الاثنين، 18 يوليو 2016

ملف خاص بموسوعة المبدعين العرب /// للاديب المبدع / صالح عبد الجياشي // العراق

السيرة الذاتية
-      الاسم الثلاثي: صالح عبد عواد الجياشي
-      من مواليد: 1978/ العراق .محافظة المثنى ..الرميثة
-      التحصيل  الدراسي/ خريج المعهد الفني قسم الكهرباء
-      اسكن في محافظة المثنى // قضاء الوركاء
-      كتبت الشعر منذ بداية التسعينات لكن لم اكتبه بصورته الحالية الا منذ عام 2012
-      شاركت بعد ان تعرفت على شعراء المثنى المبدعين في ديوان مشترك يحمل عنوان قيثارة الحرف الذي اصدره اتحاد الكتاب والادباء فرع المثنى
-      صدر لي ديوان ( الليل سيد الالوان) الذي قدمه الشاعر والناقد الكبير الاستاذ عيال الظالمي –
-      صدر لي ايضا ديوان (اوركسترا الدخان) عن مركز اديان للتصميم وهو يحتوي على 21 نصا نثريا حاولت ان اعكس من خلاله ما تمر به هذه الارض من مآسي نتحمل نحن الجانب الاكبر منها , تحدثت بلغة واضحة اختزلت وعدلت كثيرا ربما اردت ان ارضي نفسي لكني عرفت ان النص الذي ارضى عنه يتهاوى امامي وبالتالي احذفه نهائيا.
-      عضو اتحاد الادباء والكتاب في العراق منذ 2015
-      عضو في الكثير من المنتديات الادبية الالكترونية مثل ( مركز النور – اكاديمية الفينيق الادبية )
-      شاركت بالعديد من المهرجانات الادبية في داخل العراق
-      نشرت لي الكثير من النصوص في اغلب الصحف العراقية
-      لي مجموعة كتب مخطوطة وهي
1-     اليباس ....... مجموعة قصصية
2-     وطن من قماش ... .ديوان شعــر
3-     لا توقظي القمر.... ديوان شعر
4-     رب ..................ديوان شعر
5-     الهجرة الى الجنوب ..... رواية
6-     دار بوس ..... ..... رواية قيد الكتابة

-      رفرفة بعيدة
عُذراً ايها القلبُ
لاني تركُتَ نوافذك مشرعة
ولم يطرق شغافك الضوء
عذراً اذ نسيتُك جرحاً
تراقصُ في مخيلتي نجوماً
خانتكَ هي الاخرى
اعدك باني لن اجربَ ابداً
كتابة الحبِ
وقراءة العشق
او زيارة متاحف النصوص العارية
ساكتفي بما لدي
لن ازرع الكف قلماً
لادخرَ من حروفهِ لسنواتِ الجدب
سامكثُ طويلا هنا
اخيط اشرعتي كلها
من اهدابِ الروحِ
ولن ابحر الا بعد ان اقص
شريط العزفِ على جرحِ وطنٍ اخر
لكني  لا املكُ وطناً اخر
فعذرا يا قلبُ
لن اترك نوافذك مفتوحة
على اجنحةِ حلمٍ ترفرفُ بعيداً
سادعها مفتوحة على وطني.

-      ازمان متأخرة
في زمان انكسار المرايا
يتوج التضاد ملكا
تذبل على الشفاه ابتسامة حب
وعلى الجدار ظلال يد
تهرب الوجوه الى زاوية اخرى
هنا فسيفساء العويل
هل يعتريني هذا الاندهاش طويلا؟
حينما ترتسم على كفي دمعة
انه ارتعاش ضئيل
في عالم كبير من الهذيان
تتفرس المرايا في وجهي
حيث اني رميت مسامير التوابيت
في بئر مملوء بالرصاص
لن تغويني هستيريا الاندهاش المتأخرة
لن انزوي بعيدا جدا
سأخرج للشمس باحثا عنها
حيث هنا التضاد يتوج ملكا
فلا وجوه للحقيقة
الا ما يعكسه انكسار المرايا
ففي الربع الاخير من البسمة
تعبث بكثبان روحي
رياح الشوق تعري اشجارا من ثوبها
انعكاس الريح على وجه البئر
تزكم رائحة البارود أنوف العصافير
شرفة لم تشهد لقاء عاشقين
أغلقت ابوابها على الريبة
الغواية الطائشة
تسلم أمري للذهول
وتحبسني في بوتقة الصدمة
غصني شارف على الذبول
الحراس يغتالون  الشبابيك العتيقة
ضفائرها شلال الغروب
سحرت قبلي شاعرا اخر
رسمت الشمس ضله
على قارعة الدروب
بقى ينتظر الفجر
نسائم القدر تلاعب نخيل الجنوب
حمل على كفيه نهرا
أسكنه معبدا
زرع في المقبرة شناشيل
معك ألضم اللحظات مسبحة
تداعبها اصابعي عقب الوصول
أنت التي صيرتني رجلا
لن تجبر الرصاصات شمسه
على الأفول
حبك كالصلاة
لن يزول

-      صائمٌ قلمي...
يتقلبُ على رمضاءِ اوراقهِ
يشعلُ ما تبقى
من احرفٍ صغيرةٍ
.. ريثما
يؤذنُ آذانَ الحرفِ
ويكتبُ ما تسيرَ...
عن الحبِ.. والخوفِ
عن ذاك الفؤاد
الذي ما زال يسال الغيم
انت وثورة الشعوب
نجمتان بعيدتان
**********************************
حاولتُ ان اطرقَ  بابكِ..
هربَ البابُ
تُركتُ وحيداً في الشارعِ
ضوءُ المصباحِ ولى مغاضباً
عمودُ الانارةِ تركهُ خلسةً
وانا والباب مازلنا نتسابقُ
من يطرقَ نافذة قلبكِ
ان الظلَ المسكوبُ من يدي
على قلبي
سترَ لوهلة ٍدقاتهُ الرتيبة
لكن الشمس.
حينما اطلت على المسرحِ
فضحته ُ. لأنهُ نسي ان يغلقَ نوافذهُ
فاندلقَ الضوءُ العاري
على عشتار
سحبت الغطاءَ على وجهها
تناثرَ المطرُ على المسرحِ
فراحت الشمسُ
تحاولَ ان تستبق الباب
لكن المطر قد قميصها
ولم يكن من شاهدٍ
فضلا يتجادلان قرب الباب
****************************
ان الوهمَ المرسومُ
على جدرانِ الساعات
اعطى فكرةً ساذجةً عن الرغبةِ
الرسامُ مازال يحملُ الوانهُ المتبقية
ويرقبُ الهلالَ
لعل الظلالَ
ترتسمُ تحتَ اعوادِ المشانق
ليرسم البعدَ الاخرِ للموتِ
عن الولادة في نفس الوقتِ
عن احلامٍ رسمتها فكرةٌ
عن ثورة ٍباتت وحيدةً بلا رجال
عن ...
الاف الكلماتِ الموبوءة بالفشلِ
مرسومةً على الجدرانِ
اتعبتها الشمسُ
او اخفاها القمرُ
لكن الرسام مازال
يرقبُ ان تتدلى الاحلامُ
ليرسم الثورة َ..
بألوانهِ الباهتة

-      الخلاص
الي ما يتساقط من الشعراء
من كلماتٍ مهملة
فتنمو قصائدا
لا يحتطبها فأسُ الليل
الليلُ الاعمى
قد غفى طويلا
فلا يكترث بدموعِ الشعراء
انها ضريبة الوقت
الزمنُ سيفُ يقتُطع العمر
فلا يبقي من العمرِ الا هيكله
مائلاتٌ
جدران الحلم الذي اساسهُ السهر
كيف تنمو زهرةٌ في فنجان ؟
لا يمكن استعارة ملاك
هل الغواية الطائشة لا تكفي
ام ان الدم هنا حلال ؟
هذا ليل ذاك ليل
الليلُ هنا سيان
لا تنظر يا زكريا
فالمحرابُ ما زال يفتقد مريم
وانت وانا وكل الناس
نتفقدُ الخلاص
اين الخلاص ؟
فدعني اجمعُ ما يتساقط
من حباتِ المطر
فالشعراء الذين تركوا مقاعدهم
استحوذ عليهم الشيطان
فلم يعودوا
ولن يعودوا
الا وزكريا مثلي
يجمعُ كُسف الليل
المتساقط من نخلةِ الصبر
+++
هذا البلد
ليس بأمين
فالآيات تحومُ حولَ تخومه
الفجر الناعس
يتنفسُ بصعوبة
دخان الشوارع يخنق مسافات الاحلام
انها ضريبة الحياة هنا
ان نتنفس دخان الاخرين
ونعيش مأساة الاخرين
نكتب تعابير الاخرين
على سماء داكنة الالوان
اليك ايها البلد
لا تزرع الدموع في العيون
فالحصاد موسمه لن يأتي قريبا

-      رقص ..
ساراك ترقص حافيا
جمر الكلمات
حمام يفر من بين اصابع المساء
ساراك وانت تمضغ الوجع
تزين افواه اليتامى بحلم
وبأبٍ سيقدم ذات ليل
ساراك
حين تفر الحروف
وتبقى امام العاصفة وحيدا
مأخوذا بهول التراب
الاعتراف متأخر جدا
بانك حي لا تموت
بانك الان ترقص
بانك الان تتمطى في ليل يابس
تسير وحيدا على رصيف
ترسم بأقدامك العارية
خريطة جرحك
ومسيرة رقصك
ارقص
دعني اراك
دعه الليل يصرخ
لا تكمم افواه النجوم
مالك لا تسعى بين الحرمين
هل قطع الزجاج المتناثر هنا
تكتب دمك
ام ان الاشباح تخيفك
هذي يدي
تزين مراياي بحلم
تخبئ في جمجمتي حبا
وفي بيتي العتيق كيس كلمات
سأنثرها قريبا
في ارض سومر
اوروك المكشوفة للسماء
تخيط جراح قدميك
ساراك ترقص حافيا
وسأرقص معك حافيا
حبال المشانق اسمال الموت
درب لا عودة منه
فلماذا لا نرقص
ساراك ترقص حافيا
عاريا
لا تخف فلن يراك احد
لان الدخان
يعزف على ارصفتك
            اوركسترا الخلود .

-      احتجاج
لن احتجَ الان
القممُ الشامخة لا تنحني
للمطر.
المغادرون وسط تصفيقِ الموتى
ينفثون دخانَ سكائرهم
من خلفِ زجاجَ المساء
ويقارعون كؤوسَ الليلِ
سأرفعُ كفي في وجهكَ
واختصرُ حديثي مع الاشباحِ
اشارات النفي
هي لغة البائسين
الآيات التي قرأها المسيحُ
لم يصدقها حفارو القبورِ
تركوهُ يمضي وحيداً
وزرعوا زهرةً
فوق دربهِ
وهم يتمتمون بنشيدٍ جمهوري
لبلدٍ مهجور
حاولَ المطرُ
ان يقنع الحروف بالهروبِ
لكن حراس المقبرةِ
رسموا شمساً
فوق مقصلة
الرجال المهمشون
في الصورِ المزيفةِ
يحاولون اغتصابَ لمحةِ ضوء
لا تنعكسُ من القاماتِ المكسورةِ
سوى ظلال
تتمنى ان تمسك السحاب
لن اجمعَ الغيمَ في جيبي
سأعلقُ على جداريِ
مرآة تعكسني ماشياً
واخرى خلفَ البابِ
الذي كان موارباً على شبهات الرحيل
الرجال المهمشون
يلونون جدرانهم بالمرايا
فلا تعكس سوى الدخان.
سكائرهُم التي تخنقُ الحروف
ترحلُ مع مساءٍ عتيق
حولتهُ مصابيحُ الكاميراتِ
الى شظايا
يتمنون ان يصفق لهم الجمهور
لكن الموتى العابثين بتراب المسرحِ
لم يصفقوا
سوى للرجال المغادرين
تحت انظار
حراس المقابر
صحراء القيامة
ذات ليل
سيتوقف الهرير
وتعشق السماء وجه القمر
وسيكف الذين يحملون الصراخ
على اكف من رصاص
عن طرق ابوابنا
ذات ليل
لن تحمل بغداد
اطفالها اليتامى
وتهرول نحو صحراء القيامة
دجلة المسكون بالأرواح
على كفيه
ستنبت سنابل الاصابع
من بين جماجم الغارقين
اي ليل سننتظر
يحمل دهشتنا امام المطر
هذا مطرنا الاحمر
ذاك مطرهم اسود
ليل
فجر
قيامة
(وسبايكر) المنكوبة بالفجيعة
اولادها الراحلون الى الذكريات
يحملون نعش ما تبقى من القمر
ستحرث النجوم دجلة
بأصابع من خوف
وسنزرع نحن الفجر
في عيون الليل
حتى
لا تنبت الجماجم في الفرات

-      تمدد
سأتمددُ
حتى انسكبُ  عن حدود  القصيدةِ
ثم ابحثُ عني هناك
في بقايا انفاسِ اطلالِ الملكوت
الزمُ نفسي ان لا اقع مرةً عاشرة
عن حرفِ الواو
اقفُ بوجهِ الطاءِ كالجُندي
انا... لن اسيرَ حافي النون الى قبري
بل سأدعُ قبري كل هذي الحروف
ساتمددُ
حتى اتساقط ُعن حاشيةِ الثوبِ
كدمعة
مهزوزا يحملنُي كفُ الضوء
الى باحاتِ الروحِ المنثلمة  بالقهرِ
اتوكأُ على جدارِ الربِ المائل قليلا
واحفرُ عليهِ  اية لم تنزل  بعد
ساتمددُ
 بعيدا عن السكونِ المار بقربِ ابني
يشدُ حافة ردنهِ لهاويةِ الحربِ
الالهُ المنساقون اليها
يزرعون ضريح  الليل بنورٍ معتم
ويشرعُون شربَ الاوطانِ
على موائد القدرِ
ساتمددُ
بعيداً عني
كي اهضم اخر عشاءٍ
خرت لقيماتهُ العشر من فمِ المسيح
واهدي لفانوسي زيتا احمر
اليكم....
يامن تعلقون الصليبَ امام داري
لم انحني للمساميرِ المركوزة في اطرافي
انا غيمةٌ  في شوارعِ بغداد
يقتلها الظمأ
تتلوعُ مفاصلها الندية بالدموعِ
ترسمُ غضبها برقاً بلونِ جرح
سأتمددُ واتمددُ
حتى احمل الحروف  سالفة الهروب
وبغداد ومآت المقابرِ
احملها معي وانا راكع  امام الله
افرشُ كل الخطايا
موقعا عريضتي بدم الحمائمِ المذبوحة
عند حدود الضريح

مقدمة ديواني الليل سيد الالوان ..... بقلم الشاعر والناقد الاستاذ عيال الظالمي
المقدمة
الهمُّ سيد الأوجاع
قصيدة النثر شكل أدبي يجمع جماليات شكل القصيدة المتمثلة في الصورة والتخيل والرمز والرؤية المكثفة وتوهج اللفظة وعمق الرؤيا وشفافيتها والتحرر من أسر الوزن الشعري والانطلاق في آفاق التحرر اللفظي والتركيبي ، فالنثر فيه الكثير من الحرية والرؤيوية اللفظية ..ولم  يحدد النقاد لاختلاف آرائهم فهم بين مؤيد ومعارض جنس القصيدة ، والى وقت قريب ولكن هناك استشهادات منها ما رواه عبد القاهر الجرجاني عن واقعة الإعرابي الذي سأل لم تحب حبيبتك؟ فأجاب : [لأنني أرى القمر على جدار بيتها أحلى منه على جدران الناس ] فقيل له انك تقول الشعر . ومن هذا فالشعرية الحقة لا تتوقف على الوزن ،إنما هي التخيل المعبر عن أحاسيس متقدة ، ورؤيا نافذة ، شديدة العمق ، بتعبير جميل .
 وعندما اطلعت على مجموعة (صالح عبد الجياشي) لمست مقدارا من الشغف الكتابي المضمخ بألوان مختلفة من الشعرية التي نقف عندها لنقول : الله الله .. وهذا هو الجمال ، أي إحداث صدمة التلقي والإبهار وصدق النبرة :
فلا تفزعي إنْ جرحت الغروب بأذاني
أذنت حي على حبك
أيتها البعيدة .. القريبة والمبجلة
فهل تسكنين في قلبي
أم أن قلبك في ساحة التحرير
قضى تحت مقصلة ؟
وجدته شفافا يمتلك كمية من الإشراق في تراكيب جملة ، يستخدم اللفظ غير المحدد بزمن معين .لديه دلالاته المتغيرة  والمفتوحة في أحيان كثيرة يوفر لك مستويات من اللذة الناتجة عن تفكر في بنية النص ، ويقدم رؤية خاصة:
فوق رصيف عمري الوحيد
بارد هذا الانتظار
فأشعلي بأناملك وجودي
لذا يحق لي أن أقول انه يمتلك حداثة نصية أو شعرية لانفلاته من معايير النص السائد وفق المعايير المؤقتة ضمن عصر الكتابة الحالي ، ليس بارعا كما يجب أو محترفا فريدا .. ولكنه يلتمس الطريق بخطوات تتقدم عن الشباب المجايلين ضمن حدود بيئته .
حين تغلقين بابك
يترجل حلمي
عن صهوة جنونه .. يدنس البراءة
ويعزف لحن الجموح
يكتب الجياشي بصوت آخر بعيد المنهل لأنه يعتمد بقصائده مواقف نالت منه اجتماعياً ، تتعلق بكينونته كانسان ، ومن الحياة كفرد يرزح تحت وطأة السقف الممنوح لقامته ، يتمعن بالفن ويأخذ منه ما حوت كفّاه الذابلتان من مواجع :
حين اصبغ الرصيف بلون دمي
أشمُّ عطر الحياة من باطن كفي
وأطبع على قلب الشارع الصامت نبضه
كفي الذي مازال يحمل البارود
فأي لوحة يمكن أن نرسمها ..؟
 يستغرق أحيانا بتفاصيل كثيرة ولا ضير لما يقدم إليه أو يشير ولربما قرأ وتأثر ب(بودلير ) الشاعر الفرنسي الكبير ، فهنا نجد صلته بآلامه وثيقة ولا توجد لديه قوى طاردة ، بل يحاكيها عقليا في قصائد عدة .
أيعقل أن نصفق
حين تنطفأ الشموع
الدموع ..
حلّت محل أدينا المكبلة
أصواتنا التي استباحها السكون
رفعت رايات بيضاء مهللة
إنّه زمن الصمت
لقلة سطوته فهو طفل يكتشف العالم عبر علة السؤال ، لا يخلو نصا من نصوصه من التساؤل ، ليخلق المشاركة مع القارئ عن أسئلة مطروحة الجواب ليبني شعرا تشاركيا قيّماً .. يؤكد دائما على القيم لذا تجد عنده نصوص قيمية نابعة من المبادئ والعادات التي تربى عليها إذن هو ابن بيئته بكل تناقضاتها ، مضامينه حقيقية فهو كانسان محكوم بهاجس كشف الغامض وقراءة الغيب الذي يشغل بال أهل الحرف ، لشعوره بعدم التوازن في وجوده واستقراره في مجتمعه:
فأين شاعرنا المنساب ظله؟
كجدول ماء تحنو عليه أفياء النجوم
أشعاره الملساء ترمقني
أساطيراً عن معابد غرقى
أيمكن احتساب السنين..؟
تشكل أسئلته ظاهرة أصيلة ناتجة من خلال التصاقه بإيقاع الذات المستقلة بتعبيره عن هواجسه وإرهاصات وتوجساته ، لأنه فاعلاً ومنفعلا بمحتواه الإنساني والاجتماعي ، ليس اكتشافاً عندما يورث الجياشي جلجامش شعرا خياليا فيه من الحقيقة أثواب .وهو عند أول صرخة على ارض الوركاء ، كانت تطوف في معابد أوروك ، حين تعثرت خطواته الأولى بحجر آثارها ، لتنقل له حلم الخلود لأن جسده ربما يحمل ذرات تربة أرض الوركاء حيث مسقط رأسه ، ومن مجموعته ( الليل سيد الألوان ) ناظر ضوء واليه سعى آملاً بسلم الصعود .فكانت عشبة الخلود لتصنع إصرار البحث وتجشم عناء المخاضات الصعبة :
ها هي الآن تتشقق السماء
عن فجر بارد كالحلم
يوقظه فانوس جدتي
ورائحة خبز تنور جارتنا
يسدل الستار على إرهاصات ليل حزين
نَمَتْ فيه برودة القمر الجريح
يحث الخطى العاريات إلى المساء
حينما سيأتي.............
                                          عيال الظالمي                                                                                                                                                                               26\3\2014

الموروث الديني في (الليل..... سيد الالوان ) ، مجموعة الشاعر السماوي صالح عبد الجياشي
بقلم الشاعر والصحفي يوسف المحسن
لان الموروث كما يقولون هو الينبوع الدائم التفجر بأصل القيم والارض الصلبة التي يقف عليها الشاعر ليبني حاضره الجديد شعريا على ارسخ القواعد ، كونه الحصن المنيع الذي يلجأ اليه كلما عصفت به العواصف كي يمنحه الامن والسكينة ، نجد كل هذا وذاك في مجموعة الشاعر الجياشي ، المجموعة التي صدرت في النجف الاشرف (وربما يكون اختيار مكان الطبع اصرارا خفيا من الشاعر على اكمال حالة التوظيف الديني ) وقدم لها الشاعر عيال الظالمي حوت على ثلاثة وعشرين قصيدة اختار عنوانها من تسمية احدى قصائد المجموعة المؤلفة من 124 صفحة .
الشاعر سعى لاجتراح معادل موضوعي ينقل الجو العاطفي لمواقف سابقا باتت من بين ملامح جسد الموروث ليحولها الى هواء يمد الحياة الى قصائده . ففي الليل سيد الالوان يقول " اشعاعات البراءة وسط حقل من الذئاب ، الوّن قميص يوسف بدم اخضر " ........ الخ حتى يقول " فأين انت ايها الرسام الذي نسي الوانه ، لتضع على الضريح لونه الشمسي " ..... فكلمات مثل البراءة ، الذئاب ، قميص يوسف ، الضريح ... لا يمكن ان يقال انها تجمعت على غير هدى ، انها جزء من الحرس القديم الذي يطوق وعي الشاعر مضافا لذلك انها لا تعمل ككلمات وانما هي مجسات لأسقاط معانيها واقترانها بالذاكرة من اجل التوظيف الفني الساعي لبناء تصور جديد معكوس او مدعم بصور سابقة وافكار مهضومة وبناء نص جديد يتجاوز حدود الكلمات والجمل بملامح حاملة لهموم حالية .
ويتجلى ذلك في قصيدته اغفاءة " سيذبل النهار .. ويروح اللات وهبل .. يتصفحون الفيس بوك بحثا عن محمد " وفي قصيدته فرشاة يقول " صائم قلمي , يؤذن اذان الحرف .... تحاول ان تستبق الباب ، لكن المطرقد قميصها .... قوافلي تحملني مصلوبا ، علي خيط من الابتهال ... تمطر حبا مصلوبا " ، من الواضح ان قصيدة اغفاءة ومثلها مثل كثيرات تمثل هوية القناع ذي الالف وجه الذي البسه الشاعر لوجعه ، ومن خلال تجريد الكلمات التي ضمنها ( صائم .. يؤذن .. تستبق الباب .. قميصها .. مصلوبا .. خيط الابتهال .. مصلوبا ) انها ليست كلمات مجردة فخلف ظلها تناصات واقتباسات ومداليل .
إذا كان البياتي يقول ان القناع هو الاسم الذي يتحدث من خلاله الشاعر عن نفسه متجردا من ذاتيته فإن الجياشي جلد المفردة واهملها وجردها من سلاحها ليحيلها الى فضاء المعنى التناصي إن جاز التعبير .. وهي اسلوبية ربما لم يلتفت لها الشاعر عن قصديه واضحة لكنها موجودة لكل متأمل .
واجدني مضطرا للإشارة الى مقاطع وردت في المجموعة لتأكيد ما ذهبت اليه .
قصيدة تفاصيل .. مصلوبا فوق عري قصيدة .
قصيدة نبض ... هارون يسأل عن اخيه ، اغوته كهرمانة بالهرب معها ، الحدود مغلقة ، لأنه ليس من اعضاء السقيفة .
قصيدة غربة ... أيا عبد الله والسهم محاور ، الزهور المذبوحة تصلي في محراب الحسين .

اعتقد إن انتقائيته كانت واعية وتستند الى موقف جمالي لهذا ازعم ان مجموعة الليل .. سيد الالوان حافلة بالشعر مع ميل صوفي يغطي ميل الشاعر لعدم قطع الصلة مع المحيط فهو يخترقه عبر صرخات يبنيها في عمق التاريخ بعيدا عن الضجيج لكن صداها يسير امام المتلقي ...
لست نادما على الوقت الذي قضيته في تتبع كلمات الشاعر التي فقدت معناها المجرد والتصقت بأفكار اكدت ان الشعر ليس مجرد مقابر للحروف ....
 الصحفي والشاعر يوسف المحسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق