الاثنين، 23 مايو 2016

هدية البحر / الاستاذ المصطفى بلعوام / المغرب

هدية البحر.. 
/-
للصباح مويجات تتشقق باكرا في عينيه وقوارب صغيرة تتراقص غير ما بعيدة عنه. تمر ريح خفيفة بتحيتها تاركة على وجهه بعض حبيبات رمل طائشة..لا يأبه لها. البخار مازال بريئا لم يصله بعد ذيل الشمس والنوارس مازالت هي الأخرى لم تشلح عنها قشور كوابيس الليل..
للقوارب عرض البحر،
وللمدينة رائحة مستوردة.. 
يمط الطفل شفتيه برفق مشوب ببهجة متوجسة.. يمسح ببصره زرقة البخار الذي يمتد في التصاعد إلى أقصى ما يصل إليه شغب عقله الصغير.. يمنة ويسرة، يستخلص أن الصباح سيكون شحيحا.. البحر لم يرم أي شيء..اعتاد أن يتخلص من النوم باكرا حتى يكون الأول الذي يختار ما يتقيأ ه البحر من هدية.. واعتاد أن يتمنّى..
القوارب الصغيرة ما زالت تزحف...تستهويه باختراقها مويجات منكسرة بينما يظل راْسه يلفظ بأسئلة معلقة. ينتفض كمن وخزته إبرة . وفي التفاته يتحرك من حواليه حفيف بارد. كان صوتها يبلغه وهنا من اللهاث. وبخفة فجة، جرت ذراعه مؤنبة :
- دوختني عليك ! للمرة الألف أحذرك من اقتراب البحر !
ثم رجته قليلا ومتابعة حتى تتأكد من امتصاصه لقلقها :
- أتسمعني ! أتسمعني !
ظل على صمته مكابرا لحلقه الذي يفضحه . وبدلل عنيف رمته في حضنها بعد أن تقرفصت ثم دعت ذقنها يرتاح على راْسه مخافة أن تقع عيناه على دمعتها التي اشتعلت فجأة. كانت ترتجف وهي تضمه إليها بحرارة. وفي انبساط البحر على مدى البصر، مضت شرارة في ذهنها فهمست إلى أذنه متوسلة :
- أعدني حبيبي ألا تعود من الآن فصاعدا إلى هنا!
تطلع إليها واكتنفت وجهه ابتسامة متأسفة . فاختطف منها قبلة وهو يغرس رجليه في الرمل قائلا :
- أعدك أمي !
للغرفة طعم قتامة موحشة والأشياء فيها باردة منهكة. وللمرأة هلالان يكبران يوما عن يوم تحث أسفل عينيها. ينظر إليها الطفل مشدوها ويهم بمساءلتها فيحتجم، غير أنه ما يلبث أن يندفع إليها بصوت مخنوق :
- لماذا تخافين البحر يا أمي ؟
تقرصه من أنفه بتحبب ولكي تصرفه عن سوْاله وتخفي اضطرابها الطاريء تعلق ناهرة:
- ألا تكف عن أسئلتك التي تفوق حجم رأسك !
يدخل سبابته متجولة لبعض الوقت في أنفه قتنهره بشدة.
ولما يبادرها :
- وماذا يوجد وراء البحر ؟
يتناهى إليه صدى إسمه من الخارج ملحاحا ...فيطلق ساقيه لريح البحر..
-----
مصطفى بلعوام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق