قراءة في قصيدة كريم عبد الله "الكونكريتية بين اللغوي والغرافي"
للناقدة والتشكيلية التونسية خيرة مباركي
ينبغي لمن يراها أن يقرأ ما بنفسه لا ما بين السطور ... إنها لعبة البياض والسواد التي أصبحت ظاهرة فنية تستوجب حضور القارئ أكثر من حضور الكاتب .. فإذا كانت الكتابة نداء فإن القراءة تلبية لذلك النداء ...إنها القصيدة البصرية "الكونكريتية" وهي قصيدة المكان وتبئير الفضاء الطباعي .. تتناقض مع قصيدة الكلام والدال الشفوي ومن ثمة فهي قصيدة حسية ملموسة ذات أبعاد سيميائية تركز على علامات غير لفظية ومؤشرات أيقونية دالة .. وما نقف عنده في مجسم كريم عبد الله شكل مثلث كبير ، يتبعه مثلث صغير ولا حدود فاصلة بين المثلثين .. وهو ما يعطي للبصر عديد التمظهرات البصرية في شكلها العام الخارجي .... وأول إطلالتنا قد يتراءى لنا من خلالها شكلا غرافيكيا شبيها بنبضات القلب ينطلق الخط من نقطة بداية وتسير نحو الأعلى بشكل منحن قد تحيلنا على صورة الذي يحاول التسلق إلى أعلى الهرم . إلى سفحه .. لكن سرعان ما ينحدر إلى الأسفل ويواصل سيره في اتجاه يتداعى فيه إلى موقع سفلي وكأنها صورة سيزيف عندما يدحرج صخرته إلى قمة الجبل لكنها تسقط ... أو كأنها الذات في رنوها إلى الأعلى ولكن لا يمكن أن تتخلص من أفقها السفلي .. ولعل ما ينطوي عليه داخل الشكل الهرمي من تكرار لفظ "أنت" واحد وسبعون مرة .. يؤكد هذا البعد الوجودي .. وكأنها بهذا التكرار تأخذ فسحتها في أسفل الهرم لكن سرعان ما تضيق عليها المسارب فتختنق .. باحثة عن منفذ الخلاص .. لكن دون جدوى .. بهذا تتقابل في هذه "القصيدة " عديد الثنائيات السفلي/العلوي .. البياض/السواد .. الملفوظ /الصامت .. وأهم الثنائيات قيامها على عالمين عالم لغوي ذو طابع إنشادي وإيقاعي من خلال هذا التكرار لضمير "أنت" وعالم كاليغرافي مشكل بالشكل الهرمي .. وبهذه الثنائية كأننا بالشاعر يطلق "كوجيتو" جديدة .. خاصته .."أنت موجود إذا أنا موجود " في وجودك وجودي .. وفي وجودي وجودك .. وهذا الإطار الأسود هو المجال المادي والبعد الفكري الضيق الذي سجن فيه ال "أنت" نفسه .. وما هذا الانزياح بالشكل نحو اليسار إلا رغبة في الانعتاق والتحرر .. بهذا قد تبدو قصيدة كريم عبد الله الكونكريتية مجرد شكل بصري .. لكنها تحمل أبعادا دلالية متعددة .. هي ليست فضاء جامدا مميتا بالرتابة السيمترية بل هي شكل يستفز البصر والفكر .. يحاول عبرها أن يستعيض عن مبدأ التعبير بالصورة اللفظية بالتعبير بالصورة البصرية ... بهذا يساهم شاعرنا في تحويلنا من ثقافة الكلمة إلى ثقافة الشكل الذي يذيب اللغة الشعرية في فنون أخرى ويصهرها معها ..
للناقدة والتشكيلية التونسية خيرة مباركي
ينبغي لمن يراها أن يقرأ ما بنفسه لا ما بين السطور ... إنها لعبة البياض والسواد التي أصبحت ظاهرة فنية تستوجب حضور القارئ أكثر من حضور الكاتب .. فإذا كانت الكتابة نداء فإن القراءة تلبية لذلك النداء ...إنها القصيدة البصرية "الكونكريتية" وهي قصيدة المكان وتبئير الفضاء الطباعي .. تتناقض مع قصيدة الكلام والدال الشفوي ومن ثمة فهي قصيدة حسية ملموسة ذات أبعاد سيميائية تركز على علامات غير لفظية ومؤشرات أيقونية دالة .. وما نقف عنده في مجسم كريم عبد الله شكل مثلث كبير ، يتبعه مثلث صغير ولا حدود فاصلة بين المثلثين .. وهو ما يعطي للبصر عديد التمظهرات البصرية في شكلها العام الخارجي .... وأول إطلالتنا قد يتراءى لنا من خلالها شكلا غرافيكيا شبيها بنبضات القلب ينطلق الخط من نقطة بداية وتسير نحو الأعلى بشكل منحن قد تحيلنا على صورة الذي يحاول التسلق إلى أعلى الهرم . إلى سفحه .. لكن سرعان ما ينحدر إلى الأسفل ويواصل سيره في اتجاه يتداعى فيه إلى موقع سفلي وكأنها صورة سيزيف عندما يدحرج صخرته إلى قمة الجبل لكنها تسقط ... أو كأنها الذات في رنوها إلى الأعلى ولكن لا يمكن أن تتخلص من أفقها السفلي .. ولعل ما ينطوي عليه داخل الشكل الهرمي من تكرار لفظ "أنت" واحد وسبعون مرة .. يؤكد هذا البعد الوجودي .. وكأنها بهذا التكرار تأخذ فسحتها في أسفل الهرم لكن سرعان ما تضيق عليها المسارب فتختنق .. باحثة عن منفذ الخلاص .. لكن دون جدوى .. بهذا تتقابل في هذه "القصيدة " عديد الثنائيات السفلي/العلوي .. البياض/السواد .. الملفوظ /الصامت .. وأهم الثنائيات قيامها على عالمين عالم لغوي ذو طابع إنشادي وإيقاعي من خلال هذا التكرار لضمير "أنت" وعالم كاليغرافي مشكل بالشكل الهرمي .. وبهذه الثنائية كأننا بالشاعر يطلق "كوجيتو" جديدة .. خاصته .."أنت موجود إذا أنا موجود " في وجودك وجودي .. وفي وجودي وجودك .. وهذا الإطار الأسود هو المجال المادي والبعد الفكري الضيق الذي سجن فيه ال "أنت" نفسه .. وما هذا الانزياح بالشكل نحو اليسار إلا رغبة في الانعتاق والتحرر .. بهذا قد تبدو قصيدة كريم عبد الله الكونكريتية مجرد شكل بصري .. لكنها تحمل أبعادا دلالية متعددة .. هي ليست فضاء جامدا مميتا بالرتابة السيمترية بل هي شكل يستفز البصر والفكر .. يحاول عبرها أن يستعيض عن مبدأ التعبير بالصورة اللفظية بالتعبير بالصورة البصرية ... بهذا يساهم شاعرنا في تحويلنا من ثقافة الكلمة إلى ثقافة الشكل الذي يذيب اللغة الشعرية في فنون أخرى ويصهرها معها ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق