الاثنين، 30 مايو 2016

ملف خاص / بالاديب المبدع العراقي / كاظم مجبل الخطيب




كاظم مجبل الخطيب
العراق /بغداد
مواليد/1962
اول نشر لي للقصة القصيرة عام  1979 في الصحف العراقية  كالعراق والقادسية والجمهورية والراصدوالمراةوحراس الوطن ووعي العمال
انشغالي  بحرب الثمان سنوات وما بعدها  سنوات الحصار  جعلني  احتفظ بما اكتبه واحيانا  اخرى اتلفه .لم يبهرني  في العراق قاص  باستثناء عبد الستار ناصر من العرب يوسف ادريس .
لي نهجي الخاص  جدا في التابة القصصية  اسست لها  بتراكم التجربة  والخزين اللغوي .
لا تحكمني  قاعة ثابتة  بقدر موضوع الدهشة والانبهار  التي القيها  في ذهن المتلقي قبل ان يغادرني
اغوص في مفاصل الحياة  اليومية فلا اترك   مكانا عصيا  او محرما  فلا خط احمر امام  يوقفني .
ابطالي يتحركون  في اخطر الاماكن السياسية والاجتماعية  والدينية .
لدي فلسفة  خاصة  في البناء القصصي تتمحور حول :
1تصارع الحبكة في ما بينها
2نقطة التنوير  ضربة غير غير متوقعة
3الاشتغال على عنصر التشويق ابتداءا
4اعتماد النفس البوليسي  في تراكم الاحداث للوصول الى ذروتها
5القصة قضية ورسالة تكشف المستور وباحثة عن الحلول في ذهن المتلقي .
.....................................................
لدي تحفظات  كبيرة على القئمين على  العملية الابداعية  والثقافية  في العراق من الثمانينات وحتى الان .لا يهمني  زيد من الناس لديه كتب مطبوعة  مهما بلغت  اعدادها  وهي لا تعني لي بانه هو مبدع امامي بقدر ما اجد له نصا واحدا  قصة او قصيدة يدلني على ابداعه .انظر لهيوية المبدع  من خلال منجز نصي  يكفيني لابراز هويته .
ما يطبع  من الكتب في المطابع الاهلية اساء كثيرا  لابراز المبدعين  الحقيقيين  فهذه المطبوعات تظهر للناس ركيكة وهزيلة  ومتهالكة  تملؤها الاخطاء اللغوية والنحوية والفكرية والسذاجة في طرحها ومثله يحدث في مطابع الوطن العربي الكبير  فهي لم تصنع المبدعين بقدر ما تصنع الدخلاء  والمتطفلين  على الادب .
حرية النشر عبر الفيس بوك كان اكبر فرصة  وافضلها  لظهور المنتج الابداعي  وان كان لا يروج له وان ما تنشره المجلات الالكترونية  تجد فيه لمسات الابداع اكثر مما تجده في المطبوع .
جريدة الزمان طبعة العراق  ساهمت بشكل فعال  برصد ومتابعة المبدعين  واحتضانهم  دون باقي الصحف المحلية  التي تعتمد المحسوبيةوالرشى  والعلاقات الشخصية .
ربما ساكون مضطرا يوما ما  لطبع كتاب  يضم قصصي  التي بلغت الخمسين قصة ولكن لغرض حفظها لا للترويج لها.كذلك ربما افعل الشيء نفسه لطبع كتاب  يحتوي كل شعري  وقصائدي  من عمود الشعر والتفعيلة وقصيدة النثر  وقد تجاوزت المئة قصيدة  لحفظها من الضياع ليس الا.




.......................................................
قصة قصيرة
[مريم]
تعدّدت المرّات التي تقدّم فيها عماد لخطبة سلمى وجميعها قوبلت ْ بالرفض من اهلها بذريعة أنّهُ رجلٌ مطلّقٌ ولديهِ بنتٌ بعمر عشر سنين برغم ما تميّز بهِ من الوسامة والحضور ويسر الحال ،فبيتٌ كبير في مكان راقي لا تشاركهُ فيهِ غير أمّهِ بعد زواج أختهِ الوحيدة .هو امنيةٌ للكثير من النساء وعمرهُ الاربعيني زادهُ كمالاً ورجولةً وأناقةً وهو المحبوب والممدوح من زملائهِ لخلقهِ وبساطتهِ واريحيّتهِ ولطالما شغل بال الكثيرات دون ان يلتفت اليهنَّ سوى سلمى التي غادرت الثلاثين ولم يطرق بابها نصيب حياتها الّا بقدوم عماد وقد جمعهما الحبُّ الى درجة العشق فتلتهب اشواقهما وتدعوهما الى لقاء الجسدين الظامئين للارتواء من رحيق كليهما فكان موعدهما بمغادرة الدائرة .
الكاميرات الخارجية كانت تتابعهما حتى جلوس سلمى الى جانب عماد في سيارتهِ لكنها لم تستطع تحديد وجهة انطلاق سيارتهما بعد مغادرة المرآب ،فيصلا الى شقة عماد في منطقة اخرى بعيداً عن محل سكنهِ،
دخلا معاً والرغبات الجامحة وصلت حدّاً لا يمكن اسكات اصواتها المستغيثة بعد صبر طويل على صراخها داخلهما ليبدأ خلع اردية الانتظار المقيتة لتتلاقح الجوارح بينهما،تلاشت المسافات،الانفاس امتزجت ولا يسمع غير نغمات الانفعالات وهي في الدرجات العليا من الشبق،حواسهما اختلطت وتداخلت في منصهر اللا وعي فذاب الجسدان ،تحولّا الى كتلة كيميائية حد التماهي ،صارا في غيبوبة من العشق لم تحدث بين رجل وامراة،ربما بسبب الحرمان الذي عاشتهُ سلمى وهي الان بين احضان عماد المتمرّس وذو الخبرة الكبيرة والدراية بما تحتاجهُ المرأة لايصالها الى ذروة المتعة لجسدها المنسي من سنين لتنطقَ عروقها الخاملة فتصعد الدماء من قدميها حتى قمة رأسها لتتفاعل كل ذرات كيانها في نشوة البذخ الجنسي الذي حصلت عليه من عماد وهي تهمس لهُ:
-نعم عماد......نعم
-زدني ما استطعت َ
-آهِ منكَ،ايّ خمرٍ سقيتني
-لا تتركني اصحو من سكراتكَ
لم يبخل عماد عليها بما امتلكهُ من فنون مباشرة النساء ليعطيها لها دفعةً واحدةً بحجم اشتياقها وكل قصدهِ ان يوفرَ لها اقصى درجات الفرح والسعادة لأمرأةٍ تزوجها ولم يشهدْ على زواجهما غير ملائكة السماء،استمرَّ موقد الحب مستعراً بين الجسدين ولم ينطفىء الّا ببرود يدي سلمى وهي تترك معانقة عماد الذي حاول ارجاعها ولكنها بقيت متدلّيةً لتعلن توقف نبضات قلبها.
لم ينشغل عماد بالبكاء عليها،صاريفكر بكيفية التخلص من جثتها والهروب من مسائلة الناس والشرطة ،وحين جنَّ عليه الليل يحملها ملفوفة بدثار دون ان يتعرف عليها احدٌ ليرمي بها في مكان منعزل ممتلىءٍ بالقمامة بعيداً عن عيون الناظرين .في نفس الليلة يعود لمجالسة أمّهِ وابنتهِ مريم ،لم ينم ليلتها وهو غير مصدّقٍ بأنّ سلمى ماتت بهذه الطريقة المأساوية.
في صباح اليوم التالي يتوجّهُ عماد الى دائرتهِ ليلقاهُ احد زملائهِ فيسألهُ:
-اراك بدونها يارجل
-من سلمى؟الم تأتِ هذا اليوم
-لالا لم أرها منذ الصباح
-ربما مشغولة،اوربما مريضة
قبل بلوغ الساعة الحادية عشر من نهار ذلك اليوم تدخل ثلاث سيارات بعلامات حكومية وبرتب عسكرية عالية الى مقر الشركة لتستفهم مديرها :
-اين سلمى استاذ ؟الموظفة لديكم
-عفواً سيادة العقيد ماذا هناك ؟
-اين ابنتنا ؟هي غائبة عن البيت منذ البارحة وهذه مسؤوليتكم
لم يكن امام المدير العام سوى اللجوء الى شعبة الكاميرات للاجابة على تساؤلات اهلها وما التقطتهُ يوضّحُ دون لبسٍ خروج سلمى من باب جانبي للّحاق بعماد الذي خرج من الباب الرئيسي وكان اللقاء في المرآب .
في حينها تمَّ منع جميع الموظفين من المغادرة لايّ سببٍ كان .
عماد يشاهد ما يجري ولم يظهر ارتباكاً يلفت انظار الاخرين ،حتى يفاجأَ باعتقالهِ بتهمة اختطاف سلمى ولم يستطع الانكار بعد مشاهدتهِ التصوير فيصحبهُ اخوتها مقيّداً الى مكان رميها،
وجدوا سلمى ميّتةً دون كدمات على جسدها او ايّة آثار اخرى تشير لجريمة قتل ،لكن ما شاهدوه لم يمنع من ان يودع عماد السجن ليقف امام ضابط التحقيق متّهماً بقتل سلمى وعليهِ ان يجيب على سؤال المحقق :
-قل لي كيف قتلتها ؟
-انا لم اقتلها
-ولمَ اخفيت جثتها ؟
-كنت مرتبكاً
-لكنكَ لم تبلّغ عن موتها في شقتكَ محاولاً تظليل السلطات باخفاء جريمتكَ
-نعم لأنّي اخشى من اتهامي بقتلها
-ساجعلكَ تعترف ايها القاتل ،ولي طرقي لانتزاع الاعتراف منكَ
كان تقرير الطب العدلي يشير الى ان المجني عليها توفيت بسبب توقف القلب المفاجىء ،وبعد ستة اشهر من الحادثة يقف عماد امام قاضي المحكمة مدافعاً عن نفسهِ حين سألهُ القاضي :
-ابني عماد اجبني بصراحة
-نعم سيدي
-كيف ماتت سلمى ؟
-سيدي نحن تزوجنا ولم يشهد علينا غير الله واثناء المعاشرة التي تمّت بيننا كزوجين حدثت لها انفعالات شديدة وهي فرحة وسعيدة وفجأةً بردتْ اعضاؤها وسكت نبض قلبها .
بعد اطلاع هيئة المحكمة على كل حيثيات وملابسات القضية يرفع القاضي الجلسة الى موعد اخر بعد طلبهِ بتشكيل لجنة طبية خاصة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة لكشف ومعاينة عماد .
في احد الصباحات ينادى على القضية لينطق القاضي بالحكم :
-استناداً الى تقرير اللجنة الطبية الخاصة وتقرير دائرة الطب العدلي ثبتتْ براءة عماد من تهمة القتل الموجّهة اليهِ بقتل سلمى بعدما ثبت للمحكمة انها توفيت بسبب توقف القلب المفاجىء بعد المعاشرة التي تمّت بينهما .
-كما حكمت المحكمة على عماد بالسجن خمس سنين لاخفائهِ الجثّة وعدم ابلاغ السلطلت ،رُفعتْ الجلسة .
في السجن تمرُّ السنين على عماد ثقيلةً لتنتهي بهِ والشيبُ ينتصف شعر رأسهِ والتجاعيد ترتسم على قسمات وجههِ الجميل والابتسام مفارقٌ لهُ ومريم ابنتهُ الوحيدة ذات الخمس عشرة سنةً وبعد فقدها لجدّتها تضطرُّ للعيش مكرهةً في بيت امها المتزوجة بعد ان بقيت لوحدها وهي لا تتحمّل ان يشار َ عليها بابنة القاتل من زميلاتها في المدرسة .وكأنّ القصة تبدأ من جديد برحلة مريم دون ابيها.
بعدما اضطرت مريم للعيش مع امها كانت غريبة بين افراد هذه العائلة وحتى عن امها التي فارقتها وهي بعمر خمس سنين بعد طلاقها من ابيها وما صبّرها على هذه الحال عدم تعرّض زميلاتها في المدرسة لها بالاساءة بعد اتهام المجتمع لها بأنها ابنة قاتل وانْ برّأتهُ المحكمة .هي تتذكْر تفاصيل حياتها ببيت ابيها وجدّتها،لم تستطع محو طفولتها من ذاكرتها .ما جعلها متماسكة وقويّة هوما لقيتهُ من معاملة طيبة ومتفهمة من زوج امها وفي احيان كثيرة كان يبدي اهتماماً ورعاية خاصة ربما لانّهُ ولد يتيماً وعاش ظروف مشابهة ،صار يتابعها ويسأل عن اخبارها الدراسية وفي احد المساءات بعد مرور ثلاث سنين في بيتهِ يطمئنُّ عليها سائلاً:
-ماذا تنوين بابا مريم ؟
-الطب ان شاء الله عمو
-اجتهدتِ وتحملتِ فتستحقّين ،لكني اوصيكِ عند التقديم بتثبيت كليات طب المحافظات القريبة واتركي العاصمة
-لماذا عمو انت تقلقني ،ماذا هناك؟هل تخفي امراً ما ؟
-لا تسأليني الان وساتركُ لك مبلغا يكفيكِ لسنوات الكلية
لم يجبها الرجل على تساؤلاتها وحين شاهدت اولادهُ الثلاثة من زوجتهِ الاولى وسلوكهم المشين معهُ ادركت ابعاد مخاوفهِ حتى لو تدعوهم امها للحسنى معهُ تقابل بالشتائم ونعتها بأقبح الالقاب.
تقبلُ مريم في كلية الطب تاركة ً العاصمة لتعيش حياة الاقسام الداخلية التي وفّرت لها الوقت وخلّصتها من زحمة المواصلات واختناقاتها كما وجدت معاملة خاصة من المشرفات لطالبات الطب .
انقضى العام الدراسي بنجاحها بتقدير جيد لتتمتّع الان بأجازتها،حاولت ان تستفهم من امها ما يخفيهِ الرجل الطيب وراعيهافلم تجد منها جواباً،هواجسها باتت تشغلها ولم تحسم ظنونها قبل دعوتهِ لسماعهِ قائلاً:
-اعذروني ،كنت اخفي عنكم سوء حالتي الصحية،لكني الان وصلتُ الى وضعٍ لايمكن ان اكتمهُ.
باعصاب مرتجفة يتداخل معها الخوف والترقب قالت مريم:
-سلامتكَ عمو
-سافارقكم عما قريب،فاصبروا وتحملوا ،هي اللوكيميا التي تفاقمت
-ماذا سرطان الدم ؟
لا وقت لان يجيب احدا من سائليهِ هم يحيطون بهِ واكثر من كان يبكيهِ مريم محاولاً ان يمدَّ يدهُ ليمسحَ دموعها الغاليات مجتهداً لان يبتسمَ لعينيها الجميلتين لكنما الاقدار لم تمهلهُ طويلاً لتعلن َمشيئتها برحيلهِ.
لم يمضِ العام على وفاتهِ ليطالب اولادهُ من زوجتهِ الاولى بتوزيع تركتهِ بعد شجارات ونزاعات كثيرة على اثرها تتعرّض ام مريم الى جلطة دماغية تؤدي الى وفاتها لتبقى البنت وحيدةً بلا اهل ولا سكن ولا مأوى لها سوى سكن الطالبات .
سنوات الكلية لم تكن ثقيلة على مريم وهي المتفوقة بين زملائها سوى احمد المنافس الوحيد لها والفادم ُ من العاصمة وكثيراً ما أشادَ بهما الاساتذة .الرغبة في التفوق لكليهما تحوّلتْالى اعجاب متبادل خالٍ من الانانية والنرجسية فهما يتحادثان ويجلسان ويقضيان وقتاً طويلاً في البحث والمطالعة في المكتبة وعند راحتهما القصيرة يكونان في النادي او حدائق الكلية ،هما اصبحا قدوة ونموذجاً لمن همّهُ التحصيل العلمي .مرةً قال احد زملائهم لزميل لهُ:
-ايّ حبٍّ كبيرٍيجمع بين مريم واحمد ؟
-لا اعتقد هو الحب ،ربما الصداقة الكبيرة ،الزمالة الحقيقية ،الطموح،الاعجاب
-ما بكَ انتَ؟ستة اعوام وهما لم يفترقا
-كيف لنا ان نحبَّ في كلية دراستها صعبة ومعقدة ،لم تتحْ لنا وقتاً للتفكير بشيءسوى النجاح حتى لو بأقلّ المستويات
-نعم كانت سنوات عصيبة مرّت علينا،انستنا انفسنا
-لا تنسَ هي كانت جميلة ومرت سريعاً على المترفين
-من يصدّق ان في كلية الطب الانسانية تزدهر الطبقية والفوارق الاجتماعية والاقتصادية
-المهم يا صديقي هي محطة خطيرة ومهمة في حياتنا ولا ندري الى اين ستوصلنا.
احمد ومريم وبعد تخرجهما بتقدير جيد لم يبقَ امامهما غير المكاشفة و المصارحة ببقاء علاقتهما وكأنَّ ما يجمعهما اكبر من الحب واكثر عمقاً ووعياً منهُ ،فيبادراحمدبالقول :
-ما رايكِ مريم؟
-بماذا احمد؟
-نعلنُ خطوبتنا
-انتَ لم تفاجئني ولكن لننتظر الى حين مباشرتنا بسنة الاقامة الدورية في المستشفيات .
استطاعا ان يجعلا عملهما في نفس المستشفى ،وهي منشغلة بكيفية توفير سكن ومبيت لها وهذا تطلّب تفهّماً لوضعها الاجتماعي من قبل مديرها ،لم يتعرض لها احمد ذو النفس الكبيرة لان يسالها يوماً خوف احراجها او جرح مشاعرها فهي امامهُ سامية لايفتّشُ عن خفاياها ما دامت اسراراً تخصّها ،وهذه المرة مريم تسبقُ احمد في قولها:
-مازلتُ على وعدي معكَ احمد
-اذن اخبرُ والدي للتحضير والتهيئة للخطوبة
-انا هنا احمد متى ما قرّرتَ
والد احمديستغرب جداً وهويستمع لما يطرحهُ ولدهُ الطبيب ،فكيف يقبلُ بزواجهِ من امراة لا اهل لها وهو في مجتمع شرقي وقبلي ؟ماذا سيقول لمن يسالهُ عنها ؟اما يكفي كلام الناس زماناً ولغطهم حول هروب اختهِ سلمى عمّة احمد واختفائها وموتها وماتركتهُ من آلامٍ في حياتهم .
الدكتور احمد لم يخبر الدكتورة مريم عن اسباب تباطؤهِ في خطبتها خوفاً على مشاعرها،فابوهُ ما زال رافضاً فكرة تزويج ابنهِ بامراةٍ مجهول أصلها سوى انها طبيبة،فضّل احمد ترك الامور للظروف رغم تمسّكهِ بمريم ،فربما تحدث مستجدّات ما مع يقينهِ بأنها مدركةٌ يذكائها لما أسرّهُ عنها .
في ليلة وهما خافران تدخل الى صالة الطوارىْ حالة دهسٍ بسيارة لرجل تجاوز الستين محمولاً على نقّالة يدفعها احد العاملين ،يتبنى الحالة دكتور احمد ،المصاب جراحاتهِ عميقة على راسهِ والكدمات قوية على اطرافهِ،حاول الدكتور ان يستنطق الرجل ويسألهُ عن هويتهِ لتثبيت بياناتهِ وهويدقّق فيها ظنَّ بتشابه الاسماء ولكن ان يصل الى تطابق اللقب فالامر لا يصدّق،وبرغم اسفهِ على الرجل ينتابهُ شعور بالفرح وعليهِ ان يسرع باخبار مريم وان كانت مشغولة بحالة مرضية اخرى ولكنها ليست ببعيدة عنهُ
صار الدكتور يستدرج زميلتهُ لتقف عند راس الرجل وهي تطيل النظر في ملامحهِ التي غيّرتها السنين الى حدٍّ كبيرٍبعد خمس عشرة سنة من فراقهما،ما استطاعت حبس دموعها فرحاً ووجعاًوكأنّما الارض توقفت ساعتها،عمر من الاسى والحرمان من حنان الابوة ،بأيّة لغة ستبثُّ عتبها وشكواها ام تستقبل فرحاً لم تكن تحلم بهِ ،وحين يفتحُ ابوها عينيهِ ترمي بنفسها في احضانهِ وهي تهدرُ عالياً:
-ابي نور عيني
-مريم ابنتي
دكتوراحمد يشاهد ما يجري وهو في دهشةٍغير مصدّقٍ.في صباح اليوم التالي يوصى المقيم الاقدم برقود المريض في ردهة الرجال الى حين التئام جراحاتهِ وشفائهِ من الكدمات .
بعد ان تعرّفَ احمد على والد مريم وفي غمرة فرحتهما يحاول ان يلطّف الاجواء مع اقداح الشاي:
-مازال الوالد وسيماً ولقد أخذتِ الكثير من ملامحهِ
-هل كنت متلهّفاً لرؤيتهِ
-كأنما من اجلي جاءت بهِ الاقدار
-او من اجلنا وان كنت لم تصارحني
-على اية حال ما كنّا ننتظرهُ صار بيننا
قبل اكمال شايهِ كان رنين اتصال من نقّال ابيهِ وبصوت غريب يخبرهُ بتعرّضهِ الى نوبة قلبية كالعادة وهو جالسٌ في المقهى الذي اعتاد على ارتيادهِ منذ تقاعدهِ والحزن الكبير لايفارقهُ وما استطاعت الايام ازالتهِ وكأنّهُ يحمل اعباء ذنبٍ قديمٍ لم يتخلص من شعورهِ بانّهُ كان سبباً في ظلم أختهِ الراحلة حين امتنع عن تزويجها بمن أحبّتهُ،وها هو حالتهُ الصحية تزداد سوءاً لتوالي السكتات القلبية عليهِ بين فترة واخرى .
هو الان راقدٌ في المستشفى وليس بعيداً عنهُ يرقدُ من تسبّبَ في آلامهِ ،بينما الآخرُ يعتقد بهِ ظالماً ومدمّراً لحياتهِ وبينهما تقف نفسان كبيرتان احداهما تحتجُّ على ابيها:
-ابي لم يبقَ عذرٌ لتخطب لي مريم من ابيها
-واين ابوها ؟ساعدني في النهوض لنذهب اليهِ
قام الابُ مسنداً على ولدهِ ،مقترباً من مكان الرجل ومريم تراقب مجيئهَ عند ابيها ،التقت العيون ،تسمّرت المفاصل ،انحبست الانفاس ،ذهول شديد يرافقهُ صمت رهيب وكأنّها ساعة الحساب المؤجل من سنين ولكلٍّ منهما شكواهُ ودعواهُ وحجّتهُ،هما لايقويان على الانقضاض كلٌّ على خصمهِ،ولا على دحضهِ لبرهانهِ،كلاهما على مشارف الخامس والستين عاماً،هذا الوجوم والهدوء المخيف لابدَّ من كسرهِ لأيقاد الحياة في مشهد ٍ محتضرٍ بالموت فما كان غير احمد لهدم حاجز الدهشة والانتظار :
-السلام عليكم ابو مريم
-عليكم السلام ابني احمد
-هذا والدي عمو
-نعم اهلاً بهِ تشرّفتُ بمعرفتهِ
والد الدكتور ظلَّ ساكتاً وراح يحرّكُ راسهُ بالموافقة على ان تكون مريم زوجة ً لاحمد .
عند المساء تعلنُ خطوبتهما امام الآخرين ودون ان يعلما شيئاً عمّا بين ابويهما ليبقى سرّاً داخل صدريهما من اجل سعادة الزوجين الطبيبين .
.....................................................................
كاظم مجبل الخطيب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصة قصيرة
[العدالة ]
مضى ثلاثون عاماً على آخر لقاء بينهما  عندما بَرُدَ الشاي  في قدحيهما  ،الوقت يتسارع والكلمات  تباطأت  ،كأنَّ لغة  الحديث تعطّلت ،لم تبقَ فرصة لديهِ لاقتحام صمتها ،يبدو انهما  وصلا للنهاية الحتمية  وهي تخبرهُ بما عندها:
-محمود لا يمكننا الاستمراربحبٍّ مقومات بقائهِ هشّة لا تصمدُ مقابل متطلبات  مجتمع أنتَ بحاجة الى نقلة كبيرة في حياتك الاجتماعية والاقتصادية ،فالفقر ليس مكاناً  لنمو الحب وانكَ لاتمتلك شيئاً من مؤهلات الزواج
-ما رأيكِ ماجدة نعلن خطوبتنا الان وننتظر بضع سنين  فربما تتبدّل  احوالي
-كيف تتبدّل وانت بعد شهرٍ ستلتحق بالخدمة العسكرية  والحرب قائمة ومستعرة ولايمكن التنبؤ بنهايتها،صدّقني لانّي احبكَ ساترككَ وذكركَ لن يغيب عنّي  مهما حصل ،ولكني لااريد ان اكون خطيبة سابقة لكَ مما يزيد في وجعنا معاً.
انتهى اللقاء بوداع حزين لم تتكرّر رؤيتهما لبعضهما الّا في مناسبات  عابرة  رغم الرغبات الدفينة .
ماجدة تتزوج من مهندس ميكانيك  توفّرت لهُ ظروف مادية  مهيئة اوجدتها لهُ عائلتهُ دون جهدٍ منهُ.
في الضفة الاخرى يلتحق محمود بالخدمة العسكرية ليقضي سبع سنين من القهر والوجع والذل والضياع  ومصير مجهول  لم تتضح  فيهِ غير صور  الموت  بعد كل معركة في حرب طاحنة  احرقت مئاة الألوف  من المتعبين  حطباً لأيقادها .
تتوقف طبولها بشكل دراماتيكي  لا يصدقهّ العقلاء  ضحكاً على ذقون الاغبياء المصفقين للسلاطين  دوماً وفي كل عصر .
بعد شهور يتزوج محمود  زواجاً تقليديّاً ليتحمّل اعباء اربعة اولاد وزوجة  لم يقترب منها  فالمسافات  بينهما شاسعة  وازدادت اتساعاً مع تقادم  الزمن  فلا يجمعهما غير سقف الزوجية ،هي امرأة ساذجة رغم تعلمها ،لم تستطع استيعاب ما يدور براسهِ  فعاش عمرهُ مكرهاً مغلولاً وسجيناً بمسؤلية  اولادهِ التي تعاظمت على عاتقهِ ولم ينجح  في محاولاته بان يجعلها امراة اخرى تقتلع منهُ جذور الماضي وتنسيه  زمان ماجدة الغائبة الحاضرة في حياتهِ والتي انتقلت  بعد عشر سنين  مهاجرة الى امريكا  بصحبة زوجها وابنيها بعد تفاقم ظروف الحصار الاقتصادي على وطنٍ امسى الجائعون فيهِ ينامون على  لحم بطونهم .
تحولت ماجدة  وذكرياتها  الى قصيدة شعرٍ ابتدت بفراقها  لتبقى طويلاً اغنية ً وموالاً من الشجن والاسى لا ينتهي لدى محمود .صارت قصائدهُ تنتشر في الصحف الالكترونية والمطبوعة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك).اصبح الشعر لديهِ قضية ً ورسالةً  واضحةً وقويةً يانهُ شاعر عاشقٌ قديس في محراب العشق  ممجّداً لحبّهِ العذري  مشيعاً لثقافة انتظارهِ على امل عودتهِ  داعياً للاعتذار  لمن تحب ما دام هدفا وغاية ً لكي لا تفقدهُ ،تميّز شعرهُ بصدق المشاعر والبوح النبيل الذي يخترق القلوب  رغم الحزن الذي يرافقهُ،ما ينشرهُ كان يظهر باسمهِ الصريح وكثيراً ما يذكر اسم ماجدة صريحاً  لتصبح هي بعد حين  من اكبر قرّائهِ  ومن اصدقائهِ المقربين جداً،تتابعهُ بشغفٍ كبير وبخاصةٍ بعد انفصالها  عن زوجها  وانشغال ابنيها بحياتهما  في مجتمعٍ لا يقيّد حركة مواطنيهِ ولا من ممارساتهم الشخصية في ظل احترام قوانينهم .في بدء تعارفهما اخفت شخصيتها  الحقيقية  لكنها سرعان ما صارحتهُ وهي عارفةٌ لهُ لتعود بهِ الى ذكريات  عتيقة  لم تغادرها   وهو يرسمها لوحاتٍ تتجسّدُ فيها تفاصيل كانت بينهما ،كما انها ايقنت بان اللهفة  للمال واكتنازهِ لايمكنهُ ان يعادل كنوز الحب التي لا تفنى وانّ حياتها الماضية  كانت وهماً والحقيقة الوحيدة  الباقية هو الحب  الذي لم تعشهُ .لم يعد لها في امريكا تلك الروابط الوشيجة لبقائها  غريبةً فتقرّر مغادرتها  والعودة الى بغداد  ومحمود بانتظارها .
عادت حاملة ً الخمسين عاماً  وهو يكبرها بعامين ،هي امرأة لم تتمكن التجاعيد من ملامحها ، ولم يتغير سحر عينيها الجميلتين  اللتين تخفيهما  بنظارة  ملازمة لها  ،وشالها الازرق لم يغطِّ مقدمة  شعرها  الاسود  الذي ما ظهر عليهِ ما يشير الى خضابهِ ، لم يترهل  جسدها  ظل متماسكاً مع حوادث الايام ،حنطيّةٌ  تجتمع شفتاها على ثغرٍ دقيق يضيءُ عليهِ سراجان  من خدّيها لحظة ابتسامها .ماجدة تتحدث الانكليزية بطلاقة  وهي تحاول مجاراة  محمود في لغتهِ الشعرية الفصيحة التي تعرفها عنهُ من زمنٍ بعيد .
حين وصولها  العاصمة  لم تفكر بالذهاب الى منزلها الذي اشترتهُ في مكان ٍ راقي  وبتوكيل الى اختها  المتبقية  لها من عائلتها لان محمود كان  بانتظارها  وهي هنا من اجلهِ وهو ربما تغيرت ملامحهُ والشيب رسم لهُ هالةً من الوقار ولكن بين خصلاتهِ هموم من العوز والفاقة وخذلان الاقربين  وندرة الاصدقاء  وسط قلب متعب  مرهق تعرّض  للازمات والنوبات  مع تعاظم الغدة الدرقية السامة  وعيون ارهقت بالماء الابيض  تعاونها النظارات عند القراءة والكتابة .لم يكن لدى محمود  منهج وطموح لامتلاك المال  وهو يعتبرهُ وسيلة  لتمشية امور حياتهِ  وليس غايةً يسعى اليها جاهداً وقاصداً  رغم ان الكثير من معارفهِ  تبدلت دنياهم   حين اقبلت عليهم  فربما لم تلتفت دنياهُ اليهِ  وما اقبلت  وربما هو لم يشأ  الذهاب اليها .
الآن هو مع ماجدة   وكأنها هي دنياهُ الحقيقية  التي لم يكتم حبها  يوما ً وان ْ هي كتمت حبهُ ولم تذعهُ في مجتمعٍ شرقيّ محافظ ٍ ويبدو ان مجتمع الغرب  اتاح لها فرصة العمر لتكشف  سرّها الدفين  وهو السبب المباشر لانفصالها  عن زوجها  بعد اطلاعهِ على اتصالاتها وحواراتها الليلية  المطولة مع محمود  وهي في بلاد الغربة  وبعد توصلها  الى قناعات  كبيرة بعدم الاستمرار  بخداع الرجل فقلبها وروحها مشغولة  بغيرهِ ،وما استطاع زوجها ان يمحو تاريخها  وماضيها ،كما ان الاموال ما استطاعت ان تمنحها  الحب الذي افتقدتهُ في غفلةٍ من الزمن  لان محمود لم يكن مؤهلاً للفوز بها بسبب فقرهِ.
هما يجلسان الان وبينهما قدحا الشاي ولكنهما هذه المرة ساخنان كحديثهما :
-ماجدة سنترك الحديث عن الماضي  فهو يؤلمنا
-اكيد محمود فالمستقبل سنصنعهُ بأرادتنا  وكا قلتَ لي فأن العام الواحد بعد الخمسين  يعدلُ عشرة اعوام من عمرنا الذي مضى
-ههههههههه،امازلتِ تذكرينها ؟قلتها قبل عامين ؟
-طبعاً اذكرها لانكَ جعلتَ منها ثقافةً اشعتها بين القراء  ولاقت قبولاً كبيراً
-لم يبقَ امامنا غير تتويج صبرنا بأقامة زواجنا  في مملكة حبنا الخالد
-كل التحضيرات مهيئة ولا ينقصنا سوى الانتقال  الى بيت الزوجية
-انتظريني فقط بضعة ايام لتهيئة نفسي ،وعليَّ تقديم طلب اجازة للدائرة ،كما عليَّ ترتيب اوضاعي مع العائلة
-خذ وقتكَ وانا ساشتري بعض الحاجيات
محمود لم يعلم سرّهُ احدٌ غير ابنتهِ الكبرى آمال   وكثيرا ما كانت قريبة  من  اوجاعهِ وحتى بمكنونات قصائدهِ فهي قارئتهُ الاولى  والى حدٍّ كبير عارفة بحالهِ منذ اتّخذها صديقة لهُ .آمال  حصلت على بكالوريوس الرياضيات  وابوها ايضا مطّلعٌ على خفاياها ،ظلّ الامر سرّاً طي الكتمان  لكنهُ حدّثها ذات ليلةٍ :
-آمال
-نعم بابا
-هي هنا في بغداد
-من ماجدة؟
-نعم ولابدَّ لي ان اعيش حياتي  بعد موتي طويلاً
-تتزوجها اذن
-انتِ هنا وسنقول اني في ايفاد عملٍ الى لبنان
-كن بخير بابا ،اعتنِ بنفسكَ
هناك في دار ماجدة  امتلأ المكان حباً وعشقاً وشعراً باجتماع الزوجين ،حتى النسائم  تعطرت بشذى حبهما  والسماء ترقبُ  حفل عرسٍ تصفّقُ لهُ  الملائكة ،الارض من تحتهما اثمرت رطباً بطعم علاقتهما العظيمة ،عندما حلَّ المساء  في ليلة ٍ قمريةٍ  تراقصت النجوم  ابتهاجا بالفرح القادم ،فأعظم الحب ان يتوّجهُ جسدان طاهران  يعلنانهُ  بأذان مدوٍّ  لأداء صلاتهِ  في حضرة ملكوت السماء .التقت شفتاهما والرضاب امتزج بينهما وتداخلت انفاسهما حدّ التماهي ولكن القبلة لم تستطع خلع اردية الخجل  وهي الترجمة الاولى للغة الحب  فبقيَ الجسدان ظامئين  دون فناء احدهما بالاخر .حاول محمود استرجاع قوتهِ ونشاطهِ فأذا هو يزداد بروداً وتراجعاً وماجدة يتّقدُ فيها الشوق والحرارة والاندفاع .
لم تتفاجأ ماجدة بما وجدتهُ لدى محمود فقالت :
-لا عليكَ هي الدهشة ُ والذهول وربما الخجل والحياء  فأنت تنظر لجسد المرأة كياناً مقدّساً اليس كذلك؟
-نعم هو هكذا بالنسبة لي
-انتظر ساعة اخرى وستجمع افكارك لتهيئة نشاطكَ المعتاد وربما افضل مما كنت عليهِ
-اكيد ..........اكيد
الحياة  التي عاشتها ماجدة في مدن الغرب جعلتها مطّلعةً على تفاصيل  كثيرة تخصّ العلاقات الزوجية دون حرج في سماعها او قرائتها ولاغرابة  ان تحمل معها  ما يسعد هذه العلاقة من وسائل  المنشطات والمقويات  لتمنح الرجل الفاعلية والقوة ليعيش متعة مع من يحب وهي تعيشها ايضاً .
بعد انقضاء ساعة من ليلة عرسهما تقوم ماجدة بعمل قدحين من الشاي  فتضع  في قدح محمود قرصاً  منشطاً  يعمل  بعد مرور ربع ساعة من تناولهِ ،ما فعلتهُ دون علمٍ منهُ  بقصد توفير السعادة لهُ دون ان تشعرهُ بالفشل امامها وتمسّ رجولتهَ ،بعد نصف ساعة يذهبان الى مخدعهما ومحمود باعصاب  متوهجة  ومتلهفة واعضاء ساخنة  اشتعلت الدماء  فيهاولا تحتمل  الانتظار  ليلتقي الجسدان   فيتحولان الى كيان  ملتهبٍ فتروى ماجدة اطهر ماءٍ من فرات محمود  ولكن  هذا النهر توقف تدفّقهُ بعد برهة ليصير صحراء بعد  خلوّهِ من نبض الحياة  ليعلن موت محمود بين احضان حبيبتهِ  المقدسة  فلم تعد تسمع نبضات قلبهِ  بعد ان فارق الحياة .
مات محمود وسط شعور ماجدة بالتجنّي عليهِ بذنبٍ لا يغتفر  بانها هي التي قتلتهُ ولا يشفع لها ما تبرّرهُ لنفسها بانها ارادت لهُ الحياة  التي يتمنّاها وتتمنّاها ،فلولا ذلك القرص المشؤوم  لما فقدت محمود وانْ كانت  امام  الاخرين بريئة  فهي امام نفسها قاتلة  مع سبق الاصرار  وليس بمقدور احدٍ ان يجد لها عذراً لجريمتها ما دام ضميرها يؤنّبها  ليل نهار ،وحتى لو اذاعت سرّها فلا خلاص لها  من عذاباتها ،ثمّ ما قيمة وجودها وبقائها بغير محمود  وهو دنياها  التي حلمت  بها وضحّت  من اجلها ،فبرحيلهِ لا معنى لوجودها .
ولكي تريح محمود وتريح نفسها تباشر في احدى الليالي وبعد مرور ايام على موتهِ بأطلاق النار على نفسها معتقدةً انّ بموتها تتحقّق العدالة .
.....................................................................................
كاظم مجبل الخطيب –بغداد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــقصة قصيرة
[معادلة قاسية]
اختلطت الاشياء مع بعضها  وتداخلت  مسميّاتهاعندما اخترق الصمت دويُّ انفجارٍ هائلٍ يخبّئهُ حاقدٌ آثمٌ ملغّمٌ بحزام الموت  معتقداً بنيل الخلود مع الحور العين  في جنّةٍ من الوهم  رسمها لهُ خيالهُ المريض  بتعاليم شيطانية  ارتدت  لباس  الدين  واستغلّت  سذاجة عقلهِ  بضرورة مغادرة هذه الدنيا  للفوز بنعيمٍ دائمٍ يحصلُ عليهِ  بقتل الابرياء  من مختلف الاجناس والانتماءات  واوهموهُ بأنّهُ يقتل الكافرين  تقرّباً الى الله  بدمهم وسيزداد رفعةً  ومنزلةً لو حصد اكبر عددٍ من القتلى  الذين تناثرت اجسادهم قطعاً واشلاءً  حينما امتزج لهيب الحرائق  بنسائم الهواء  فازدادت  اشتعالاًووقود السيارات المحترقة حولّها  الى نيران لا تنطفىء ،الدخان يتصاعد في الفضاء  وكانّهُ يرمي  بكفٍّ هنا وقدمٍ هناك ،الاصوات  ترتفع بالانين  والالم  والمستصرخون  من جميع الاتجاهات  من الذين بقيت  فيهم روح الحياة ،آخرون انفصلت رؤوسهم  عن اجسادهم  وقد امتلأ الاسفلت الاسود بحمرة دمائهم  .
كانت المسافة بين سكن خالدة ومدرستها لا تستغرق  اكثر من عشردقائق  بسيارتها ال سبورتج  لكنها تقضي  في نقطة التفتيش  ما يزيد على النصف ساعة  وهي المدخل الوحيد الذي يؤدّي الى  مكان عملها .في اوقات الامتحانات  تعوّدت  الحضور  مبكّراً  لتهيئة ما تحتاجهُ طالباتها  وهنَّ مقبلاتٌ على امتحانات البكالوريا الوزارية  ،لكنَّ خالدة مدرّسة الرياضيات  جعلت الدرس محبّباً  رغم صعوبتهِ البالغة فهي تعتمد التبسيط  والاكثار من الامثلة
مرّةً سألتها طالبة:
-ست هل جميع المعادلات لها حل؟
-نعم وقد نذهب  الى قانون الدستور لحلّها  ندى
-ست لو سمحتِ هذا القانون  يعطي اجابتين سلباً وايجاباًوهذا ينافي المنطق .
-صدقتِ ندى لو الامر ينسحبُ على ظواهر الحياة
-اذن ما فائدة  ان نتعلم الاشياء الافتراضية  والتي من الاستحالة حدوثها
-على اية حال   نحن امام نظريات و فرضيات  تعتمد التصورالذهني  في خضم خيالٍ خصبٍ ومن يدري  ربما تصادفنا في حياتنا .
-ست بمعنى  ليس لكل معادلة  حل
-اجلسي ندى شكراً لكِ  وستصبحين انتِ  من المجتهدات  العالمات  ان شاء الله .
خالدة امرأةٌ  تجاوزت الثلاثين عاماً بخمس  سنين   ليس لها في دنياها غير امّها وابنها  الذي لم يبلغ    عامهُ الخامس  وهيَ تبقيهُ عند امها مخافة ان يشغلها  لبعض الوقت عن اداء عملها .اقتنت سيارتها منذ فترة ليست بالقصيرة  لكنها دائما ما تشكو من الازدحامات  في نقطة التفتيش هذه .
هي الآن تقترب  منها لبضعة امتار ،سمعت احدهم متذمّراً يخاطب الجالس  بجانبهِ:
-متى ننتهي من هذا الروتين القاتل والممل ،ليس منطقيّاً ان نمضي وقتنا  هنا يتحكّمُ فينا جهاز سونر ثبت فشلهُ وعدم فائدتهِ  في الكشف  والمعاينة .
بصوتٍ عالٍ يجيبهُ صاحبهُ:
-هل تدري بأن هذا الزخم الكبير من الازدحام هو مكان خصب جداً لقتلنا  وكأننا نذهب  مختارين او مضطرين الى موتنا
-ماذا تقول يارجل  ان الاعمار بيد الله  ولكلٍ منّا أجلهُ.
تتقدّم السيارات  بخطوات بطيئة  ،صارت  سيارة خالدة في متناول  الخلاص للعبور   قبلما الانفجار يبدّدُ الانتظار  كما لو أنّهٌ  بركانُ  حين سماعهِ وسط الصمت  لحظة اختراق حامل الحزام  زحمة المنتظرين .
تحوّلت سيارة خالدة الى كتلة  من اللهب  المتصاعد  من كل جوانبها  لتصل النار  داخل سيارتها  مخترقةً ملابسها  وللحظات وجدت نفسها  تنبض بالحياة وسط جسدٍ عارٍ   لا تسترهُ غير النار والدخان  الكثيف ،انحبس صوتها  داخل انفاسها  وما ارادت  استدعاء المسعفين  من الغيارى  الراكضين والمهرولين  ذوي الضمائر الحيّة والنفوس الكبيرة  وهم يقتحمون  الموت لانقاذ من يصادفون في المكان .
ثواني حرجة جداً تمرُّ بها خالدة هي فارقة ٌ وحاسمةٌ لها ،بين اختيار الموت او الحياة  فتبادرُ الى فتح باب السيارة  والخروج  منها  والاخرون  ينتظرون منها دعوتهم  لمساعدتها  .
صارت خالدة امام خيارين  وكلٌّ منهما اعظم هولاً واكثر  مرارةً من الآخر ،تتصارع الارادات  داخلها  واستحضرت كل الاحتمالات  فالخلاص  من الحريق والموت يعني لها الظهور امام الناظرين  عاريةً فأين هيَ من الحياء امام الله لتذهب  مذنبةً عاصيةً  وهيَ تقف في حضرتهِ.
لم تكن ببالها امّها ولا ابنها  ولا حبّها للدنيا  فالموازين  لديها غير قابلةٍ للالتباس  ورؤية الحقيقة  في ذهنها حاضرةٌ  لاتحتمل الشك واليقين  عندها طاعة الله  الذي يراها  فلا حيرةَ بعد الان لاختيارهِ فتقرّرُ خالدة  العودة الى سيارتها المحترقة  لتغطّي  جسدها الطاهر  بنيران  الموت وهي تتلقّاها صبراً  لتنطفىء عيونها الجميلة  وجفونها مطبقةٌ على عفّتها وشرفها  وكأنها أجابت على سؤال طالبتها  ندى  بأن معادلة الحياة  قاسية ٌ وصعبةٌ حدَّ التعقيد  وربما لايجاد حلٍّ لها قد نذهب للموت   مختارين  وان كنّا غير منطقيّين .
...................................................................................
كاظم مجبل الخطيب –بغداد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــقصة قصيرة
[ما حدث تلك الليلة]

لم يخطر ببالها يوماً ان ينادى عليها بالممرضة سعاد تلك الطالبة الجميلة المجتهدة التي حصلت على درجة تؤهلها لدخول كلية الهندسة  لكنها  مجبرة على اختصار زمنها  بعامين في معهد الطب الفني لضمان التعيين المركزي حين تخرجها  بعد وفاة ابيها اثر نوبة قلبية حادة مفاجئة ولم يترك وراءهُ غير دار مؤجرة تمِلؤها الاحزان والهموم واخوين صغيرين وحضن امٍ هدّهُ العوز والفقر
لم تعش سعاد عمر الفتيات ليبيت جسدها مقدساً بقرار اتخذته
 الاحلام تركزت بأن تغيّر حال اهلها اضمحلت الانانية وتغافلت عن رغباتها وهي تكتم هذا الهدير بداخلها فلم تشأ تسمعهُ لأحدٍ، حكايا العشق لا تغادر مسامعها من ايام الاعدادية مروراً بالمعهد بقيت محصّنة لا تخترقها استفزازات زميلاتها وما حرّك جفنها غزل الاخرين ولا توسلهم للوصول اليها  ،هي على دراية كاملة بانها ما جاءت لقضاء ترف او رغدٍ او للانشغال بعلاقات سواء عابرة او ما جاءتها تلميحاً بجديتها .هي هنا لتتخرج باسرعٍ وقت ممكن بعد ما داست على احلامها لتبقى غصّةً عميقةً ودفينة ً لا تخرجها .
مرة خاطبها الاستاذ مع بدء العام الدراسي
-سعاد انت حصلت على معدل عالٍ ما الذي جاء بك هنا؟
اجابته بقوة لكي لا تسمعها من احد غيره .
-هي رغبتي استاذ لم اكن مؤهلة للطب وهنا جزء منه ُ
انقضى العامان ولم تنقضِ اوجاع ما قبلهما لتبدأ رحلتها مع الوظيفة التي انتظرتها براتبها البسيط الذي تحاول من خلاله ترتيب وضع اسرتها المتعبة
الوقت لديها صار ينتهي بين صالة الطوارئ والعمليات والردهات وهي متمكنة من اداء عملها بكل تفاصيله متمرسة عليه بتراكم الخبرة لتفرض وجودها الحقيقي حتى على الاطباء وكثيراً ما اشادوا بمهارتها وخفة يدها وانهاحين تلامس جراح المرضى تغدق خلقاً طيباً عليهم قبلما تباشر مداواتهم بالمشرط  والضمادات  لكن في نفسها جرح كبير من الصعب التئامه ُ فهي مهما  بلغت واجتهدت في عملها  تبقى تلك الممرضة  التي ليس لها  مكان ومكتب خاص بها .جميع الكادر الوسطي هنا مهمل  ينظر اليهِ بالهامشية  والتكميلية وليست بالضرورية والاساسية  فصاحب المكتب والقرار والامر والنهي  هو الطبيب  وان تدنّت خبرته وكثرت اسئلتهُ عن اشياء يجهلها  سوى انها مرت  عليه  في حصص الدروس  ايام كليته.
سعاد اصبحت شاغلة الناس  ليس لجمالها فحسب ولكن لشخصيتها القوية  وحضورها مما دعا الاخرين  في توقف واعجاب دائم عندها .كما رصدتها النفوس  الدنيئة واللئيمة  الحاسدة والحاقدة  لتشن عليها  حملة دعائية شرسة من قبل احداهن  يساعدها  بالخفاء طبيب  لطالما  التمس  غراما وهياما كاذبا خادعا منها  وهو لم يصرح  لها رغبة واضحة بالزواج،فهو  مازال  يعيش  في بيئة ارستقراطية  تنظر بعين متدنية  لمن هو أقلّ منها شأنا  وجاها ومالا  ويحسب الفقراء  دمىً للّهو واللعب  عليها  حتى اضطرت بسبب ملاحقتهِ أن  تواجههُ:
-ماذا تريد  مني دكتور سامي؟
-وماذا اريد منكِ غير الذي في بالي ؟
-ومالذي في بالكَ؟
-ان تكوني لي
-زواج تقصد؟
-ايّ زواج ؟انا طبيب ،ما بكِ انتِ؟
-اذهب الى غيري  جئتَ المكان الخطأ،وان لم تتوقف  عن مطاردتي  سأخبر مدير المستشفى .
بعد سماعهِ خطابها  الاخير تركها  كمن كُسر  كبرياؤهُ وجبروتهُ وغرورهُ وراح  يعدُّ الدسائس  والمكائد  مع التي ارتضت لنفسها سوء الخلق وباعتها للشيطان  حقدا وحسدا  على سعاد  ،تلك هي الخائنة عهود .
في ليلة خافرة جمعت  الثلاثة سوية  وبعد تمام مرور سعاد على مرضاها  الراقدين  وخلودها للنوم  تدخل عليها عهود  بتوجيهٍ و  وتدبير من سامي  وبيدها حاوية صغيرة من مادة التخدير  تمررها على انف  سعاد الجميل  لتجلبها  بعد ساعة الى غرفة الطبيب ودون وعي منها ،  تضعها على السرير  لتشهد عديمة الخلق  وهي خلف الباب  على أنّات  الجريمة  وهمهمات الرغبات المجنونة  للاعتداء على جسد سعاد الطاهر  دون شعور وحراك منها ليفتح بعد حين الباب   بأشارة  منهُ ولتقوم اقبح  خلق الله بأعادتها  الى مكان نومها  وقد تركت  خلفها  بصمات  قطرات الدم التي اسقطت منها والتي لا يمكن ازالة آثارها  لو استحمت صباحا .
استيقظت سعاد صباحا  لتدرك   ما حلَّ بجسدها دون ان تعلم كيف ومتى واين ومن فعلها .تمرُّ الايام ثقيلة عليها ،غابت ابتسامتها ،لا تستطيع  البوح لاقرب الناس  فهي كمن يمشي بلا دليل  وما تقولهُ يصبح ادعاءا  فلا شاهد  على ما جرى عليها ولو كشفتهُ فهي الفضيحة التي تخشاها  ،لكن شكوكها  تحوم حول الطبيب ولا وسيلة لاتهامها لهُ بغير برهان وهو لم يترك أثراُ  لجريمتهِ تلك الليلة حتى انها ليست على  يقين تام بأنهُ هو الفاعل  وهل تمكن منها  وهي في فراشها  ام في غيرهِ لانها مخدرةٌ تذكر فقط انها خلدت للنوم  ساعتها  حينما غلبها النعاس .
بدأ الحزن على سعاد يتّضح  على ملامحها  وابواب الحلول امامها  مغلقة تماما ،الايام تمضي ،يزداد ما يترتّب على تلك الحادثة  بما تشعر فيه بين احشائها ولسان حالها يقول :
-ماهو الحل؟
-اين اذهب؟
-من يصدّقني ؟
-من يخلّصني ؟
أغلقت جميع  المنافذ بوجهها  وكم صعب  ومؤلم حين يفكر الانسان  لوحده  ،قالت في نفسها :
-مادام كل الظن بانهُ هو من فعلها  فلماذا لا اتقرب منهُ متوددةً ولا بأس لو تأكدتُ بأنهُ هو من اغتصبني
الصراعات  في داخلها تغلي   ثم قالت في نفسها :
-هل تبقّى لديّ شيء اخشى عليه بعد ان فقدتُ عفّتي وشرفي ؟
لم يكن امامها  بعد تفكير طويل غير باب مدير المستشفى  لتخبرهُ  بالتفاصيل  عن بدايات تحرّشهِ بها المتكررة  ومحاولاتهِ الكثيرة  وان شكوكها وظنونها  لاتبتعد  عنهُ ،قالت للمدير:
-دكتور تساعدني بأن تكون مستمعا وشاهدا لما سيدور بيننا  مع تسجيل حوارنا  حين اوقعهُ بغرامي من جديد
-سعاد  بابا هذه مسؤولية كبيرة  ولأنّي أعرفكِ جيداً فأنا أصدّقكِ ومن اجل الوقوف الى جانبكِ وانت بهذه المحنة  الكبيرة.
مدير المستشفى اشركَ معهُ من يثق بهِ وهو ضابط امن المستشفى .
تدخل سعاد الى غرفة الطبيب وفي حقيبتها  جهاز التسجيل  دون علمٍ منهُ بما  يخطّط  لانتزاع الاعتراف بجريمتهِ وابتدت   سعاد  حديثها :
-كنتُ موهومةً انا الان لك جسداً ويمكنكَ ان تأخذ  منّي  رغباتك المكبوتة
-سعاد ،لا أصدّق انت هنا
-لا ،صدّقْ ولكن لا تؤلمني   كما فعلتها  في المرة السابقة
-كنتِ فاقدةً للوعي  فكيف وصلكِ الالم ؟
-يا سامي الالم وصل اعماق نفسي
استمرّ الحديث  بينهما  ليسرد لها تفاصيل  تلك الليلة وانها تمّت  بمساعدة عهود .
سعاد اتفقت مع مديرها على وقت  محدد  للدخول عليهما  وتمَّ لها ذلك  ليواجه  الطبيب  بجريمته ِ متهماً صريحاً وبوجود ضابط الامن  ليذهب مخفوراً ومعهُ عهود  في صباح اليوم التالي الى مركز الشرطة .
بعد ثلاثة اشهر  يقف سامي  وشريكته  بالجريمة ليجيب  على سؤال المحكمة :
-اجبْ المحكمة هل اغتصبت سعاد الباكر ؟
-نعم سيدي
-وهل تقبلها زوجة لكَ بعد موافقتها ؟
-نعم سيدي اقبلها
القاضي ينادي على سعاد  الجالسة  امامهُ لسؤالها :
-بابا سعاد هل تقبلينهُ زوجاً لكِ
-لا سيدي  لا اقبلهُ لانهُ عديم الاخلاق والشرف والغيرة والضمير  فكيف اقضي حياتي  القادمة معهُ؟
بعد فراغ القاضي منهما يتوجهُ بالسؤال الى المتهمة عهود وهي واقفة في قفص آخر  مجاور:
-طيب وانتِ لماذا فعلتِ كل ذلك بسعاد ؟
-نعم لاني حاقدة عليها فهي جميلة وتمتلك  محبة الجميع  وناجحة في عملها  وحديث  المنتسبين  بأخلاقها  مما غاضني فصرت اكرهها  وأغار  منها ولو تمكنتُ لقتلتها .
استمع القاضي  لاعترافات  المتهمين وثبوت الادلة  عليهما وكذلك  سماعهِ للمجني عليها  فيرفع الجلسة  للتداول  ثمّ  يصدر  حكمهُ  حضوريا وعلناً باعدام  سامي وبالسجن عشرين عاماً على عهود .
سعاد غادرت المستشفى  لتبدأ  مرحلة اخرى من حياتها  بالعمل  مساءً في مختبر للتحليلات المرضية  وصباحا  تلتحق بكلية الهندسة  الاهلية  لعلها  تجد  ما ينسيها  تلك الليلة .
.................................................................................................
كاظم مجبل الخطيب –بغداد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــقصة قصيرة
[ بقايا الجريمة ]-الجزءالاول

للمال لغة لا يعرفها غير الذي امتلكهُ  ،هي لا تعتمد الايحاءات ولا التشبيهات ،تختزل المفردات  بشدة،تجمع  الاضداد والخصماء ،لا تحتاج الى  معاجم للترجمات .المجتمعون على المال  لا يسألون عن خلق الآخر  اونسبهُ  فلا مبادىء  وفلسفتهم  كم معك  ولا يهمني من تكون  بقدر ما تملك .
قيل َ قديما  ان ابن الدنيا يبحث  عن المال والسلطة والنساء  وحين توفرها له فكأنما اقبلت  عليه الدنيا  بكل  غرورها ومحاسنها الخداعة    فتراهُ مسرفا في ملذاتها  ولايسمع نصح  المتقولين  المتفلسفين والمفلسين  ومن جاءهُ محتاجاً صديقاً ام قريباً يرجعهُ خائباً بابتسامة صفراء  لكي يقطع الطريق على الاخرين من امثالهِ.
المتنفذون هنا من كافة الاطياف ،السياسيون ،التجار ،السراق ،رجال الامن والمخابرات ،المزورون ومرتدو لباس التقوى .
المنزل كبير لكنهُ ليس بحاجة الى سماسرة يقفون على ابوابهِ للترويج لثقافة العهر والدعارة  لمواخير اتخذت من القصور منازلاً،تفتح الابواب المغلقة على انغام منبهات السيارات الفارهة  وقد تعودت عليها مسامع النساء اللواتي  ينادى عليهن بأسماء غير حقيقية  حتى اختيارهن جرى وفق مواصفات متقدمة من الجمال يتوزعن  في غرف كما هي الاجنحة الخاصة .
اخبار العالم لا تشغل الموجودين  فالرواد يبحثون  عن سبل تنفيذ رغباتهم وشهواتهم والفاتنات  همهن ما يملأ حقائبهن من المال والهدايا الاجنبية .
سهر الليالي  يبتدي مع تناول الايادي كؤوس الويسكي المستورد  ،ونخب البلاد تعقد جميع انواع الصفقات  المشبوهة على مرأى ومسمع مديرة المنزل (هند)وهي لا تسمح بان يقال لها (قوادة) فهذا مصطلح  سوقي  غير حضاري  لايمكن ان يطلق عليها ،هي امرأة تجاوزت الاربعين عاماً حنطية الملامح  ،ذات عينين سوداوين  حادتين  لايمكن لناظرها  ان يفهم منها ما تريد والممعن فيهما  لايستطيع ان يكتم  عن صاحبتهما  ما يخفيه.معها ابنتها (سهى ) اكملت كلية  القانون  ولم يشرْ عليها يوما انها ابنة عاهرة ،حتى مرةً شاهدها  رجل الامن المتنفذ  (ماهر) وهي تلقي  سلاما عابراً بصوت منخفض ٍ،سأل أمّها:
-لماذا لاأكون مع سهى ابنتكِ؟
-ايّاكَ ماهر ،ابنتي خط احمر ،احذرْ حتى من التفكير بالحديث معها ولو لدقيقة
-لكنها جميلة جداً أثارتني  وكأنها أذهبت  الخمر  لتسكرني  بما هو اشدّ تأثيراً
-اسمعني انا امرأة عاهرة  ساقطة  وحياتي نجسة  بكل تفاصيلها  لكن سهى هي فقط النقطة  النظيفة  الباقية عندي  ولو اقتربت منها سأدمركَ وسأحرق الدنيا على آبائكَ واجدادكَ.
تحوّل الحديث  بينهما الى اشبه بالمناجزة  والمبارزة  ليردَّ عليها  منتصراً لطغيانهِ:
-كأنكِ تهدّدين وانتِ موجودة   بحمايتي  منذ اعوام  فهل تنكرتِ لفضلي  فلا مساءلات ولا شبهات ،جعلت من بيتكِ كمزار للدبلوماسية الحكومية  واعليتُ شأنكِ في هذه المدينة  الراقية ،كما كتمت انفاس   من يتجرأ  عليكِ حتى بالظنّ،لكنكِ نسيتِ بأنّي استطيع محوكِ لو شئتُ  ومن تكون سهى  ليكون ثمنها غالياً الى هذا الحدّ الذي تضحّين  بما لديكِ من اجلها
-اسمعْ يا هذا لا انتَ ولا غيركَ  يتمكن  منّي وتذكّرْباني استطيع الوصول الى مرؤوسيكَ متى اريد وسترمى على الرصيف  ان لم تقتلْ .
بعد هذا الشدّ المتواصل بينهما تحوّل المكان  الى صمت يكاد يخلو من اجواء الترف المعتادة فيهِ مع مجيء سهى بعد مغادرة الرجل وقد دار الحديث بينهما  بهدوء :
-ماما سمعت حديثكما ،كنت أظنُّ انّي ابنة  لأحد هؤلاء
-لا سهى ،لاتجرحيني،ابوكِ قتل قبل عشرين عاماً في الحرب    وطردتُ وانت معي  الى الشارع  وحرموني من كل مستحقات  موتهِ بأوراق مزورة  اثبتت عدم  وقوع الزواج  وبقيَ معي للان عقد الزواج  المصدق من المحكمة
-لكنّ هذا ليس مبرّراً لما فعلتِ وما اصبحتِ عليه بعد حين
-المجتمع لم يرحمني  وهو من شرّع لي الانحراف والخطيئة  وهو يحاربني ،فقط سعيتُ للحفاظ عليكِ وسط تناقضاتي  وانكساراتي  لأمنحكِ  حصانة لا يمكن اختراقها.
مع تقادم الايام  تتغير حكايا هذا المنزل لتصل  بهِ  الى ليلة امسى الجميع  يترقب اخبار الساعة ،احد رواد المكان  يتحدث  مع آخر :
-هل تظنّ ان امريكا ستفعلها ؟
-بعد منتصف الليل  ستنقضي مهلة اليومين
-اذن الحرب قادمة
-لكن السيناريوهات  لها لا يمكن التنبؤ بها
-وهل نحن نمتلك سلاح المواجهةللبارجات والقاصفات  البعيدة المدى ؟
-حتى لو امتلكنا ولكن هل النفوس امتلكتها ؟
ليالي بغداد  تنطفىء بمشهد دراماتيكي  لايصدّق بأيام معدودات  يتساقط الجنرالات وتختفي اخبارهم  لتصبح  حكايا المساء مليئة بأخبار القادمين مع المارينز وبالمنشغلين  بافراغ المؤسسات الحكومية  من قبل مافيات السطو المسلح  على البنوك والآثار  التي سرعان ما وجدت  سوقها  مهيّئةً في عواصم الغرب .
حين يحدث الهرج والمرج  في مدينة متعبة  فأن البسطاء  وغير المثقفين  يصدقون  ما يرون من مشاهد التغيير  وفق ملامحها الظاهرية  الّا المثقفين  فلهم قراءة اخرى  للاحداث  مختلفة لا تتسرع في الحكم على الامور بغير دراستها  والتمعن فيها .في احد باصات النقل  الذي عادة ما يتحول الى منبر للنقاش الطويل لزحمة الطرق واغلاق الكثير منها تسمع الناس تقول :
-أتعلم عدد الاحزاب تجاوز المئتين ؟الى ايها نذهب في خياراتنا ؟ونحن نجهلهم جميعاً
-الاصعب من هذا ان الكتل دينية وعلمانية واخرى شيوعية وغيرها قومية ثم ملكية وناصرية، ؟
هند وسط هذا  الضجيج اغلقت منزلها  بنفسها وغادرت لتسكن بيتاً صغيرً مؤجراً مع ابنتها
وقبل ان يسكنهُ السياسيون  الجدد  فجّر المنزل  وكأنّ هناك  من كان يرصدهُ سابقاً ويعلم تفاصيله ولكن خوفهُ من السلطة السابقة ابقاهُ ساكتاً فكيف وقد جاءته ُ الفرصة  لأزالة الرذيلة  حسب ما يشيع  ويدعو للفضيلة .
الناس ترقب وتراقب وصارت القنوات الفضائية تلاحق السياسيين حتى الى دورة المياه .يبدو ان هند لم تفاجأ وهي تشاهد  رجل الامن القديم ماهر  برلمانياً ينتمي الى كتلة دينية ،لم يضف الى ملامحهِ غير لحية سوداء خفيفة ونظارات  تقترب في شكلها الخارجي من الطبية ،رجل خمسيني  لا يخلو حديثهُ من لغة التدين مع الابتسام والتباطؤ في اخراج المفردات .
تحزم هند امرها  بعد ضيق عيشها  ومعها سهى  للذهاب اليهِ وهو بدوره لم ينكرها  خشية ان تفضحهُ لو تجاهلها  ابتداءاً ،يرحب بها وبابنتها :
-تفضلي اجلسي
-شكرا لك دكتور
-كيف انتِ الان بعد ما سمعتُ انكِ بلا سكن ولا مال
- نعم  ولهذا جئتكَ اليوم  مباركةً ومحتاجةً
-لاعليكِ ستجدين ما تريدين ان شاء الله ،ولكن لي طلباً اتمنى ان لا ترفضيهِ
-ما هو دكتور
-ابنتكِ
-زوجةً
-اريد جسدها  وساعطيكِ المال واشتري لكِ منزلاً جديداً في مكان لا يعرفكِ الاخرون   ويجهلون ماضيكِ
-اذن ما زلتَ تبحث عن الرغبات والشهوات  وانكَ ارتديتَ لباس الدين  مع موجة السياسيين  وان  في داخلك الرذيلة  ولا يمكن ان تنساها .انتَ تتأمّل المستحيل ولو ملّكتني  الدنيا  فلن تطال جسد ابنتي
-اسكتي ايتها الساقطة  ومن يصدق   ما تدّعين وكأنكِ صاحبة مبادىء  واخلاق  في الحفاظ على ابنتكِ هذه ،وهل نتعلم من مواخير  العهر والدعارة ،وهذه الملايين  تصفق لنا  نحن المصلحون الجدد
-انتَ لم تصلح نفسكَ المريضة  ووجودكَ سينشر العدوى   لهذا المجتمع  بممارسة  الكذب والخديعة والنفاق ،اتمنى ان تكون انساناً لمرةٍواحدةٍ.نعم انا عاهرة وساقطة  ولكني صادقة مع نفسي
-أغربي  عن وجهي  قبّحكِ الله  يا فاجرة
تخرج هند  مع ابنتها  وان كانت غير مستغربة او نادمة  ولكنها  فقط لتلقي الحجة عليهِ امام ابنتها ،وقبل وصول قدميها اعتاب  باب بيتها  تسقط على الارض  تغطيها الدماء  بعدما انهال عليها الرصاص من مسلحين  امام اعين الناس  لتسجّى على ذراعي سهى  متخذةً منهما وسادةً لتفارقها  دونما كلمات وداع ودون ان تقام  عليها الصلاة  راحلةً  بلا تشييع  سوى دموع ابنتها وهي تتساقط على جسدٍ امضى العمر في الخطيئة  محاولةً ان تطهّر  بقاياهُ في الذاكرة.
..............................................................................
كاظم مجبل الخطيب –بغدادقصة  قصيرة
[هيام ]
في زمنٍ عصيبٍ من اعوام القرن الماضي  ،حيث الساكنون  يحسبون  جدران منازلهم  لها آذان تسمع همس حديثهم ،فالمخبرون السرّيون يملؤون الازقة  والخوف  هاجسٌ في النفوس  تمكّن من العائلة  الواحدة ،الناس في حذرٍ وكل مكانٍ مزدحمٍ هو بيئة خصبة  لانتشار رجال الامن  حتى انعدمت الثقة بين الاصدقاء والاخوة ايضا  لتصل الى فقدانها حتى بين الزوجين .المجتمع  يعيش عسكرةً بكل تفاصيلها والدولة  معبّأةٌ بنظرية المؤامرة .
ماجد بعد تخرّجهِ من كلية الهندسة الكهربائية يلتحق بالخدمة العسكرية ليصبح ضابطاً  مجنّداً برتبة ملازم ، يتمُّ اختيارهُ  للعمل في المخابرات  بحسب المواصفات التي تبحث عنها الدائرة ،ربما في ذلك الزمن  كان الكثير  يسعى لعمل كهذا متعدد الامتيازات كالايفادات والمخصصات العالية والمنح والمكافآت وقطع الاراضي والسيارات وغيرها  الكثير ،وعلى ماجد التكتّم  على عملهِ وعدم البوح بسرّهِ لاقرب الناس .تتجمّل الدنيا  في عيون ماجد  الشاب الطموح  وهي تقبل عليهِ وهو الان  يسكن داراًمؤثّثاً وسيارة حديثة  ورصيدا لا باس بهِ فلم يبقَ على اكتمال حياتهِ غير مجيء هيام  وهي حبيبتهُ التي اثمرت علاقتهما لخمسة اعوام  على اتفاقهما على  الزواج  ،بعدما نضجت المرأة في داخلها  بعمرٍ اقترب من الخامس والعشرين عاما  وقد وجدت   نفسها في تدريس الرياضيات  بعد حصولها على البكالوريوس،يختصر الجمال في حضورها وتخرس الكلمات في وصف ملامحها البيضاء  بهالة شعرها الاسود الذي انتصف ظهرها  ملامساً خصرها  الدقيق  الجالس على جسدٍ رشيق  حاملاً نهدين  مكتنزين  بالشموخ ،وحين تهطل ُ خصلات شعرها على عينيها   السوداوين فكأنّما يخبّىءُ الفتنة والاثارة عن الناظرين اليها ،وكانت هيام تكتفي بالابتسامة لتؤسر الاخرين  ففي ضحكتها  تتجلى انغام صوتها  الرخيم  لتوقد ناراً في قلوب سامعيها،لكنّ محاسن خلقها  الكبيرة اضافت لها جمالاً لا تبدّلهُ تقلّبات احوال الدنيا .
ماجد ليس موظفاً عاديّاً ليختار  امرأةً دون الرجوع الى دائرتهِ واستحصال الموافقة على الاقتران بها ،وبعد جلبهِ  البيانات اللازمة  لهيام  تقوم شعبة المتابعة  بالتحرّي  عنها  فيرسل  المدير في طلبهِ قائلاً:
-ماجد
-نعم استاذ
-الدائرة لم توافق على هيام زوجة لك
-لماذا استاذ؟
-امّها من اصول غير عربية
-ماذا عليَّ ان افعل ؟
-ان تختار بينها بين الاستقالة من دائرتنا
بعد خروجهِ من مكتب مديرهِ لم تراودهُ الحيرة ولو للحظة  بانهُ سيترك  العمل هنا  من اجل هيام  فهي كل شيء في حياتهِ ولا يمكن لامتيازات  الدنيا ومغرياتها  ان تجعلهُ يتخلى  عنها .
يعود ماجد وهو ليس نادماً على ما تركهُ وكانّما تنتظرهُ كنوزٌ عند هيام  محاولاً ترتيب  وضعهِ وتهيئة حالهِ لاتمام مراسيم الزواج .
في احد مكاتب دائرتهِ السابقة يجري الحوار التالي :
-من سيقوم  بالمهمة شباب ؟
-سيدي كما ترى
-ماهر انت  تتبنّى  العملية  وخذ ماتحتاج من المساعدين
ماهر هذا هو من رفع تقريرهُ السرّي  عن عائلة هيام  وصار مطّلعاً على المكان  بعدما  استمرَّ في مراقبتها  في مدرستها ومسكنها  حتى تعرّف عليها  ومرّةً قام بزيارة   لمدرستها بذريعة السؤال  عن سمعتها واخلاقها،وليس صعباًعليهِ القيام بذلك  ومعهُ كتاب رسمي  من جهة عليا  فما حال المدرسة  وهي دائرة بسيطة  في دخولها   بسؤالهِ عن هيام  التي ستصبح زوجة  لاحد منتسبي دائرتهِ الحسّاسة .بعد مرور اسبوع  على استقالة ماجد يقوم  ماهر بتصفيتهِ عن طريق  دهسهِ حتى الموت بسيارة  مجهولة الهوية .
مات ماجد وبقيت ذكراهُ لاتفارق هيام  كما ان ملامحها ظلّت راسخةً في ذهن ماهر  المنبهر بجمالها  وسحرها وكم كان حاسداً لماجد  عليها  فقام بقتلهِ بذريعة حماية اسرار  الوطن القومية  وكأنَّ بقتلهِ ستموت  معهُ كل المعلومات  وهو  يدّعي  تنفيذهِ لواجب وتكليف   وطني وكان بامكانهِ التملّص او الاعتذار فقتل النفس  جريمة  لايمكن التحايل باسبابها .
حاول ماهر الاقتراب  والوصول الى هيام  بشتى الوسائل وهو يعرضُ نفسهُ معجباً ومحبّاً واحياناً هائماً بها وبخلقها  وانها خير زوجة لهُ دون ان يتعرّض  لحياتهِ مع زوجتهِ التي مازالت معهُ لكنها الرغبات بامتلاك  الاشياء الغالية  والنادرة  ،وهيام تتذكّر  تردّدهُ  على مدرستها  قبل حادثة قتل خطيبها ممّا أثار الشكوك  في داخلها حول شخصيتهِ الغامضة  رغم ظهورهِ لها  في كل مكان  لكنّ توقيتهُ  في طرح نفسهِ امامها  زادها يقيناً بأنّهُ يخفي امراً خطيراً وسرّاً ما ولهذا فهي حذرةٌ جداً وفي لقائها الاول  معهُ تسألهُ هيام :
-من انت وماذا تريد بالضبط ؟
-انا ماهر ،اريد الزواج منك ِ
-وهل انت َ تعرفني ؟
نعم اعرفكِ جيداً هيام
-وهل تعلم ان امي من اصول غير عربية ؟
-نعم اعلم وما في ذلك ؟
هنا تاكدت هيام  بان ماهر وراءمقتل ماجد فقامت بتسجيل الحديث الذي دار بينهما وهو هائمُ بها .
حين دعاها  للقاء  آخر  استحضرت كل مكر النساء  ودهائهن  وكل غنج الجميلات  لتوقعهُ بمصيدتها  وهو يعترف  بالقتل شريطة قبولها  بهِ شخصاً  صالحاً لزواجها  قائلاً:
-نعم قتلتهُ كنت انفّذُ الواجب الوطني 
-وهل يعفيكَ ا لله من اجل هذا الواجب
-لا ادري
- هل القضاء يعفيكَ ايضاً
-نعم ربما
-لكنّ ضميرك اعفاكَ اليس كذلك ؟
ماهر صار مرتبكاً ومندهشاً بكيفية قدرة هيام على انتزاع اعترافٍ  منهُ  بقتلهِ ماجد  وبهذه السهولة  والسرعة .
جهاز  التسجيل لتكتمل معالم الجريمة  فيهِ اضافت اليهِ هيام  حواراً آخرَ  دار بينهما :
-طيب ماهر  اليست امّي غير  عربية ؟
-لا عليكِ ساجعلها عربية الاصول
-كيف؟
-سابدّلُ بياناتها  كلّها واتلفُ القديمة
-وهل هذا ممكنٌ ؟
-نحن دولة هيام فوق القانون  والشبهات  وحصانتنا بقوتنا وسلطتنا
في يوم ما حملت هيام ما لديها  مشتكيةً بدعوى مدنية  بعيداً عن دائرتهِ المشؤومة  لتتحرك القضية  جزائياً ويجلبُ ماهر مواطناً امام قاضي المحكمة  بغير رتبة او امتيازات ووسط تخلّي  مسؤوليهِ عنهُ وبدليل اعترافاتهِ المدعمة  من خلال جهاز التسجيل  وشهادة هيام  الدامغة  ولتوفّر جميع عوامل سبق الاصرار  التي كانت حاضرة ً لدى القاتل ،وان القول  بتنفيذ واجبٍ لحماية  وطنهِ لا يسوّغُ لهُ قتل الاخرين،كما انهُ لا يملكُ دليلاً مكتوباً وموثّقاً من دائرتهِ بهذا التكليف  سوى جلسة  شفوية  مع مديرهِ لا تنقذهُ من الادانة  ثمّ ان القاضي  يدحضُ ادّعاءهُ بالقول:
-وما ادراكَ ان ماجد  لو بقيَ حيّاً  سبعمل على مس امن الدولة؟
-الدائرة لا تثقُ  بأحدٍ  يغادرها مستقيلاً
- وهل بمثلكَ تقام اركان الدولة وهيبتها ؟ألم تكشف  اسرار عملكَ الى امرأة ؟
-نعم هي خدعتني  بعدما احببتها
-الوطن لو تفهم  تبنيهِ القيم والاخلاق والتضحية من اجلهِ
بعد سماع القاضي  للدلائل  التي تدينهُ واعترافاتهِ الصريحة  يصدر حكماً عليهِ بالسجن المؤبد .
في سجنهِ وقبل تمام الشهر  يجدونهُ ميّتاً وهم يحاولون ايقاظهُ عند الصباح  لتشرق  الشمس دون ان يراها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــقصة قصيرة
(الخال يحتمي بالعباءة)

في ليلةٍ ما خرج ابن الخطيئة لدنياه باكيا ًووجههُ كفلقة قمر بعينين سوداوين واسعتين وكأنهُ أخذ من امّه ِساجدة كل ملامحها لكن اباهُ لم يعترف بشرعيته فتخلّى عنها وهي تخشى اعلان فضيحتها امام الناس .زيّن الوليد وجمّلهُ خالٌ على كتفه الايمن.ضمّتهُ الى صدرها ليرتشف من حليبها طوال تلك الليلة.لكن امها مع حلول الفجر انتزعتهُ من حضنها وقررت رغما على ابنتها التخلص منه او ان تقتل فيما لو علم اخوتها بهذا الامر جزاءً لخطيئتها.مع اشراقة الشمس توجّه الثلاثة والرضيع ملفوفٌ بقماطه الابيض ليُتركَ قرب احدى الزائرات وسط زحمة المكان المكتظ بالنساء عادة لقدسيته.لم تنتبه السيدة الغريبة الى من يجالسها الّا حين سمعته يبكي فتناولتهُ بيدها وكأن الله بعثه اليها ليعوضها عن ما حرمت منه  وهي الان بعمر الاربعين.لم تثر الشكوك  حولها حتى حملته الى منزلها الكبير ليصبح الدكتور ماجد بعد ثلاثين عاما وريثها وابنها الوحيد ولكنها قبل وفاتها اخبرتهُ بحقيقة احتضانها له وهو مصدّقٌ لروايتها والان هو من امهر الجراحين في المستشفى .ساجدة لم تترك مراقبة ولدها منذ ان اجبرت على فراقه فهي تعرفت على السيدة وراقبتها من بعيد واهتدت الى منزلها دون ان تظهر في حياتها ولا حياة ولدها وهي ان اتخذت من عمل الخدمة والنظافة في المستشفى وسيلة لعيشها فلأنها تريد البقاء قريبة من ابنها الطبيب بعد وفاة امها وانكار اخوتها لها لتبقى وفية لولدها.اصبحت معروفة بالشيخة ام غايب فهي متعبّدة متهجّدة مستغفرة وقدّيسة في محراب صلاتها ليلا وهي الفراشة الخلوقة والمحبوبة التي يحترمها الجميع نهارا حتى ان مدير المستشفى كثيرا ما كرّمها امام المنتسبين لأمانتها واخلاصها..في صباح ما صار الموظفون من الاطباء والممرضين والفراشين يحيطون بام غايب التي لم تحتمل الانتظار فراحت تطلب ان يجيئها دكتور ماجد فهو من  يستطيع تشخيص مرضها فأستأذنتهم باغلاق الباب بعد وصول ولدها وها هي تتمكن من النهوض بقدر ما تبقّت لديها من قوة  لتحضن  ولدها وهي تدعوه ليكشف عن كتفه الايمن ذي الخال.ظلّ الدكتور معانقا لامه ولم تعد بحاجة للرجوع الى سرير المرض وكأنها شفيت فأسرع ماجد يفتح الباب والاخرون ينتظرون خلفها  بما فيهم خطيبته طبيبة العيون الدكتورة هيفاء ..صار يقدّم للناس ام غايب على انها امه التي كان ينتطرها ويترقب مجيئها. بينما الاخرون بدأوا يتهامسون ويتغامزون وبعضهم يستهزئون.احد الاطباء همس بأذن دكتورة هيفاء:
-معقولة هذا الجراح الكبير.!لا اصدق!!
ردّت عليه دكتورة هيفاء:
-لم لا تكملها معقولة دكتور ماجد كان لقيطاً
كان ماجد يرى في عيونهم الانكار والاستهزاء فبادر مسرعاً الى خلع قميص الاطباء الابيض وهو يحاول اصلاح عباءة امه خارجا من المستشفى دون ان يلوّح بيده لاحد..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــقصة قصيرة
[البريئة]
من الصعب جداً على امرأةٍ  جميلةٍ مثل نادية اختراق دوائر  الامن والشرطة لكنها مجبرةٌ لمتابعة قضية زوجهاوحبيبهاالذي تخلّى عنهُ أهلهُ خوفاً من المسائلة  وهو يتّهمُ باطلاً بجريمة تمسُّ الامن الوطني والقومي،صار النقيب صلاح ينتظر قدومها باعتبارهِ ضابط التحقيق وهي تحاول  ايجاد طريقة ما لأنقاذ زوجها في حين تحرّكت بداخل صلاح نوازع الرغبة المقيتة  ليخيّرَ نادية بين جسدها وبين مبلغ (50000 دولار)،وبضمير ميّتٍ وخلقٍ قبيحٍ ونذالةٍراح يسألها:
-ماذا قرّرتِ؟
-لكنّ المال الذي تطلبهُ لا املكهُ
-لكنكِ تملكين جسدكِ الجميل
لم تنمْ نادية ليلتها لتقرّرَ بعدها اعطاء جسدها ثمناَ لأنقاذ زوجها من الاعدام المؤكد
لم يفِ النقيب بوعودهِ ولم يكتفِ صار يهدّدها باظهار فلمٍ مصورٍومسجّلٍ وفاتهُ ان نادية تظهر فيهِ وهي تمانع على تسليم جسدها وبعد كيل الضرب عليها  يباشر الدنيء باغتصابها وتنفيذ جريمتهِ،وبقي يحتفظ ب(cd) في درج مكتبهِ
وفي صباحٍ تدخل عليه في مكتبهِ الفخم ثمّ يستئذنها لقضاء حاجة ما داخل المبنى تاركاً مسدسهُ ملقىً على الطاولة ،تناولتهُ نادية لتخفيهِ قبل حين وصولهِ وهو مازال  يتنكر لوعودهِ بأغلاق الدعوى وحرق اولياتها  حتى ارتفعت الاصوات بينهما ليسكتها صوت الاطلاقات الناريةقبل خروجها مقيدةً بالاغلال ،لتقف الآن  امام القاضي معترفةً:
-نعم سيدي قتلتهُ لأنّهُ أخلف وعدهُ بغلق قضية زوجي المظلوم
-وهل زوجكِ يعلم بما اقدمتِ عليهِ؟
-لاسيدي القاضي
أمر القاضي بأحضار القرص الذي تم التحفظ عليه مع المحضر الجنائي والذي طالب فيهِ محامي الدفاع بأعتبارهِ ضمن ملف الدعوى ،كان الزوج في قفص اتهامٍ آخر مجاور لزوجتهِ وهو يستمع لما يجري ،
نوديَ على القضية في يوم اخر للنطق بالحكم  وها هو القاضي ينطق بهِ:
-حكمت المحكمة ببراءة السيدة نادية لكونها كانت مغتصبة من النقيب
-كما حكمت المحكمة ببراءة زوجها لعدم قناعة المحكمة بالتهمة الموجهة اليهِ لعدم كفاية الادلّة
وسط هدوء قاعة المحكمة راح الزوج يصيح بصوتٍ عالٍ:
-سيدي القاضي  لكني حكمتُ على زوجتي بالطلاق وجميعكم تشهدون على ذلك لانها حكمت عليَّ بالاعدام
.................................................................................................

بقلم/ كاظم مجبل الخطيب -بغداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق