MAY 27, 2016
الشاعرة التونسية فاطمة سعدالله: الأدب التونسي اليوم يشهد حالة نضج ونموّ والصوت النسائي يساهم بقوة
Fatma-SAADALLAH.jpg77
حاورها من باريس ــ حميد عقبي:
عندما يتاح لي فرصة لقاء شخصية أدبية أو فنية تونسية أفرح كثيراً فتونس لها مكانة خاصة في قلبي، تونس تعني الثقافة والفنون، هي التنوع والفكر الحر وتواجه اليوم محاولات وهجمات لخلق واقع جديد يحكمه فكر متطرف ليهدم مسيرة مشعة بالحب والإنسانية لكن الشعب التونسي ليس من السهل خداعه وسلبه منجزات كانت بتضحيات جسيمة دفعها من دمه الغالي، نتمنى أن ينتصر الفكر الحر ويدحض عواصف الظلام القادمة بفكر شبق إلى السلطة والإستبداد.
ضيفتنا اليوم الشاعرة التونسية/ فاطمة سعدالله، وهي كاتبة وناقدة وتخوض تجارب في الترجمة، ستحلق بنا ضيفتنا في سماء المشهد الأدبي التونسي وهي ترى أن المشهد الشعري في تونس وخاصة في السنوات الأخيرة ازدهر كثيراً وانتشر أكثر وولدت أسماء كثيرة كانت في عالم النسيان أو الانتظار أو الإقصاء، وتؤكد أن الشعر يحظى بالإكبار والعناية رغم التحديات التي يواجهها كالتوجهات العلمية أو وسائل التكنولوجية الحديثة التي تأخذ من الانسان المعاصر غالب وقته وتحرمه من المتعة الفنية، تطورات الحركة الأدبية الإبداعية لا تجد الدعم الرسمي أو الخاص وهي مشكلة يعاني منها المبدع العربي مما قد ينتج عنها ردود فعل ونتائج خطيرة لكن الهيئات الثقافية الحكومية لها عالمها الخاص الفاسد…أرحب بضيفتنا الكريمة ولنستمع إليها.
*تونس البلد الثقافي المعروف بتحرره وتنوع ثقافاته يواجه الأرهاب .
كيف نفهم شيوع الفكر الإرهابي ؟
هل يعني هذا فشل التنوير ؟لماذا؟
ـ لا يخفى على أحد أن الإرهاب “بضاعة أجنبية ” أريد لها التسويق في الوطن العربي والإسلامي عموما كما هو بصدد الانتشار لغاية في نفس يعقوب / لم تعد خافية على أحد.أفرخت بويضاته في الشرق العربي ووجد الحاضنة التي هيأت له النمو والتمدّد ولمّا بدأ خطره يهدّد العالم قرّرت الدول النافذة/ ذات القرار أن تتصدّى له فحوصر في الشرق العربي ــ يبدو أنّ الراغبين في بقائه صدّروه إلى المغرب العربي وإلى شمال إفريقيا عموما ـــ..وتونس لا تختلف عن غيرها من الدول العربية الإسلامية كانت ضحية لهذا المخطّط العدواني المُمنْهج ليس لأن التنوير فشل وإنما لأن الجرثومة الإرهابية انتقلت عن طريق العدوى ولولا يقظة الشعب التونسي ورفضه أن يكون حاضنة للإرهاب لكان الوضع كارثيّا.
ولأن الشعب التونسي متجانس النسيج تكاتفت كل شرائح المجتمع على التصدي إلى هذه الظاهرة العالمية الخطيرة .كثفت الدوريات والجهود المخابراتية بين الجيش والديوانة والشرطة والحرس الوطني بل والمجتمع المدني أيضا وتواصلت اليقظة الدائمة لذلك نجحوا في كشف أخطر العمليات قبل وقوعها / بني قردان مثلا كما حرصوا على أن تكون الخسائر محدودة عند وقوع المداهمات …ولعلّ من أسبابه الوضع الساخن بالجارة ليبيا .
هناك قصور وفساد في الهيئات الثقافية الرسمية هل تدرك هذه الهيئات حجم الكارثة؟
ـــ الفساد مرض عضال ينخر جل إن لم نقل كل هيئات المجتمعات العربية الرسمية وغير الرسمية وتونس ليست بمنأى عن ذلك .ومن المؤكد أن الأصوات المندّدة بالفساد والمنادية بالإصلاح أسمعت الهيئات الرسمية ولا أظن هذه غير مدركة لحجم الكارثة وخطورة الصمت ..وأتصوّرها جادة في البحث عن الحلول وأهمها إنشاء هيئات مختلفة ــ خاصةــ في المجتمع المدني لتلافي هذا الداء ورأب الصدع بين المثقف والمؤسسات الثقافية الحكومية على وجه التخصيص كاتحاد الكتاب مثلا وقسم الآداب بوزارة الثقافة أو اتحاد الكتاب الأحرار/ كمؤسسة غير حكومية وغير ذلك.
* كيف تصفين المشهد الأدبي التونسي اليوم؟
ـــ إذا اختصرنا القول فسنقول :إن المشهد التونسي الأدبي بخير / منتعش ونشيط
الأدب التونسي اليوم يشهد حالة نضج ونموّ إذ أنه قد تجاوز مرحلة تلمّس الطريق أو التعثر أثناء المسير مما سيسمح له حتما منافسة الأدب العربي خصوصا والعالمي عموما لأن البيئة الثقافية ملائمة والخامات الفكرية والإبداعية والأقلام الحرة والمقتدرة متوفّرة ولعلنا نلمس ذلك في أجناس أدبية متنوعة أذكر منها الرواية ولنا بعض النماذج على سبيل الذكر لا الحصر :” حروف الرمل” للروائي محمد آيت ميهوب والدراويش يعودون من المنفى / وشبابيك منتصف الليل للروائي الموهوب ابراهيم الدرغوثي .
أما في الشعر فقد يتبادر إلى الذهن أن القصيدة العمودية أفل نجمها في تونس بعد الحملة التي شنها عليها أنصار شعر التفعيلة وشعر في غير العمودي والحر في القرن الماضي لكن في الحقيقة الشعر العمودي يعود بقوة مع أمثال الشاعرمحمد الغزي وجمال الصليعي / شفاه الله .
كما أن الشعر الحر في تونس أفسح المجال لولادة قصيدة النثر وترعرعها في بيئة أدبية تزخر بالأقلام المتعطشة الى التجديد وكسر المألوف وتجاوزه فازدهرت وتمكنت من الانتشار في تلك الأرضية الخصبة وأكتفي بذكر الشاعر المتألق سوف عبيد.ودون أن نغفل الصوت النسائي فإن المرأة أيضا أدلت بدلوها في هذه الأرضية الخصبة والبيئة الحية لتثري الساحة الأدبية التونسية وقد أثبتت بعض الأديبات ووجودهن في هذا الزخم من الأقلام المبدعة أذكر الشاعرة عروسية النالوتي ونافلة بن ذهب وهما من الرعيل الثاني بعد زبيدة بشير وفضيلة ختمي وغيرهما .ولعل هذا الحضور النسائي اللافت ناتج عن المكانة المميزة التي تحظى بها المرأة التونسية عموما كما يبقى المجال مفتوحا لكل الأقلام وخاصة الشابة التي تسعى جاهدة اليوم لإثبات كيانها .
* حدثينا عن تجربتك الشعرية وعن منابعها وأهم الإنجازات ؟
ـــ التجربة الشعرية عموما هي قدرة الشاعر على تحويل انفعالاته الذاتية بموضوع ما أو موقف ما إلى عمل إبداعي يجعل المتلقي ينفعل به والخبرة النفسية التي يتمتع بها الشاعر تيسّر له صهر وجدانه وفكره وتأملاته في حالة من حالات التجلّي والانفعال لصوغها بلغة ينتقيها ويسكبها في إيقاع يختاره ويخرجها بثوب بلاغي يرتضيه وهذا لا يكون إلا بعد مخاض قاسٍ عندها فقط يولد النص الشعري/ القصيدة . أما بالنسبة لي فإن تجربتي الشعرية حديثة العهد بالظهور رغم ولادتها منذ سنين ..في حالات “الوضع″/ الكتابة أومن بأن الكاتب عموما والشاعر خصوصا يجب ألا ينطوي على ذاته ويكتفي بتجربته الخاصة وإنما عليه أن يتجاوزها إلى ما ومن يحيطون به . هو عنصر من مجموعة ولذا يتحتم عليه أن يحسّّ بالآخر ويعبر عن شواغله سواء أكان الآخر المجتمع أو الوطن أو الإنسانية .
قد أنفعل بحدث ذاتيّ ما فأصوغه من الذات إلى الذات ولكن في خضم مانعيشه من أحداث كثيرا ما يتحول الذاتي إلى عام / وطني أو إنساني .والعكس صحيح وتبقى دائما الصورة التعبيرية الصادقة والفنية هي التي تحقق الانصهار بين الوجدان والفكر وبين الذاتي والعام .
أما إنجازاتي الشعرية ففي الحقيقة كتبت الكثير ولكني لم أنشر إلا ديوانا واحدا بعنوان ” أمواج وشظايا” في شهر أفريل سنة 2015 وما عدا ذلك فهو مشاريع مخطوطة في انتظار الولادة نظرا لكساد سوق التوزيع ..فالنشر مؤجل.
*هل من تطور وتجديد وتجديد في تقنيات الكتابة خصوصا مع وسائل النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي ؟
ـــ الكتابة عموما تواجه تحديات متعدّدة أهمها التوفيق بين الأصالة والانفتاح بين الائتلاف والاختلاف. فتقنيات الكتابة لها دعائمها التي وضعت منذ القديم ولكن التقدم التكنولوجي أوجد تقنيات حديثة يجد الكاتب نفسه أمامها فارسا يجب أن يركب ولكنه يحتاج إلى الآليات ومادام التطور سمة الحياة فإن الكاتب عليه أن يتأقلم مع الجديد دون أن يفرّط في الجذور لأن الأصالة لاتلغي القديم ولاتغلق الأبواب أمام الانفتاح والتجديد.
والتجديد في الكتابة يتمثل في الصياغة والتحرير وطرح الأبعاد الفكرية بأساليب قادرة على أن تلامس المتلقي على اختلاف المستويات والأذواق لذلك نجد ولادة القصة القصيرة جدا والقصة الومضة أو القصيدة الومضة والهايكو والتانكا والشعر السردي والنص المفتوح وغيرها من التقنيات التي أفسحت لها مواقع التواصل المجال سواء أكان ذلك عن طريق المسابقات أو النشر في المواقع الإلكترونية بل ذهب بعضها الى تعليم أسرار الكتابة والتقنيات الحديثة .
*ماهي الهموم المقلقة في الإنتاج الإبداعي للكاتبات التونسيات اليوم؟ كيف يتم التعبير عنها ؟هل من خوف وخطوط حمراء يجب عدم تجاوزها وهل تصوير الجسد الأنثوي بشكل حسي من ضمنها؟
لا فرق عندي بين مبدع ومبدعة إلا تاء التأنيث ..وبالتالي فالهموم التي تشغل الانسان واحدة ..ولا فرق عندي بين قلم تونسي وغيره من الأقلام العربية “فكلنا في الهم شرق” كلنا نعيش الحروب ويهددنا الإرهاب ونسعى وراء لقمة العيش والكرامة ونتمسك بالأوطان وإن غبنا عنها ..كلنا إنسان يحب ويخيب ويأمل ويتألم ورغم تكرر الخيبات والكبوات يعود ليقف من جديد ..هذه هي الهموم التي يجب أن تشغل المبدع ويتناولها القلم أما بالنسبة لجسد المرأة فأنا شخصيا أراه حرمة / تابو وهنا الخطوط الحمراء يجب أن تكون عريضة لأن جسد الرجل أو المرأة ملكية خاصة ولها حرمتها التي يجب عدم تخطيها فالخصوصية أراها مقدسة وليست موضوعا يتفنن الرسامون في تصويره حسيا للإثارة الغرائز ونيل بعض التصفيق.
*كثيرات تأتي شهرتهن بعد نيل جائزة أو تكريم والبعض يرى خللا في معايير الجوائز والتكريمات .. ما رأيك في ذلك؟
ـــ التكريم والجوائز نتاج لحراك بشري وكل ابن آدم خطاء ..فيمكن أن تقع بعض الهفوات البشرية فتسند الجائزة أو التكريم لغير أهله لكن هذا لايعتبر قاعدة عامة .فبحكم تجربتي في التحكيم تتبع لجنة التحكيم – أعني التي أنتسب إليها – قوانين صارمة ونسعى جميعا ألا يحظى أحد بالتكريم أو الجائزة إلا إذا كان أهلا لها ومع ذلك فإن بعض الذين لايفوزون يتذمرون بل يصل بهم الأمر إلى الطعن في موضوعية اللجنة ونزاهتها لأن نصه الرديء لم يتوج ..أما إذا عرفت إحداهن واشتهرت بعد نيْلها لجائزة أو تكريم فهذا أمر طبيعي فكل إنسان عندما يكون مقصى أو مغمورا وقدم عملا جديرا بالإشادة يمكنه أن يشتهر إلا إذا كان التكريم نتيجة مجاملة أو محاباة فهذا موجود ولكنه لايشكّل قاعدة لحسن الحظ.
*هل يعاني المشهد الشعري من تراجع في تونس ؟
ــ بالعكس ..المشهد الشعري في تونس وخاصة في السنوات الأخيرة ازدهر كثيرا وانتشر أكثر وولدت أسماء كثيرة كانت في عالم النسيان أو الانتظار أو الإقصاء .فأنا مثلا وبعض الأصدقاء شعراء وشواعر كنا نكتب في الظل ولكننا وجدنا أرضية معبدة للخروج من الصمت والمساهمة في الحياة الثقافية وإن لم أكن كثيرة المساهمات في الأصبوحات أو الأمسيات الشعرية فهذا لايعني غيري لا يفعل بل فأخبار النشاطات الثقافية سواء من خلال الصفحات الثقافية أو مواقع التواصل زاخرة وتبشر بكل خير .لذا فالمشهد الثقافي عموما والشعري على وجه التحديد بتونس بألف خير.
*توجد شكاوى مبدعين ومبدعات بقلة الدعم الرسمي لهم .ماهو رأيك في المشكلة ؟ وما الحلول؟
ـــ لقد وضعت المجسّة على موضع الداء ..الدعم ..كم نحن في حاجة إليه أدبيا وماديا / خاصا ورسميا.
الجهات الرسمية / وزارة الثقافة تحديدا في كل البلدان العربية تشكو من ضعف الميزانية المخصصة للثقافة وبالتالي تجد المبرر لعدم الدعم والمثقف يكتب وينشر غالبا على حسابه الخاص وعندما يتقدم إلى المعنيين بالأمر لا يجد من يدعم إبداعه بل يعامل أحيانا على أنه بائع متجول يعرض بضاعة قابلة للمنافسة/ على مستوى الشكل لا الجوهر. فالمبدع رجلا كان أو امرأة لايجد الدعم الكافي أو مطلقا بل الغريب وهذا اعتمادا على تجربتي الخاصة قال لي أحد المسؤولين نحن لا ندعم وانما نشتري ونختار الأجمل شكلا وشبه لي المسألة بالماء في كوب ” كريستال” وكوب “عادي” أيهما يختار الشاري ؟ بهذا تأكدت أن ما يشترى هو الشكل الخارجي للكتاب لا المضمون والجوهر.
يعيش المبدع حالة الإحباط والقهر فيمكن أن تحدث لديه ردّة فعل عكسية فلا يكتب أو يكتب ويركن في أدراجه فلمن ينشر. ومن سيشتري إذا تحولت المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي من الراعي والداعم الى المشتري الذي يبحث عن” اللوكس″/ الجودة والبذخ الشكلييْن؟
أما الحلول فلا أريد أن أكون يائسة أو متشائمة من الوضع بل للأمانة فهي قليلة وبعيدة المدى .أولها وأهمها أن تعيد الجهات الرسمية النظر في سياستها وتغير مفهوم التعامل مع المبدع وتكون الراعية والداعمة وهذا صعب وليس مستحيلا كما أن رجال الأعمال والأثرياء عموما في إمكانهم أن يستثمروا في الثقافة ولا يقتصروا على الربح المادي فان بلداننا العربية في حاجة إلى نشر المعرفة والكتاب هو المصدر الأول والدائم للثقافة ولا خير في أمة تقصي الكاتب وتقتل الرغبة في الإبداع ونحن على الأساس أمة “اقرأ”.
*هل للشعر حظوة وجمهور اليوم؟
ــ للشعر جمهوره منذ القديم وحتى اليوم كتابة وتذوقا ونقدا.
ولعل الأصبوحات والأمسيات الشعرية والتظاهرات الموسمية في مختلف أنحاء البلاد –تونس أو غيرهاء أصدق دليل على أن الذين يؤمونها ويترددون عليها باستمرار يجد الشعر في نفوسهم موقعا وحظوة .
يلتف المتذوقون للشعر والنقاد حول الشعراء في مثل هذه المناسبات بأعداد غفيرة لأنهم يعشقون الكلمة البليغة التي تعبر عما يتحرك في سواكنهم ولأنهم آمنوا بأن الشعر فن من الفنون الجميلة لاغنى للإنسان المتحضر عنه شأنه شأن الرسم والموسيقى والمسرح وغيرها من الفنون. مازال الشعر يحظى بالإكبار والعناية رغم التحديات التي يواجهها كالتوجهات العلمية أو وسائل التكنولوجية الحديثة التي تأخذ من الانسان المعاصر غالب وقته وتحرمه من المتعة الفنية.
*تتجهين نحو الترجمة الأدبية فماهي منهجيتك بالضبط؟
ـــ الترجمة عندي هواية وليست توجها يحدد خطاي. أنا قارئة جيدة ولي حس فني أو سمه حدسا يدلني على النص الأدبي الجميل الذي أتفاعل معه بالترجمة أو بالنقد والتحليل . وكما تعرف فإن للترجمة قواعدها وأسسها وشروطها فأحاول قدر المستطاع ألا أخرج عنها. ومن أهمها الأمانة في التعامل مع النص المنقول الى لغة ثانية أو ثالثة وذلك بمراعاة خصوصيات اللغة الأصلية للنص. كما أني أسعى إلى الحفاظ قدر الإمكان على نسق النص مبنى ومعنى لأن الكاتب أراد ذلك وهذا لايمنع من التصرف ما لم يضر ذلك بالنص المنقول. فالترجمة بالنسبة إلي هي الخروج بالنص من الانغلاق على لغة واحدة وجنسية معينة إلى الانفتاح على لغات أخرى وجنسيات أخرى فمن حق العربي أن يبلغ صوته إلى أوروبا عن طريق إحدى لغاتها وكذلك غير العربي فسيكون مفيدا ومستفيدا إذا نقل إلى اللغة العربية.
*هل للثقافة العربية مستقبل؟
ــ لا مستقبل للشعوب بلا ثقافة ولاثقافة بلا مستقبل والثقافة العربية كي لاتموت وتنقرض كبعض الثقافات والحضارات القديمة يجب أن تكون كائنا حيا يعيش ويتنفس وذلك بمواكبة التجدد والتطور وهما سنة الحياة.
يجب علينا كمجتمعات عربية أن نعي خطورة التحديات التي تواجه ثقافتنا فلا ننبهر بالغرب ونتخلى عن هويتنا لأن الثقافة هي الهوية في نظري.
الحفاظ على الموروث الحضاري لايقصد به الانغلاق والانفتاح على الرافد الجديد لايعني الانصهار والذوبان. فثقافتنا العربية تشق طريقها بتؤدة نحو كسر الحواجز وتخطي الحدود الى العالمية ولكنها في حاجة الى وعي أبنائها والاعتزاز بها كي تكون خصوصياتها محمية.
المسار الطبيعي للحياة ماض يسلمنا إلى حاضر وحاضر نرسم من خلاله المستقبل ولن تبقى الثقافة العربية إن لم تتبع هذا المسار.
الشاعرة التونسية فاطمة سعدالله: الأدب التونسي اليوم يشهد حالة نضج ونموّ والصوت النسائي يساهم بقوة
Fatma-SAADALLAH.jpg77
حاورها من باريس ــ حميد عقبي:
عندما يتاح لي فرصة لقاء شخصية أدبية أو فنية تونسية أفرح كثيراً فتونس لها مكانة خاصة في قلبي، تونس تعني الثقافة والفنون، هي التنوع والفكر الحر وتواجه اليوم محاولات وهجمات لخلق واقع جديد يحكمه فكر متطرف ليهدم مسيرة مشعة بالحب والإنسانية لكن الشعب التونسي ليس من السهل خداعه وسلبه منجزات كانت بتضحيات جسيمة دفعها من دمه الغالي، نتمنى أن ينتصر الفكر الحر ويدحض عواصف الظلام القادمة بفكر شبق إلى السلطة والإستبداد.
ضيفتنا اليوم الشاعرة التونسية/ فاطمة سعدالله، وهي كاتبة وناقدة وتخوض تجارب في الترجمة، ستحلق بنا ضيفتنا في سماء المشهد الأدبي التونسي وهي ترى أن المشهد الشعري في تونس وخاصة في السنوات الأخيرة ازدهر كثيراً وانتشر أكثر وولدت أسماء كثيرة كانت في عالم النسيان أو الانتظار أو الإقصاء، وتؤكد أن الشعر يحظى بالإكبار والعناية رغم التحديات التي يواجهها كالتوجهات العلمية أو وسائل التكنولوجية الحديثة التي تأخذ من الانسان المعاصر غالب وقته وتحرمه من المتعة الفنية، تطورات الحركة الأدبية الإبداعية لا تجد الدعم الرسمي أو الخاص وهي مشكلة يعاني منها المبدع العربي مما قد ينتج عنها ردود فعل ونتائج خطيرة لكن الهيئات الثقافية الحكومية لها عالمها الخاص الفاسد…أرحب بضيفتنا الكريمة ولنستمع إليها.
*تونس البلد الثقافي المعروف بتحرره وتنوع ثقافاته يواجه الأرهاب .
كيف نفهم شيوع الفكر الإرهابي ؟
هل يعني هذا فشل التنوير ؟لماذا؟
ـ لا يخفى على أحد أن الإرهاب “بضاعة أجنبية ” أريد لها التسويق في الوطن العربي والإسلامي عموما كما هو بصدد الانتشار لغاية في نفس يعقوب / لم تعد خافية على أحد.أفرخت بويضاته في الشرق العربي ووجد الحاضنة التي هيأت له النمو والتمدّد ولمّا بدأ خطره يهدّد العالم قرّرت الدول النافذة/ ذات القرار أن تتصدّى له فحوصر في الشرق العربي ــ يبدو أنّ الراغبين في بقائه صدّروه إلى المغرب العربي وإلى شمال إفريقيا عموما ـــ..وتونس لا تختلف عن غيرها من الدول العربية الإسلامية كانت ضحية لهذا المخطّط العدواني المُمنْهج ليس لأن التنوير فشل وإنما لأن الجرثومة الإرهابية انتقلت عن طريق العدوى ولولا يقظة الشعب التونسي ورفضه أن يكون حاضنة للإرهاب لكان الوضع كارثيّا.
ولأن الشعب التونسي متجانس النسيج تكاتفت كل شرائح المجتمع على التصدي إلى هذه الظاهرة العالمية الخطيرة .كثفت الدوريات والجهود المخابراتية بين الجيش والديوانة والشرطة والحرس الوطني بل والمجتمع المدني أيضا وتواصلت اليقظة الدائمة لذلك نجحوا في كشف أخطر العمليات قبل وقوعها / بني قردان مثلا كما حرصوا على أن تكون الخسائر محدودة عند وقوع المداهمات …ولعلّ من أسبابه الوضع الساخن بالجارة ليبيا .
هناك قصور وفساد في الهيئات الثقافية الرسمية هل تدرك هذه الهيئات حجم الكارثة؟
ـــ الفساد مرض عضال ينخر جل إن لم نقل كل هيئات المجتمعات العربية الرسمية وغير الرسمية وتونس ليست بمنأى عن ذلك .ومن المؤكد أن الأصوات المندّدة بالفساد والمنادية بالإصلاح أسمعت الهيئات الرسمية ولا أظن هذه غير مدركة لحجم الكارثة وخطورة الصمت ..وأتصوّرها جادة في البحث عن الحلول وأهمها إنشاء هيئات مختلفة ــ خاصةــ في المجتمع المدني لتلافي هذا الداء ورأب الصدع بين المثقف والمؤسسات الثقافية الحكومية على وجه التخصيص كاتحاد الكتاب مثلا وقسم الآداب بوزارة الثقافة أو اتحاد الكتاب الأحرار/ كمؤسسة غير حكومية وغير ذلك.
* كيف تصفين المشهد الأدبي التونسي اليوم؟
ـــ إذا اختصرنا القول فسنقول :إن المشهد التونسي الأدبي بخير / منتعش ونشيط
الأدب التونسي اليوم يشهد حالة نضج ونموّ إذ أنه قد تجاوز مرحلة تلمّس الطريق أو التعثر أثناء المسير مما سيسمح له حتما منافسة الأدب العربي خصوصا والعالمي عموما لأن البيئة الثقافية ملائمة والخامات الفكرية والإبداعية والأقلام الحرة والمقتدرة متوفّرة ولعلنا نلمس ذلك في أجناس أدبية متنوعة أذكر منها الرواية ولنا بعض النماذج على سبيل الذكر لا الحصر :” حروف الرمل” للروائي محمد آيت ميهوب والدراويش يعودون من المنفى / وشبابيك منتصف الليل للروائي الموهوب ابراهيم الدرغوثي .
أما في الشعر فقد يتبادر إلى الذهن أن القصيدة العمودية أفل نجمها في تونس بعد الحملة التي شنها عليها أنصار شعر التفعيلة وشعر في غير العمودي والحر في القرن الماضي لكن في الحقيقة الشعر العمودي يعود بقوة مع أمثال الشاعرمحمد الغزي وجمال الصليعي / شفاه الله .
كما أن الشعر الحر في تونس أفسح المجال لولادة قصيدة النثر وترعرعها في بيئة أدبية تزخر بالأقلام المتعطشة الى التجديد وكسر المألوف وتجاوزه فازدهرت وتمكنت من الانتشار في تلك الأرضية الخصبة وأكتفي بذكر الشاعر المتألق سوف عبيد.ودون أن نغفل الصوت النسائي فإن المرأة أيضا أدلت بدلوها في هذه الأرضية الخصبة والبيئة الحية لتثري الساحة الأدبية التونسية وقد أثبتت بعض الأديبات ووجودهن في هذا الزخم من الأقلام المبدعة أذكر الشاعرة عروسية النالوتي ونافلة بن ذهب وهما من الرعيل الثاني بعد زبيدة بشير وفضيلة ختمي وغيرهما .ولعل هذا الحضور النسائي اللافت ناتج عن المكانة المميزة التي تحظى بها المرأة التونسية عموما كما يبقى المجال مفتوحا لكل الأقلام وخاصة الشابة التي تسعى جاهدة اليوم لإثبات كيانها .
* حدثينا عن تجربتك الشعرية وعن منابعها وأهم الإنجازات ؟
ـــ التجربة الشعرية عموما هي قدرة الشاعر على تحويل انفعالاته الذاتية بموضوع ما أو موقف ما إلى عمل إبداعي يجعل المتلقي ينفعل به والخبرة النفسية التي يتمتع بها الشاعر تيسّر له صهر وجدانه وفكره وتأملاته في حالة من حالات التجلّي والانفعال لصوغها بلغة ينتقيها ويسكبها في إيقاع يختاره ويخرجها بثوب بلاغي يرتضيه وهذا لا يكون إلا بعد مخاض قاسٍ عندها فقط يولد النص الشعري/ القصيدة . أما بالنسبة لي فإن تجربتي الشعرية حديثة العهد بالظهور رغم ولادتها منذ سنين ..في حالات “الوضع″/ الكتابة أومن بأن الكاتب عموما والشاعر خصوصا يجب ألا ينطوي على ذاته ويكتفي بتجربته الخاصة وإنما عليه أن يتجاوزها إلى ما ومن يحيطون به . هو عنصر من مجموعة ولذا يتحتم عليه أن يحسّّ بالآخر ويعبر عن شواغله سواء أكان الآخر المجتمع أو الوطن أو الإنسانية .
قد أنفعل بحدث ذاتيّ ما فأصوغه من الذات إلى الذات ولكن في خضم مانعيشه من أحداث كثيرا ما يتحول الذاتي إلى عام / وطني أو إنساني .والعكس صحيح وتبقى دائما الصورة التعبيرية الصادقة والفنية هي التي تحقق الانصهار بين الوجدان والفكر وبين الذاتي والعام .
أما إنجازاتي الشعرية ففي الحقيقة كتبت الكثير ولكني لم أنشر إلا ديوانا واحدا بعنوان ” أمواج وشظايا” في شهر أفريل سنة 2015 وما عدا ذلك فهو مشاريع مخطوطة في انتظار الولادة نظرا لكساد سوق التوزيع ..فالنشر مؤجل.
*هل من تطور وتجديد وتجديد في تقنيات الكتابة خصوصا مع وسائل النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي ؟
ـــ الكتابة عموما تواجه تحديات متعدّدة أهمها التوفيق بين الأصالة والانفتاح بين الائتلاف والاختلاف. فتقنيات الكتابة لها دعائمها التي وضعت منذ القديم ولكن التقدم التكنولوجي أوجد تقنيات حديثة يجد الكاتب نفسه أمامها فارسا يجب أن يركب ولكنه يحتاج إلى الآليات ومادام التطور سمة الحياة فإن الكاتب عليه أن يتأقلم مع الجديد دون أن يفرّط في الجذور لأن الأصالة لاتلغي القديم ولاتغلق الأبواب أمام الانفتاح والتجديد.
والتجديد في الكتابة يتمثل في الصياغة والتحرير وطرح الأبعاد الفكرية بأساليب قادرة على أن تلامس المتلقي على اختلاف المستويات والأذواق لذلك نجد ولادة القصة القصيرة جدا والقصة الومضة أو القصيدة الومضة والهايكو والتانكا والشعر السردي والنص المفتوح وغيرها من التقنيات التي أفسحت لها مواقع التواصل المجال سواء أكان ذلك عن طريق المسابقات أو النشر في المواقع الإلكترونية بل ذهب بعضها الى تعليم أسرار الكتابة والتقنيات الحديثة .
*ماهي الهموم المقلقة في الإنتاج الإبداعي للكاتبات التونسيات اليوم؟ كيف يتم التعبير عنها ؟هل من خوف وخطوط حمراء يجب عدم تجاوزها وهل تصوير الجسد الأنثوي بشكل حسي من ضمنها؟
لا فرق عندي بين مبدع ومبدعة إلا تاء التأنيث ..وبالتالي فالهموم التي تشغل الانسان واحدة ..ولا فرق عندي بين قلم تونسي وغيره من الأقلام العربية “فكلنا في الهم شرق” كلنا نعيش الحروب ويهددنا الإرهاب ونسعى وراء لقمة العيش والكرامة ونتمسك بالأوطان وإن غبنا عنها ..كلنا إنسان يحب ويخيب ويأمل ويتألم ورغم تكرر الخيبات والكبوات يعود ليقف من جديد ..هذه هي الهموم التي يجب أن تشغل المبدع ويتناولها القلم أما بالنسبة لجسد المرأة فأنا شخصيا أراه حرمة / تابو وهنا الخطوط الحمراء يجب أن تكون عريضة لأن جسد الرجل أو المرأة ملكية خاصة ولها حرمتها التي يجب عدم تخطيها فالخصوصية أراها مقدسة وليست موضوعا يتفنن الرسامون في تصويره حسيا للإثارة الغرائز ونيل بعض التصفيق.
*كثيرات تأتي شهرتهن بعد نيل جائزة أو تكريم والبعض يرى خللا في معايير الجوائز والتكريمات .. ما رأيك في ذلك؟
ـــ التكريم والجوائز نتاج لحراك بشري وكل ابن آدم خطاء ..فيمكن أن تقع بعض الهفوات البشرية فتسند الجائزة أو التكريم لغير أهله لكن هذا لايعتبر قاعدة عامة .فبحكم تجربتي في التحكيم تتبع لجنة التحكيم – أعني التي أنتسب إليها – قوانين صارمة ونسعى جميعا ألا يحظى أحد بالتكريم أو الجائزة إلا إذا كان أهلا لها ومع ذلك فإن بعض الذين لايفوزون يتذمرون بل يصل بهم الأمر إلى الطعن في موضوعية اللجنة ونزاهتها لأن نصه الرديء لم يتوج ..أما إذا عرفت إحداهن واشتهرت بعد نيْلها لجائزة أو تكريم فهذا أمر طبيعي فكل إنسان عندما يكون مقصى أو مغمورا وقدم عملا جديرا بالإشادة يمكنه أن يشتهر إلا إذا كان التكريم نتيجة مجاملة أو محاباة فهذا موجود ولكنه لايشكّل قاعدة لحسن الحظ.
*هل يعاني المشهد الشعري من تراجع في تونس ؟
ــ بالعكس ..المشهد الشعري في تونس وخاصة في السنوات الأخيرة ازدهر كثيرا وانتشر أكثر وولدت أسماء كثيرة كانت في عالم النسيان أو الانتظار أو الإقصاء .فأنا مثلا وبعض الأصدقاء شعراء وشواعر كنا نكتب في الظل ولكننا وجدنا أرضية معبدة للخروج من الصمت والمساهمة في الحياة الثقافية وإن لم أكن كثيرة المساهمات في الأصبوحات أو الأمسيات الشعرية فهذا لايعني غيري لا يفعل بل فأخبار النشاطات الثقافية سواء من خلال الصفحات الثقافية أو مواقع التواصل زاخرة وتبشر بكل خير .لذا فالمشهد الثقافي عموما والشعري على وجه التحديد بتونس بألف خير.
*توجد شكاوى مبدعين ومبدعات بقلة الدعم الرسمي لهم .ماهو رأيك في المشكلة ؟ وما الحلول؟
ـــ لقد وضعت المجسّة على موضع الداء ..الدعم ..كم نحن في حاجة إليه أدبيا وماديا / خاصا ورسميا.
الجهات الرسمية / وزارة الثقافة تحديدا في كل البلدان العربية تشكو من ضعف الميزانية المخصصة للثقافة وبالتالي تجد المبرر لعدم الدعم والمثقف يكتب وينشر غالبا على حسابه الخاص وعندما يتقدم إلى المعنيين بالأمر لا يجد من يدعم إبداعه بل يعامل أحيانا على أنه بائع متجول يعرض بضاعة قابلة للمنافسة/ على مستوى الشكل لا الجوهر. فالمبدع رجلا كان أو امرأة لايجد الدعم الكافي أو مطلقا بل الغريب وهذا اعتمادا على تجربتي الخاصة قال لي أحد المسؤولين نحن لا ندعم وانما نشتري ونختار الأجمل شكلا وشبه لي المسألة بالماء في كوب ” كريستال” وكوب “عادي” أيهما يختار الشاري ؟ بهذا تأكدت أن ما يشترى هو الشكل الخارجي للكتاب لا المضمون والجوهر.
يعيش المبدع حالة الإحباط والقهر فيمكن أن تحدث لديه ردّة فعل عكسية فلا يكتب أو يكتب ويركن في أدراجه فلمن ينشر. ومن سيشتري إذا تحولت المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي من الراعي والداعم الى المشتري الذي يبحث عن” اللوكس″/ الجودة والبذخ الشكلييْن؟
أما الحلول فلا أريد أن أكون يائسة أو متشائمة من الوضع بل للأمانة فهي قليلة وبعيدة المدى .أولها وأهمها أن تعيد الجهات الرسمية النظر في سياستها وتغير مفهوم التعامل مع المبدع وتكون الراعية والداعمة وهذا صعب وليس مستحيلا كما أن رجال الأعمال والأثرياء عموما في إمكانهم أن يستثمروا في الثقافة ولا يقتصروا على الربح المادي فان بلداننا العربية في حاجة إلى نشر المعرفة والكتاب هو المصدر الأول والدائم للثقافة ولا خير في أمة تقصي الكاتب وتقتل الرغبة في الإبداع ونحن على الأساس أمة “اقرأ”.
*هل للشعر حظوة وجمهور اليوم؟
ــ للشعر جمهوره منذ القديم وحتى اليوم كتابة وتذوقا ونقدا.
ولعل الأصبوحات والأمسيات الشعرية والتظاهرات الموسمية في مختلف أنحاء البلاد –تونس أو غيرهاء أصدق دليل على أن الذين يؤمونها ويترددون عليها باستمرار يجد الشعر في نفوسهم موقعا وحظوة .
يلتف المتذوقون للشعر والنقاد حول الشعراء في مثل هذه المناسبات بأعداد غفيرة لأنهم يعشقون الكلمة البليغة التي تعبر عما يتحرك في سواكنهم ولأنهم آمنوا بأن الشعر فن من الفنون الجميلة لاغنى للإنسان المتحضر عنه شأنه شأن الرسم والموسيقى والمسرح وغيرها من الفنون. مازال الشعر يحظى بالإكبار والعناية رغم التحديات التي يواجهها كالتوجهات العلمية أو وسائل التكنولوجية الحديثة التي تأخذ من الانسان المعاصر غالب وقته وتحرمه من المتعة الفنية.
*تتجهين نحو الترجمة الأدبية فماهي منهجيتك بالضبط؟
ـــ الترجمة عندي هواية وليست توجها يحدد خطاي. أنا قارئة جيدة ولي حس فني أو سمه حدسا يدلني على النص الأدبي الجميل الذي أتفاعل معه بالترجمة أو بالنقد والتحليل . وكما تعرف فإن للترجمة قواعدها وأسسها وشروطها فأحاول قدر المستطاع ألا أخرج عنها. ومن أهمها الأمانة في التعامل مع النص المنقول الى لغة ثانية أو ثالثة وذلك بمراعاة خصوصيات اللغة الأصلية للنص. كما أني أسعى إلى الحفاظ قدر الإمكان على نسق النص مبنى ومعنى لأن الكاتب أراد ذلك وهذا لايمنع من التصرف ما لم يضر ذلك بالنص المنقول. فالترجمة بالنسبة إلي هي الخروج بالنص من الانغلاق على لغة واحدة وجنسية معينة إلى الانفتاح على لغات أخرى وجنسيات أخرى فمن حق العربي أن يبلغ صوته إلى أوروبا عن طريق إحدى لغاتها وكذلك غير العربي فسيكون مفيدا ومستفيدا إذا نقل إلى اللغة العربية.
*هل للثقافة العربية مستقبل؟
ــ لا مستقبل للشعوب بلا ثقافة ولاثقافة بلا مستقبل والثقافة العربية كي لاتموت وتنقرض كبعض الثقافات والحضارات القديمة يجب أن تكون كائنا حيا يعيش ويتنفس وذلك بمواكبة التجدد والتطور وهما سنة الحياة.
يجب علينا كمجتمعات عربية أن نعي خطورة التحديات التي تواجه ثقافتنا فلا ننبهر بالغرب ونتخلى عن هويتنا لأن الثقافة هي الهوية في نظري.
الحفاظ على الموروث الحضاري لايقصد به الانغلاق والانفتاح على الرافد الجديد لايعني الانصهار والذوبان. فثقافتنا العربية تشق طريقها بتؤدة نحو كسر الحواجز وتخطي الحدود الى العالمية ولكنها في حاجة الى وعي أبنائها والاعتزاز بها كي تكون خصوصياتها محمية.
المسار الطبيعي للحياة ماض يسلمنا إلى حاضر وحاضر نرسم من خلاله المستقبل ولن تبقى الثقافة العربية إن لم تتبع هذا المسار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق