السبت، 28 مايو 2016

ومضة / الجنس في النص الادبي / بين الفنية والذاءة / بقلم شاهين دواجي / الجزائر

ــــــــــــ ومضة ـــــــــ
"الجنس" في النّص الأدبي / بين الفنية والبذاءة
- ما دعاني إلى الكتابة في هذا الموضوع مقال قرأته للرائعة الأديبة" فاطمة بولعراس " حيث تحدّثت بصراحتها وحدّتها المعهودتين عن البذاءة التي غزت نصوص بعض المثقفين الشباب والتي اتّخذ بعضهم منها وسيلة للإثارة واستجلاب القراء والنّقاش حول نصوصه وكنت قد وافقتها على طرحها وشكرتها لأنني متيقن أنّ طرحها هذا نابع من غيرتها على الكلمة والحرف .
- ثم ظهر لي بعد هذا أن ردّي على إطلاقه لا يعدو أن يكون تعميما فجّاً يفتقد جانبا من الموضوعية لأن هناك تفصيلاًفي هذا الموضوع .وهو موضوع كلمتي الليلة .
- بادئ ذي بدء أودّ أن أشير إلى أن الفنّ لا يجب أن يحاكمه إلاّ الفنّ هذا هوالمعمول به في بديهيات النقد الأدبي المعاصر وهو – أي هذا التصوّر – يمثل مدرسة قائمةً بذاتها تدعى : مدرسة الفن للفن .
- ثمّ أنّه بعد المدّ الألسني الذي غزا أوروبا في القرن الأخير برزت معايير جديدة لجمالية النص أبرزها مقولة :" تبرير العلامة والسّياق " حيث المؤلّف ملزم بتبرير كل علامة في نصه فلا مجال للإعتباط في علامات النص كما تقول :" جوليا كريستيفا " أي أن كلّ علامة في النص وكلّ سياق لابدّ أن يملك " بطاقة هوية تمكّنه من الإندماج الأمثل في مجتمع النصوص ، ويعضد هذه الفكرة أيضا القول الشهير لـ: بول ريكور: " رعب الإشارات " حين أشار إلى أن العلامات والسّياقات اللّغوية متّهمة دائما لأنّها لاتدلّ - إذا نحت نحو الجمال - على المعنى الحرفي ،وإلاّ كانت علامةً ميّتةً .
- لنعد الى "البذاءة " التي تكلّمت عنها الأستاذة فاطمة بولعراس .
- ولعلّ أهمّ مايوصف في الأدب الشّرقي بالبذاءة هو مصطلح "الجنس " (sexe)وما يدور في فلك هذا المصطلح معجميّاً ودلاليا ( الحميمية- ممارسة الحب .....) حتى أننا نحس التطابق بين البذاءة والجنس في بعض التصورات لأسباب تتعلّق بما علق من رؤى دينية وعرفية وأخلاقية في الذهنية الشرقية لازالت تمارس سطوتها إلى الآن .
قلت : هذا المصطلح (الجنس ) لا يمكننا أن نعتبره سفها وبذاءة في كلّ الأحوال إلا إذا لم يكن "مبررًا" من النّاحية الفنية والتقنية بحيث يأن يستحيل علينا أن نجد له " معادلا موضوعيا " خارج النص بطريق التأويل والإستنطاق النصي ... هذاهو المعيار ولاغيره . ولعلّي هنا أضرب مثالين أحدهما من النثر والآخر من الشعر حتى تتضح الرؤية فإن الكلام النظري لايفي الغرض :
1/- رواية موسم الهجرة نحوالشمال :
هذه الرواية للعبقري الطّيب صالح مليئة بالجنس ومفردات الجنس فالبطل (مصطفى سعيد ) العربي مثلا يمارس الجنس ويذكر ويوحي بتفاصيل الممارسة مع النساء الأوربيات اللّواتي يقتلهن آخر الأمر ... لكن هذا له مبرر فني بحيث أراد الطيب صالح أن يظهر التيه الحضاري الذي وقع فيه بطل روايته بين الأصول الشرقية المحافظة وبين ما اكتسبه من ثقافة وحضارة حين توهم أنه اندمج كليا في المجتمع الغربي فكانت ممارسته للجنس مع الضحايا الأوروبيات نوعا من " المتعة والإنتصار " للتصور الشرقي على التصور الغربي وكأن البطل بلسان الحال يقول : "أنا العربي الاسود الموصوف عندكم بـ: " الهمجية والتّوحش " أستطعت السيطرة على "حسناواتكم " الى أبعد حد بممارسة المتعة عليهن بل في الأخير أزدريهن بقتلهن فاستجلاب غيرهن أمر سهل ؟
إذن فالجنس هنا هوصراع حضاري بين الشرق والغرب لهذا كانت نهاية البطل مأساة ....
2/- قصيدة شتاء ريتا الطويل ل: درويش " والتي كنت قد قدمت لها قراءة منذ مدة قصيرة وسمتها بـ: جدلية الأرض والسّرير .
- هذه القصيدة مليئة أيضا بإيحاءات الجنس لأنها باختصار تروي لقاءً غراميا بين عاشقين ثم يظهر في النهاية أن هذا اللقاء الغرامي كان بين السياسي الفلسطيني من جهة وبين إسرائيل.
يقول درويش واصفا تفاصيل الحميمية بينه وبين ريتا :
*يعلو ويهبط في أشعة صدرها العاري
*فنامي بيني وبينك
ذ
*لا تغطي عَتمَة الذهب العميقة بيننا
*نامي بين القميص الفستقي ومقعد الليمون
*نامي فرساً على رايات ليلة عرسها ...
*هدأ الصهيلُ
*هدأت خلايا النحل في د منا
*فهل كانت هنا ريتا
*وهل كنا معا ؟ 
هنا كما قلت في بحثي أراد درويش أن يصوّر الألتحام الحاصل بين السياسيين من خلال التطبيع الناتج عن " أوسلو " بهذا الألتحام الغريزي بين العاشق وأنثاه . يريد القول أن ماوقع على السرير من " خطيئة هو نظير ماوقع على الأرض حين بيعت دماء الشهداء .
- في هذين النّصين لايمكن أن نعتبر الجنس هنا بذاءة لأن له دلالة فنّية .
- أمّا أنجد في نصّ ما دلالات الجنس من أجل الجنس وفقط فهنا البذاءة عينها وهو مراد الأستاذة بولعراس إذ الهدف من وراء هذا لفت النظر والأثارة وخلق اللّغط بعد أن تيقنوا كساد بضاعتهم ... وقد قرأت هذه الأيام قصة ليس فيها غير الجنس وبحثتها من حيث الدلالة فما وجدت صاحبها إلا مهرطقا طاش سهمه في كل مجال ... فحملت نفسي ورحت الى المؤلف وسألته : مادلالة الجنس في قصتك ؟ أجابني : الجنس ... هي قصة واقعية حدثت لي فرويتها ...؟ يعني أن هذا الذي نسميه روائيا لاهم له سوى استذكار لحظات المتعة التي حصلت له مع فلانة ؟؟؟؟ 
- وقريبا يحضر بعض أشباه النقاد ملتقى لمناقشة هذا العبث مجاملة له فلاحول ولا قوة الا بالله ؟
- خلاصة :
- بقي أن أقول أنّه للكاتب الحق أن يعبر عن أي موضوع أراد وبأيّة لغة أراد المهم أن يوجد المبرر الفني لما يطرحه من رؤى تعتبر (طابوهات) عند البعض ... دون أن يلتفت الى أي من التصورات المسبقة سواءً كانت مادحة أو ذامّة لأننا نؤمن أن الفن ّ لايحاكمه الا الفنّ .
شاهين دواجي / الجزائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق