أصبحت هي الرموز الموحية بما تحتوي الذات من مفهوم للشجرة كرمز محوري الى الحياة وامتدادها، بما يوحي بعنصر الحياة المتحرك داخله، فأتخذها كصورة تعبيرية لحالته الباطنية وأخضعها الى انعكاس الفكر التصوري من ذهنية الزمن المؤثر فيه. فأصبحت هذه الشجرة هي الأم فانتقلت من الخارج الى داخله وأعطاها كل ما يوحي بالمعنى المبطن لكل حالات الوعي الإدراكي بما تمثله الأم (بين أغصانها / تحملني كأم ) وتطابقت مع المعنى المتركم داخله من فعل الأم في الحياة (في الصيف تظللني بأهدابها / وبالعشب تدثرني / في الشتاء) فتطابق عطاء الأم مع عطاء الشجرة، لكنه في نفس الوقت ولكي لا يجعل رمز الشجرة هو المسيطر على كامل وعيه ( كانت هنا شجرة ) فالشجرة هنا انتقلت من وعيه الانفعالي الى وعيه التراكمي الذي يحث اللاوعي على إنارة الجانب المفقود داخله، فجعل من الشجرة وعيا انتقاليا من رمز الأم وما تمثله من حنين ومحبة، الى دور الشجرة في الحياة، فامتدت بقدر الصور الذهنية المخزونه داخله الى حد التطابق مع مفهومة عن الأم (كانت هنا شجرة / وكلما أشتد بي خوف / وانهمر على رأسي الرصاص / كنت بين أعشاشها / أخبئ أناي ) وقد أستطاع الشاعر هنا أن يثير رموزه الداخلية على قدر محاكاة رمز الشجرة والتي تقارب رمز الأم داخله ...
ص 31 في نص من دفتر الجوع والعائلة
(من أجل أخوة /زرعوا أيامهم / ولم يحصدوا شيئا / أقول unsure رمز تعبيري ذهب أبي / يشتري قمحا / كي يعيد للعائلة مجدها / ولما رجع / وجد أن الأرضة / قد كبلت أواصر العائلة )
هذا النص يتحول من رمز الأم وتأثيرها الرمزي داخله الى صورة الأب والأخوان، وما يمثلوه من تشابك ذاته مع المعنى المتحرك خلالهم . والشاعر يتخذ من الصور القريبة من تحركه النفسي، لكي يعطي الحياة التي حوله رموزا شعرية تقارب كل الرموز الموحية بالتقارب مع الرموز الخارجية . والنص لدى الشاعر هو امتداد زمني في المعنى الذي يتحول الى وعي إدراكي لحاضر الوجود الآني، والذي بدوره يتحول الى توتر انفعالي رمزي موحي الى أشارات اللغة التعبيرية، والتي تظهر كرموز إيحائية مرتبطة بمقدار الأزمة الذاتيه لوجوده الآني، فيكون الإيقاع داخل النص انفعالي نفسي تترتب من خلاله المعاني المتطابقة مع رموزه الباطنية ومقدار تناظرها الى الرموز الخارجية في الفكرة الموحية داخل النص(من أجل أخوة / زرعوا أيامهم / ولم يحصدوا شيئا ) وهنا فعل متأخر عن القيمه الموحية بالوعي اتجاه أخوته، لأنه مدرك أن قيمة الشاعر هي قيمة التعبير عن شروط الحياة بجملها وأسرارها الموحية، لأن أخوته لم يستطيعوا أن يصلوا الى ما هو يعيش من الداخل وفق ذائقة أزمته الوجودية المعبرة عن الحياة. ومن أجل أن يتسع بالمعنى أعطى الأب قيمة الحركة الخارجية في الحياة لكي يعمق أبعاد الترابط المعنوي داخل الأسرة. والشاعر هنا يريد أن يؤكد أن فعل الارتباط داخل الأسرة ليس بالحركة الخارجية بل من محور القيم المعنوية بالانتماء، فالحركة الخارجية لا تنضج الداخل إذا كان الداخل مفككا لا يستند على انتماء واضح في العلاقات . وهنا هي أشارة الى أن التطور والإنضاج لكل شيء لا يمكن أن يحدث إذا لم يكن هناك قابلية من داخل هذا الشيء على التطور، فالخارج لا يمثل إلا محور انتماء متزحزح لا يستند الى قاعدة حية في الحياة إذا كان الداخل معزولا عن هذا الخارج (ذهب أبي / يشتري قمحا / كي يعيد للعائلة مجدها / ولما رجع / وجد أن الأرضة / قد كبلت أواصر العائلة ) فأن الداخل يحمل أسباب تهدمه وتلاشيه من داخله إذا لم تكن أواصره متفاعلة ومتطابقة كمحور انتماء حقيقي. أي أن الخارج مهما كانت حركة الإنضاج فيه لا يمكن جذب الداخل إليه من أجل تطويره إذا كان هو أصلا منهار وغير متطابق مع بعضه ....
ص 45 في نص ثعالب وعيون
(لا أحمل رائحة للفتنة / وليس في ملامحي / ما يثير الشبهات / غير أن الثعالب والعيون / تلاحقني في الأزقة / فقط لأن / قميصي مطرز بالعنب )
الشاعر هنا يعطي أشارة بأن الكثير من التهم التي توجه بشكل لا يستند الى حقيقة جوهرية تعتمد على المظاهر الخارجية. فالحياة لا يمكن أن تكون إذا لم تقيم من أسرارها العميقة الموحية بحقيقتها الثابتة، فالمظاهر حركة متغيرة لا يمكن أن نعطيها المسميات الوجودية استنادا على مظاهرها، والحياة في هذه الحالة تصبح فوضى لا فعل فيها على قيمها الحقيقية. والشاعر أعطى المعنى الأنزياحي في تحقيق الاستعارة الذاتية كرمز للحياة (لا أحمل رائحة للفتنة / وليس في ملامحي / ما يثير الشبهات / غير أن الثعالب والعيون / تلاحقني في الأزقة / فقط لأن / قميصي مطرز بالعنب ) أعتبر أن الذات هي الرامزة لكل حركتها وأفعالها، والتي تتحقق من خلال انعكاسها على المعنى في حركة الذات الإنسانية، لأن إذا لا تحتوي هذه الشروط تعتبر خارجة عن معنى الحياة نفسها، لأن الذات الإنسانية ما هي إلا القيم الحية في شرطية التناظر الحي مع الحياة ومعناها، لأن كل المسميات التي خارج رموز الإنسان الوجودية لا يمكن أن نعطيها قيمها إذا لم تتطابق مع ذاته. وقد أستند على الذات كبعد وجودي إدراكي في تركيب ذهنية الصور في الجملة الشعرية، وهنا يؤكد على أن قيمة الشاعر أنه لا يحمل رائحة الفتنة التي تثير الشبهات بل يحمل رائحة الحياة التي تسعى الى تثبيت الجمال مع هذا تلاحقه العيون، وهذه دلالة أن الجمال الذي يدركه الشاعر لا يدركه الآخرون وهذا ما يجعل الشاعر يعيش العزله عن الوسط الذي يعيشه ...
ص 87 في نص بطاقة تعريف
(أنا شاعر مغمور /تحت موجة ولدت / بالحبل السري مرتبطا / كنت أكثر من نهر / ولدت أحدب من الحزن / وعلى ظمأ ترعرعت )
هذا النص ما هو إلا امتداد لكل الصور الإدراكية في الإرهاصات السيكولوجية المتخيلة والتي تبني على الخلاص الفردي من خلال خلاص المجتمع. حيث أن الشاعر ما هو الإنسان المعبر عن إشكاليات الحياة ضمن المجتمع، لهذا يشعر أن التطلع الى العالم الخارجي، العالم المهشم والتي تتشظى فيه الأشياء والموجدات بعيدا عن قيمها ، يصبح هذا العالم عالم العزلة والضبابي في الأفكار والقيم والأحلام وتتناثر فيه الصور والمرئيات الحية، حيث يحدد هوية الشاعر وكيفية حدوث ولادة هذا الشاعر. فقد يكون هذا الشاعر مغمورا لأنه يمتلك الحياة الحقيقية، وما النهر إلا حركة الحياة الحية التي تعطي الكثير ولا تأخذ (تحت موجة ولدت / بالحبل السري مرتبطا / كنت أكثر من نهر ) رغم أنه يعيش الظمأ والحرمان وكأن الشاعر لا يولد إلا وسط كل هذا، يعطي ولا يأخذ بتحول عنده فعل العطاء في حركته المدركة لفعل الحياة، ومن أجل هذا يجب عليه أن لا يفكر كم هو مشهور بقدر ما يمتلك القدرة على التعبير عن جوهر الحياة التي ينشدها، والحبل السري الذي يرتبط به ،هو أشارة الى القيم والمعبر عنها بكل اشتراطاته الشعرية الجوهرية، عليه أن يدافع عن الحياة الحقيقية رغم أنه عاش الحزن والظمأ (ولدت أحدب من الحزن / وعلى ظمأ ترعرعت ) فهو باقي مرتبط بالحبل السري لكل القيم التي أنضحت داخلة وبقيت مرتبطة في سلوكياته النفسية وفعلها في الحياة . المجموعة ما هي إلا إشارة حية على التفاعل مع تضاد الحياة في كل أنواعها من أجل تحديد هويتها الحقيقة . لهذا أطلق الشاعر (أنقذوا ) فقد تم تحديد أفعال الحضور في تخليص الحياة من فعل التضاد فيها، لكي يكتسب كل ما هو جميل من خلال أعادة موضعتها وترتيبها، ولهذا تكون المجموعة قد اعتمدت على الصور البصرية المشهدية وضمن حركتها الذهنية التأملية في فكرة التأويل الخفي في التحديد الدلالي، وفق نسق المرئيات في الإشارة الى التضاد لكي يتم أعادة خلقه من جديد ضمن الحياة، لكي تكتمل هذه الحياة وتعاد الى شروطها الحقيقة في استمرارها في فعل الوجود الإنساني .
المجموعة الشعرية ( أنقذوا أسماكنا من الغرق ) للشاعر رعد زامل
أن الاستناد على الذات كدلالة محورية من أجل كشف المدلول للواقع المتغير حولها، يحول كل رموزها الموحية الى مفاهيم معنوية تحدد طرق هذه الذات في أيجاد الدوال المتقاربة أو المتصادمة معها . لأن الذات هي المفهوم القيمي لاستقراء عناوين المعرفة االسسيولوجية و التي تناظر كل الكيانات المؤثرة بهذه الذات، يحدث هذا من خلال عمق التأثير التطوري لرموز وصور هذه الكيانات، والتي قد تتطابق أو تفترق في لحظة تصادمها أو انعكاسها مع رموز الذات،لأن الارتكاز داخل الذات تحدده صورة اللاوعي في الكثير من انعكاسات الوعي البصري أو السمعي وحتى الفهمي، فالسلوك النفسي العفوي في طريقة الكشف الآني في لحظة تصادم هذه الذات مع جميع هذه الكيانات، تتسع أو تضيق حسب قدرة الذات على تحويلها الى رموز معبرة عنها بدل هذه الكيانات، ونجد كل هذا في مجموعة الشاعر رعد زامل ( أنقذوا أسماكنا من الغرق ) والصادرة من دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد. نجد الرموز المستنده على رمزية الأشياء في كل لحظاتها لحظة التصالح معها، من أجل كشفها أو أعادة صياغتها حسب تقاربها مع رموز الذات، أو لحظة التصادم معها من أجل تعريتها وبيان حجم التضاد بينها وبين رموزها غير الموضوعية وفي حركتها في الحياة حوله. لهذا كانت اللغة لدى الشاعر بقدر ما هي أداة تعبيير تصبح أداة نقل لرموز الكيانات الأخرى الى ذاته، من أجل أتساع الحوار في كينونة الرؤيا عنده . وتصبح هذه اللغة كالمرايا لانعكاس التصور الذهني وفق طاقة التخيل لديه لكي تستمر هذه الرموز بالتمازج أو التشابك الصوري التشعبي مع رموز الذات، حتى تصبح هذه الرموز رموزا ذاتيه معبرة عن باطن الاستنباط الفهمي للفكرة الشعرية عنده .
ص 13في نص هروب
ثلاثة قرروا الهرب / في أقرب صباح طازج / سمكة / لم تشعر بوجودها / تحت المياه / وحمامة/ اكتشفت إنها ترقد / على بيضة موقوتة / وأنا / المدعو رعد زامل سأفتح النافذة / وأتسلل من الحياة )
نجد الشاعر هنا يحاول أن يعطي البعد الوجودي امتدادا دلاليا لكي يبقى محافظا على أسرار الذات كمحور لهذا البعد، لأيجاد المعنى المنعكس من خارج ذاته الى داخلها. لأنها في كل حالات الترميز الوجودي المعنوي، يسقط التأويل الدلالي في بعدها الوجودي من داخلها على كل الأشياء المتقاربة في اكتشاف الرمز المتطابق مع المعنى اللاواعي الذي يحاول الشاعر أن يعيد قيمته وأتساعه وإعادة اكتشافه، لأنه التأويل المتحرك داخل ذهنية التصور المكون لفكرة النص، والتي تحفز لحظة التعبير لديه لكي يعطي البعد الدلالي المعنوي بعدا ذاتيا إنسانيا شاسعا ليعيد قيمته المنفلتة خارج التقييم الدلالي. الشاعر هنا يعيد خلق الزمن النفسي المتراكب والمتراكم داخله اعتمادا على قدرة التحفيز الخيالي لديه، وعلى قدرة ذهنية الإيحائية الموجزة بالفكرة التي يتبناها كرؤيا شعرية ذات بعد دلالي خارج الذات، حيث نجده هنا يبدأ من أول المقطع ليحدد الأعداد التي تعطي المعنى في التأويل المحفز على تقارب المعنى الذاتي مع تلك الأشياء. حيث نجد هنا الزمن الخارجي هو انعكاس الى الزمن الداخلي، في تحديد الأعداد لكي لا تنفلت الفكرة عن محوريتها
وبهذا تصبح الذات عنده مرايا عاكسة على تحريك الزمن وفق قيمة المعنى في فكرة النص داخله. فنجد هنا (سمكة ، حمامة ،وأنا) كل هذه الأشياء تخضع الى زمن ملغوم يتفجر بقدر الرمز الخارجي داخله. لهذا يحاول أن يعيد كل هذه الأشياء الى الحياة ولكن بالزمن الذي يسعى إليه. حيث حدد الهرب من أول المقطع ( ثلاثة قرروا الهرب ) أن هذا فعل إرادي وليس منفلت خارج قناعته الوجودية، لأن سبب الهروب هو عدم شعورها بوجودها، بهذا يكون فعل الحركة لدية هو عدم الشعور بالوجود فيسعى للهرب، لأن كل شيء خارج قدرته على التغيير بسبب فعل التجاهل. والشاعر ربط هنا بين الشعور بالوجود و التسلل خارج الحياة والتلاشي. و هو بهذا يحدد أزمة وجودية في مسعى بأن تكون في مسارها الصحيح خارج القوة المسيطرة العمياء (لم تشعر بوجودها ) ففعل الرؤيا عند الشاعر هي أزمة الذات في وجودها المتطابق مع ما تسعى إليه في حياة ....
ص 27 في نص نشيد رقم -1-
(كانت هنا شجرة / بين أغصانها / تحملني كأم / في الصيف تظللني بأهدابها / وبالعشب تدثرني / في الشتاء / كانت هنا شجرة / وكلما أشتد بي خوف / وانهمر على رأسي الرصاص / كنت بين أعشاشها / أخبئ أناي )
وهذا النص ما هو إلا مسيرة ذات الشاعر في اكتساب القيمة المضافة إليه من محور الأشياء الخارجية، فنجد هنا التدرج في كسب هذه القيمة من خلال انعكاس رموز الشجرة وما توحي إليه من عنصر الحياة.والشاعر هنا جعل الذات هي مركز الأزمة الوجودية، فتتحول رموز الشجرة الى توتر انفعالي داخل اللاوعي، لأن الانفعال هو الزمن المفاجئ من انعكاس المؤثرات الخارجية في تركيب الصورة الذهنية ورموزها، وبهذا أصبحت هي الرموز الموحية بما تحتوي الذات من مفهوم للشجرة كرمز محوري الى الحياة وامتدادها، بما يوحي بعنصر الحياة المتحرك داخله، فأتخذها كصورة تعبيرية لحالته الباطنية وأخضعها الى انعكاس الفكر التصوري من ذهنية الزمن المؤثر فيه. فأصبحت هذه الشجرة هي الأم فانتقلت من الخارج الى داخله وأعطاها كل ما يوحي بالمعنى المبطن لكل حالات الوعي الإدراكي بما تمثله الأم (بين أغصانها / تحملني كأم ) وتطابقت مع المعنى المتركم داخله من فعل الأم في الحياة (في الصيف تظللني بأهدابها / وبالعشب تدثرني / في الشتاء) فتطابق عطاء الأم مع عطاء الشجرة، لكنه في نفس الوقت ولكي لا يجعل رمز الشجرة هو المسيطر على كامل وعيه ( كانت هنا شجرة ) فالشجرة هنا انتقلت من وعيه الانفعالي الى وعيه التراكمي الذي يحث اللاوعي على إنارة الجانب المفقود داخله، فجعل من الشجرة وعيا انتقاليا من رمز الأم وما تمثله من حنين ومحبة، الى دور الشجرة في الحياة، فامتدت بقدر الصور الذهنية المخزونه داخله الى حد التطابق مع مفهومة عن الأم (كانت هنا شجرة / وكلما أشتد بي خوف / وانهمر على رأسي الرصاص / كنت بين أعشاشها / أخبئ أناي ) وقد أستطاع الشاعر هنا أن يثير رموزه الداخلية على قدر محاكاة رمز الشجرة والتي تقارب رمز الأم داخله ...
ص 31 في نص من دفتر الجوع والعائلة
(من أجل أخوة /زرعوا أيامهم / ولم يحصدوا شيئا / أقول unsure رمز تعبيري ذهب أبي / يشتري قمحا / كي يعيد للعائلة مجدها / ولما رجع / وجد أن الأرضة / قد كبلت أواصر العائلة )
هذا النص يتحول من رمز الأم وتأثيرها الرمزي داخله الى صورة الأب والأخوان، وما يمثلوه من تشابك ذاته مع المعنى المتحرك خلالهم . والشاعر يتخذ من الصور القريبة من تحركه النفسي، لكي يعطي الحياة التي حوله رموزا شعرية تقارب كل الرموز الموحية بالتقارب مع الرموز الخارجية . والنص لدى الشاعر هو امتداد زمني في المعنى الذي يتحول الى وعي إدراكي لحاضر الوجود الآني، والذي بدوره يتحول الى توتر انفعالي رمزي موحي الى أشارات اللغة التعبيرية، والتي تظهر كرموز إيحائية مرتبطة بمقدار الأزمة الذاتيه لوجوده الآني، فيكون الإيقاع داخل النص انفعالي نفسي تترتب من خلاله المعاني المتطابقة مع رموزه الباطنية ومقدار تناظرها الى الرموز الخارجية في الفكرة الموحية داخل النص(من أجل أخوة / زرعوا أيامهم / ولم يحصدوا شيئا ) وهنا فعل متأخر عن القيمه الموحية بالوعي اتجاه أخوته، لأنه مدرك أن قيمة الشاعر هي قيمة التعبير عن شروط الحياة بجملها وأسرارها الموحية، لأن أخوته لم يستطيعوا أن يصلوا الى ما هو يعيش من الداخل وفق ذائقة أزمته الوجودية المعبرة عن الحياة. ومن أجل أن يتسع بالمعنى أعطى الأب قيمة الحركة الخارجية في الحياة لكي يعمق أبعاد الترابط المعنوي داخل الأسرة. والشاعر هنا يريد أن يؤكد أن فعل الارتباط داخل الأسرة ليس بالحركة الخارجية بل من محور القيم المعنوية بالانتماء، فالحركة الخارجية لا تنضج الداخل إذا كان الداخل مفككا لا يستند على انتماء واضح في العلاقات . وهنا هي أشارة الى أن التطور والإنضاج لكل شيء لا يمكن أن يحدث إذا لم يكن هناك قابلية من داخل هذا الشيء على التطور، فالخارج لا يمثل إلا محور انتماء متزحزح لا يستند الى قاعدة حية في الحياة إذا كان الداخل معزولا عن هذا الخارج (ذهب أبي / يشتري قمحا / كي يعيد للعائلة مجدها / ولما رجع / وجد أن الأرضة / قد كبلت أواصر العائلة ) فأن الداخل يحمل أسباب تهدمه وتلاشيه من داخله إذا لم تكن أواصره متفاعلة ومتطابقة كمحور انتماء حقيقي. أي أن الخارج مهما كانت حركة الإنضاج فيه لا يمكن جذب الداخل إليه من أجل تطويره إذا كان هو أصلا منهار وغير متطابق مع بعضه ....
ص 45 في نص ثعالب وعيون
(لا أحمل رائحة للفتنة / وليس في ملامحي / ما يثير الشبهات / غير أن الثعالب والعيون / تلاحقني في الأزقة / فقط لأن / قميصي مطرز بالعنب )
الشاعر هنا يعطي أشارة بأن الكثير من التهم التي توجه بشكل لا يستند الى حقيقة جوهرية تعتمد على المظاهر الخارجية. فالحياة لا يمكن أن تكون إذا لم تقيم من أسرارها العميقة الموحية بحقيقتها الثابتة، فالمظاهر حركة متغيرة لا يمكن أن نعطيها المسميات الوجودية استنادا على مظاهرها، والحياة في هذه الحالة تصبح فوضى لا فعل فيها على قيمها الحقيقية. والشاعر أعطى المعنى الأنزياحي في تحقيق الاستعارة الذاتية كرمز للحياة (لا أحمل رائحة للفتنة / وليس في ملامحي / ما يثير الشبهات / غير أن الثعالب والعيون / تلاحقني في الأزقة / فقط لأن / قميصي مطرز بالعنب ) أعتبر أن الذات هي الرامزة لكل حركتها وأفعالها، والتي تتحقق من خلال انعكاسها على المعنى في حركة الذات الإنسانية، لأن إذا لا تحتوي هذه الشروط تعتبر خارجة عن معنى الحياة نفسها، لأن الذات الإنسانية ما هي إلا القيم الحية في شرطية التناظر الحي مع الحياة ومعناها، لأن كل المسميات التي خارج رموز الإنسان الوجودية لا يمكن أن نعطيها قيمها إذا لم تتطابق مع ذاته. وقد أستند على الذات كبعد وجودي إدراكي في تركيب ذهنية الصور في الجملة الشعرية، وهنا يؤكد على أن قيمة الشاعر أنه لا يحمل رائحة الفتنة التي تثير الشبهات بل يحمل رائحة الحياة التي تسعى الى تثبيت الجمال مع هذا تلاحقه العيون، وهذه دلالة أن الجمال الذي يدركه الشاعر لا يدركه الآخرون وهذا ما يجعل الشاعر يعيش العزله عن الوسط الذي يعيشه ...
ص 87 في نص بطاقة تعريف
(أنا شاعر مغمور /تحت موجة ولدت / بالحبل السري مرتبطا / كنت أكثر من نهر / ولدت أحدب من الحزن / وعلى ظمأ ترعرعت )
هذا النص ما هو إلا امتداد لكل الصور الإدراكية في الإرهاصات السيكولوجية المتخيلة والتي تبني على الخلاص الفردي من خلال خلاص المجتمع. حيث أن الشاعر ما هو الإنسان المعبر عن إشكاليات الحياة ضمن المجتمع، لهذا يشعر أن التطلع الى العالم الخارجي، العالم المهشم والتي تتشظى فيه الأشياء والموجدات بعيدا عن قيمها ، يصبح هذا العالم عالم العزلة والضبابي في الأفكار والقيم والأحلام وتتناثر فيه الصور والمرئيات الحية، حيث يحدد هوية الشاعر وكيفية حدوث ولادة هذا الشاعر. فقد يكون هذا الشاعر مغمورا لأنه يمتلك الحياة الحقيقية، وما النهر إلا حركة الحياة الحية التي تعطي الكثير ولا تأخذ (تحت موجة ولدت / بالحبل السري مرتبطا / كنت أكثر من نهر ) رغم أنه يعيش الظمأ والحرمان وكأن الشاعر لا يولد إلا وسط كل هذا، يعطي ولا يأخذ بتحول عنده فعل العطاء في حركته المدركة لفعل الحياة، ومن أجل هذا يجب عليه أن لا يفكر كم هو مشهور بقدر ما يمتلك القدرة على التعبير عن جوهر الحياة التي ينشدها، والحبل السري الذي يرتبط به ،هو أشارة الى القيم والمعبر عنها بكل اشتراطاته الشعرية الجوهرية، عليه أن يدافع عن الحياة الحقيقية رغم أنه عاش الحزن والظمأ (ولدت أحدب من الحزن / وعلى ظمأ ترعرعت ) فهو باقي مرتبط بالحبل السري لكل القيم التي أنضحت داخلة وبقيت مرتبطة في سلوكياته النفسية وفعلها في الحياة . المجموعة ما هي إلا إشارة حية على التفاعل مع تضاد الحياة في كل أنواعها من أجل تحديد هويتها الحقيقة . لهذا أطلق الشاعر (أنقذوا ) فقد تم تحديد أفعال الحضور في تخليص الحياة من فعل التضاد فيها، لكي يكتسب كل ما هو جميل من خلال أعادة موضعتها وترتيبها، ولهذا تكون المجموعة قد اعتمدت على الصور البصرية المشهدية وضمن حركتها الذهنية التأملية في فكرة التأويل الخفي في التحديد الدلالي، وفق نسق المرئيات في الإشارة الى التضاد لكي يتم أعادة خلقه من جديد ضمن الحياة، لكي تكتمل هذه الحياة وتعاد الى شروطها الحقيقة في استمرارها في فعل الوجود الإنساني .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق