السبت، 28 مايو 2016

ذات تلجلج في يم الابداع أكتب عنه / قراءة في قصة العاصفة والغربال / بقلم الاستاذة زهرة خصخوصي / تونس

ذات تلجلج في يمّ الإبداع أكتب عنه...
_______________________
********من عُمق الخيانات ينبجس عَبَق القريحة*******
********قراءة في قصّة "العاصفة والغربال" *******
*******للدّكتور حمد حاجي Hamed Hajji*******
*********بقلم الأستاذة زهرة خصخوصي*********
_________________________________
السّند القصصيّ:
______________
العاصفة والغربال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ قصة قصيرة
من آن لآخر ، يمرُّسرب غربان ونسور..
يمرُق بين الجدران الهامدة، كأنما ينبت من أعشابها الطيرُويحلِّقُ..
والسَّماء معصوبة الجبين من وراء الغيوم تدفع سحائب الدخان الكثيف إلى غرب البلاد..
ولم يخطر بالبال ان طائرات تفرُّ أجنحتها اللاَّمعة عادت ترسم خيوطا طويلة قطنية خلفها.. 
للهاربين الحفاة..
لله الوجهة والأمروالبحر ..
من تحت خباء النخيل ، رفع حاجباً كالخوذة المكسورة نحو جبهة السماء.
وسالت تجاعيد رقبته لتحيط بصدره غضبانة آسفة..
كانت عيناه تتوهجان كأنهما جمرتان بلا حرقة .. صرخ : 
-- اليوم إضراب عمال الميناء..
هيه ، نظم المضربون موكباً يتقدمه علم آخر وبه نجمة وهلال..
وقاطعه رفيقه : 
-- المخبرون عيونهم على المدينة، اليوم فقط لن ترتِّق عيونهم ملامحنا.. 
وما كاد يتمتم حتى لاحت في الأفق البعيد سفينة بعرض الموج مندفعةََ، 
تحوم حول بقايا زورق غوص قد أمسك رجالها التسعة عن الصَّمت..
تراجع يخفي عنهم هامته ..
قد غاصت دموع النخيل في وجنتيه وارتد خوصها يشوك جسمه الواهن..
وبإشارةِِ حالمةِِ وقبضة شديدة استوى رفيقه قائما..
وحين خروجهما من المخبإِ، 
قامتْ العاصفة تنصب سلالم الموج كي تطول سماءهما،
وراحت سماؤهما تنزل إلى البحر في لحظة من غاضب أشرِِ. 
وصارعت معهما هؤلاء الرَّهط التسعة ..
تكوَّمت أكداس لا شكل لها من الأجساد، دماء من فوقها دماء ..
وتكوَّرت مزق من اللحم على الصَّواري والأعمدة .
وتدلَّت الحبال المقطعة كالمشانق، وتهاوت الحواجزعلى الأطراف مهشمة..
ولمَّا همَّا واستعدَّا للانتقال إلى السَّفينة التي استوليا عليها..
نعقت غربان، ولامست الطائرات سطح الموج..تنتشل حيَّا رفيقََه المخبر..!
كان جسده المغدور بالقذائف يغرق كما الغربال شيئا فشيئا..
--------------حمد حاجّي----------------
__________________________________
تصدير:
_________
"إنّ الدّارس النّزيه هو ذلك الذي يسعى دوما إلى تخطّي ما دأب العلماء والعامّة معا على اعتباره من قبيل المسلّمات" (ظواهراتيّة الإدراك ص92- موريس مارلوبونتي)
_________
مدخل:
______
إنّ الكتابة عن دفق من دوافق قريحة الكاتب المبدع حمد حاجي Hamed Hajji ضرب من المجازفة، من إهداء غير الخبير بالذّهب قطعة ذهبيّة لصائغ وهو لا يعلم إن كانت من رديئه أو أرفعه قيمة..أنّى لفكر يبحر في يمّ القراءات النّقديّة مثلي أن يقتحم لجج يمّ إبداع ينبثق من قريحة أكاديميّ في النّقد الأدبيّ مثله..؟ هو التّوق- يا صاح- إلى الظّفر بشرف مساءلة فلذة من فلذات تلك القريحة طمعا في فوز ببعض دررها وظفر بوقفة ناقدة من صاحب النّصّ لهذا الجهد ومسار التّجربة الضّئيل..وعسى العلامة المُسندة ما تدنو من التّدنّي..
_______________________
خطوات على حافة النّبع:
________________
أقف على حافة نبع النّصّ "العاصفة والغربال أتأمّل سطحه المتلألئ تحت وهج شمس القريحة الدّافقة به فيسكنني الولع بالغوص فيه ، بالارتماءة في عمقه المتلجلج تحت السّطح الهادئ المغري بافتضاض سكونه والضّرب في أعماقه عساناي أزيل حجب عتمتها عن بصيرتي وأمسي للغوّاصين نظيرا..
أجول حوله، تتدافع خطى فكري تنشُد في سطحه منفذا فأُلفيني أصطدم بمخاتلته وتشظّي الصّور في مرآته العاكسة فأتوه خلف تجميع الشّظايا المتلاشية لعلّي أبنيها من جديد دون تشويهها ، ويعييني اللّهاث خلفها وتُدميني الأسئلة الحارقة..
أكاد أعانق الوهن لولا تشبّث النصّ بأسمال فكري صارخا:" ألا سطحي فكّكي إذ تصفينني ، عساك تنالين مآربك منّي إذ تنصفينني.." فأنكفئ إليه ، أدنو من السّطح أرقبه ، أسائله وأنا أخشى نرسيس الرّاقد فيّ ينتقض آن غفلة فيغرقني ...
______________________
بُرد النّصّ:
__________
يلتحف النصّ المطروق "العاصفة والغربال" ببُرد نتوه خلف سماته. يمتدّ مداه الزّمكانيّ بين حدّ زمان يذروه الماضي والحاضر ممتطيا صهوة الصّيغ الصّرفيّة للأفعال المنبنية عليها القصّة القصيرة فيه(الأفعال المضارعةة13فعلا/ الأفعال الماضية26فعلا)، وبين حدّ مكان يتأرجح بين اليابسة والبحر(الميناء/المخبإ/خباء النّخيل/المدينة/ الموج/البحر/سطح الموج) والأرض والسّماء(السماء معصوبة الجبين/ جبهة السّماء/ العاصفة تنصب سلالم الموج كي تطول سماؤهما/ سماؤهما تنزل إلى البحر )..وتتوارى شخوص الحكاية فيه خلف الغياب إيغالا في الزّئيقيّة واللّاتحديد(هو/رفيقه/هم تسعة رجال)..و موضوع السّرد فيه لئن تعلّق بوجه من وجوه الحرب والخيانة متوكّئا على الحبكة وبنائها السّرديّ الثلاثيّ(بداية وعقدة وصراع ثمّ نهاية ) ليظفر بوسام الإخبار إلّا أنّ اللّغة المعتمدة في القصّ قد جعلت هذا البُرد المُنتَسج به يضمّ في طيّات نسيجه غير مل تُنبئ به تلك الخيوط السّرديّة من أسس . حيث ترفل في الصّور البلاغيّة الرّامية إلى غير ما يبوح به النّسيج الظّاهر من مقاصد ممّا يجعل هذا البُرد القصصيّ مجرّد قناع به تلتحف هذه القصّة القصيرة لتواري به خبيئتها النّفيسة فلا يظفر بها إلّا غوّاص باهر يتغاضى عن المرجان ولها بالدّرر.. 
__________________
دلاء الغوص في النّصّ:
______________
وأنا أحوم حول النّصّ أروم الولوج إلى بنيته العميقة أجدني أصغي إلى صدى تسآل الكاتب يتردّد في جنباته: "كيف السّبيل إلى السّرد دون أطرق الباب الذي مرّت أمامه الجحافل تعمّه في العمى؟..الأقنعة هي الأقنعة والأوراد هي الأوراد .."*
فيهبّ إليه صدى الفكر فيّ صادحا:" عسى خطوي فيك يقتات من دلاء الغوص فيك فيسلم وأظفر بمفاتيح تلك السّبيل التي انتهجتها خروجا عن المألوف إضاءة لدروب جديدة للسّرد وإن طرقت ذات الباب المولج إليه وهو النّصّيّة .."
فلكي يغوص القارئ في البنية العميقة للنّصّ لابدّ له من التّزوّد بدلاء ثلاثة هي التّالية:
أ/ دلو الذّكاء:
_________
وهو القدرة على فهم العلاقات النّاشئة في النّصّ بين العبارات بعضها ببعض والشّخوص بناء وعوالق بعضها ببعض والزّمكانيّة بناء وعلائق بعضها ببعض.. وهذا يستدعي أن يمتلك القارئ القدرة على الخيال والقدرة على التّركيز أثناء الوصف للظّفر بالتّحليل والقدرة على استيعاب المبدإ القائم على أنّ الكاتب لا ينتقي منهج كتابته اعتباطا بل اختيارا ورسما لمقاصد، فقراءة النّصّ نهلا من هذا الدّلو تخرج بالنّصّ من حالة الموت التي يفرضها عليه الظّواهريّون إلى حالة الخلود المتجدّد مع كلّ قراءة، وما الاكتفاء بظاهر النّصّ إلّا طمأنينة، و"إن كان الموت راصدا فالطّمأنينة حمق"**
ب/ دلو الطّاقة:
__________
وهو الحامل القدرةَ على استغلال القارئ الإمكانات الإبداعيّة في النّصّ لاستجلاء بنيته العميقة استجابة للمثير فيه الذي تعمّد الكاتب استدعاءه والارتكاز عليه في نسيج بُرد النّصّ..
ج/ دلو الإحساس:
_____________
ومن هذا الدّلو يستقي القارئ القدرة على الاحساس بانفعالات القصّة ونسق الأحداث فيها، والانسجام مع النّصّ، وإحساس التّجربة الجماليّة أو وجهة النّظر التي يتبنّاها صاحب النّصّ أي الكاتب..
وإن كنت لا أدّعي امتلاك ذي الدّلاء إلّا أنّي سأحاول التّزوّد منها في قراءة هذه القصّة القصيرة البذخة التي نقف ونحن نلج فناءها قبل التّوغّل في متاهة ثناياها على أنّ "أقبية التّجريد مضنية مخيفة خطرة، والواقعيّة المحض انتحرت بين فكّي التّقارير والتّحاليل .."***
_________________________
بما جاد الغوص ينضح إنائي: 
__________________
نقرأ نصّ "العاصفة والغربال" للمبدع حمد حاجي فلا يُفاجئنا الاعتماد اللّافت على البلاغة في نسيج سرديّة النّصّ إذ ألفنا هذا النّهج في ما تدفق به قريحته، كما لا نعجب لعمق بنيته فما عهدناه إلّا موغلا في المخاتلة والتّرميز والإيحاء في قصّه، ولا يدهشنا حضور التّناصّ إذ هو ركيزة من ركائز كتاباته..
لكنّنا ونحن نتدلّى بقراءتنا نحو عمق قصّته القصيرة ذي نقف على انزياح مشارب موضوع القصّة من سرد حكاية من حكايا الخيانة زمن الحرب إلى وجوه عدّة من شموليّة طرح إنسانيّ وجوديّ لتلك المشارب..وقد تمثّلت لي وجوه الانزياح ذاك في دلالات كلّ من العنونة والزّمكانيّة والانتقاء اللّفظي والتّركيبي..
أ/ دلالات العنونة :
___________
اختار الأديب حمد حاجي لنصّه من العناوين الممكنة "العاصفة والغربال"، مركّبا عطفيّا ركناه الإسميّين معرّفين. وبناء على أنّ تعريف الاسم بالألف واللّام يدفعنا إلى البحث في الذّاكرة عنه كي لا نمسي خارج دائرة الفئة المخصوصة بالنّصّ من القرّاء، فإنّي قد ألفيتُني أرى دلالتَي الإسمين كما يلي:
***العاصفة: في تاريخ حروبنا الإنسانيّة قريبة العهد كانت "عاصفة الصّحراء" إسما أُطلق على حرب الخليج الثّانية التي شنّتها أمريكا وأنصارها على العراق مدعومة من بعض الأشقّاء العرب ورفقة الدّرب في النّضال ضدّ استلاب الهويّة وتشظّي الكيان العربيّ ذات صحوة ما أسرع أن وهنت عزائمها..ولعلّ ما دفعني إلى هذا التّأويل استحضار الكاتب للنّخيل في نصّه، هذه البواسق المشيرة إلى عراقنا حين يخرج الحديث من حدود الوطن الأصغر إلى رحاب الوطن الأكبر، حيث نجد الكاتب يقول:"من تحت خباء النّخيل رفع حاجبا كالخوذة المكسورة" و"قد غاصت دموع النّخيل في وجنتيه"، موضعان في القصّة يحضر فيهما النّخيل مأوى وسترا وسكنا ثمّ انتماء وتغلغلا في الوجود روحا وجسدا وبالتّالي وطنا وبعضا من هويّة...
***الغربال: اسم معرفة يحيلنا على تلك الآلة التّقليديّة اذات الثّقوب التي تفصل بين الدّقيق وما اخشوشن من الطّحين، وهو الذي اقترن بالكذب والخداع في مثلنا الشّعبيّ القائل:" يحجبون الشّمس بالغربال..
يقترن الغربال بدلالتيه الوظيفيّة والمثليّة بالعاصفة بدلالتها التّاريخيّة القريبة في مركّب عطفيّ يعنون نصّا موضوعه خيانة زمن الحرب، فتنبجس من هذه المعطيات مجتمعة مقاصد رمى إليها الكاتب تمثّلت حسب قراءتي التّأويليّة في الآتي:
--الخيانة المقدّمة أوطاننا العربيّة قرابين لأمريكا ومن خلفها إسرائيل في تاريخنا المعاصر بدأت رحاها من الحرب على العراق
--حبل الخداع الإعلاميّ والسّياسيّ قصير يكشفه غربال سوء الحبكة ووعي الفكر العربيّ المدنيّ الأعزل..
--المكابدات الرّاهنة غربلة للوجود فما بات دقيقا هشّا لا حجم له سيتساقط من الوجود التّاريخي والإنسانيّ وما صلُب في وجه الرّحى سيظلّ صامدا ثابتا..
--تنخر أوطاننا خيانة الأبناء والإخوة والرّفاق حتى تمسي كالغرابيل لكنّها لا سترتق ثخونها يوما ما دام في الجسد بقايا كيان ما اتّقدت في النّفوس نخوة الانتماء والهويّة وانتشلوه من بدايات الغرق(يغرق كما الغربال شيئا فشيئا)...
ب/ دلالات الزّمكانيّة: 
_______________
كنت قد بيّنت في وصفي لبنية النّصّ السّطحيّة عن تجاذب زمني الماضي والحاضر لزمانيّة الحكاية وتأرجح المكانيّة بين الأرض والسّماء والبرّ والبحر..فكيف تجلّت لي دلالات ذلك؟
***زمانيّا: رغم بروز زمن الحاضر في قصّة الخيانة ذي وما يحيل عليه ممّا نعايشه من واقع دام أليم متهاو قيميّا، إلّا أنّ زمن الماضي قد طغا عليه وهو ما يخرج بموضوع القصّة من حقبة محدودة إلى فضاء أرحب وأشمل لتمتدّ في عمق التّاريخ الإنسانيّ، وكأنّ بأديبنا المبدع يواجهنا بالحقيقة صادحا بأن لا تعجبوا فتاريخنا البشريّ مبثوثة فيه الدّسائس منذ الأزل، فاتحا بوّابات الأمل بتذكيره هذا لنا، فكما نجت أمم البشريّة من قبل وقد كابدت ما نكابد سنحذو حذوها ونظفر بطوق نجاة كما ظفروا..
ب/دلالات المكانيّة:
_____________
امتداد الأمكنة في الحكاية في "العاصفة والغربال" بين الأرض والسّماء وبين البرّ والبحر هو تأرجح الإنسان بين الموجود والمنشود، بين سحيق المكابدة وذرى الرّفرفة في سماوات السموّ والرّفعة والنّجاة، بين صلف الموجود وقسوته وحدوده الجائرة ورحابة المنشود ورقته وروائه، بين العجز والاستكانة والتّسليم والحلم والتّحدّي والتّوق إلى وجه آخر من وجود الحياة..
أرجحة مكانيّة نصّيّا وأرجحة مقصديّة دلاليّا يرسمهما أديبنا المبدع حمد حاجّي بكلّ بذخ ومفارقة للإبداع ناهلا من دفق القريحة وعمق البراعة الأكاديميّة..
ج/دلالات الانتقاء اللّفظي والتّركيبيّ :
______________________
رغم الزّخم المائز للتّوظيف اللّفظيّ والتّركيبيّ في النّصّ هذا إلّا أنّني قد وقفت في قراءتي له عند مفردات وتراكيب مخصوصة ألفيتُها موظّفة مقصديّا أكثر من سواها.وهي التّالية:
**لفظيّا: إلى جانب "العاصفة" و"الغربال" آنفَي الذّكر عمد الكاتب إلى مفردة "غربان" و"سفينة".
--غربان جمع غراب. وهو طائر ارتبط في الذّاكرة الشّعبيّة العربيّة بالتّطيّر منه لسوء دلالاته من بين وشرّ..وفي النّصّ اقترن حضور هذه الغربان بالجدران الهامدة وانكشاف الخيانة وهلاك الثّائر التّوّاق إلى نجاة من محرقة المخبرين ليقدّمه رفيقه إلى ذاك الـأتون بسلاسة ويسر..فيفتحنا هذا الارتباط بدلالة مفردة الغربان على مواراة أخرى ل"سوأة الأخ"، هي مواراة في البحر لا في البرّ، بعد خديعة أخرى كتلك الأولى لكنّ الفرق بينهما أنّ الأولى تمّت بيد الأخ بعد إفصاح عن النّيّة"لأقتلنّك"، بينما تتمّ الأخيرة في النّصّ بأياد أخرى مع إضمار وتغرير..وكأنّ بالكاتب المبدع يدعونا من جديد إلى ألّا نعجب فما طال تطوّر الفكر البشريّ التّكنولوجيا والعلم والأدب والفكر فقط بل تطوّرت معه أساليب الخيانة وطرقها وفنون الرّذيلة ووجوه مواراة السّوآت، ساخرا ناقدا ثائرا في آن..
سفينة: تقدم من عمق البحر، يراها الثّائر الضّاجّ بالحرب وخيانات المخبرين تائقا إلى نجاة الملاذ المنقذ..تذكّرنا بسفينة سيّدنا نوح التي بفضلها نجا المؤمنون الطّيّبون وبدونها هلك الأشرار المفسدون..هي حلم الكثيرين في عصرنا آن وهن وجود، بل لعلّها حلم الكاتب ذات ضيق بالموجود، فكما يقول التّوحيدي:" اعلم أنّ اليقظة التي هي لنا بالحسّ هي النّوم والحلم الذي لنا بالفعل هو اليقظة"، فالكتابة حلم يتجسّد بالفعل القصصيّ ليرسم توقا يقظا إلى منشود مغاير للموجود بل مناقضا له فيه يتحقّق الفكر الأفلاطونيّ الحالم...
**تركيبيّا: تتزاحم في النّصّ التّراكيب الرّامزة ومنها أنتقي ما يلي:
--للّه الوجهة والأمر والبحر: جملة تُسند الفعل قدرا وقضاء وووجودا ملموسا ومنتظرا إلى الله. مصوّرة الفكر السّلبيّ الذي يحصر الوجود البشريّ في تسيير الأقدار له نافيا عنه كلّ سلطة فاعلة، مسلّما بكلّ جور وضيم..وهي بالتّالي جملة مرآة كاشفة ومن التّفكير الرّاهن في الواقع المكابَد والعجز عن محاولة الفعل في الوجود..تصوير ساخر ناقد حانق في آن..
--موكبا يتقدّمه علم آخر ونجمة وهلال: تركيب ورد في الحديث عن موكب إضراب العمّال، دالّا على انعدام هويّة الفعل الاحتجاجيّ، فهو مدبّر من خارج الوطن تخريبا للوطن ذاته، ممتطيا صهوة العروبة(الهلال) والإسلام(النّجمة) غطاء لجوهره الخسيس وخداعا للشّعوب مضلّلا النّفوس والعقول..
هذا التّركيب ينطوي على كشف حقيقة سائدة ونقد واقع أساسه الخداع المتفشّي في شتّى شعاب الوطن والأحداث الوطنيّة..
إنّ هذا النّصّ حكاية تنقل أحداثا وتصف واقعا وتعرّي وجوها توارت خلف الأقنعة، وتنهال على الواقع نقدا ، وتتهاوى إلى القارئ دفقا بالحكم والمواعظ والعبر..
إنّه وهو المطروق بهذه القراءة ، مطروق بين سندان السّرد ومطرقة النّقد والثّورة على السّائد المتهاوي نحو سحيق التّردّي..
____________________________
خطو خارج عتبات النّصّ..
________________
ولجت هذا النّصّ "العاصفة والغربال" يحدوني أمل الظّفر ببعض درره فازددت في متاهة القصّ فيه تيها..رسمت بعض خرائط للعبور عساني أجد لي مخرجا فعلقت كلماتي بين مفرداته وتراكيبه ونصّيّته وما ضمّ عمقه من مقاصد ..
أخالني ذات تلجلج في يمّ الإبداع أكتب عنه، وليس لي إلّا أن أردّد:" هكذا حدّثني النّصّ ذات قراءة... يشكو الزّمن.. يدّعي أنّ البلى من آفات القول أيضا، تماما كالكمال لا يستقيم فيه إلّا لحظة... وزاد أنّ القول جهد لا يقطعه إلّا الموت"****
أغادر رحاب هذا النّصّ المائز جدّا، المفارق حدود البذخ وبي لوعة من تاق إلى انجلاء ليلة القدر في سهر بلا مناجاة ولا عبادة فما ظفر بغير تورّم العينين..
كتبت فأبدعت كما ألفناك دكتور حمد حاجّي وابتدعت الجديد لنزداد استكانة إلى إيمان بأنّ الإبداع والتّجديد نبضان فيك يتلاحقان بلا هوادة..وكما أنشد درويش أردّد:" مازال في الدّرب درب..وما زال في الدّرب متّسع للرّحيل.." فلا نضب دفق قريحتك المرتحلة في ذرى الإبداع ولا عدمت ارتحالا في خمائلها..
-------------------------زهرة خصخوصي / تونس في 27/05/2016
____________________
هوامش:
_______
*فرج الحوار(البحر والموت والجرذ)
**ابن عبد ربّه
***فرج الحوار(البحر والموت والجرذ)
****فرج الحوار(البحر والموت والجرذ)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق