الجمعة، 15 أبريل 2016

قصة قصيرة / نص روح / للاستاذ صالح هشام / المغرب

قصة قصيرة {{ نص روح }}
بقلم الاستاذ :صالح هشام 
يعود والدي و والدتي من السوق ، تحمل قفة مملوءة بالموز والتفاح البلدي ! هذا التفاح تتملكني رائحته ! أضع التفاحة في تجويف القلب وأغلق عليها ، وأخوض حربا ضروسا ضد معدتي الأمارة بالسوء !
التفاح والبنان ذهب أو ماس ، يحظى بهما فقط من ابتسم له الحظ ودخل في غيبوبة الاحتضار ، حتى على فراش الموت فهو محظوظ ، سيأكل التفاح والبنان !
وكم كنت أحب أن أمرض ، المرض مطيتي لحبة موز أو برتقالة أو تفاحة بلدية ، أو شيء من عطف أمي ،دون مرض لا أحد يهتم بك !
نتحلق حولهما ، ونوجه اللاقط الهوائي بدقة لاقتناص الأخبار القادمة من السوق، لم تكن أمي تترك جزء من تفاصيل أي خبر أو تخفي حتى الممل منه : 
-حميدة سيحتفل بعرس ابنه هذا الاسبوع !!
يستفسرها أبي وقد داس على عقب السيجارة بفردة حذائه الثقيل : 
-ومن هي عاثرة الحظ هذه ؟
-إنها عويشة ( لمخننة ) المعفونة ، المعتوهة ! 
يقهقه أبي عاليا ، يكاد يستلقي على قفاه يشفع ذلك بسعال وبصاق : 
- ه ه ه ههه ! وافق شن طبقة ! هبيل وهبيلة وتهنات المدينة ! 
تجتر الوالدة ما قالته وتعيده مرات كثيرة : أسطوانة معطلة ! تحرضنا على ضمان مكان في هذا العرس ! نحن أيضا سنحظى بحفنة حبيبات من الكسكس تعوم وسط بركة مرق لذيذ معطر بالتوابل !
اللحم ضيف عزيز مكرم ، لا يرضى ببيوتنا ، يعز حتى في المناسبات ، فهو نادر ، وباهض الثمن ! يحظى به الكبار ، أما (نص روح) فهم أشبه بالضباع ، ليس لهم من الفريسة إلا بعض العظيمات في الصحن العائد فارغا من معركة أمعاء وقواطع الكبار!
ننشر الخبر ، نوقد نارا في كومة قش يابس ! نعقد نحن -نص روح - اجتماعا طارئا تحت ضوء القمر في بستان الصبار : نقرر اقتحام منزل العرس ، بالقوة ، (نص روح ) عنصر خلل غير مرغوب فيه ، جراد مدمر !
ثلاث عيطات شعبية تعشش في تلافيف مخاخنا ، و تستحق منا المغامرة والمجازفة: 
( -خربوشة -حاجتي في قريني - العلوة ) عيطات رائعة ، تتقنها الشيخة بنت لقرع أداء ورقصا على القعدة ، بهز الأرداف ودك الأرض دكا ، تحت خشخشة الحلي والجواهر، والأساور والفساتين المزركشة : تباهيا واستفزازا لبنات الدوار! هن مسكينات لايملكن من هذا إلا تنهيدة وزفرة عميقة و حظا عاثرا وشيئا من عفة نفس و كرامة و شرف !
حظ أمهاتهن ليس أحسن حالا : الغوص في روائح بول وبراز الأطفال الرضع ، روائحهن تبعث على التقزز والغثيان ! 
العرس يوم السبت ! ،نجتمع -معشر نص روح - في بستان الصبار ، على أهبة الاستعداد ، ننتظر الإشارة من زعيم الجراد ، لاكتساح منزل العريس ، ندبر خطة خطيرة ، تتلف صاحب العرس ، فيعجز عن رد هجومنا الكاسح ! 
يتحلق أعضاء ( فرقة الشيخات ) حول أيقونة ( الرباعة ) : الجيلالي الطعارجي ، بوكرش رحمه الله ، يضع كرشه المكورة أمامه ويبالغ في طلب الطعام ، طلباته لا تنقطع ، إطعام هذا الفيل من بداية الحفل يقلق مسؤولة القدور :
شاع أن المسكين قتلته كثرة الضحك والأكل ، اختل توازن أمعائه فودع الدنيا !
يسود صمت الصمت ،تخرح كلاب الحراسة عن طوعه ، تقتفي أثرنا ، نتسلل كاللصوص من بسيتان الصبار ، نتربص ببيت العريس ، تفضحنا خشخشة الاعشاب اليابسة تتهشم تحت النعال والأ قدام الحافية ، تمعن الكلاب في النباح نراوغها، نجود عليها بشيء ما ، نكسب ودها : رشوة بسيطة تؤمن لنا الطريق ، نقتحم فتحات الأبواب و النوافد شبه مغلقة ، يضيع صاحب العرس في متاهات أجساد الشيخات تعانق الفراغ ،يترك المسكين الجمل بما حمل، ينتشي حموضة كبته ، نندس بين أجساد الحضور نسد الفراغات بينها ! ننتشر في جميع أنحاء صالة الحفل ، وجودنا في مكان واحد يثير انتباه هذا المخبول ،صاحب العرس فيحرض علينا من يطمعون في وده ويتملقونه هذه الليلة ! 
نتسترخلف الأجساد ، وراء الجلابيب و المعاطف الكبيرة ! نستمتع بمستملحات الجيلالي بوكرش الوقحة ، يناظر الشيخة بنت لقرع التي تحسن الغمز واللمز ، هي أيضا حفاظة نكت وغرائب أعراس ومغامرات ليل !فهي من أشد بنات الليل حنكة وتجربة ! 
تخيم غيوم كثيفة من الدخان ، يتصاعد إلى السقف ويتسرب عبر الشقوق ، وفتحات الأبواب والنوافد ، تسود نوبات سعال هستيرية من حين لآ خر ، يتحول المكان إلى سوق شواء وساحة هرج ومرج ! نحن - نص روح - نتلذذ بهذا الدخان ، ونتظاهر بجنون ( التبويقة ) نقمع شياطين شغبنا ، لا نرغب في لفت انتباه صاحب العرس ، نحن عناصر خلل ،يمكن التخلص منا في أي لحظة !!
ينام الليل ، تهدأ أصوات الصراصير ،يخلد الكلاب إلى الراحة ! يأخذ التعب من رجال الفرقة مأخذه، استهلكوا كميات كبيرة من الخمر المغربي المعروف ب( الروج / بولبادر ) ممزوجا بلفائف الحشيش ، تدخن الشيخات فقط سجائر أنيقة شقراء ، أمريكية الصنع أملا في التميز عن هؤلاء( البوكر/ الخروطو / الحرافيش ) ! 
تقتل الفرقة بعض الوقت ، تسود الدردشة بين الشيخات يفقدن التحكم في حبالهن الصوتية جراء السكر و تدخين التبغ الأصفر والتعب ،و الجوع :فيرتخي الوتران الصوتيان ، تبح الحناجر ، فيشد الإيقاع الموسيقي عن العادة ، ويختل الأداء !
المقدم من علية القوم ، مسؤول عن نظام الحفل ، بصوته الجهوري يطلب من الحاضرين الصلاة على الرسول ، نتحول -معشر نص روح - من عفاريت سيدنا سليمان إلى مؤمنين ، نبالغ في الصلاة على الرسول، ونكتم تلك القهقهات التي تكاد تنط من حناجرنا ، نتقن فن النفاق رغم طراوة عودنا ، طمعا في درة عطف من المقدم ، علنا نحظى بنصيبنا من طعام العرس كباقي القوم !
يعلن المقدم ، بداية ( رواح لعريس : من الطقوس ) يحضرون مولاي السلطان : هذا البليد ، الأرعن ، نحق معرفته ، اسمه (بعيزة ) ونلقبه الديك الرومي : مخاطه كان يتدلى من أنفه مسافة مهوى القرط منه ، يمسحه بكم قميصه المتسخ ، وعريضة قفاه : علامة خبل وبلادة ، ها هو يأتي وفي حاشيته وزيره (الرويبعة شفار البيض ) سبحان الله هو أقرب الأصدقاء إليه حتى في البلادة ، كنا نحتقرهما معا !
تسير أمامهما فتاتان جميلتان : ترمزان لاستمرارية السلالة ، تنثران مسحوق الورد وأشياء أخرى النساء أدرى بها و تخص عالمهن المتخن بالشعوذة وأفكار إبليس ، من سحر وجن و {عين الحسود فيها عود} ، { يمشي ما يعود} ! 
الفضيحة هم ثقيل ، تقتل النخوة في النفس ، وقد تمس العروسين معا ! عائلة العريس تخاف على ابنها من العنة المبكرة ! فيصبح أضحوكة أقرانه ، وعائلة العروس تخاف غدر ابنتها لحظة ضعف بشري خلسة ، في مكان ما و زمان ما !
تبدأ الطقوس بضرب البنادير وقرع الطبول تحت ضوء القمر الباهت ، تصدح حناجر الرجال بأهازيج شعبية تتخللها زعرودة أخت العريس المبحوحة : سير أخويا .....سير .،.سير ... لحمير.... سير .....!!
تعلن عن قطيعة حاضر العريس عن ماضي عزوبتة ،ودخوله عالم الرجال !
و تستمر عملية الرواح ( الاحتفاء ) في الهواء الطلق لمدة تقصر أو تطول حسب فعالية رفقة العريس ! 
يحين تقديم العشاء للضيوف ، نبدأ رحلة مكوكية بين الموائد بحثا عن مكان للعشاء . لا أحد يحب -نص روح - لا احد يرتاح لهذا الجراد القادم بدون دعوة !
يمسح المقدم المكان بعينيه الجاحظتين ويصيح بأعلى صوته :
- نص روح !!.....نص روح !!... برا......اخرجوا.........اخرجوا .......اخرجوا ...!!
يقذف بنا خارج المنزل ،نمارس لعبة الانتظار إلى جانب الكلاب . ، تحلق أنوفنا الصغيرة في الفراغ ، تقتنص روائح الكسكس االشهية التي تملأ هذا الخواء ! تأتي الأطباق المملوءة تباعا لتعانق موائد الكبار الشرهين، نتلمظ ، نستلذذ نمضغ الروائح ، نلوك الفراغ نعيش حلم اليقظة ، أمعاؤنا تؤلمنا ! 
دقائق ، تأتي الأكف العريضة المتسخة على الأخضر واليابس ، تأتينا فقط لقيمات من كسكس بارد ، تعوم في مرق لذيذ نحن أطفال ، نصف روح ! 
تقذف الكلاب ببعض العظيمات ، تشتد المناوشات وتجرد القواطع من اغمادها ويحتد الهرير والهسيس والانين والنباح ، معارك دموية قاتلة من أجل لاشيء ! نحن -نص روح - ايضا كنا نخوض ،هذا النوع من المعارك على فتات عاثت فيه الأيادي القدرة والمتسخة فسادا ! 
تنتهي طواحين الهواء من الدوران ، تنقى الأسنان بأعواد الثقاب ، و تبدأ ثرثرة الشيخات من جديد ، وهن يتهيأن لرقصة الوداع الأخيرة ، تلوح خيوط الفجر ، تطرد جيوش العتمة ، و تداعب الوجوه المتعبة ، ينفد كل شيء : السجائر والخمر ، يبدأ رحيل الضيوف ، يختلى مولاي السلطان بلالة لعروسة ، تتلقف عائلة العروس سروال ابنتها الملطخ بالدم ، في لهفة وشوق ، يفندون مزاعم الاعداء ، الذين يصطادون في الماء العكر ، تنجح مولاتي في امتحان الدم ، الدم ولا شيء غير الدم ، هو شرف العائلة ! ويوشح مولاي هامة أقاربه بوسام الفحولة !
ننسحب من العرس ،جوعى ، مقهورين ،مذلولين ، نغالب النعاس !! ،وأهازيج التغني بشرف العروسين تدغدغ مسامعنا وتثير في انفسنا التقزز و الشعور بدونيتنا ، نبتعد عن المكان ،نعرج على البيدر نرتمي فوق أكوام السنابل ، نروح في سابع موتة !
بقلم الاستاذ : صالح هشام 
الاربعاء ١٣ ابريل ٢٠١٦
توضيحات :________________________________
_نص روح : نصف روح لقب يطلق على الاطفال 
_التبويقة : هذيان المخذر ات ؤؤ
-خربوشة ، حاجتي في قريني ، العلوة ، من الاغاني الشعبية في المغرب
_البنان : الموز
-البوكر / ال9خوروطو / البيبل هايشر : من شتائم المأزومين 
-الروج بولبادر : نوع من المشروبات الروحية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق