الخميس، 21 يوليو 2016

قراءة نقدية / بقلم الاستاذ صالح هشام / المغرب / انكسارات صامتة / للشاعرة فتحية فوكاني !

قراءة نقدية :بقلم الاستاذ صالح هشام /المغرب!
[انكسارات صامتة ] للشاعرة فتيحة فوكاني !
سابدأ قراءتي لهذا النص من حيث كادت المبدعة فتيحة تنهي ترتيب هذه الباقة من الورود في مزهرية اللغة ، سابدأ من حيث صرحت بانهيار المعنى وتشظي الأسئلة ، وأشكرها على هذه الإضاءة الجميلة التي فتحت شهيتي للتعامل مع نصها الرائع ،فأنا أيضا عشق إنهيار المعنى ، لأن البحت عن المعنى في تلافيف النص سيشدني إلى هذا الواقع المتخن بالجراح والمتخم بالآلام ، أيضا لأن البحث عن المعنى ليس من حقي أن أفرضه على القراء !!
المعنى المحتمل سأحتفظ به لنفسي ، وسأكون محلقا مع المبدعة التي - على ما أعتقد تكره الخضوع لاية وصاية (العقل)- فهي لا تقل أهمية عن الشعراء الذين زهدوا في جمهورية أفلاطون وفضلوا انزياح اللغة ومقاومة جاذبية الأرض والواقع ،هذه الجاذبية التي تقف عنصر إخلال بممارسة التحليق في عالم الخيال ، فإذا كانت اللغة المجازية تشوش على المعاني التي حظيت بالتقديس من لدن أفلاطون ،فهي فضلت أن تشد إليها القاريء ، لتحليل هذه الصور الجميلة ، التي تنحو منحى التعدد والاختلاف في القراءات وكل يحاول أن يشد بتلابيب المبدعة بحتا عما تريد قوله في سطورها ، التي تومض كنور قمر ، أضناه السهر ، وفضلت أن تتشظى أسئلتها في النص لأن السؤال مدعاة إلى البحث عن إجابة والإجابة حتما تستوجب البحت عن المعنى ! 
تفضل المبدعة توظيف اللغة الزئبقية التي تترك القاريء أمام مسؤولية استجلاء جمال اللغة التي يعتبر القبض على معانيها قبضا على السراب أو جريا وراء الضباب أو اعتصارا للماء بين الأصابع ، هو ذا الإبداع ،هو ذا التحليق ، وقد نقبل أية تهمة تلصق بنا نحن مجانين اللغة ، مجانين الابداع ، شرف لنا لأنهم عندما ينكسر مجذافهم ويصبح مركبهم عاجزا عن الإبحار في أعماق بحار بلا شطآن وتكلل مغامراتهم بالفشل ، يقولون هذا كلام لم يقل شيئا ، هؤلا ء مجانين ، والذاكرة التي لا تقول شيئا أولى بها ان تقصى وتهمش ، وهي لا تعتبر إطلاقا ،هذه وجهة نظرهم لكن أحيي فيك هذه الجرأة التي تعلن صراحة انهيار المعنى وتشظي الأسئلة !
لن أقف هنا على تجزيء هذا النص لأنه عبارة عن وحدة متناغمة تتشكل من مجموعة من الوحدات التي ترتبط فيما بينها لخلق هذا السياق العام للنص والذي يستمد منها حياته ، والذي يعج بمواطن الجمال اللغوي ، هي الكلمات تعلن الهدنة فيما بينها وتذوب الاختلاف وتتعاضد لخلق الصورة الرائعة ، فا(الانكسارات صامتة ) و(المعاني تنهار) و(الخيبات على امتداد الجسد والخريطة )، و(ها انت ترتق البدايات) و(صمت الانكسار على وقع النهايات) ، هو إذن الجمال يخلق من خلال هذا التناقض الصارخ بين الكلمات التي تأبى إلا أن تساند غيرها ،رغم ذلك الاختلاف في المقومات والأسس اللفظية لكنها لا تعترف بوصاية المعجم ، لأنها به لا تساوي شيئا ، وبالتركيب تساوي كل شيء ، تحصل مزيتها من خلال اتكاء هذه على تلك ، وتظهر فضيلتها من خلال الجمع بين المؤتلف والمختلف ، من أجل الإبحار في عالم الجمال !
وقد انتبه النقاد القدماء لهذه المزية أي مزية الإسناد اللغوي ، فهذا الجرجاني لا ينكر المعاني لكنها قد تترتب عن إحكام الشاعر السيطرة على وضع هذه في هذا المكان وتلك في ذلك المكان ، إذ يعتبر أن ( أجود الكلام ، هو ما جمع فيه المؤتلف والمختلف) وأن هذا الجمع على مستوى التركيب ، هو الذي يساهم بشكل أو بآخر في تكوين النسق الذي تستسيغه النفس ، وتستعذبه الذائقة القارئة ، وتدعو المتلقي إلى بدل المزيد من الجهد للوقوف على جمال الصورة ، 
قد يقول قائل إن قراءتي لم تصل إلى ما تريده المبدعة من هذا النص ،فقد أصل إلى الهدف عندما أقف على مواطن جمال التركيب ، الذي لم يخل أبدا بالقاعدة النحوية ، لأن التركيب لا يجب أن يكون أبدا مطية لقهر النحو فالنحو أولا وأخيرا ميزة لا محيد عنها ، ولكن الاختراق يقع على مستوى هذا التركيب ! 
وأذكر أن الجرجاني اعتبر جمال الكلام يكمن أساسا في بدل القاريء للمجهود الفكري للوقوف على المعنى أو الجمال في اللغة ،هذا من جهة و من جهة أخرى هناك من نقاد العصر الحديت ،كدوسوسير مثلا يعتبر أن النظام اللغوي يتمد على اختلاف العناصر اللغوية التي تكون لحمة السياق ، والمقصود بالاختلاف أن يجمع الكاتب بين المتناقضات في التركيب الواحد ( ترانيم الهزائم )او( حلمي عار إلا من صداك ) فهذا التركيب فيه خرق للمنطق ، نظرا لإسناد المعقول الى المحسوس ، أو العكس على سبيل الاستعارات والمجاز !
وهذا هو ما اعتبر مشوشا على المعاني ،ولكن ميزته أنه يفتح الباب على مصراعيه لاجتهادات القراء ، وأنا شخصيا أومن بأن النص إذا قريء ، انتهى وذهب إلى حيث لا رجعة ، والنص الإبداعي الحقيقي هو الذي يقرأ قراءات لا نهائية عبر مختلف الأزمنة والعصور ، وتكون هذه القراءات أشبه ببصمات اليد ، وأن تخضع للاختلاف من طرف نفس القاريء ، على اعتبار أننا لا نستحم في النهر مرتين ، فكل قراءة تأتي بالجديد ! 
لذلك لي مؤاخذات على بعض القراءات التي تستهدف المعاني قبل البحث في جماليات اللغة والصور المترتبة عن هذا الجمال اللغوي ،فهل يا ترى بإمكاننا قراءة نص يخترق منطق التفكير ، ويخترق التركيب ، قد أعبر في هذا النص عن ذلك الواقع المتخن بالجراح ، الذي أصبح الانكسار من خصائصه المعنوية ، وأصبحت المنافي إجبارية على كل عربي مجبر تحت قوة الحديد والنار على ممارسة تغريبة بني هلال في عرض البحار والمحيطات !
هو الانكسار في كل شيء في الروح ، في الجسد ، في الحلم ، في المراكب المهترئة ، وفي المجاذيف ،المنكسرة قبل بداية الإبحار في منافي المجهول ، هل معنى ذلك إذا جزمت بأن الشاعرة ، تقصد ما ذكرته ، فهل هذه القراءة تخدم النص ، أم أنها تضع أمامه العوائق والعراقيل من أجل خنقه وقتله ، وبالتالي ، قطع الطريق أمام كل من يهدف إلى ركوب الحصان المجنح للحاق بركب المبدعة في عالمها الانزياحي ، وهنا لا أريد ان أمر على إشكالية قديمة / حديثة ( اللفظ والمعنى )، فلا أكون مع هؤلاء ولا مع أولئك ،لأني أومن بأن أي نص كيفما كان نوعه هو مزيج بينهما ولا يمكن تصور مادة بدون صورة ، شيء آخر أحترمه في الإبداع، وهو أن الكلام بصفة عامة هو فضاء فوضوي ، لم يتشكل بعد ولكل الحق في خوض غماره ،ليقتني ما يستسيغه من مقولات لغوية مختلفة لخلق جغرافية كلام يخضع أساسا للظروف المتكلمية ،وهذه الظروف أقصد بها التكوين الثقافي والخلفية الثقافية ، فهناك من يهوى أن يمتح من تلك الترسبات النصية العالقة بجدار ذاكرته على سبيل التحويل والتناص ، وغيره فنستسيغه ونطرب لسماعه ويحولنا إلى ممارسة الحفر في أرشيفات الذاكرة البشرية على مر العصور ، هناك من يفضل أن لا تخرج تراكيبه على ما هو سطحي فيأتي كلامه مباشرا خال تماما من أي جماليات تركيبية أو لغوية فنحكم على نصه بالفشل لأنه لم يرق لنا أبدا ، كلنا لا نختلف في محتويات القفة لكننا نختلف حتما في طريقة الطهي والطبخ ،كل هذه الإشارات استهدف منها أن القراءة الجيدة - وإن كنت أكره أحكام القيمة - هي التي تبحر في عمق اللغة ومساءلة كل كلمة في سياقها الذي ترد فيه،فهي لا تساوي شيئا إلا في هذا التركيب الذي يخضع أساسا لذائقة المبدع الفنية ، وهذا ما أطلبه في قراءة هذا النص الجميل ، كما أننا نكون ملزمين بمساءلة التكوين البصري ، باعتباره هندسة رائعة للنص ، لأنه لا يعدو أن يكون ترجمانا لدفقة شعورية وشاعرية تتقاسم الجمال الإبداعي مع القاريء ، مزيدا من التألق استاذة !!
------------------------------------------------
للنقاش والنقد .
ـــــــــــــــــــــــ
إتكسارات صامتة /فتيحة فوكاني 
إتكسارات صامتة 
أترافقني إلى. .
منفاي؟ 
حيث ترقص غجرية 
آخر الصلوات. .
على ترانيم الهزائم 
لآلهة لا تستجيب. 
تضج ذاكرتي. .
الخيبات على إمتداد 
الخريطة والجسد 
والروح أضناها الوجع. 
خطوة بخطوة .
أترافقني؟ 
حافية نبضاتي وحلمي 
عار إلا من صداك. 
الكحل يمتص هشيم 
الصور. ..
إنهيار المعنى وتشظي 
الأسئلة. 
علك ترتق كفن البدايات 
صمت الإنكسارات على 
وقع النهايات البئيسة.
** فتيحة فوكاني **

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق