السبت، 16 يوليو 2016

قراءة نقدية للناقدة /// مجيدة السباعي /// خوروس بوروس /// للاستاذ صالح هشام /// المغرب

[قراءة نقدية للناقدة | مجيدة السباعي ]
[خوروس بوروس | للاستاذ صلاح هشام ]
شكر وتقديم : كما عودتنا الأستاذة مجيدة السباعي بتناول النصوص القصصية بذائقة ذوقية نقدية مقتدرة ، تمكنها من سبر أغوار النص ،بعدما تتمكن من الانصهار في بوثقة الشخصيات والأحداث إلى حد التعاطف كما سيرى القاريء من خلال قراءتها لنص ( خوروس ،بوروس قطاع الروس )، هذا النص المتخم بالنصوص الغائبة التي تستوجب المعرفة الدقيقة بدلالات إلإحالات ،والإشارات الاسطورية والتاريخية والدينية ، وغيرها ، ولعل تفكيك الرموز ، واستجلاء الغموض عن تلك النصوص الغائبة ، هو ما يشكل عقبات لا يستهان بها بالنسبة لأي قاريء أو ناقد يقرأ نصا من هذا النوع ،والملاحظ أن الأستاذة مجيدة تمكنت من تفكيك رموز هذا النص ، نسبيا ووفق رؤيتها الخاصة وتبعا لخلفيتها الثقافية ، وهذا راجع لكون كل نص إبداعي كيفما كان نوعه يكون منفتحا على تعدد القراءات قابل للاختلاف والتنوع ،وحتى لا أطيل على القاريء الكريم ، أشكر الأستاذة مجيدة جزيل الشكر على ما بدلته من مجهودات لتفكيك مستغلقات هذا النص الذي لا يخلو من صعوبات رمزية ، ومزيدا من التألق استاذة مجيدة !!
تقديم : بقلم صالح هشام 
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
القراءة النقدية 
إذا ما كانت القصة القصيرة تستدعيك، و تلح على قراءتك النقدية لها، فذاك يعني أنها جد مؤثرة / معبرة/ مصورة و آسرة/ لمتلقيها القارئ، و إنك حقا استمتعت بواقعية و عمق أسرار مضمونها، و حسن آليات شكلها و لغتها، فتتولد لديك رغبة أكيدة لاستكناه أغوار دلالاتها، و سبر طيات رموزها الدفينة، و تكون متعطشا لاستكشاف هذا المنتوج الفكري، الإنساني الراقي.
و يتعلق الأمر هنا بنص للقصة القصيرة، معنون بخوروس بوروس، للكاتب صالح هشام، نص سردي بطله الرئيسي مجنون: ( خوروس ) من فن القصة القصيرة الواقعية، يسطر الكاتب من خلالها تفاصيل آلام رجل متشرد، معتوه، مهمش، يئن شجنا و رفضا من المجتمع، و قذفا، و عزلة قاتلة.
و لجهل عات في العقول فسادا إذ لم يكتف الآباء الراشدون و المسؤولون، بما هو غارق فيه من معاناة لا متناهية، بل زادوا الطين بلة و لقبوه بما يشهر عنفه، و دمويته، فصنعوا منه شخصية الغول المفزع لأطفالهم الصغار، و بذلك جحضوا حقه كإنسان في العيش الكريم، و ظلموا معهم صغارهم الأبرياء، بأن لقنوهم طريقة تربوية معوجة، بأفكار مغلوطة تستند على التخويف، و الإفزاع، شعارها : القتل، و إراقة الدماء، بل و قطع الرؤوس، فلا غرو أن هذا من فعل تأثير رواسب الجهل، و سيطرة العادة، فالجهل ظلام ذباح، معتم .
ولكي أحقق بغيتي و أنجز هذه القراءة بتفحص، و أنا التي أجد كل ما يفتح شهيتي لذلك، لابد من استغوار كنه النص، و الوقوف على جماليات لغته، و سبر أغوار بواطنه الموغلة في العمق، بدراسة الرموز، و الدلالات، فالكاتب نمق سرده هذا بجودة حكائيه، تزاوج بين التميز اللغوي، و واقعية المضمون، و عمق الدلالة.
سأدخل مباشرة من العتبة العجيبة، التي تفتح الباب على مصراعيه و تجعل المرور يسيرا إلى سرداب هذه القراءة، إنه العنوان، منار في شط بحر قراءة القارئ، و طعم متمكن جاذب له، يسقطه في شباك حباله، يحبب له القراءة، فيأسر اهتمامه كليا !
[العنوان ]يعد المحدد الأول لمصير قراءة أي نص ، إذ يذيب لذى المتلقي كل رغبة في غيرها. فيساعد على اقتحامه ، و تشريح أجزائه، و كأني الآن أسمع صرير باب النص يفتح، و أنا أقرع باب العنوان جاء مكونا من كلمتين (خوروس بوروس) ، الأولى تختلف عن الثانية في جزئها الأول فقط، و كلاهما باللهجة العامية، و خوروس بمعنى أخ للرؤوس، و بوروس بمعناه الدلالي الرمزي سفاح، مخيف، قاطع للرؤوس البشرية، يختار ضحاياه من الصغار لضعفهم، و قلة حيلتهم، و فتوتهم، إذ يعشق إسكات ضجيجهم، و مرحهم، و مجرد سماع لقبه يبث في ذهن المتلقي الاستغراب، و يولد لديه رغبة أكيدة في قراءة هذه القصة، المشوقة بعنوانها، لأنه هو الدال عليها و ملخص لها، و داع إلى قراءتها حال جودة انتقائه، لبثه الفضول و التشويق لمعرفة الأحداث.
و بوروس وظفت كرمز لشخصية غامضة، مصابة بمرض الدهان، مهمشة، لا يكف صاحبها عن التسكع في الطرقات، و يستجدي الأمن، بعيدا عن أدى الصبيان، هنا يبرز جليا مدى احتدام الصراع الداخلي، و توالي أزمات النفس المعذبة للشخصية الرئيسية، إذ تعاني أمر الأوضاع الاجتماعية و النفسية، و تفتقد لأبسط حقوق الإنسان، و العيش الكريم، أما الصبيان الصغار فلهم عالمهم الداخلي الخاص، يعانون بدورهم أزمات خوف، و تراجع، و أوهام، و هواجس، هي علاقات لا تسودها الألفة، و لا الانسجام.
و خوروس يعرب خبرا لمبتدأ محذوف تقديره هو، و الخبر جاء مفردا، و نفس الشيء لبوروس الشخصية الغامضة المنبوذة من كل أفراد المجتمع، صغارا و كبارا. فإلى أي حد يا ترى يعكس العنوان رموز المضمون، و بلاغة اللغة، و واقعية الأحداث، في هذا النص القصصي؟ !
[الزمان و المكان ]
الزمان و المكان فضاءان مهمان جدا في سرد القصة القصيرة، بهما تتوزع الأمكنة، و تجري الأحداث، و تتحرك على أرضيتهما كل الشخصيات، فالكاتب هو نفسه السارد، كان عند تحقيق الأحداث الواقعية طفلا صغيرا، و يتمثل في ذهنه ضواحي مددينته ، حيث كان يعيش البطل خوروس بوروس مهمشا، و يحفظ كل جزء من زقاق أزقتها حيث كان يقطن.
و زمان النص يعد كتوأم للمكان، وإن كنا ندركه بالعقل و نلمس آثاره، و حدثت هذه الوقائع بالضبط في سنوات في أواخر السبعينات من القرن الماضي، و تعمد الكاتب استعمال أفعال مصرفة في الزمن المضارع، رامزا بذلك أن المأساة مازالت مستمرة حتى الآن، و بوروس سيتكرر في كل عصر، و زمان، و هذا الحكي صور مجتمعا مثقلا بالخيبات و الهموم.
و هناك إشارات للزمان واضحة (ذات زمان عاصف) (ذات راعدة مبرقة) و السارد هنا يوظف تقنية استرجاع ما حدث.الزمان و المكان جد منسجمان في القصة، خدما بقوة الحكي و المعاني و الدلالة، هي رحلة عناء في بيداء سنين بوروس.
أهنئ الكاتب الأديب لتمكنه من إهداء قصة قصيرة، تضمنت كل آليات القص المتين من حيث الأسلوب، المضمون، الصياغة، و الفكرة، و جعل لكل ذلك سمات الإبداع، فذكرنا جدا بأجواء نجيب محفوظ، و حمل هموم الشعب، و عذابات المستضعفين. 
[دراسة الشخصيات:]
يبدو جليا أن الشخصيات ساهمت في حركية، و نماء الاحداث، فعملت على تطويرها، و نسج مواقفها حتى النهاية، عن طريق الافعال و التحركات . هناك بطل رئيسي هو بوروس، و أبطال ثانويون هم الأطفال الأبرياء. 
[ البطل الرئيس ]
هو بوروس الماثل في الصورة تحت النص، إنه الشخصية الحقيقية بملابسه، و عمامته اللولبية، و عصاه بدون مقبض، أو نصل، و تاريخ أخد الصورة مسجل عليها. 
( ينتشي بالنسر، ينهش كبده) أول جملة بالنص، و يبدو معناها غريبا، سيتعجب القارئ منها كذلك لكن يتدارك، و يذكر أن النسر لا يرتاد الا القمم و يستخف بالسفوح، و هو فتاك جارح، لذا وظف رمزا و دلالة لدمويته، و كونه من الطيور الجوارح، و هذا ايحاء لصفة البطل لقطع الرؤوس، و الفتك بها. و في الواقع هذا استدعاء من الكاتب لامتطاء مركبة الاسطورة، و يعد توظيفها في غاية الاهمية و الدلالة الرمزية، اذ باستحضارها يستحضر التاريخ بنكهة الحكاية الشعبية، فيعكس بذلك معتقدات الشعوب و تقاليدهم، و هذا ما يؤكده تعبير "كلود ليفي ستروس" ( كل اسطورة تروي تاريخا). 
و لا يخفى البتة جانب الأسطورة الفني و الجمالي، فهي خطاب أدبي و فكري، و رمز مضيء رائد لا يحيد عن لونه التاريخي، يهدي للكاتب فضاء أرحب و أثرى لأفق متخيله، مستندا في ذلك الرمز و الإيحاء، لذا فكل مجتمع إذا ما غرق في مستنقع الجهل إلا و رزح في وحل الشعوذة، و العكس !
صحيح إذا ما تعلق بالمعارف و المنحى العقلي فسيتحرر و يرتقي، و لعل توظيف الأسطورة في المنتوج الفني القصصي تعطش كبير، و توق حقيقي للبطولة الحقيقية و التاريخي الزاهي المنحى عن كل ظلم، و تعد. فعبر التاريخ كانت الأسطورة الملاذ الأول المساعد على تذويب كل المآسي، و تجاوز كل أزمات الإنسان المقهور، المفجوع في تطلعاته و طموحاته، و كأنها بديل يساهم في تحقيق توازن نفسي، و تصالح حقيقي مع المجتمع و البيئة. فإذا كان الواقع مرا علقما فبالحلم يتم تخطي الغصة و المرارة، فتنقشع كل الدياجير، لأن الحلم قادر أن يجلو صدأ القلوب، و النسر هنا هو النسر الإلهي الذي كلف بنهش كبد بروميتيوس الطيب، وظف في النص السردي هذا للدلالة على البؤس و الفاقة، و العته، و التشرد، و غياب كل حق من حقوق الإنسان، و كان الكبد يتجدد كل ما نهشت، فينهشه من جديد ليستمر العذاب و هذه إشارة لعذاب خوروس الدائم المستمر، و الأسطورة تثير أيضا لدى القارئ إحساسا بالمتعة و الجمال، و الشموخ، لإبعاد واقع طافح بالجهل و المعاناة، و تدفع إلى تحريك الطاقة التخيلية.
- (يحلق الالاهي في الفراغ يعانق خواء الخواء) : الكاتب يمزج بين الإلهي الأسطورة، و شخصية بوروس، الذي يغرق في فراغ قاتل، و خواء مدمن، مما يؤكد عذاباته التي لا تنتهي، و لا تتوقف، وحيدا يجتر الألم، و يلوك الأنين، و الرفض من العالم الخارجي و أصحابه القساة.
- (يتجدد كبده) : معاناة مرضه العقلي آفة تنال منه، فيحتد وضعه الصحي كل يوم، و يعيش منبوذا من المجتمع، بل يعد رمزا للهول فهو قاطع الرؤوس .
- ( يهيم على وجهه ) : يغير مكانه ناشدا الأمان، و السقف، والحنان و السلوان، لعله يتقي غضب الطبيعة من البرد و العاصفة، و حقد الإنسان، و قسوة قلبه المتحجر. لا مأوى يدفئ جسده، و ينسيه مرضه، و ابتلاءه، و قسوة بني جلدته، فيتجول دون هدف، دون سند، أو رحيم أينما حملته قدماه. 
-( يحمل ذاته بذاته ) انطوائي، يكلف نفسه مجهود حمل جسده، المثقل بالخيبات المعنوية، و عقله المريض، و عذاباته اليومية بسبب تشرده، و الضياع القاتل، و الوحدة الموحشة، و الفاقة المفترسة.
- (في يده شعلة نار) : هي استحضار لشعلة نار بطل الأسطورة الطيب، و إشارة دالة تبعث الأمل في أن من المحتمل أن تتوقف هذه المعاناة و مؤازرته أخيرا.
- (سيفه بلا مقبض و لا نصل) اتخذ عصا يتكئ عليها لمجابهة الاعداء، و طريق الوحدة الشائكة، رآها السكان سيفا مؤهبا لقطع الرؤوس و سفك الدماء، رغم أنها خالية من المقبض و النصل، هو بريء من تهمته التي لا تفارقه، فصارت عصاه مؤنسته الوحيدة دون بقية سكان الارض.
- (قريض مهبول) مهمش، محروم، منبوذ دون سند، لا يسمح له ابتلاؤه المرضي من القرب، أو الحديث، أو الاحتكاك بالآخر، حاله كالأجرب، الكل يخافه.
(نحترم مسافة الاقلاع، و ركوب الريح) لا بد من فاصل لاتخاذ الحيطة، و هكذا أعدمت روحه و هو حي، و إن دققنا النظر وجدنا حكاية بوروس تشبه فن السيرة الذاتية، إلا أن الراوي تكلف بالسرد، و هو نفس الكاتب أحد اولائك الاطفال الصغار، الذين حضروا الوقائع.
- هي شخصية لسان حالها يحكي مؤثر فاعل، و شكله مصور أكثر من أي رسم، أو حرف، أو صورة، يلدغ بطلها الإحباط، و يفترسه الخدلان، و يشمله الظلم في كل أرض، روحه متعبة، تلوكه ألسنة المجالس، دون اكتراث بحقه في العيش الكريم، و استنشاق الرحمة التي هاجرت القلوب.
[ الأبطال الثانويون] 
الأطفال الصغار هم الأبطال الثانويون، الذين لقنوا أفكارا مغلوطة عن بوروس، قاطع الرؤوس، فصدقوا الكبار.
رتابة زقاقنا الضيق( دخل بوروس تحت تأثير العاصفة زقاق) الأطفال بحي شعبي، فكسر روتينه الهادئ فجرى الصغار بعيدا، اعتقادا بأنه سفاح. (نشرئب أعناقنا من النوافذ)( يبدو أنهم كثر، و كلهم شوق ) لاكتشاف عالم هذا المعتوه القاتل. 
تخترق جسده مئات العيون القلقة( عيون صغيرة لا حصر لها) متعطشة لاكتشاف أغواره، دقائقه، أسراره، فتحاول اختراق مظهره لاستكناه ما يخفى، و ما يستتر بعيون جاحظة محتاطة، و كل رأس من رؤوسهم وجل، خوفا أن يتزحزح عن جسده.
نكاد نسد الشقوق ( لا أحد منهم بالشارع، بل يشرفون من) الشقوق من اجل السلامة.
نقارب منه بحذر شديد (إحساس بالخوف، و الهلع، و ضرورة) اتخاد الحيطة.
هو ذا قطاع الرؤوس بعمامته اللولبية( يتم التركيز على رأسه) دون بقية الجسد، هو تساؤل عن مدى اختلاف رأسه عن رؤوس الناس.
هم يكذبون و نحن نصدق( هنا السارد يعاتب الكبار الذين كذبوا) و ظلموا الرجل المريض، فصدقهم الصغار لبراءتهم، و صدقوا أكاذيب أخرى، حرمتهم أطايب الطعام يوم العيد، )لسان الكبش يسبب البكم و مخه يسبب الهبل( وهم و سراب.)
( يتأجج تعطشنا لمعرفته أكثر) ( يمثل نموذجا خارقا، لهم لهفة لاكتشاف تفاصيل دقيقة عن هذا الغول السفاح.)
بشبه كبارنا في تدخين السيجارة( يتوهمونه مختلفا عن الاباء، فيتعجبون لأنه يحاكي طريقتهم في التدخين.)
هم لا يناقشون و لا يتناقشون فهم الكبار( انتقاد لطريقة الكبار الكلاسيكية في التربية، اذ لا يقبلون السؤال، و لا النقاش، و لا الانصات و لا الحوار.
إيذاء الاطفال نفسيا عن طريق الكذب و القمع، من قبل الوالدين يتسبب في أضرار نفسية، و عاطفية، فيتعرضون للخوف، و الاكتئاب، و يكونون أكثر عرضة لمشاكل دراسية، و قد يميلون لأنشطة إجرامية، و لعل الصحة النفسية رهينة بمساعدة الفرد على التكيف مع نفسه و مجتمعه، فيعيش حياة سوية، خالية من الاضطراب، و مليئة بالعطاء، و الحيوية، و القدرة على مجابهة الحياة.
هذه المفارقة بين بوروس و الأطفال الخائفين حتما تحقق لذة القراءة، و تشويقا عارما، و تجسيدا للمواقف الإنسانية المتباينة، ذات الطابع الواقعي، و الابداعي، و الشعوري دون تكلف. 
[اللغة:]
كان الكاتب محترما لشروط كتابة قصته القصيرة، فراعى ضيق مساحة النص، و جعله يستوعب الأحداث، و الشخصيات، و العقدة، و القفلة المشوقة العجيبة، فتفوق في أن أثت فضاء قصته بكل هذه الخصائص، مع مراعاة الاختصار، و حسن ربط الجمل بالمعاني، لتحاشي الإطالة، و التصنع، و الحشو. كما كانت عينه كاميرا متحركة في كل الاتجاهات، تلتقط، و تترجم، و تقارن المواقف، و تكتب ما يبدو على ملامح الابطال، بل تخترق داخلهم ايضا، و تتجول بدفين نفوسهم و لا أدل على ذلك من وصفه لبوروس، عندما زارته الأزمة المفاجئة، و انطلق في هيجان، و صياح، و ضرب بعصاه في الفراغ، فأهدت قراءة مشوقة للقارئ، تزيد من تأثره، و تعاطفه، و انفعالاته، فتجعله يقرأ النص بنهم، و يسرع حد أن يلهث، حتى القفلة.
- لغة السرد واقعية، خالية من كل حشو، و المعاني تخدمالدلالات و تصور المواقف الإنسانية فتسمح للمتلقي باكتشاف كنه الرموز، بالانزياح و المجاز، الذي يسحر بصور أخاذة شاعرية، فباللغة الانزياحية نضمن التكثيف، و هو أساس في القصة القصيرة.
- أول النص وظف الكاتب الأسطورة لتجسيد هموم البطل، و عذاباته، لها حتما تأثير ايجابي في تغيير الواقع، و النفاذ لعمق الشخصية المدروسة، إنها إضاءة قوية لزمن النص. 
- بعض الكلمات عن قصد اخترقت النص بالعامية ( لا ثقة في عتيقة ) (كلامك هو الكبير ) .
- استعان ببعض الأمثال لإثراء النص، و هي مستقاة من الفكر الشعبي ( تسقط البقرة ؛ تشحذ السكاكين)
- لحدق الكاتب، جعل بعض الكلمات تدل على أصوات، و روائح لإبراز الجرس و الدلالة ( كركرة ؛ نحنحة ؛ همهمة ؛ طرطقة ) ( تفوح فائرة ؛ يتلمظ روائح دمه )
- وظف ايضا جملا استفهامية، و جملا حالية ( هم يكذبون و نحن نصدق).
- استعان قصد تعزيز المعاني بإشارات من قصص قرآنية ( مفاتن امرأة العزيز)
- لجأ لصور تشبيهية (يتمطط كالأفعى / يقعى كالكلب )مزيدا في الإيضاح.
و هكذا توفق بأسلوب شيق، و لغة واقعية، في خلق صور من الواقع المعيش، و سرد فاض صدقا، رسمت كلماته ببساطة لا متناهية، و إنسيابية متدفقة و تسلسل متين.
و لنأت على القفلة لاعتبارها أهم عنصر في هذا اللون الأدبي، إنها هي التي تذهل القارئ بإيجازها، و مفاجأتها، و جملها الصادمة أحيانا، حيث تغلق باب القصة كخاتمة، ولعل قفلة هذا النص من النوع المضمر، فالنهاية تقريبا قائمة على الإضمار، خلالها يستدرج السارد المتلقي للمشاركة في صنعها بالتأويل، فكل متلق و قفلته.
و لعله اختارها كذلك، لأن بوروس ظل بدون علاج، و هو القريب من مدينة برشيد، حيث أكبر مستشفى للأمراض العقلية. 
أما زاوية النظر التي اختارها السارد لتقديم مضمون قصته، فتحدد بالرؤية مع. فالسارد هو أحد أبطال القصة الثانويين، طفل صغير بصمت ذاكرته هذه الاحداث لواقعيتها، هو الكاتب نفسه الاستاذ صالح هشام، و حكاية بوروس تماثل ما يشبه فن السيرة الذاتية، و اللغة تنبني على النهج المنطقي، و تتنحى كل حس رومانسي.
حقا أمتعتنا القصة، و نالت إعجابنا، و حققت الاندهاش، و التشويق، و المتعة الفنية، دون حشو، أو تصنع، أو إقحام، حيث عرض الكاتب حالة هؤلاء المشردين الذين لا يعون عواقب أفعالهم، يتجولون بكل حرية، دون علاج، أو استشفاء لذا يتبين انه لن يتحقق التوافق في المجتمع بين أفراده، إلا بضمان الصحة النفسية، الى جانب التوافق الاجتماعي.٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠انتهى 
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
[ خوروس / بوروس : : قصة قصيرة ]
[بقلم الاستاذ :صالح هشام / المغرب ]
ينتشي بالنسر ينهش كبده ، إلى آخر مضغة ، يتلمظ روائح دمه تفوح منه فائرة ،يحلق الإلهي في فراغ الفراغ يعانق خواء الخواء !!
يتجدد كبد ه ، يستمر ألمه /عذابه ، يحيى من جديد ، يلملم نفسه ،يدحرج أوجاعه أمامه ،يحمل ذاته بذاته ، يهيم على وجهه من القوفاز إلى أرض الله الواسعة !! 
، ذات زمان عاصف !
ذات راعدة مبرقة : 
تلفظه السماء ، في إعصار من كويرات البرد الكبيرة في حينا !
يخلخل رتابة زقاقنا الضيق : نشرئب بأعناقنا من النوافد والأبواب ، تخترق جسد الرجل مئات العيون القلقة، الجاحظة عبر الشقوق والثقوب ، نلتهمه حد تجريده من أسماله الرثة !
يروي لنا عنه كبارنا : 
-هو خورس / بوروس / قطاع الروس ذاك :
القادم من عمق الألم ووجع العقاب الجماعي ، وصداع الرأس ! 
يتأجج تعطشنا لمعرفته أكثر !
على رؤوس الأصابع ،نمارس رقصة البالي ، نلتصق بالجدار ، نكاد نسد الشقوق ، نقترب منه بحذر شديد :
_ هو ذا خوروس بلحمه وشحمه !
_ هو ذا بوروس بعمامته اللولبية!
_هوذا قطاع الروس : سيفه بلا مقبض ولا نصل ،في يده شعلة نار ! 
كم رأسا قطع ، هذا القطاع ؟
هم يكذبون ونحن نصدق ! 
هم كبارنا ونحن صغارهم ! 
هم كبار عملاء زيوس !
لسان الكبش يسبب البكم !مخه يسبب الخبل والهبل! هذه خدعهم تحرمنا من أجمل ما في كبش العيد !
* خوروووووس! 
* بورووووووس!
* قطاع الروس !
قريض مخبول : سينية خرقاء، رعناء، بلهاء !
تهمة تلصق بالرجل ، هو بعيد عنها بعد يوسف عن مفاتن امرأة العزيز، بعد (ضم الباء ) القط عن اللحم المعلق ! 
هم يطبخون ونحن نأكل !
س-ؤ -ا-ل :صفعة بيد مفلطحة غليظة ،تضيء النجوم في رأسك في عز النهار ، تلزمك صمت الصمت ، تزج بمخك المخبول في تجويفه ، ويتحجر السؤال على شفتيك !!
يتمطط غريب الحي كالأفعى ، نسمع طرطقة عظامه وضلوعه تتكسر ! ،يسند ظهره إلى الحائط، يهوي بجسده تتلقفه الأرض، يقعى كالكلب !
يعدل عش القلاق فوق مؤخرة جمجمته، تلوح لنا ثلاثية الأبعاد ! 
عصاه براقة ملساء ، بدون نتؤات يلقبها (بوصالح) : 
تصلح ظهر كل شارد عن الصواب ، نخالها عصا موسى، حية في حينا تسعى ، تلتهم عكاكيز كل شيوخنا ! 
غير بعيد منه ، نحترم مسافة الإقلاع وركوب الريح ، يحسن تسديدة العصا ،تلتوي على القدمين ، تقيد الحركة ، ندرك ذلك حق الادراك !
نحنحة، همهمة ، حمحمة ،نهنهة ، زفرة عميقة ، تصدر عنه أصوات كثيرة غريبة ولا نميز صوتا منها ، نحسبه يعب الماء ! 
يشعل سجارة ،يمص الدخان عميقا ، يلتصق جلد وجهه بأضراسه النخرة ، يحرره بتلذذ ، يلفظه من ثقبين في وجهه آهلين بذبابة خضراء كبيرة ، تصول وتجول في ربوع خيشومه ! 
أصابعنا على الزناد، تحسبا لأي طاريء أو أي حركة تصدر منه !
(لا ثقة في عتيقة ) أسطوانة معطلة، تلوكها أمهاتنا يوميا ؟
*خوروس !
*بوروس !
*قطاع الروس !
،قطار سريع ،بدون مكابح ، بدون ربان :
من يدوسه يشد بالضباب، يقبض على السراب !
يكذبون فنحمل كذبهم محمل الجد ! 
هم لا يناقشون ، لا يناقشون ، ولا يتناقشون ،فهم الكبار ! 
يغفو خوروس /بوروس ،مقرفصا ،يضغط على صدغيه بركبتيه ،ينتشي بلذة غيبوبة مؤقتة ،نشعر بحبل الأمان يشدنا إليه : 
-أنفه كبير ، معقوف، يذكرنا بمنخر سيرانو الضخم ، جبهة كبش نطاح ، وجهه حليق ، خال من التجاعيد ! 
أمره غريب خوروس بلباس أفغاني ، بوروس بعمامة لولبية كبيرة ! قطاع الروس ،بلا سيف ولا حصان :فقط شعلة نار على رأس عصا ملساء ، بدون نتؤات ! 
يشبه كبارنا في تدخين السجارة الشقراء ، وشرب المشروبات الروحية ، القادمة من وراء بحر الظلمات، من بلاد العم توم ! 
فجأة تصيبه نوبة صراخ هستيرية تنتشله من غفوته ،مرعوبا ، يلوح بعصاه هنا ،هناك، تحت ، فوق ، يمين ، شمال ،يضرب على الخواء !
يرقص فوق صفحة الماء ، يشتم ، يتوعد ، يتف، يتأفف ،ويصرخ :
- كرونس يلتهم أطفاله الخمسة : منه تضخمت عقدة الكراسي !
_آدم يقضم التفاحة المحرمة : 
_قابيل (لأقتلنك ) يقتل هابيل ! 
_هابيل (انما يتقبل الله من المتقين ) فيقتل : اللعنة ، لعنة اللعنة !
يحتدم الماء في المتانة المتعفنة كحمم ،يحررها رعب رهيب ، تنفلت و تستقر في قاع المداس ! 
- خطوة، خطوتين ، ثلاث خطوات ،نقلع كطائر النغاف ، نركب الريح ،نحلق : تختلط طقطقة الأحذية البلاستيكية الصغيرة بتكتكة الأقدام الحافية ترتطم بالإسفلت المسبوك ،بصوت واحد :
- وا٠٠ خوروس ٠٠وا٠٠الملعون !
-وا٠٠ بوروس٠٠٠وا٠٠المغبون !
-وا ٠٠ قطاع الرووووزوووووس ! 
تمتصنا متاهات الأزقة الضيقة ،ولعنة الكبار تنزل علينا غيثا مدرارا !
أسئلة تدغدغنا : أدمغتنا صغيرة لاتربو عن بيضة دجاجة ! 
-من يحارب خوروس / بوروس ،عندما تأتيه هذه النوبة المفاجئة ؟!
جواب إمام المسجد العتيق ضبابي ، غير مقنع :
-خوروس / بوروس ! 
قادم من وراء الضباب !
يمتطي صهوة السراب !
يحارب القمع والفساد !
قطاع الروس ! 
هو ليس قطاع رؤوس ! غربته بيننا ، وخوفنا من شعلة ناره ألصق به هذه التهمة : قطع الرؤوس !
خوروس عدو قوى الظلام ، مفجر الابداع في جدار ذاكرة البشر
بوروس أضافته، سليقة عربية ، تعشق القافية السينية الهامسة !
قطاع الروس نستعين بها على تخويف اطفالنا لتربيتهم على الخوف والخنوع واحترام الكبار، وموسقة سين القصيدة ! 
يرجح أن خوروس هو بروميثيوس ، ينشر المعرفة ويتحدى زايوس !
انبرى أحد سكان زقاقنا وصاح بانفعال شديد : 
- هذا هذيان ، يا كبير ، كلامك هو الكبير !
خوروس / بوروس شاب مخبول ، يشتغل في صنع الأسرة ، من ضواحي مدينتنا ،أبوه وإخوانه أحياء يرزقون ! أنا أحق حتى عدد دجاجاتهم في خمها ! 
يخوض حربه ضد ليليث ملكة أشجار الدفلى ، عدوة الرجال !
تخطفه من بين أبنائه تريد أن تلحق به الأذى ! 
-تمتص منه لذتها ، وترضي شبقيتها الأيروتيكية وتتبول وتتغوط على جسده، تمل منه تبقر بطنه ، ترمي جثته على ضفاف وادي الدفلى : انتقام أبدي من الرجال !
خوروس / بوروس يحارب الخواء ، يقارع الهواء ! يصارع النسور تنهش كبده !يقاتل ليليث العفريتة الشريرة ! لكنه لا يقطع رأسا غير رأس الفراغ ، ينشر الإبداع : 
تسقط البقرة ،تشحذ السكاكين ! 
خوروس / بوروس تمتصه الجاذبية ، يتهاوى ، يغيب في سابع نومة / موتة ، ستنتشله منها كركرة المنقار العاجي للقلاق في عشه أعلي مئدنة المسجد العتيق ينتشي بتكبيرات متهدجة فيها بحة : المؤدن فيه آثار النعاس ! 
بقلم الأستاذ : صالح هشام 
الاثنين~ ٣٠~٥~٢٠١٦

هناك تعليق واحد:

  1. لا أروع من النص الجميل للأستاذ صالح الا القراءة المتمكنة للاستاذة مجيدة الرفاعي استمتعت بكليهما ..سلم الفكر الذي كتب والذي حلل وسلمتما لي ...تقديري واحترامي لسموقكما والتحية

    ردحذف