السبت، 2 يوليو 2016

حلم العشبة / للاستاذ صالح هشام / المغرب

حلم مؤقت : بقلم الاستاذ صالح هشام  !
رحلة تحليق وهروب من عفونة الواقع !
هي النسور دوما ترتاد القمم وتسخر من  السفوح ، وما أراك سيدي إلا نسرا شامخا  في مرحلة استعداد للإقلاع والتخلص من الجاذبية الأرضية اللعينة التي تشدك رغم أنفك إلى  عالم نكد المطبخ ومطالب الزوجة التي لا تنتهي ، و عشرات الأفواه الجوعى تنتظر منك أن تسد رمقها ، و بهيمة  نضبت مصادر اروتوائها  إذ غاضت الغدران وجفت الآبار  وشح المزن وبخلت السماء بقطرات الغيث  ، وبدأت الأرض المتشققة تذكرك بأكبر نزوح جماعي في تاريخ  العرب من نجد إلى شمال إفريقيا  ، تذكرك بأنك لا تقل أهمية عن بني هلال في تغريبتهم  من أجل قهر الجوع الذي قهرهم ، كل  ذلك يمكنك تجاوزه ، لكن الذي يقض مضجعك ويجعلك تكره رؤية هذا العالم المتسخ هو تلك الفواتير الثقيلة لديون القرض الفلاحي ، التي قرضتك إلى آخر نفس كما يقرض الليل النهار ، أو تقرض الجرذان حبيبات الدرة ، هذه الديون المتراكمة عليك منذ سنوات مع حكومات  لا ترحم ، تطبق عليك القانون بالنقطة والفاصلة ولا تحترم فيك  عجزك  ولا تبالي بضعفك  ، لهذا سيدي تفضل أن تعيش وذويك على ماء كرامتك فتغلق العين والسمع ولا تريد أن تسمع عنهم ولا منهم شيئا فإنك تكرههم ، فأنت الحر الأبي الذي يشتري التحليق في العلياء ومعانقة الفراغ ، وما أجمل أن تتخلص من هذه الفواتير الملعونة  ولو للحظات مؤقتة في عالم تصنعه لك تلك  العشبة الخضراء عشبة الخلود ،فأنت  تعتبر نفسك جلجامش ، تبحث  عن الخلود ، تبحث عن الراحة ، تريد أن تتخلص من كل متاعب الأفواه المفتوحة ، الجائعة و ومن وطأة الجفاف القاتل  والفواتير الثقيلة التي يعرضك عدم  أدائها   للإكراه البدني ، لهذه الأسباب سيدي  أقول لك  سيدي : 
-حلق ، حلق بعيدا  واركب مطية جلجامش وابحث عن خلودك في هذه العشبة الرائعة واحترس إنهم كأفعي جلجامش  سيسرقونها منك ، ويزجون بك في السجن  بدعوى ارتكابك محظورا ، ستكرر سيدي مأساة البطل الأسطوري،  سليل الوركاء  ، تسرق منه الحية عشبة الخلود وتحكم عليه بالفناء ، هو كان يناضل من أجل الخلود  تشبها بالآلهة ، أما أنت فإنك تطمع فقط في لحظة هذيان جميلة تنسيك ذلك الواقع الآسن المتخن بالجراح ، تطمح إلى لحظة استرخاء و تناسي المآسي ، تريد أن ترتاح من روائح الزريبة  وروائح الفراش ، وروائح الحكومات المتعاقبة التي امتصت منك الدم إلى آخر قطرة ، تريد أن تقول كلمتك ولو للحظة ، ثم تنصاع لما يقولون ! هو الغليون و العشبة الخضراء ،عشبة الخلود المؤقت ، عشبة النسيان ، عشبة الهذيان ، عشبة انسلاخك عن جلدك ففيه رائحة العفونة ، فيه روائح الفواتير ومداد  الأختام الإدارية  والديباجات الحكومية ، تخرج ذاتك من  ذاتك ، وتتنكر لنفسك وتنسى اسمك ووجودك  ، تعشق الأحلام الجميلة !  وما أخافه عليك أن يتحول الفرس الأبيض ذي  الجناحين الملائكيين والقرن العاجي على الناصية  إلى حمارتك العرجاء العجفاء ، وزوجة شعثاء بلهاء ، على رأسها عش غراب ، الواقع القاتل الذي تكره ، وتهرب منه ،يحملك ما لا طاقة لك به . عش لحظتك ، لا تفتح عينيك سيدي ، ليس هناك ما يفرح ، إذا فتحتهما ستصدم ، بالشيخ المستكرس  والمقدم  البعوضة  والقابض الثخين  ، يطرقون بابك ، يطلبون  منك أن تسوي وضعية نعاجك ، و حمارتك  وبقرتك  ، فهذه  الحكومة  لا تحب إلا الوضعية السليمة من القط إلى العجل ، خير لك أن تصاب بالعمى الأزرق حتى لا ترى تلك الوجوه المتشحمة المتسخة  تستفزك كل سوق أسبوعي ، غص في حلمك ،فما أنت إلا نهر  أصبح  يسر عكس المنحدر ، ويتدفق فيه زمنك ، ثقيلا ، ثقيلا ، ثقيلا  ما أجمل أن يتدفق بالسرعة الجنونية ، التي تناسب جريان نهرك الذي يوشك أن يغيض ماؤه ويتوقف عن المسير ، فهنيئا لك هذه اللحظة  الرائعة ، لحظة حلم العشبة ، سيدي !!!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق