الثلاثاء، 24 مايو 2016

الغرباء / قصة قصيرة للاستاذ هادي المياح / العراق

الغرباء
يتوسط أفراد أسرته، في داخل بيته، يستمع لقصصهم ويضحك لمرحهم..يحتّل المنزل موقعاً يواجه ارض تمتد عبر الصحراء، وعلى مسافة ليست بعيدة منه، تحيط به سلسلة تلال رملية طويلة. كان المنزل في فوهة الخطر، خطر البيئه وخطر اللصوص.
عند فترة منتصف الليل، وحينما يوشك نور القمرِ أنْ يخفت، ويطبق الظلام في الخارج، تنقضي كلّ الحكايات المسلية، ويذهب الجميع الى أسرّتهم ، فيما يبقى هو مستلقياً على سريره، مشغولاً يفكّر كعادته، في مستقبل أسرته المجهول. وعندما يتعبه التفكير، دون ان يتوصل لشيئ، ينام .
ينهض على صوت إطلاقات من جهة التلال، ونباح متواصل لكلاب سائبة. يندفع باتجاه النافذة، يطل منها بحذر. يواجهه الظلام، يبحث عن مصدر إطلاق النار. ويركز نظره بإتجاه التلال الرملية، تبدو التلال ذات أشكال آدمية، مرة يراها ثابته واُخرى تتحرك، يلمح من بعيد أشخاص مثل أشباح تتقافز. محملة باشياء لم يستطع تمييزها.ولولا سماعه صوت الاطلاقات لداخله الشك فيما رأته عيناه، فكر:
إذن، ها قد جاء اللصوص !
يخبأ نفسه تحت النافذة..يمد بصره نحو السرير، يتفقد بندقية آلية يضعها تحته كسلاح طوارئ، يحاول الوصول اليها.. يسمع صوت إطلاق نار من جديد.. وضجة مع صوت وطئ اقدام وهروب جماعي للكلاب.. يمسك بندقيته، يضع إصبعه على الزناد..ثم يعاود النظر الى الخارج..يرى في السماء شريطاً من الدخان والتراب. يحاول ان يتابع..لاشيئ. يبتعد عن النافذة.. يقرر الخروج من الباب الخلفي، ينسّل خفية اليه. 
الشارع بعد انتصاف الليل، فارغاً، ويكاد لا يرى سلاحه الشخصي الذي يحمله بيده، بسبب الظلام. فكر ان يهتدي الى ركن مخفي..حتى لا يفاجأ بظهورهم خلفه او أمامه ، ماذا سيفعل إن ظهروا له آنذاك ؟ 
في النهاية البعيدة من الشارع يبرق ضوء متقطع، ويتوقف. يحبس انفاسه، يحمل سلاحه بوضع الرمي..الرمي من الجلوس والاستناد بإحدى يديه فوق الركبة..يجعل فوهة السلاح باتجاه موازي للأرض. يحدق، يصيخ السمع، تلاحقه عدة ذبابات مشاكسة، لا يستطيع طردها . 
يظهر أمامه فجأة شخص غريب الملامح، مهما بحلق به ليتفحصه، لم يستطع. تقاطيع وجهه غريبة ومعقدة. ثم يظهر ثاني يسير الى جانبه، ويتبعهما ثالث، ورابع ، وهناك على مسافة خمسة أمتار، تظهر ملامح الخامس، ومرتسمات لأشخاص او أنصاف أشخاص كثيرون..كان رأسه محشواً بهذه الصور لفترة طويلة ،مضت من حياته. وما زالت ذاكرته تحتفظ بكل تفاصيلها. لم ينسَ طريقة حمل السلاح وكيفية استخدامه، كما شرحها له معلم جناح الأسلحة،اثناء خدمته في الجيش. كان منتبها لكل التفاصيل الدقيقة، وقد حاز في اول تجربة له على المرتبة الاولى في رمي البندقية ، في ميدان الرمي .
كانت مرتسمات الأشخاص تتكدس في الظلام ،والانصاف الصدرية تبدو له بعيدة بسبب الارتباك. كان اقربها اليه لا يبعد سوى عشرة امتار، أخذ شهيقاً طويلا..ثم قطع انفاسه..بعد ذلك أغمض احدى عينيه ..وضغط على الزناد..فخرجت رصاصته الاولى نحو الهدف .قال له الامر:
احسنت، إصابة دقيقة!
تزايد عدد الأشخاص حتى أمتلأ بهم الشارع. كلهم ذوي لحى كثيفة وشعر طويل.. وتكسوهم ملابس مترهلة، ويرتدون جزمات طويلة..تجمعوا حوله بسرعة كبيرة، فضاقت انفاسه، لانبعاث رائحة غريبة منهم، ولكثرتهم وأحتكاكهم به، شعر كأنه يرتفع عن الارض..استطاع من مكانه ان يرى بوضوح قروناً تبرز من فوق رؤوسهم، على رأس كل واحد منهم قرنان سوداوان كقرني ثور..وراح يعد القرون، يعد ويعد وكأنها لا تنتهي. شعر بالتعب، رأى اخيراً، من بينهم شخصاً عديم القرون..ركز في وجهه،تقرب اليه، ابتسم الاخر بوجهه..فظهرت معالمه واضحة جلية له
" انت ، مالذي جاء بك مع هؤلاء الغرباء؟" 
نادى عليه …ثم تراجع منسحباً بسرعة الى المنزل، وكان هناك من يتبعه، ويستعجل اللحاق به. أسرع هو اكثر، أسرع الذي يتبعه. هرول، هرول الاخر. كانت أقدام الاخر لا تلامس الارض. وانتبه الى نفسه، كانت أقدامه أيضاً لا تلامس الارض!
حين استفاق من اغفاءة قصيرة، عند الفجر. أحسّ بأنه منهكاً. هبط من السرير يتفقد أفراد عائلته..كانوا يغطّون بنوم عميق. عاد فطلّ من النافذة. الصحراء يلفها السكون، وجثث لكلاب على مسافة منه. تساءل مستغرباً :"ماذا يحصل بالضبط؟"
خطا مخترقاً الحديقة، باتجاه الباب. رأى نفس الشخص الذي كان يتعقبه، واقفاً في احد الأركان. وحين اشرف على الممر الخارجي، كان ذوو الرؤوس المقرنة قد احتلوا الحديقة..تسمّر في مكانه مذهولاً..وكانت جميع أسلحتهم مصوبة نحو المنزل، وانكفأ هو على الارض قبل ان يتمكن من الرجوع خطوة الى الوراء..وأحس بلزوجة دمه يسيح من تحت ظهره..وهو يسمع صدى صرخات خرجت للتو من داخل المنزل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق