الخميس، 26 مايو 2016

مؤامرة الحوافر البيضاء / قصة قصيرة / للاديب صالح هشام / الرباط المغرب

مؤامرة الحوافر البراقة ~قصة قصيرة 
بقلم الاستاذ : صالح هشام / المغرب 
فضلة كبيرة سائلة ملونة يلفظها ، تسقط مباشرة فوق ورقة في كتابي المفتوح ، كفضلة تلفظها جملة مفيدة ،تقتلعني من عمق الرواية وتهدم بناءها فوق رأسي · تلبسني لباس الواقع المبطن بالهذيان ، رفعت رأسي إلى أعلى باحثا عن مصدر هذه الفضلة الكبيرة .. على بعد أمتارقليلة رسم بعنقه سينا لاتينية جميلة مصقولة الحواشي · ومدد و مطط جناحيه وبالغ في التمطيط حتى كادت عضلاته تتمزق ، جمعهما ،وسوى ريشه بهدوء ونفشه كالطاووس ،وحملق في بعينين كبيرتين سوداوين · تأبط رأسه و (ليس شرا )، فذكرني بحكاية الثعلب واللقلاق هذا البليد ، الذي قدم النصيحة لغيره وبخل بها على نفسه · يتلصص علي بنظرات لا تخلو من ريبة وشك وحيرة، ربما يمازحني،ربما يريد أن يلاعبني لعبة (الغميضة) · يرفع رجله اليمنى إلى صدره يدسها في مكان ما تحت الريش ، فتختفي تماما· يستعمل فقط واحدة ،تشد على غصن الشجرة شدا خوفا من الجادبية · 
في تحد سافر يقفز من غصن إلى غصن إلى الجذع ، يصبح فويق رأسي مباشرة على بعد أقل من مترين. أحسه ينتزع مني ثقتي. يطمح في أن يحظى بصداقتي وحبي ،أصبح كله أكثر وضوحا أمام عيني ،تأملته ، أمعنت فيه النظر ، كانت بعض أوساخ مطرح النفايات لا زالت عالقة بمنقاره وتكاد تسد منه العين وتحجب عنه الرؤية ، أظافره مخضبة بالبراز كما لوبالحناء ، لم يكن تخلص بعد من شوائب يوم من التنقيب والبحث في المزابل · شعرت بالتقزز والقرف يجبر معدتي على أن تلفظ ما ادخرته من طعام · مسحت ورقة الكتاب بورقة توت صفراء ميتة كانت تتلاعب بها النسيمات التي تدغدغ أشجار الحديقة ·تظاهرت بعدم الاهتمام وغصت من جديد في أحداث الرواية ،تقدفني شخصياتها من مغامرة إلى أخرى ومن زمان إلى مكان ومن مكان إلى زمان · أحاول قدر ما أستطيع أن ألملم انتباهي الذي شتته تلك الفضلة . أريد أن أتفاعل مع حبكة القصة، أريد إعادة بنائها من جديد . بعد هنيهة قصيرة يعالجني بفضلة أكبر وأكثر لزوجة من الاولى هذه المرة ،تعوم فيها الصفحة بأكملها ، يتسرب البلل. يتوغل في أعماق السطور ،أراها تمحا أمامي: حرفا حرفا ،كلمة كلمة ، إلى ان زالت تماما واختفت الكتابة نهائيا · يضيع مني رأس الخيط ، تختلط علي الأحداث ، أفقد تركيزي ، وأشعر بنوع من الإمتعاض والضيق ، أضع دفة على دفة أجمع الدفتين معا ثم أرمي الكتاب ،فوق ذلك الكرسي الذي كنت احتله لوحدي خوفا من المضايقات . لم أكن أتوقع أنها ستأتيني من السماء ،من فوق رأسي ،من ذلك الغصين المستلقي جهة الأرض على مقربة مني ، أرفع رأسي من جديد : أصبح أكثر قربا مني ، وعيناه الكبيرتان لاتفارقاني ، و من حين لآخر ينشغل بتنظيف خافيته بدقة وعناية فيذكرني بأسحم عنترة العبسي في بيته : فيها اثنتان وأربعون حلوبة ~~~سودا كخافية الغراب الأسحم 
يزيل ما علق به من قادورات خلال جولته اليومية في مطرح النفايات بحثا عن دودة كبيرة ، أو سحلية أو شيء ذي قيمة ،أمعنت فيه النظر كدت أخترق جسمه الصغير ، لكنه كان أكثر إصرارا على أن يتحداني ، فقلت له : - ياهذا إذا كنت تعتقد أنك العنقاء فإنك ستخسر الرهان لأنها خسرته،أ تربحه وأنت تغوص في أوساخ مطرح النفايات حتى الأذنين !؟، هي في عنقها بياض كالطوق ،. أماأنت فكلك أبيض لا طوق يطوق عنقك ،حتى بياضك فقد بريقه ، مسخ لونك !! أفسدت علي خلوتي ، ولطخت روايتي :جعلتني أشك في حقيقة أمرك فأعتقدك فعلا طائر العنقاء جاثما فويق رأسي ، لكني أتمالك نفسي وأقول في قرارتها : - العنقاء ضاعت روايتها مع تفشي المنطق العلمي بين الناس وأصبحت من ماضي الخرافات، كما ضيعت علي أحداث روايتي بمقدوفات معدتك النتنة ، وحتى لو كنت كذلك فما موقعك من هؤلاء ربما إلا أ حد الثلاثة :
أيقنت أن المستحيل ثلاثة ~~~~الغول والعنقاء والخل الوفي ·
فمن أنت من هؤلاء الثلاثة ،؟! لا هذا، ولا تلك ،ولا ذاك !! أنت فقط نغاف متسخ يقتات على القاذورات !! 
لكن رغم هذه الحقيقة تتوهم نفسك : تحترق وتنبعث من تحت الرماد ؟!
أحسست به يشعر بشيء من القلق ،بدأ يبتعد عني شيئا فشيئا ، حتى أصبح قاب قوسين أو أدنى من قمة الشجرة ، وأنا أشيعه وهو يبتعد ، ابتلعته كثافة الأوراق ،فرقع جناحيه بقوة و أقلع بسرعة كطائرة نفاثة واختفى عن الأنظار .تساءلت ما سبب هروبه بهذه الطريقة ؟! هل ضايقته ؟! لم أجد لهروبه المفاجئ تفسيرا !!
سيل من الأحدية البراقة، مختلفة الأشكال والألوان ، تجتاح الحديقة ،تملأها بفرقعتها المتعمدة في أغلب الأحيان كحوافر الحمير : (برتوكول الأحدية البراقة) · تتحرك هنا وهناك ، وفي جميع الاتجاهات تم تتوقف من حين لآخركانت تساير الحداء الأبيض في هواه ،مؤامرة ما تدبرها هذه الأحدية في الخفاء ،وكان الحداء الأبيض تحفه الأحدية بمختلف مقاساتها من كل جهة ، تتحرك حيثما يتحرك ،بعد فترة خفت فرقعة الأحدية ثم تلاشت تماما ، إلا أن عشرات محركات السيارات بدأ هديرها يزعج رواد تلك الحديقة الهادئة ،وسرعان ما اضمحل الضجيج بدوره ، وعادت لترفل في السكون والهدوء ، لكن صديقي النغاف لم يعد ! ابتلعه العدم !
عدت كعادتي إلى الحديقة ، لكن مفاجأتي كانت صادمة ،فقد كانت كل الأشجار قد اجثت عن آخرها ، وكتبت لا فتة بخط عريض ، وبالوان زاهية وعلقت على المدخل الرئيس للحديقة : ( هام : احترسوا من فضلات النغاف ) قبل أن أكمل قراءة اللافتة هرولت إلى الشجرة التي عرفتني على صديقي النغاف ، فوجئت بها أيضا مقطوعة من أصلها ،وتحت ما تبقى من جذعها جسيم نغاف تتلاعب النسيمات بريشه كقبرة صرعها الصقيع ، تفحصته :كان هو نفسه صديقي : خشبة باردة هامدة ، اعتصرت الفراغ في قبضتي وصحت كالمجنون : تآمرت عليك حوافر الحمير ياولدي !! اغتالك الحافر الأبيض يا ولدي !! 
بقلم الاستاذ ~صالح هشام /:المغرب
الاثنين 11/ماي/2015 ~

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق